q
لا يزال ينبغي علينا، في حربنا ضد «كوفيد»، أن نضع تلقِّي اللقاح على رأس أولوياتنا، حتى في ظل تنامي روح التفاؤل حيال ظهور المضادات الفموية للفيروسات، إن وجود عدة خيارات علاجية لتفادي الأعراض المرضية الشديدة في المصابين لهو مزيةٌ لا تقدر بثمن، لكن يبقى منع أكبر قدر ممكن من الإصابات...
بقلم أميش أداليا

عقار «مولنوبيرافير» هو أحد عقارين فمويين مضادين للفيروسات، سرعان ما سيتوافران لعلاج «كوفيد»، يرى الخبراء أن تعاطي هذه العقاقير مهم، لكن لا يزال يتعيَّن على الجميع تلقِّي اللقاح. Credit: Quality Stock/Alamy Stock Photo

على مدار جائحة «كوفيد»، ظل ما ينقص جَعبتنا الطبية هو وجود علاج سهل التناول يُبقي الأشخاص بعيدًا عن المستشفيات، لكننا سنحظى في غضون الأسابيع القليلة القادمة باثنين من مضادات الفيروسات الجديدة: عقار «مولنوبيرافير» molnupiravir من إنتاج شركة «ميرك» Merck، وعقار «باكسلوفيد» Paxlovid من إنتاج شركة «فايزر»Pfizer، لا يسعنا وصف ظهور العلاجين بالغَي الفاعلية لـ«كوفيد» إلا بكونه خطوةً ستغير قواعد اللعبة، وذلك في سياق السرعة الخيالية التي ميزت التدابير الطبية المضادة لجائحة «كوفيد».

ولكن بالنظر إلى أن ما يقرب من 30% من البالغين لم يتم تطعيمهم بشكل كامل ضد «كوفيد»، فمن الطبيعي أن نتساءل عما إذا كانت هذه العقاقير الفموية عالية الفاعلية سوف تحد من قيمة لقاحات كوفيد، أو دورها في خطتنا للتصدي لهذه الجائحة، أعرب العاملون في مجال الصحة العامة عن تخوُّف حقيقي من أن الأفراد الذين أحجموا عن تلقِّي اللقاح حتى الآن لن يُقدِموا غالبًا على تلقِّيه مطلقًا، وذلك في حال صارت هذه العلاجات عالية الفاعلية متاحةً للجمهور، إن إصابة هؤلاء المحجمين بـ«كوفيد» أمرٌ لا مناص منه على الأرجح، الأمر الذي سيطيل من أمد الجائحة، ويهدد الأفراد الأكثر تعرضًا لمخاطر الإصابة، ويضيف مزيدًا من الأعباء على كاهل مستشفياتنا وطواقمها الطبية.

يبعث هذا الأمر على القلق؛ فالعاملون منَّا في مجال الأمراض المُعدية تعلموا من خبرات سابقة مع مسبِّبات الأمراض على مدار قرون أن الوقاية من الإصابة دائمًا ما تكون خيرًا من علاجها في أي وقت، تنطبق هذه القاعدة بصورة خاصة على «كوفيد»، إذ يمكننا منع الإصابة بسهولة عن طريق لقاحات آمنة وعالية الفاعلية؛ فقد أثبت لقاح «فايزر» في بيانات التجارب الإكلينيكية فاعليةً في حماية البالغين من الإصابة بنسبة 95%، أما لقاح «موديرنا» فقدأظهر فاعليةً تبلغ 94%، في حين كان لقاح «جونسون آند جونسون» فعالًا بنسبة 66%، فضلًا عن ذلك، تتميز جميع لقاحات كوفيد بفاعلية فائقة في الحماية من الأعراض الشديدة، والاحتجاز في المستشفيات، والوفاة، وهو الأمر الذي يُعد بالنسبة لكثيرٍ منَّا ذا أهمية أكبر من منع الإصابة.

لا يزال التلقيح بلا شك هو أثمن ما نملكه في حربنا ضد «كوفيد-19»، ولا يغير من هذه الحقيقة وجود عقاقير فعالة.

إن التخوف من عدم تلقِّي الأشخاص غير الملقحين للقاح مطلقًا في حال أصبح لدينا الآن علاجات فعالة لـ«كوفيد» ليس تخوفًا جديدًا؛ فقد وقع سيناريو مشابه مع الأجسام المضادة وحيدة النسيلة المصرح باستخدامها في علاج مَن أصيبوا بالفعل أو تعرَّضوا لفيروس «سارس-كوف-2»، وهو الفيروس المسبب لـ«كوفيد»، أثبتت هذه العلاجات فاعليةً في الوقاية من الاحتجاز في المستشفى، بالنسبة لحالات التعرُّض والإصابة المبكرة.

أصبحت هذه المنتجات متاحةً بسهولة في ولاية فلوريدا، وبدأ البعض فعليًّا بالترويج لهذه الأجسام المضادة باعتبارها بديلًا للقاحات، أقدم كثيرٌ من الأشخاص غير الملقحين على تناوُل هذه الأدوية، ومن المرجح أنهم نجوا من الأعراض الشديدة، من المفارقات الجديرة بالملاحظة أن بعض مَن نفروا من اللقاحات والعلم الحديث الذي يقف وراءها يرحبون بالأجسام المضادة وحيدة النسيلة، التي هي كذلك من ثمرات العلم الحديث، يرجع هذا التوجه غالبًا إلى أن الأفراد يغيرون مفاهيمهم بشأن المخاطر بمجرد اكتشاف إصابتهم بـ«كوفيد»؛ فعندما يمرضون يصيرون أكثر استعدادًا لتقبُّل التدخلات الطبية مما لو كانوا أصحاء، يتعلق الأمر بتغيُّر حساب المخاطر في مقابل الفوائد بالنسبة لكثيرٍ منهم.

ربما يصبح هذا النمط من التفكير أكثر شيوعًا في ظل إمكانية تناوُل الشخص غير الملقح لأقراص، بدلًا من تلقِّي علاجات بالأجسام المضادة عن طريق الحقن أو التسريب الوريدي، ولكنه -بالرغم من أنه يبدو مقنعًا للوهلة الأولى- منطق خطأ، يتعيَّن علينا أن نعزِّز من جهودنا في إعطاء اللقاح للأفراد غير الملقحين، وذلك عن طريق المبادرة بدحض الخرافات التي تنشرها المجموعات المناهضة للقاحات، والاستعانة بأطباء الرعاية الصحية الأولية –ممن هم محل ثقة كبيرة من مرضاهم– لتقديم النصح للمترددين بشأن اللقاح.

لا شك في أن «كوفيد» -خصوصًا في الأشخاص غير الملقحين- يُعد مرضًا يجدر تجنُّب الإصابة به حتى بالنسبة لمَن هم أقل تعرضًا لخطر الإصابة بأعراض شديدة، في حين قد يسبب «كوفيد-19» الاحتجاز في المستشفى أو الوفاة في المجموعات الأشد تعرضًا لخطر الإصابة بأعراض شديدة، فإنه مزعج ومُعدٍ بالنسبة للجميع تقريبًا، كما يتسبب «كوفيد» في نسبة ضئيلة من المصابين، ما نطلق عليه اسم أعراض ما بعد كوفيد طويلة الأمد، التي تؤثر على حياتهم اليومية، إن اكتشاف حالة «كوفيد» إيجابية دائمًا ما يستدعي من أحد موظفي الصحة العامة المحليين إخطار المخالطين لها، ويجب على ذلك الشخص المصاب أن يعزل نفسه، ويُجري فحوصًا مرارًا وتكرارًا، أما بالنسبة لمَن تعرضوا للعدوى تعرضًا كثيفًا، ففي انتظارهم أيام من الحجر. لا شك في أن اللقاحات تحدُّ بصورة ملحوظة من احتمالية حدوث أيٍّ من الآثار السلبية المترتبة من الأساس.

لا تغني مضادات الفيروسات المعالجة لـ«كوفيد» -كالأجسام المضادة وحيدة النسيلة من قبلها- عن اللقاحات، بل تكمل عملها، وتؤدي وظيفة مهمة، عندما توافر عقار «تاميفلو» Tamiflu المضاد لفيروسات الإنفلونزا، لم يقلل ذلك من أهمية لقاح الإنفلونزا؛ فلا يزال الأفراد يتلقون لقاحات الإنفلونزا، وإذا ما مرضوا (بغض النظر عن تلقِّيهم لقاح الإنفلونزا من عدمه)، لا يمرضون إلا أيامًا معدودة، وتقل احتمالية احتجازهم في المستشفى أو تعرُّضهم لمضاعفات، وذلك بفضل عقار «تاميفلو».

يمكن وصف مضادات الفيروسات الجديدة المعالِجة لـ«كوفيد» لأي شخص مؤهل للحصول عليه، سواءٌ تلقَّى اللقاح أم لا، ومن المتوقع أن يُقدِّر الأطباء الإكلينيكيون قيمة هذه العقاقير بشكل كبير، مثلما قدَّروا الأجسام المضادة وحيدة النسيلة، علاوةً على ذلك، نظرًا إلى أن عقار «ريمديسيفير»remdesivir -وهو العلاج الوحيد المتاح لـ«كوفيد»- يتطلب الاحتجاز في المستشفى، فإن مضادات الفيروسات هذه التي يمكن تعاطيها عن طريق الفم، تساعدنا في تحقيق أحد أهم أهداف خطتنا لإدارة الجائحة: المحافظة على الطاقة الاستيعابية للمستشفيات.

بمجرد توافر مضادات الفيروسات هذه في الولايات المتحدة الأمريكية (أقر المشرِّعون في المملكة المتحدة استخدام عقار «مولنوبيرافير» هناك)، ستكون لدينا ذخيرة مكتملة وفعالة لمواجهة «كوفيد-19»، ستكون لدينا مئات الاختبارات التشخيصية، وعلاجات متعددة، ولقاحات أثبتت فاعليتها، ستواصل هذه الأدوات الإضافية تقليص المسافة التي تفصلنا عن نهاية الجائحة في الولايات المتحدة الأمريكية.

إن إمكانية تحويل هذا المرض في غضون أقل من عامين إلى عدوى يمكن الوقاية منها عن طريق اللقاحات، وتشخيصها في المنزل وعلاجها بالأجسام المضادة وحيدة النسيلة، وقريبًا المضادات الفموية للفيروسات، تُعَدُّ أمرًا رائعًا بحق.

حتى وإن تحقق كل ما سبق، فسيبقى «كوفيد» مرضًا لا يمكن القضاء عليه كليًّا؛ فهو ناتج عن فيروس تنفسي ينتشر بكفاءة وله عائل حيواني، ويتميز بانتشاره السريع حتى قبل أن تظهر أعراضه على المصابين، لذا فإن الفيروس باقٍ، لكن يمكننا مواصلة إضافة المزيد من الأدوات، للسيطرة على تبعاته بصورة أفضل، ومع تحوُّله إلى مرضٍ مستوطن، كالإنفلونزا، فإن هدفنا هو منع «كوفيد» من التسبُّب في احتجاز المرضى في المستشفيات أو وفاتهم، لذا فمن الأهمية تطوير قائمة بإجراءات طبية مضادة، ومن بينها العلاجات، رغم ذلك، تبقى اللقاحات -وفقًا لجميع التحليلات- هي الأداة الرئيسية اللازمة لإنجاز هذه المهمة.

لا يزال ينبغي علينا، في حربنا ضد «كوفيد»، أن نضع تلقِّي اللقاح على رأس أولوياتنا، حتى في ظل تنامي روح التفاؤل حيال ظهور المضادات الفموية للفيروسات، إن وجود عدة خيارات علاجية لتفادي الأعراض المرضية الشديدة في المصابين لهو مزيةٌ لا تقدر بثمن، لكن يبقى منع أكبر قدر ممكن من الإصابات هو الخيار الأفضل بلا أدنى شك.

اضف تعليق