في الفترة الأولى من انتشار الوباء، كان السؤال الكبير هو: هل بوسع البشرية إيجاد لقاح أو علاج لهذا المرض؟ ومع مرور الوقت، تم الإعلان عن عدة لقاحات تختلف بطريقة عملها، لكنها تؤدي المهمة، هكذا قالوا لنا. وقالوا أيضاً، لا فرق بينها، خذوا اللقاح الذي يصل إليكم أولاً...
إنه عالمٌ جديد، أو كما سمّاه الإعلام الغربي «الوضع الطبيعي الجديد» (The New Normal). حصل الأمر تباعاً، اعتدنا وجود الفيروس ومتحوّراته، حتى الكمامة زيّنها التجار، وكأنها قطعة ثياب مثل الجوارب نحتاج إليها وقت الخروج من المنزل.
في الفترة الأولى من انتشار الوباء، كان السؤال الكبير هو: هل بوسع البشرية إيجاد لقاح أو علاج لهذا المرض؟ ومع مرور الوقت، تم الإعلان عن عدة لقاحات تختلف بطريقة عملها، لكنها تؤدي المهمة، هكذا قالوا لنا. وقالوا أيضاً، لا فرق بينها، خذوا اللقاح الذي يصل إليكم أولاً. وهكذا فعلت البشرية.
لكنّ أنباءً سيئة وصلت من دولٍ أوروبية وغيرها، بشأن لقاح معيّن ربطته بحالات تجلّط الدم. ورغم ندرة تلك الحالات، الا أن الناس ارتابت من اللقاح. ويمكن القول إنه بات من الصعب «ترميم سمعته» التي تضررت. فهل يحق للدولة إجبار المواطنين على أخذ لقاح معين؟ وماذا تقول الأخلاقيات الطبية في هذا الشأن؟ وهل يتم توضيح كل الحقائق العلمية حول اللقاح قبل إعطائه للمواطنين؟
مخالفة للقانون
الاختصاصية في الأخلاقيات الطبية والإكلينكية، والمديرة المؤسّسة لبرنامج سليم الحص، للأخلاقيات الأحيائية والاحتراف في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت، الدكتورة تاليا عراوي، تقول في حديث إلى «الأخبار»، إن القانون الرقم 574، الصادر في تاريخ 11 شباط 2004، المتعلق بحقوق المرضى والموافقة المستنيرة، أشار بوضوح إلى إلزامية تعريف المريض على كل الآثار الجانبية المحتملة قبل إعطائه أي علاج معين. وبشكل عام، «لا يمكن إجبار أي مواطن على أخذ لقاح أو علاج لا يريده».
كما أشارت عراوي، التي استقالت مؤخراً من مهامها في اللجنة الوطنية للقاح على خلفية الخروقات التي رافقت مراحل خطة توزيعها في لبنان، إلى أن هناك مجموعة كبيرة من الأسماء المدرجة على المنصّة، والتي أصبحت ضمن الفئة المستهدفة لتلقّي اللقاح، «يتمّ فرض لقاح معيّن عليها». وترى أن هذا «تعَدٍ صارخ» على الحريّة الشخصيّة و«منافٍ» لكلّ المعايير الأخلاقيّة ولا يجوز إطلاقاً وضع المواطن بين خيارين كلاهما مرّ، فإمّا أن يتلقّى لقاحاً هو غير واثق به، أو يفقد حقّه في اللقاح، سيّما أن ثمّة لقاحاً معيّناً يدور حديث وترد أنباء عن كونه يؤدّي إلى مضاعفات أكثر من غيره في بعض الحالات. أخلاقياً، واحتراماً لحقّ المرء في الخيارات المتعلقّة بصحته، «لا يجوز أبداً فرض لقاح محدّد، بل للمواطن حقّ اختيار لقاحه».
الموت كتأثير جانبي
بناءً على ما سبق، تجدر الإشارة الى أن «وكالة الأدوية الأوروبية»، وبعد تحقيقها في قضية ارتباط لقاح «أسترازينيكا» بنوع نادر من جلطات الدم، خلص إلى «نتيجة علمية واضحة (...) اللقاح آمن وفعّال»، ولكنها أضافت «لا يمكننا أن نستبعد نهائياً وجود رابط بين لقاح أسترازينيكا واضطرابات نادرة في تخثّر الدم، وسيتم إجراء المزيد من التحقيق».
كان هذا في 18 آذار الماضي، لكن وكالة الأدوية الأوروبية قالت اليوم إنها وجدت «صلة محتملة» بين لقاح فيروس كورونا أسترازينيكا وجلطات نادرة في الدم». هذا التباين كان حاضراً من قبل، إذ اشارت الوكالة في آذار أيضاً، وعلى لسان رئيسة لجنة المخاطر، سابين شتراوس، إلى أنها ستعمل على زيادة الوعي بالمخاطر، والتأكد من إضافة التحذيرات المتعلقة بالآثار الجانبية النادرة المحتملة إلى معلومات اللقاح المقدمة للمرضى والأطباء. وهو ما أكدته الوكالة من جديد اليوم، بمعنى أن الشخص المراد تلقيحه، يجب أن يكون على علم بكل المخاطر المحتملة النادرة، والتي يمكن أن تحدث له بعد تلقّي «أسترازينيكا».
حق المعرفة
من هنا، تقول عراوي أنها خلال فترة عملها داخل اللجنة الخاصة باللقاح، طالبت بإنشاء حملة توعية حول كل اللقاحات الآتية الى لبنان، وأن تكون واضحة وصريحة وسهلة بالنسبة الى كل المقيمين على الأراضي اللبنانية (المعلومات يجب أن تنشر بجميع لغات المقيمين أيضاً)، وأنه عندما يدخل الشخص الى غرفة التلقيح، يجب أن يكون على دراية بسبب تلقيحه بهذا اللقاح وليس غيره (تأثير اللقاح، عوارضه الجانبية والعديد من الأمور الأخرى).
وقد طالبت بإنشاء «ورقة حقائق» خاصة باللقاحات المستقدمة، وبعدما يقوم الشخص بتسجيل نفسه على المنصة، ترسل له تلك المعلومات، وبعد قراءته لها، يكون مستعداً لأخذ اللقاح أو لا، «لكن مع الأسف، هذا لم يحصل».
من حق المواطن أن تقدم له الدولة شرحاً مبسطاً عن آخر الدراسات حول كل لقاح، ومن ثم يترك الخيار له، وتضيف الاختصاصية في الأخلاقيات الطبية والإكلينكية، أن من حق المواطن أن تقدم له الدولة شرحاً مبسطاً عن آخر الدراسات حول كل لقاح، ومن ثم يترك الخيار له. كما يجب أن يكون على علم بكل ما يمكن أن يحصل له من آثار جانبية، حتى ولو كانت نادرة الحدوث. وتضيف أن كل تلك المعلومات والشروحات سيكون لها أثر إيجابي في الإقبال على التلقيح.
لا عطلة لكورونا!
تتخوف عراوي من بطء عملية التلقيح في لبنان، وتستغرب كيف أنه يتوقف يومي السبت والأحد لكونهما يومي «فرصة»! وتذكّر بأننا وسط جائحة عالمية، والبشرية في سباقٍ الآن مع متحوّرات كورونا. ويجب أن يكون الهدف الأساسي هو تلقيح 70 في المئة من المقيمين في أسرع وقتٍ ممكن للوصول الى المناعة المجتمعية.
وتعتبر أن أي تأخير في هذا الهدف، يعرّض السكان لخطر المتحورات من الفيروس، والتي أكد كبير خبراء المناعة والأمراض المعدية في الولايات المتحدة، أنتوني فاوتشي، أن بعضها يتهرّب من المناعة المكتسبة من اللقاحات بالفعل.
اضف تعليق