يبدو إن قضية مكافحة الفساد باتت تواجه تحديات جديدة تتمثل في صعود التيار الشعبوي الجديد الى دفة الحكم مثل ترامب في الولايات المتحدة، وصعود نجم أخرين كلوبان في فرنسا، اذ ذكرت منظمة الشفافية الدولية إن تنامي مستويات الفساد والظلم الاجتماعي وفر بيئة خصبة لصعود السياسيين الشعبويين في 2016، وأضافت أن زعماء شعبويين كالرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمرشحة الرئاسية الفرنسية مارين لوبان دأبوا على الربط بين "النخبة الفاسدة" وتهميش الطبقة العاملة، لكنها بينت إن الأحزاب المناهضة لمؤسسات الدولة تفشل بشكل عام في مكافحة الفساد بمجرد وصولها للسلطة.
وأشار فين هاينريش كبير الباحثين في المنظمة انه في حالة دونالد ترامب فإن الإشارات الأولى لنقضه وعوده موجودة بالفعل، وأضاف أن ترامب كان يتحدث عن التراجع عن تشريع مهم لمكافحة الفساد وتجاهل تضارب المصالح المحتمل مما سيفاقم الفساد بدلا من أن يكبحه، وقد صدر تقرير المنظمة بعد يومين من رفع محامين دستوريين وآخرين معنيين بأخلاقيات العمل دعوى قضائية يقولون فيها إن ترامب "غارق في تضارب المصالح"، ونفى ترامب هذا مبيناً إن الدعوى التي رفعتها (منظمة مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاقيات) في واشنطن "لا أساس لها".
وجاء في التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية أن قطر شهدت أكبر تراجع في الثقة عام 2016 بعد فضائح تتعلق بالاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وتقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان. وحل الصومال في المرتبة الأسوأ على القائمة للعام العاشر على التوالي، كما ذكر أن التقرير أظهر انتشارا في الفساد بالقطاع العام حول العالم، وسجلت 69 دولة من بين 176 دولة أقل من 50 في مؤشر من صفر إلى 100 على أن يشير الصفر إلى الأكثر فسادا و100 إلى "نظيف جدا"، وإن عدد الدول التي تراجعت مراكزها على المؤشر أكبر من تلك التي سجلت تحسنا في العام الماضي.
وأفاد هاينريش إنه بمجرد وصول الزعماء الشعبويين إلى السلطة فإنهم يصبحون "في حصانة من الطعن بشأن السلوك الفاسد" على ما يبدو، وأضاف أن كسر هذه "الدائرة المغلقة" بين الفساد والتوزيع غير العادل للسلطة والثروة في المجتمعات يتطلب من الحكومات غلق الباب بين قادة الأعمال والمناصب الحكومية العليا، ودعا أيضا إلى سيطرة أكبر على البنوك والشركات التي تساعد في غسل الأموال والتحرك لحظر الشركات السرية التي تخفي هويات مالكيها الحقيقيين.
وسجلت الدنمارك ونيوزيلندا أفضل أداء على المؤشر في 2016 وهو 90 تليهما فنلندا التي سجلت 89 ثم السويد وسجلت 88، وجاء الصومال في المركز الأخير وسجل 10 يليه جنوب السودان كأسوأ أداء وسجل 11 ثم كوريا الشمالية وسجلت 12 ثم سوريا التي سجلت 13.
تراجع الولايات المتحدة في مؤشر الفساد
حذرت منظمة الشفافية الدولية من صعود الساسة الشعبويين، وأضافت إن الشعبوية تقوض مكافحة الفساد في كثير من الأحيان، وذلك في تقريرها السنوي لمؤشر الفساد في العالم، كما تخشى المنظمة من تراجع مركز الولايات المتحدة في مؤشر الفساد في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي تولى السلطة الأسبوع الماضي ووعد بالقضاء على الفساد.
وصرح رئيس المنظمة، خوسيه أوغاز، إن في البلدان التي يحكمها قادة شعبويون أو مستبدون، غالبا ما نرى تراجع الديمقراطيات، ونمطا مزعجا من محاولات تضييق الخناق على المجتمع المدني، والحد من حرية الصحافة، وإضعاف استقلالية القضاء، وبينت المنظمة إن المجر وتركيا من البلدان التي شهدت صعود قادة مستبدين وتراجعا في التصنيف العالمي للفساد خلال السنوات الأخيرة.
وجاء تصنيف الولايات المتحدة في المرتبة الـ 18، متراجعة بمركزين عن تصنيف العام الماضي، اذ بين فين هاينريش، مدير الأبحاث في منظمة الشفافية الدولية، إنه ليس متفائلا بأن الملياردير الأمريكي سوف يحافظ على تعهداته بالقضاء على الفساد، نظرا للنزاعات التجارية الكثيرة التي دخل فيها، وهجومه على وسائل الإعلام، ورفضه الإفصاح عن إقراراته الضريبية، سيما وأن دونالد ترامب قد عين زوج ابنته في منصب أحد كبار المستشارين وإن ذلك يعد مؤشرا سيئا.
توجيه اتهامات بالفساد لرئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا فرنانديز
وجهت اتهامات بالفساد لرئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا فرنانديز لمزاعم تورطها مع مسؤول بالأشغال العامة اعتقل أثناء محاولته إخفاء ملايين الدولارات في دير، واتهم قاض اتحادي ومسؤولين آخرين في إدارة فرنانديز بجرائم "تشمل الاستيلاء المتعمد على أموال كانت مخصصة لأشغال طرق عامة."وتحوم اتهامات الفساد منذ وقت طويل حول فرنانديز وزوجها الرئيس السابق الراحل نيستور كيرشنر، وتنفي فرنانديز أي تجاوز من جانبها وتتهم الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري باستخدام القضاء في اضطهادها.
وصدمت الأرجنتين لاعتقال جوزيه لوبيز سكرتير الأشغال العامة السابق في إدارة فرنانديز أثناء محاولته نقل حقائب بها ملايين الدولارات فوق جدران دير كاثوليكي على مشارف العاصمة بوينس ايرس، ووجهت اتهامات إلى لوبيز ورئيسه المباشر وزير التخطيط السابق خوليو دي فيدو وفرنانديز، وجاء في عريضة الاتهام أن الجرائم ارتكبت في 2015 وهو آخر أيام فرنانديز في الرئاسة بعد ثمانية أعوام لها في المنصب، ولم تصدر مذكرة اعتقال لفرنانديز بينما يقبع لوبيز في السجن لاتهامات بغسل الأموال.
رولز رويس توافق على سداد 671 مليون إسترليني لتسوية قضايا فساد
وافقت شركة رولز رويس البريطانية على سداد غرامة بقيمة 671 مليون جنيه إسترليني للسلطات في بريطانيا والولايات المتحدة لتسوية قضايا رشوة وفساد، ومن المقرر أن تسدد الشركة العاملة في صناعات الطيران والفضاء 497 مليون جنيه إسترليني لمكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في بريطانيا لتسوية ممارسات غير قانونية خارج البلاد بدأ التحقيق فيها 2012، في نفس الوقت، طالب المكتب الشركة بتوفير معلومات عن رشى محتملة في أسواق الصين، وإندونيسيا وغيرها من الدول.
وذكرت رولز رويس إنها وافقت أيضا على سداد 170 مليون جنيه إسترليني لوزارة العدل الأمريكية، وأضافت أنه من المتوقع أن تصل تكلفة تسوية مخالفات أخرى إلى 26 مليون إسترليني تُسدد للسلطات في البرازيل، وتحتل الشركة مكانا متميزا بين المصنعين والمصدرين البريطانيين، إذ تصنع محركات الطائرات المدنية والعسكرية، علاوة على تصنيع محركات القاطرات، والسفن، والغواصات النووية، ومحطات الطاقة.
وأفادت الشركة البريطانية العملاقة في مجال المحركات إن هذه الاتفاقيات طوعية ومن شأنها أن توقف التحقيقات مقابل التزامات تلبيها الشركة، بما في ذلك سداد عقوبات مالية، وأضافت أنها مررت مخاوفها حيال ممارسات الرشوة والفساد إلى مكتب مكافحة الاحتيال البريطاني في عام 2012، لكنها لم توفر المزيد من المعلومات عن الدول التي وقعت بها.
ويرجع تاريخ بعض هذه الممارسات التي اقتربت رولز رويس من تسويتها إلى عشر سنوات مضت، وأشارت التحقيقات إلى أن "وسطاء" يعملون مع رولز رويس متورطون في هذه الممارسات غير القانونية المزعومة، وهي شركات تتعامل معها الشركة البريطانية في الدول التي لا يتوافر فيها عمالة كافية لإنجاز مهام المبيعات، والإصلاح، والصيانة، وتُعد هذه الحالة الثالثة لتسويات من هذا النوع يعقدها المكتب منذ صدور قانون يتيح إجراءها في 2014، ويسمح القانون الصادر منذ ثلاث سنوات لمؤسسات الأعمال بسداد غرامات مالية ضخمة لتفادي الاتهامات الرسمية بالفساد حال اعترافها طواعية بجرائم مثل الاحتيال والرشوة.
الفساد يعصف بقوة في افغانستان
ندد وزير الاقتصاد الافغاني عبد الستار مراد بالفساد المستمر في البلاد منذ قدوم القوات الاجنبية باعداد كبيرة قبل 15 عاما معتبرا انه لا يزال من "اسوأ اشكال الطغيان" الذي تعرضت له البلاد، وكشف تصنيف لمنظمة "ترانسبيرنسي انترناشيونال" غير الحكومية نشر هذا الاسبوع ان البلاد انتقلت من المرتبة ال176 الى 169 خصوصا لان عددا من الدول كان اداؤها اسوأ من بينها ليبيا واليمن وسوريا.
وافاد الوزير ان افغانستان تقدمت سبع درجات لكن تصنيفها لا يزال محرجا جدا، الا ان مدير منظمة "انتغريتي ووتش افغانستان" سيد اكرم افضلي التي تحاول منذ العام 2005 لفت الانتباه الى الفساد ومحاربته، ندد بعدم التزام الحكومة الافغانية وتساهل الجهات الدولية الدائنة التي تغطي 70% من موازنة البلاد، وخمس وزارات تبنت برامج لمكافحة الفساد وهي المالية والتجارة والصناعة والالغام والاتصالات والنقل، لكنها برامج من ادنى مستوى وكانت لمجرد الاعلان عن شيء قبل قمة بروكسل.
وكانت الجهات المانحة من 75 دولة تعهدت في بروكسل بدفع 15,2 مليار دولار الى افغانستان بحلول العام 2020 وطالبته بمزيد من الشفافية، وذكر سيد اكرم انهم امهلوا (الرئيس الافغاني اشرف غني) حتى العام 2017 لتبني استراتيجية فعلية ضد الفساد، وأضاف ان غني كان تعهد خلال المؤتمر السابق للجهات المانحة في لندن في 2014، بتشكيل "هيئة مستقلة" لمكافحة الفساد، مضيفا "بعدها الحكومة نسيت الامر والاسرة الدولية لم تراجعها في الموضوع"، وفي دراسة نشرت اشارت منظمة "انتيغريتي ووتش افغانستان" الى ان منظمات ومواطنين افغان دفعوا في العام 2015 "ثلاثة مليارات دولار من الرشاوى في زيادة ب50% خلال عام، وتفوق عائدات الحكومة المقدرة للعام 2016".
اوديبريشت" فضيحة الفساد التي تهز اميركا اللاتينية
من ورشات الاشغال المتوقفة الى الاستياء الشعبي والاعتقالات، لا تكف فضيحة تتعلق برشى دفعتها مجموعة الاشغال العامة البرازيلية العملاقة اوديبريشت للحصول على عقود في عدد من دول اميركا اللاتينية، عن الاتساع، اذ كشف التحقيق الواسع الذي فتح في نظام الفساد في "بتروبراس"، ممارسات اكبر شركة للبناء في المنطقة، وعملية "الغسل السريع" التي اطلقت العام 2014، كشفت ان مجموعات البناء البرازيلية وبينها اوديبريشت شكلت "كارتل" لابرام الصفقات المربحة للعقود الثانوية لمجموعة بتروبراس النفطية، يوزع رشى على السياسيين.
وطلب القضاء في عشر دول من المكسيك الى الارجنتين مرورا بالبيرو وبنما والاوروغواي، معلومات من المدعين البرازيليين لاجراء تحقيقات محلية، وذكرت وزارة العدل الاميركية ان المجموعة اتبعت لاكثر من عقد "نظام الفساد الواسع هذا" ودفعت حوالى 800 مليون دولار الى مسؤولين حكوميين في "ثلاث قارات"، وهذه القضية امتدت الى موزمبيق وانغولا ايضا.
ويتوقع ان تكشف معلومات جديدة بعدما ابرمت "اوديبريشت" اتفاقات تعاون مع القضاء لخفض العقوبات التي ستفرض على 77 من مسؤوليها بينهم رئيس مجلس ادارتها السابق مارتشيول اوديبريشت.
وقد استبعدت دول عدة بينها الاكوادور وبنما وجمهورية الدومينيكان اوديبريشت من طلبات استدراج العروض المقبلة او منعت ابرام عقود معها، ووافقت المجموعة على دفع 3,5 مليارات دولار من الغرامات الى البرازيل والولايات المتحدة وسويسرا، ودفع تعويضات بقيمة 59 مليون دولار الى بنما و189 مليونا لجمهورية الدومينيكان، واصبحت "اوديبريشت" التي بلغ حجم اعمالها 39,119 مليار دولار العام 2015 حسب آخر نتائج نشرت، تصارع من اجل بقائها.
وعرضت المجموعة بيع اسهم لها بقيمة 3,8 مليارات دولار وسرحت ستين الف موظف منذ 2015، لكن المجموعة اكدت تسريح اربعين الف موظف بين نهاية 2014 ونهاية 2015.
شبهات على شركة إيني الايطالية بشأن فساد في نيجيريا
صرحت مصادر قضائية إن مدعين في إيطاليا طلبوا محاكمة كلاوديو ديسكالزي الرئيس التنفيذي لشركة إيني النفطية التي تسيطر عليها الدولة بشأن مزاعم فساد في نيجيريا، وأضافت المصادر أن المدعين طلبوا أيضا محاكمة عشرة أشخاص آخرين من بينهم الرئيس التنفيذي السابق لإيني باولو سكاروني إضافة إلى شركتي إيني ورويال داتش شل.
وتدور القضية حول قيام إيني وشل بشراء امتياز المنطقة النفطية البحرية أو.بي.إل-245 في نيجيريا مقابل 1.3 مليار دولار، ويأتي طلب المدعين وسط ضبابية سياسية في إيطاليا وقبل أسابيع فقط من إعلان الحكومة عن مرشحها لمنصب الرئيس التنفيذي لإيني لفترة الثلاث سنوات القادمة، وربما يعاد تعيين ديسكالزي الذي تولى مهام منصبه في 2014 ليحول تركيز المجموعة منذ ذلك الحين إلى نشاطها الرئيسي في التنقيب عن النفط والغاز، وهبط سهم إيني 1.8 في المئة إلى 13.95 يورو بعدما سجل أدنى مستوياته في تسعة أسابيع عند 13.93 يورو، وانخفض مؤشر قطاع النفط والغاز الأوروبي 0.7 في المئة، والتحقيق الإيطالي واحد من تحقيقات عديدة قائمة في مسألة الاستحواذ من بينها تحقيقات حالية في هولندا ونيجيريا.
مأزق الشعبوية الجديدة
يرى الكثير إن صعود الشعبوبين اشبه بصعود القوميين المشابهين لهم بالفكر تقريباً في الدول النامية، لاسيما العربية منها الذين استأثروا بكل شيء تقريباً، واستشرى في زمنهم الفساد والاستبداد، ودائماً مايؤخذ على أمثال هؤلاء هو اهتمامهم بتوسيع نفوذهم وثرائهم على حساب الدولة والمواطنين في الداخل واقصائهم لكل معارضة سواء في الداخل والخارج، وبالتالي فقد يواجه امثال ترامب ولوبان مأزق أشبه بمأزق القوميين، وهو تفردهم بالسلطة وتشريعهم لقوانين تساعد على العنف والاحتقان والفساد، وهذا ماقد يقوض جهود مكافحة الفساد وتحقيق التنمية الاقتصادية في دول كانت هي أبعد مايكون عن افكار الشعبوية والمحلية.
اضف تعليق