وزير االدفاع العراقي خالد العبيدي أشعل ساحة النقاش والجدل السياسي في البلد، ورفع حرارة الأجواء السياسية الى مستويات غير مسبوقة، بعد هجومه العنيف وفق القاموس السياسي العراقي من خلال حديثه عن ملفات كان الاجدر ان تبقى حبيسة الغرف المغلقة والاتفاقات الصفقات الداخلية بين الكتل الحاكمة في العراق، فالطبقة السياسية العراقية لا تريد ابرازها بهذا الوضوح وكل ما يجب ذكره هو توفير "علكة" للنقاش تتستر خلفها ملفات لا يعرف بها الا اصحاب الاستثناءات والاجتماعات السرية.
بداية القصة كانت من خلال إطلاق وزير الدفاع خالد العبيدي قذيفة موجه بالكلام الصريح ضد رئيس البرلمان سليم الجبوري اثناء استضافته في جلسة استجواب، واتهامه للاخير بالتورط بعقود تسليح بضمنها عقود خاصة بمدرعات. وفق ما نقلت السومرية نيوز عن مصدر نيابي والذي قال ايضا أن "وزير الدفاع اتهم ايضاً أحد الموظفين الذين يعملون في مكتب الجبوري بالتورط معه في تلك العقود والذي يدعى مثنى السامرائي".
وزير الدفاع كشف أيضا عن قيام النائب السابق حيدر الملا بمساومته بمبلغ 2 مليون دولار مقابل غلق ملف استجوابه الذي تديره النائبة حنان الفتلاوي. ووفقا لمصدر نيابي فقد أكد العبيدي ان المساومة حصلت في غرفة رئيس المجلس سليم الجبوري"، متهماً "اخوة سليم الجبوري اياد ووليد بمطالبات يومية خاصة بالنقل والتنسيب".
وكرد فعل على ما حدث في جلسة مجلس النواب، وجه رئيس الوزراء حيدر العبادي، هيئة النزاهة بالتحقيق في الاتهامات التي طرحت في جلسة استجواب وزير الدفاع حول ملفات فساد، مؤكدا ان "لا يكون أحد فوق القانون". وقال مكتب العبادي في بيان إن "رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي وجه هيئة النزاهة بالتحقيق في الاتهامات التي طرحت في جلسة استجواب وزير الدفاع في مجلس النواب، اليوم (الاثنين)، حول ملفات فساد". من جانبه أعلن رئيس لجنة هيئة النزاهة النيابية طلال الزوبعي، عن تشكيل لجنة تقصي حقائق بشكل عاجل بالأسماء التي كشفها وزير الدفاع خالد العبيدي ومن ضمنها اسم رئيس مجلس النواب خلال استجوابه، في مجلس النواب.
بغض النظر عما إذا كان الكلام الذي تحدث عنه وزير الدفاع اليوم صحيحا او انه كان لأهداف أخرى، فان الكثير من أمور الدولة العراقية تدار بهذه الطريقة من خلال الابتزاز والصفقات المتبادلة، ولو اديرت بشكل سليم لما وصلت البلاد الى هذه الحالة التي يخجل الكتاب والصحفيون ان يتحدثوا عن السلبيات في بلد كان ولا زال وسيبقى مركزا للاهتمام الدولي لما يتمتع به من قيم إنسانية وحضارة وتاريخ مشرف، رغم كل ما يفعل به من تربعوا على ثروات الشعب واستخدموها لتحقيق اهداف خاصة او فرطوا بها لعدم قدرتهم على ادارتها.
المعارضون للعبيدي اتهموه باستخدام هذه التصريحات والاتهامات كغطاء لملفات فساد ضده، وان ما قام به هو مناورة ذكية لإظهار نفسه كبطل وطني. ويستدل هؤلاء بعلاقاته الجيدة مع بعض القيادات الكردية وعلاقته المتينة مع اسرة ال النجيفي. وهؤلاء جميعا تحوم حولهم شبهات فساد ومتهمون أيضا بالتواطؤ في ملف سقوط الموصل. الا ان تصريحات العبيدي الأخيرة ورفضه مشاركة البيشمركة الكردية في عملية تحرير الموصل تضع الكثير من علامات الاستفهام حول كل ما يدور، حيث قال في تغريدات على تويتر -بحسب رويترز- من واشنطن قبل اجتماع لوزراء دفاع من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش "أنه لا يتوقع أن تدخل قوات البيشمركة مدينة الموصل" مضيفا "إننا لن نسمح لهم حتى بأن يشاركوا في تحرير المدينة". فهل هذا يعني ان العبيدي يتجه هذه الأيام في مسار مستقل خارج السياقات السياسية المعروفة ام انه بدأ يستخدم ما يملك من أوراق ضغط للتأثير على الكتل الأخرى وكسب بعض القضايا لصالحه. لا يمكننا الإجابة لقلة المعلومات في ظل عملية سياسية عنوانها التوافقات.
اللجان التحقيقية التي ستشكل بعد دعوة العبادي ورئيس لجنة النزاهة البرلمانية للنظر فيما قاله العبيدي لا نعتقد انها ستاتي بجديد، وان التسويف والتأجيل والنتائج التي ستصاغ بطريقة انشائية والبعيدة عن الحقائق هي السمة البارزة لأغلب اللجان التحقيقية التي تم تشكيلها منذ "مجزرة جسر الائمة- فضيحة جهاز كشف المتفجيرات- لجنة تحقيق الموصل- مجزرة سبايكر، واحدث إصدارات تلك اللجان هو مجزرة الكرادة". كل تلك اللجان قد خضعت للمساومات والتوافقات السياسية وبالتالي فلا امل في كشف المزيد عن كلام العبيدي.
الا ان تلك الاتهامات التي أطلقها العبيدي سيكون لها تأثير في الشارع العراقي التواق لهكذا تصريحات، حيث جاءت في الوقت الذي تتزايد فيه النقاشات عن إمكانية إيجاد حلول لمشاكل البلد وإصلاح العملية السياسية التي انهكتها التوافقات الحزبية، فضلا عن الصورة الذهنية المرسومة لدى العراقيين عن مدى تغول الطبقة الحاكمة ومشاركتا في كل ما وصل اليه البلد وما يتعرض له من نكسات عسكرية واقتصادية.
لكن تبعات هذه الضجة التي كان وزير الدفاع بطلها بلا منازع قد تكون مؤلمة للطبقات المحرومة في المجتمع، فالملاحظ ان هناك علاقة طردية بين ارتفاع حدة السجالات السياسية وزيادة عدد الاعتداءات الإرهابية التي تضرب مختلف مناطق البلاد وخاصة في العاصمة بغداد، وما نخشاه هو حصول اعتداءات إرهابية جديدة بسبب القعقعة السياسية الجديدة.
ومثلما تعتاش بعض الطفيليات على بقايا الطعام؛ ستبرز بعض الشخصيات السياسية لرفع مستوى الجدل، واثبات نظرياتها وستوزع التهم لهذا الطرف او ذاك من خلال الخطاب الشتائمي الذي لا يغني ولا يسمن، فيما سيتحدث اخرون عن نظرية المؤامرة التي يرعاها وزير الدفاع لتنفيذ مشاريعه الخاصة.
وخلاصة القول ان ما حدث اليوم يمثل اختبارا حقيقيا لهيئة النزاهة لتثبت استقلاليتها ومهنيتها وحرصها على أموال الشعب، اما الادعاء العام الغائب او المغيب، فيبدو ان هذه هي فرصته السانحة ليتصدى لملفات الفساد لا سيما وان قواعد التوافقات التي تحكم العلاقات بين الكتل السياسية بدت شبه خاوية، وبالتالي يمكن ان توفر هذه الاجواء لهاتين المؤسستين هامشا من التحرك قد يكون البداية لمرحلة يكون الوضع العراقي فيها أفضل حالاً.
اضف تعليق