الكثير من الناس اصيب بالذعر من تسريب هذه الوثائق، والتي تضمنت نشر 11 مليون وخمسمائة ألف ملف لدى شركة Mossack Fonseca رابع أكبر شركة قانونية في العالم لتقديم الخدمات المالية في الخارج. التسريب اثار فضيحة كبيرة كونه كشف الكيفية التي استخدم بها السياسيون والمشاهير للشركات الوهمية والحسابات للحفاظ على رؤوس اموالهم. الشركات الوهمية يمكن استخدامها لأغراض قانونية متنوعة، ولكن يمكن استخدامها ايضا لتجنب دفع الضرائب او لإخفاء الارباح المكتسبة بطرق ملتوية. قائمة من النخب السياسية لدى الشركات الوهمية تضمنت 12 قائدا سياسيا حاليا ومستشاريهم وعدد من الشخصيات المعروفة.
لم يكن هذا التسريب الاول للتهرب الضريبي، حيث لاحظنا في السنوات الاخيرة تسريبات من لوكسمبورك وسنغافورة وسويسرا. تسرب بنما يزودنا بقائمة طويلة من الاسماء. السؤال الاكثر اهمية هو لماذا نحتاج الى مخبرين لنرى ما يحدث في هذا العالم المظلم من تمويل في الخارج؟
الجواب هو اننا ليس لدينا السلطة والموارد لتنظيم التمويلات الخارجية، وليس لدينا دخول منهجي للمعلومات.
هناك ثلاثة اسباب اساسية وراء هذا:
اولا، ان مزودي الخدمة الذين يؤسسون شركات وهمية وحسابات ليس لديهم الحافز لتزويد المعلومات. السرية هي طريقتهم في العمل. هم يستخدمون نظام قانوني دولي –وحمايات تُمنح من جانب الدول ذات السيادة– لغلق او اخفاء المعلومات عن السلطات وتوفير مزايا لزبائنهم. هذا يحدث في الدول الغنية التي تنتمي الى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 0ECD بالاضافة الى الملاذات الضريبية التقليدية الآمنة، كما يشير لها ناشطو الضريبة.
ثانيا، ان المؤسسات القائمة لتبادل المعلومات هي بيروقراطية وغير فعالة. تصوّر، مثلا، ان احد اعضاء دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يطلب من دولة اخرى في نفس المنظمة ان تزود معلومات حسابية عن تحويل مصرفي معين لكي يمكن التحقيق في تهرب ضريبي محتمل.
تشير البحوث الى ان مثل هذا الطلب قد يأخذ ستة اشهر. هذا ربما أفضل سيناريو – تبادل المعلومات بين دولتين صديقتين ضمن بيروقراطيتين متطورتين. تصور كم سنحتاج من الوقت للحصول على معلومات من دولة غير صديقة لا تمتلك الكثير من الموارد التنظيمية. المحتالون بإمكانهم نقل النقود متى ما ارادوا وبسرعة كبيرة. هذا يعني ان الشرطة ومحققي الضرائب عادة يفضلون التعامل مع حالات محلية خالصة كونها اكثر سهولة من التعامل مع تحقيقات دولية شائكة، حتى عندما تكشف الاخيرة عن مكان وجود النقود الكبيرة.
ثالثا، الدول المؤثرة والقوية ضمن النظام المالي الدولي تتحفظ من الاندفاع باتجاه تطبيق قواعد صارمة وجادة. السبب هو ان تلك الدول ذاتها ربما تستفيد من حماية النقود الساخنة للدول الاخرى. المملكة المتحدة تسيطر على اكثر من 50% من السلطات القضائية التي توفر سرية لحركة ثروات النخب. البحث الاخير كشف بان (ديلوير) وهي ولاية امريكية وليس (بنما) هو المكان الانسب لتأسيس شركة وهمية مجهولة الاسم.
المشكلتان الاولى والثانية يمكن حلهما فقط عندما تُحل الثالثة. هناك حافز لتبادل المعلومات بعد الازمة المالية الاخيرة. الدول بحاجة الى نقود لعمل اشياء، وقادة العشرين يسعون حاليا لغلق التسربات المالية. في عام 2010 تحركت الولايات المتحدة من جانب واحد لتطبيق قانون حسابات الضريبة الاجنبية، الذي يتطلب من المؤسسات المالية الاجنبية الابلاغ الى IRS (الوكالة الامريكية لجباية الضرائب) عن اصحاب الحسابات الامريكيين. وفي عام 2013 دعت مجموعة العشرين منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية الى تأسيس معيار لتبادل اوتوماتيكي للمعلومات بين السلطات الضريبية المشاركة.
غير ان التقدم لم يكن كاملا. في عام 2015 اطلقت منظمة دول الـ OECD معيارا جديدا للمعلومات تتقاسمه سلطات الضرائب. غير ان بنما، على سبيل المثال، تراجعت عن المعيار الجديد لـ OECD. مجموعة دول الـ OECD لم تعلّق على تمرد بنما حتى شباط الماضي. من الجدير بالذكر، ان الولايات المتحدة، مع انها تطلب معلومات من الدول الاخرى، لكنها اكثر حذرا من تقاسم ما يعرفه منظموها عن الحسابات الاجنبية في نظامها القضائي.
هناك ايضا اسئلة حول ما اذا كانت الدول النامية التي تعاني معظمها من تدفقات مالية غير مشروعة واستغلال ضريبي، سوف تستفيد من المبادرات الجديدة. من غير الواضح ابدا ان الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة ترغب بتقديم المساعدة التقنية للدول النامية كي تمكّنها من المشاركة في النظام الجديد لتبادل المعلومات الاوتوماتيكي.
وثائق بنما ربما تساعد في تعزيز مسار سياسي نحو المزيد من تنظيم وتقاسم المعلومات. تماما كما حصل بالنسبة لويكليكس حين قاد الى فعل سياسي في الاتحاد الاوربي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، هذه البيانات هي اقل اهمية من حيث المعلومات التي تزودها قياسا بما تثيره من قضايا التهرب الضريبي، لتجعل الدول اكثر رغبة للاتحاد لمعالجتها.
الشيء الاكثر اهمية الذي تستلزمه خطة العمل هو اولا، انها تقود الى المزيد من الشفافية. حتى بريطانيا تؤيد شفافية المعلومات التي ستسمح للناس بتحديد هوية المالكين النهائيين للشركات. بريطانيا ربما تستطيع كبح جماح توابع التاج البريطاني – النظم القضائية الجزئية مثل جزر القنال وجزيرة المان اللذان تزدهر فيهما ستراتيجيات تجنب الضريبة. ونفس الشيء، بالنسبة للولايات المتحدة ربما تغلق الانشطة في ملاذاتها –ولايات مثل ديلوار و نيفادا– على المستوى الفيدرالي. كذلك يتم كبح تدفق رأس المال الى الدول ذات السلوك غير اللائق. حقيقة واحدة هامة تبرز من البيانات هي ان عدد الشركات الوهمية المندمجة هي في تضاؤل. الدول ربما لديها حوافز جديدة لتسريع هذا الانحسار.
غير ان الحراك الجديد سيقود ايضا لنزاع جديد يجعل صناع السياسة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يعملون بالضد من النخب الاقتصادية التي وظّفت خبراء في الضرائب، بما في ذلك اكبر شركات المحاسبة لأجل حماية ثرواتهم. المناصرون في معركة الضرائب الدولية يتضمنون الخبراء المهنيين وصناع السياسة ونشطاء المجتمع المدني. ولوقت طويل، كان خبراء القطاع الخاص هم من يضع الاجندة. لكن وثائق بنما ربما تدفع لبناء تحالف جديد بين صناع السياسة والناشطون للتصدي لأولئك الخبراء.
اضف تعليق