في قلب العاصفة التي حركتها "وثائق بنما"، أثيرت فرضيات تفيد أن الاستخبارات الأمريكية كانت وراء كشف "وثائق بنما" لزعزعة استقرار بعض الدول، وعزز قوة هذه الفرضيات قلة الأسماء الأمريكية ضمن هكذا وثائق، إلا أن قراءات مغايرة أعطت تفسيرات مختلفة، ودحضت ما يعرف بنظرية المؤامرة في هذه الفضائح.
تساءلت الكثير من الأوساط حول السر في غياب أسماء مسؤولين أمريكيين ضمن فضائح "وثائق بنما"، حيث كانت قليلة واقتصرت على أمريكيين عاديين، ما أثار فرضيات اعتبرت وقوف وكالة الاستخبارات الأمريكية خلف الفضيحة في محاولة منها لزعزعة استقرار بعض الدول.
وهناك من اعتبر أنه توظيف مجانب للصواب لنظرية المؤامرة، اعتادت عليه أوساط عربية وروسية، لحجب أنظار العالم عن الفضيحة بدل مواجهة حقيقتها بما يلزم من الجدية والشفافية.
وقالت مارينا ووكر غيفارا، مساعدة مدير "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين إن "السلطات الروسية ترى أن "السي اي ايه" خلف كل من ينتقدها"، وأضافت "أن هناك كم هائل من الوثائق، وربما هناك أمر مخفي لم نكتشفه بعد".بحسب فرانس برس.
وأكدت أن "هناك العديد من الأمريكيين، لكنهم بمعظمهم أفراد عاديون".
ما حجم تورط الأمريكيين في التهرب الضريبي؟
وغاب اسم الولايات المتحدة عن التسريبات علما أن الفضيحة شملت العديد من دول العالم من الصين إلى روسيا مرورا ببريطانيا، وأشارت هذه الوثائق إلى ضلوع عدد ضئيل من الأمريكيين في الفضيحة.
ومن الأسماء التي ورد ذكرها في وثائق بنما دفيفد غيفن، قطب الموسيقى الذي أسس مع المخرج ستيفن سبيلبرغ أستديو "دريمووركس" للأفلام، غير أن أي شخصية كبرى أمريكية سواء من السياسة أو الأعمال أو المصارف لم يتلطخ اسمه في الفضيحة.
هل الولايات المتحدة نموذج للشفافية ؟
ويطرح في ظل هذا الوضع إن كان يمكن اعتبار الولايات المتحدة نموذجا للشفافية المالية ؟ وهو ما تنفيه ووكر غيفارا، نفيا قاطعا قائلة، "هذا لا يعني أن البلد يبقى خارج نظام الشركات الأوفشور، بل هو لاعب هام فيه".
وغياب الولايات المتحدة عن وثائق بنما المسربة لا يضمن بالتالي سلوكا ضريبيا سليما، وقد يكون مرده بالمقام الأول إلى تمنع الأمريكيين عن التوجه إلى بلد بعيد ناطق بالأسبانية، بوجود إمكانات أكثر سهولة متاحة لهم.
وأوضح نيكولاس شاكسون، صاحب كتاب مرجعي بهذه المسألة بعنوان "الجنات الضريبية. تحقيق في أضرار المالية النيوليبرالية"، لوكالة الأنباء الفرنسية أن "الأمريكيين لديهم جنات ضريبية كثيرة يمكنهم التوجه إليها".
وأول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر هذه الجنات الضريبية جزر كايمان وجزر فيرغن البريطانية، غير أن الأمريكيين الحريصين على إبقاء أنشطتهم المالية سرية، ليسوا ملزمين حتى بالخروج من بلادهم.
فبعض الولايات مثل ديلاوير وويومينع تسمح لهم لقاء بضع مئات من الدولارات، بإنشاء شركات واجهة، من دون أن يضطروا إلى الإفصاح عن أسماء المستفيدين الحقيقيين منها.
وثمة سبب آخر يمكن أن يفسر العدد الضئيل للأمريكيين الوارد ذكرهم في "وثائق بنما".
فبعد فضائح مدوية طاولت مصارف سويسرية، عمدت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة إلى تعزيز آلياتها لمكافحة التهرب الضريبي والفساد، ولم تعد تتردد في فرض عقوبات بالغة الشدة على المخالفين.
وتعهدت الخزانة الأمريكية بسد هذه الثغرات التي غالبا ما يستغلها مهربو الأسلحة والمخدرات، والتي أدت إلى إدراج الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بين الدول الأقل شفافية، متقدمة بفارق كبير عن بنما نفسها، بحسب ترتيب سنوي تضعه مجموعة "شبكة العدالة الضريبية.
وقالت مارينا ووكر غيفارا، مساعدة مدير "الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين" الذي نسق التحقيق الصحافي حول مجموعة الوثائق الضخمة، لوكالة فرانس برس "هناك العديد من الاميركيين، لكنهم بمعظمهم افراد عاديون".
لكن هل يمكن الاستنتاج من ذلك بان الولايات المتحدة نموذج للشفافية المالية؟ تنفي ووكر غيفارا ذلك نفيا قاطعا قائلة "هذا لا يعني ان البلد يبقى خارج نظام الشركات الاوفشور، بل هو لاعب هام فيه".
واول ما يتبادر الى الذهن عند ذكر هذه الجنات الضريبية جزر كايمان وجزر فيرجن البريطانية، غير ان الاميركيين الحريصين على ابقاء انشطتهم المالية سرية، ليسوا ملزمين حتى بالخروج من بلادهم.
فبعض الولايات مثل ديلاوير وويومينع تسمح لهم لقاء بضع مئات من الدولارات، بانشاء شركات واجهة، من دون ان يضطروا الى الافصاح عن اسماء المستفيدين الحقيقيين منها.
وما يزيد من خطورة هذا الوضع ان المصارف الاميركية، ان كانت ملزمة بـ"معرفة زبائنها"، ففي وسعها تخطي هذه القاعدة وفتح حساب باسم شركات الاوفشور، ما يضمن لمالكيها الحقيقيين تكتما تاما.
وتعهدت الخزانة الاميركية بسد هذه الثغرات التي غالبا ما يستغلها مهربو الاسلحة والمخدرات والتي حملت على ادراج الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بين الدول الاقل شفافية، متقدمة بفارق كبير عن بنما نفسها، بحسب ترتيب سنوي تضعه مجموعة "شبكة العدالة الضريبية".
وقال المتحدث باسم قسم الخزانة المكلف مكافحة الجرائم المالية لفرانس برس "اننا نضع اللمسات الاخيرة على تنظيم" بهذا الشان.
وثمة سبب آخر يمكن ان يفسر العدد الضئيل للاميركيين الوارد ذكرهم في "اوراق بنما".
فبعد فضائح مدوية طاولت مصارف سويسرية، عمدت الولايات المتحدة في السنوات الاخيرة الى تعزيز آلياتها لمكافحة التهرب الضريبي والفساد، ولم تعد تتردد في فرض عقوبات بالغة الشدة على المخالفين.
ونتيجة لذلك، قال شاكسون ان "بعض الجنات الضريبية باتت تصاب بالذعر لمجرد فكرة ان يكون لها زبائن اميركيون، لانها تعرف ان الولايات المتحدة لديها القدرة على انزال تدابير مؤلمة بها".
واستهدفت الولايات المتحدة بصورة خاصة المصارف السويسرية التي باتت تتمنع عن قبول زبائن اميركيين خشية مخالفة التزاماتها والتعرض لعقوبات فادحة.
واضطر مصرفا "يو بي اس" و"كريدي سويس" لتسديد غرامتين بلغتا 780 مليونا و2,6 مليار دولار على التوالي لتنظيمهما عمليات تهرب ضريبي لحساب عملاء اميركيين.
وبالرغم من هذه التبريرات، فان ضلوع الاميركيين الضعيف جدا في "اوراق بنما" اثار فرضيات تعتبر ان وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) تقف خلف الفضيحة سعيا لزعزعة استقرار بعض الدول، لا سيما روسيا.
وقالت ووكر غيفارا "السلطات الروسية ترى السي اي ايه خلف كل من ينتقدها"، وهي لا تستبعد ان ترد في نهاية المطاف تسريبات مدوية حول اميركيين ضمن وثائق بنما البالغ عددها 11,5 مليون وثيقة.
واضافت "انه كم هائل من الوثائق، وربما هناك امر مخفي لم نكتشفه بعد".
شعبية كاميرون في ادنى مستوياتها
تراجعت شعبية رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الى ادنى مستوياتها خلال ثلاث سنوات بعد كشف معلومات حول صندوق اوفشور اداره والده في جزر البهاماس، بحسب استطلاع نشرته مؤسسة يوغوف الجمعة. حيث لم تتجاوز نسبة مؤيدي كاميرون 34% مقابل 58% من المعارضين، في ادنى مستويات منذ تموز/يوليو بحسب مؤسسة يوغوف التي لفتت الى ان رئيس حزب العمل جيريمي كوربن المثير للجدل بات يحرز نتائج افضل (52%) من رئيس الوزراء على صعيد تاييد الراي العام.
أجري الاستطلاع الاربعاء والخميس، بعد كشف تسريبات "اوراق بنما" الاحد عن صندوق استثماري اوفشور اداره ايان كاميرون والد رئيس الوزراء الذي توفي في 2010.
بعد ضغوط استمرت اياما اقر كاميرون في مقابلة تلفزيونية مساء الخميس بانه امتلك حتى 2010 حصصا في صندوق ائتماني لوالده كان مسجلا في بنما. بحسب فرانس برس.
ولم يعرب اكثر من 23% من البريطانيين عن الثقة في رئيس الوزراء المحافظ على صعيد ضبط مشكلة التهرب الضريبي، فيما بدا وزير ماليته جورج اوزبورن اسوأ حالا (17%).
كما كانت نتائج كاميرون واوزبورن اقل بكثير من كوربن (39%) وكذلك رئيس بلدية لندن بوريس جونسون (25%) المؤيد لخروج البلاد من الاتحاد الاوروبي والمنافس لكاميرون.
ويبرز هبوط شعبية كاميرون بشكل كبير في اوساط الناخبين المحافظين (تاييد 71% في كانون الثاني/يناير مقابل 44% فحسب اليوم).
لكن المؤسسة لفتت الى ان تراجع شعبية رئيس الوزراء قد يكون ناجما، قبل التسريبات المالية، عن الخلاف في قاعدة الحزب حول موقفه من المسألة الاوروبية.
فكاميرون انطلق عكس الكثيرين من رافضي اوروبا في صفوف حزبه المحافظ ليخوض حملة من اجل بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الاوروبي، الامر الذي سيطرح في استفتاء شعبي في 23 حزيران/يونيو.
بدوره اعترف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يوم الخميس في مقابلة مع تلفزيون آي.تي.في نيوز بأنه كان يمتلك في السابق حصة في صندوق استثمار خارجي خاص بوالده الراحل.
وقال كاميرون إنه كان يمتلك أسهما في صندوق بليرمور في بنما لكنه باعها عام 2010 قبل أن يصبح رئيسا للوزراء. بحسب رويترز.
وقال للمحطة التلفزيونية "امتلكنا 5000 وحدة في صندوق بليرمور الاستثماري وبعناها في يناير 2010. كانت قيمة تلك الأسهم تقدر بنحو 30 ألف جنيه استرليني... دفعت ضريبة دخل على توزيعات الأرباح. كانت هناك أرباح عليه لكنها كانت ضمن حد الإعفاء الضريبي من الأرباح الرأسمالية فلم أدفع ضريبة أرباح رأسمالية."
وذكرت محطة سكاي نيوز في تغريدة أن من المتوقع أن ينشر كاميرون إقراراته الضريبية في أسرع وقت ممكن.
وورد اسم إيان والد كاميرون بين عشرات الآلاف من الأسماء التي ظهرت في أوراق مسربة من مؤسسة موساك فونسيكا ومقرها بنما وتكشف كيف يتمكن الأغنياء وأصحاب النفوذ في العالم من إخفاء ثرواتهم وتجنب الضرائب.
وفي بيان يوم الثلاثاء قال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني لرويترز إن كاميرون وزوجته وأبناءهما لا ينتفعون بأي صناديق استثمار مالية في الخارج في الوقت الحالي.
وقال متحدث باسم كاميرون يوم الأربعاء "لا توجد صناديق استثمار خارجية سينتفع منها رئيس الوزراء أو زوجته أو أبناؤهما في المستقبل."
الصحافيان الالمانيان ناشرا "اوراق بنما" "فوجئا" بحجم ردود الفعل
وف سياق متصل اكد الصحافيان في يومية "سودويتشه تسيتونغ" الالمانية اللذان نشرا "اوراق بنما" انهما "فوجئا" بالضجة الناجمة عن التسريبات التي تزعزع حاليا عدة حكومات، كاشفين عن معلومات جديدة ستكون مدوية حسب قولهما.
واوضح احدهما باستيان اوبرماير (38 عاما) في مقابلة مع وكالة فرانس برس في مقر صحيفته في ميونيخ (جنوب) "لم اكن اتخيل قط هذا القدر من ردود الفعل، وان يتم تناول الموضوع بشكل واسع في التلفزيونات، وان نتلقى طلبات من اعلام العالم اجمع".
وحصلت الصحيفة، الثانية في المانيا من حيث الانتشار، على اكثر من 11 مليون وثيقة تخص مكتب "موساك فونسيكا" البنمي للمحاماة، سربها مصدر مجهول الاسم، تكشف الاسرار المالية لكثير من اصحاب المال والسلطة في العالم.
وتقاسمت الصحيفة الليبرالية اليسارية ثروة المعلومات هذه مع "الكونسورسيوم الدولي للصحافيين الاستقصائيين"، وادى الكشف الاحد عما سمي "اوراق بنما" حتى الان الى الاطاحة برئيس وزراء ايسلندا واستقالة مسؤول في الاتحاد الاوروبي لكرة القدم ووضع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الارجنتيني ماوريسيو ماكري في موقع حرج.
اضاف زميله فريدريك اوبرماير (32 عاما) "بالكاد وصلنا الى نصف التسريبات المتوافرة" مضيفا "في الايام المقبلة ستنشر مواضيع تعني الكثير من الدول وستتصدر العناوين".
تحدث باستيان اوبرماير عن المعلومات الضخمة المرسلة الى الصحيفة التي تأسست غداة الحرب العالمية الثانية. وقال "نرى مختلف انواع الجرائم، نرى كيف تبيض كارتيلات المخدرات الاموال، نرى ان تجار السلاح متورطون، وان العقوبات (الاقتصادية) يتم تجاوزها (كحال سوريا) ونرى التهرب الضريبي".
اضاف "ان كان السياسيون يريدون فعلا انهاء ذلك فعليهم التحرك الان"، متابعا "نحتاج حقا الى تدمير نظام شركات الاوفشور بالمطرقة" لان "سياسة الخطى الصغيرة لا تكفي (...) فنحن نرى عبر هذه البيانات انها تتكيف وتبتكر الافكار" لتحويل الاموال باتجاه ملاذات ضريبية عند اتخاذ اجراءات وطنية.
لكن زميله فريدريك اوبرماير بدا اكثر تحفظا وقال "اعتقد ان الجميع يكثر في الكلام، لكن ما سينفذ في النهاية مختلف".
في ما يتعلق بهوية مصدر السبق اكد انه يجهل "اسم" الشخص الذي سرب البيانات حول شركات الاوفشور "قبل اكثر من عام".
اضاف "لا ادري ان كان رجلا او امراة او مجموعة. اجهل هوية هذا الشخص" رغم "اننا تعارفنا قليلا في غضون عام".
لحماية مصدره رفض فريدريك الافصاح ان كان على علاقة مستمرة معه او كيف بدا رد فعله بعد صدور اولى التسريبات.
لكن دوافعه واضحة و"اخلاقية" بحسب الصحافي الاستقصائي. فمصدره "يريد كشف هذه الجرائم. يبدو ان مصدرنا اطلع على كميات ضخمة من هذه البيانات فقرر انه ينبغي نشرها".
اضف زميله باستيان ان المصدر "يريد ان يوقف (مكتب المحاماة البنمي) موساك فونيسكا انشطته".
باستيان كان متلقي الرسالة الالكترونية الاولى من المصدر الذي عرض عليه معلومات من دون توضيحات اضافية. قال "لا يسعنا التكهن بأسباب الاتصال بنا نحن" عوضا عن اي صحيفة اخرى.
بعد مرحلة "تشكيك" اولى، ادرك الصحافيان ان الوثائق الاولى التي بلغتهما اصلية، وقررا لاحقا تقاسم المعلومات مع صحافيين من العالم اجمع. واعتبر باستيان ان "مستقبل الصحافة (بالنسبة الى تسريبات بهذا الحجم) يكمن في التعاون الدولي" لاننا "اقوى دائما معا".
وتعتبر "سودويتشه تسايتونغ" التي تاسست في ميونيخ في 1945 احدى الصحيفتين المرجعيتين الكبريين في البلاد الى جانب فرانكفورتر الغيمين "تسايتونغ".
وهي تبيع يوميا 368 الف نسخة، وتاتي ثانية في المبيعات في المانيا بعد صحيفة بيلد.
اضف تعليق