في وقت أعلن فيه البنك المركزي العراقي عن نيته رفع نسبة الفائدة على الاموال المودعة في خزينته الى +18% أملا في إستقطاب المزيد من الأموال لتدويرها بما يخدم زيادة معدلات السيولة النقدية اللازمة لتمويل الموازنة الاتحادية ومحاولة منه لجذب ما يقارب الـ 60% من الكتل النقدية الموجودة للتداول والتي من المرجح لها أن تكون الآن في بيوت العراقيين؛ أعلن بنك اليابان المركزي عن إعتماد سياسة الفائدة السلبية، وبنسبة –0.1% على الاموال المودعة لديه أي أن البنك سيفرض على البنوك التجارية دفع نسبة 0.1 في المئة على بعض ودائعها لديه في خطوة عدتها الاوساط الاقتصادية مفاجئة بعض الشيء لصاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
سياسة الفائدة السلبية تلك ليس الغرض منها توفير السيولة النقدية، بل هي لغرض تحريك الاقتصاد وتشجيع البنوك على الإقراض، والتصدي للتراجع الاقتصادي وتجاوز الركود، كما كان لتلك الخطوة هدف أكبر وهو أن الوصول الى قيمة التضخم التي يستهدفها المصرف 2% بعدما وصلت الى -1%، وهو ما يعرف إقتصاديا بالتضخم السلبي أو الانكماش deflation، ليست اليابان وحدها من اتبعت تلك السياسة فقد سبقتها بنوك أوروبية كثيرة ومنها بنوك سويسرية إلا أن ذلك يحدث لأول مرة فيها، تلك الخطوة إرتفع منها مؤشر نيكاي 225 الرئيسي في بورصة طوكيو، فور اعتماد القرار 546.71 نقطة، إلى 17 ألفا و588.16 نقطة، في حين تراجع الين أمام الدولار من 118.65 ينا إلى 120.40 ينا للدولار.
هنا يأتي دور أهم عوامل نجاح العمل المصرفي، الثقة، تلك التي أهدر دمها الفساد المستشري وحالات التراجع الامني الكبيرة، فعلى الرغم من حالات التسليب وسرقة الأموال من قبل العصابات الجرمية بعمليات سطو مسلح وقتل وسرقة مبالغ كبيرة تصل الى مئات الملايين من الدنانير؛ لم يدفع بالآخرين أن يأمنوا على أموالهم لدى المصارف فالفساد المالي أطاح بكل أركان الثقة التي كان من المفترض أن يتم بنائها على أسس ومقومات قوية قادرة على أن تجذب أموالاً بترليونات الدنانير قد تقدر شهرياً ب 40 ترليون دينار قيمة تعويضات الموظفين المخصصة في موازنة 2016، حتى لو كان العمل يستقطب جزءاً من تلك الاموال لكانت هناك سيولة شهرية ثابته تضاف اليها بعض الواردات لنؤمن رواتب ملايين الموظفين العراقيين ممن لا يمتلكون سوى ما يتقاضوه شهرياً.
جرائم إختلاس كبيرة كانت قد اكتشفت قبل سنوات في مسلسل لتلك الجرائم يوضع عظم ما نحن فيه من فساد مالي، وزينة، سيئة الصيت، احدى معالم تلك الجرائم وغيرها ممن تحايلوا على المصارف، فما تم اختلاسه قد يكون قليلاً نسبياً قياساً بما تم اكتشافه من تلاعب في مزاد بيع العملة اليومي الذي كشفته اللجنة المالية البرلمانية والتحقيقات جارية فيه.
نحن بحاجة الى إعادة نظر شاملة بنظامنا المالي والمحاسبي لغرض تحديد نقاط الضعف التي تعتريه وتجعله منه هدفاً للإنتهاك الصارخ من قبل من تسول له نفسه، وما اكثرهم، ولنفقد تلك الثقة التي تعتبر عماد العمل المصرفي، حاجتنا لخبرات دولية أمر لا مفر منه، علينا التركيز على جلبها وبأسرع وقت ممكن لتتكامل الصورة أمام من يحاول أن يدفع بأمواله الى خزائن المركزي، فلو افترضنا أن المركزي العراقي سيفرض نسبة الفائدة السلبية، ماذا سيحدث؟ سيفرغ المودعون خزائنه بسرعة البرق، بينما لم يحصل ذلك في اليابان أو حتى في الدنمارك وسويسرا حينما طبقت تلك الفائدة، ذلك أن الثقة التي تتمتع بها تلك المصارف جعلت منها مستودعاً لأموال عالمية هائلة يتهافت عليها المودعون.
هناك ثقافة مجتمعية علينا أن نتمكن من خلال جهودنا أن نركزها لدى أبناء مجتمعنا ليتداركوا معنا ما يمر به الوطن من أزمة إقتصادية فهم الجزء الاكبر من الحل وسيدركون ذلك قريبا.
اضف تعليق