ومن صور الغلول على وفق القرآن والسنة والائمة الاطهار، هو قبول المزايا التي تمنح لبعض العاملين في الدولة بكل مفاصلها دون غيرهم من زملائهم، مثل التفضيل في القروض من حيث مقدارها وسرعة إنجازها، والحصول على استثناءات لأولادهم في التعليم والتعيين والايفاد والبعثات وغيرها، وتكرار الحصول على المزية لأكثر...
ان جميع القوانين الوضعية جعلت من الفساد المالي والإداري جريمة يعاقب عليها، وحددت لها عقوبات قاسية، لكن معظم من ادين بهذه الجرائم لم يتأثر، ولم تشكل قرارات الإدانة أي رادع للتخفيف او الحد من وطأة الفساد المستشري، على الرغم من الحملات والعمل الجاد للمخلصين العاملين في الأجهزة المختصة بمكافحة الفساد.
وهذا يثير تساؤلات عدة عن الأسباب التي تقف دون تحقيق الردع، وقد تكون هناك مسوغات كثيرة، يراها البعض سبباً في تخلف تلك المحاولات عن الوقوف بوجه الفساد والفاسدين، منها القوة المتوفرة لهم مقارنة بالقوة الرسمية المكلفة بالمكافحة، وهذه القوة لها صورة عدة منها افراد مسلحون او وجاهة لدى أصحاب القرار، او انهم جزء من منظومة تسيير أمور البلاد بكل مفاصلها، وغيرها.
لكن نرى بعض من يتخذ الفساد همه ومهنته، يتعلل بأمور، منها انه حصل على تلك المغانم عن طرق مشروعة بموجب اجازات أصولية او عطايا من الدولة بعنوان المكرمة، وخصوصاً توزيع الأراضي في المواقع التجارية المهمة ذات القيمة المليارية، او من خلال الهيمنة على المناقصات والمزايدات الحكومية او من خلال فائدة التعامل بالنقد الأجنبي عبر المنافذ الرسمية، وغيرها من تصرفات الدولة، ويعلل هؤلاء ان هذه المصادر لأموالهم مشروعة، طالما أتت عن طريق موافقات المسؤولين بموجب صلاحياتهم في القانون، مع انهم في قرارة نفسهم يعلمون ان ذلك غير صحيح مثلما يعلم العامة ان ذلك غير صحيح، لان الاغلب الاعم من تلك المزايا والمنافع منحت مقابل الحصول على منافع اكبر.
وخير مثال قرارات الحكومة السابقة التي اجزلت العطايا للجميع دون استثناء، لكن بمقابل شراء صمتهم تجاه افعالها، ومن ثم خاب فألهم عندما انكشفت امورهم وطالتهم أوامر القبض القضائية، إلا ان هذه المسوغات التي اطلقوها تجاه حصولهم على تلك الأموال وشرعيتها، لا تقف سنداً يصح الركون اليه، لان القرآن الكريم كان قد منع على الأنبياء الحصول على المنافع من المال العام بقوله تعالى في سورة آل عمران الآية (161) (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
والغلول كما عرفه فقهاء الشريعة الإسلامية (بانه أخذ شيء من الغنيمة قبل قسمة الإمام، ويلحق به ما يؤخـذ عـن طريق الخيانة من بيت المال، ومن غلة الأوقاف، ومال اليتامى، ونحو ذلك)، ويعد حراماً لا حلة فيه اطلاقاً، وهو من كبائر الذنوب والعصيان، وهذا ما قرره الرسول الاكرم (ص) في الحديث النبوي الشريف (هدايا الامراء غلول) فالإسلام حرم الاستيلاء على الأموال العامة سواءً كان ذلك الغلول من الغنيمة أو غلولاً من المال العام، وهي السرقة من المال العام، ولا يستثنى أي احد من الذين طالتهم هدايا الامراء.
ومعنى الامراء هم من يتولى الوظائف العامة الحاكمة في الدولة، وفي أي مفصل من مفاصل السلطة، وتذكر الروايات، (إن الامام علي (ع) استعمل رجلاً من بني أسد يقال له، ضبيعة بن زهير، فلما قضى عمله أتى عليا بجراب فيه مال، فقال: يا أمير المؤمنين، إن قوما كانوا يهدون لي حتى اجتمع منه مال، فإن كان لي حلالا أكلته، وإن كان غير ذاك فقد أتيتك به. فقال الامام (ع) (لو أمسكته لكان غلولاً) فقبضه منه وجعله في بيت المال)، ومسند هذه الرواية عدة كتب منها ادب القضاء والقاضي لابي المهلب هيثم بن سليمان القيسي، وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ لابي محمد الريشهري.
ومن صور الغلول على وفق القرآن والسنة والائمة الاطهار، هو قبول المزايا التي تمنح لبعض العاملين في الدولة بكل مفاصلها دون غيرهم من زملائهم، مثل التفضيل في القروض من حيث مقدارها وسرعة إنجازها، والحصول على استثناءات لأولادهم في التعليم والتعيين والايفاد والبعثات وغيرها، وتكرار الحصول على المزية لأكثر من مرة، بل ان الإمام علي (ع) فيما يتعلق بمن يتقلد امراً من أمور البلاد المفصلية وهو مسؤول عن حفظ حقوق الناس وحفظ التوازن بينهم قد منعهم من ضيافة او استضافة من يكون تحت نظر مسؤوليتهم في الحفظ والتوازن.
ومن الروايات التي نقلت عن الامام علي (ع) إن رجلا نزل عند الامام (ع) فمكث عنده أياماً ثم تقدم اليه في خصومة، لم يذكرها للامام (ع) فقال له أخصمٌ أنتَّ؟ قال نعم، قال تحول عنا، ان رسول (ص) نهى أن يُضافَ خَصمٌ إلا ومعه خصمهُ) حيث وردت هذه الرواية في اكثر من مصدر منها كتاب القضاء للشيخ الانصاري وكتاب جامع احاديث الشيعة للبروجردي، بهذا الخصوص فهذه بمجملها (غلول) ان لم يعاقب عليها القانون فان الله ورسوله والائمة الاطهار حرموها، وان من تمتع بها وهو عالم بها لا يبارك الله في عمله وصحته وتربيته لأولاده وفي حفظ اهل بيته من سقم الابدان وعلل الاخلاق، وان تمكن بأساليبه الاحتيالية من الحصول على عفوٍ بعد ان ادين من القضاء، او من قضى عقوبته، او أوقف تنفيذها.
وبهذه المناسبة فان الواجب يحتم على القائمين على أمور البلاد ان لا يعملوا على شمول المدانين بجرائم الفساد بقوانين العفو، وان يشرعوا النصوص القانونية التي تغلظ العقوبة، ومنع ظروف التخفيف فيها، وجعل الرقابة شاملة كل العاملين في الخط الأول من القيادات في مفاصل الدولة، ومنح القضاء المساحة الأكبر في المحاسبة وعدم تقييد صلاحياته بنصوص تحول دون ذلك وتشذيب المنظومة القانونية من النصوص المعرقلة لهذه المهمة، وتعضيد مؤسسات الراقبة المالية مثل هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، ودعهما لكي تتكامل مع العمل القضائي، عسى ان نتمكن من الحد من ظاهرة الفاسدين المتنفذين، المعتدين على حقوق الناس مثلما ظهر في وسائل الاعلام بصرخة المواطن تجاه من استحوذ على ارضه بعنوان السلطة والدولة في الجادرية مؤخراً.
اضف تعليق