بكلمات بسيطة يتداولها العراقيون في كل مكان يجتمعون فيه، يدور الحديث عن مفردة "الفساد" المستشري حتى النخاع في مؤسسات الدولة واعمدتها السياسية... وهم على يقين ان "الفساد" تحول الى "ظاهرة" او "ثقافة" لدى النخبة الحاكمة، او "السياسيين"، والتي تقف خلفها، وتعتمد عليها، ما يلي هرم "السلطة" وصولا الى القاعدة.
الفساد ليس فعلا او ممارسة عابرة... بل هو داء وجد ليبقى، تعززه وتساعد على انتشاره جملة من العوامل السلبية داخل المجتمعات... سيما تلك المجتمعات التي تعصف بها الازمات، كما هو حال العراق منذ عام (2003) وما سبق هذا الزمن.
في العراق هناك نخبة سياسية فاسدة، استطاعت الوصول الى السلطة بممارسة ديمقراطية (عبر صناديق الاقتراع)، لكن بعد ممارسة "الشعوذة السياسية"... والدخول من الابواب الخلفية وليس عن استحقاق يؤهل صاحبها للوصول الى المناصب العليا، هذه النخب، هما كسب الاموال بطرق غير مشروعة... ونهب الثروات من خزينة الدولة، واستحصال ما امن منها قبل انتهاء فترة ولايته، ليستمتع بها لاحقا في احدى الدول الغربية.
ولو سألت اي مواطن في العراق، ستجد ان كلامه يدور حول هذه المفردات (سياسي فاسد، حرامي، مافيات حكومية، تجاوز على المال العام، مقاولات مشبوهة...الخ)... والغريب ان جميع هذه المفردات تعطي دلالة واحدة مفادها، ان النخبة الحاكمة المؤتمنة على اموال الشعب... هي من تسرق اموالهم، لكن بطرق اكثر ذكاءً.
جميع المحاولات التي اعلن عنها رسميا ومجتمعيا لمكافحة الفساد... ولدت ميتة، لان المشكلة اكبر من مجرد طرح الشعارات او تنظيم الحملات، او سن القوانين التي تعاقب السرقة او الفساد لصغار الموظفين في الدولة العراقية... المشكلة في قمة الهرم وليس في قاعدته.
لكن كيف يمكن مكافحة الفساد الذي يمارسه السياسيون وهم يستغلون سلطاتهم ونفوذهم للتعامل مع القوانين بحسب مصالحهم الشخصية؟.
وبالأخص تلك الفئة التي كونت ثروات ضخمة ونفوذ كبير سيطرت من خلاله على اغلب مؤسسات الدولة لتسيرها وفقا لما تقتضيه حساباتها الربحية او الحزبية.
للإجابة على هذا التساؤل، طرحت الكثير من وجهات النظر... بعضها وجيه والاخر يبدو اقرب الى الحلم... منه الى الواقع، لكن في كلا الامرين خير... فالتفكير في الحل اولى خطوات النجاح، وتعدد الخيارات قد يعطي المرء فرصة لاختيار الافضل... فربما يكمن الحل في:
- صناعة النموذج... للقضاء على الفساد، والنموذج قد يكون "انسان" وقد يكون "فكرة" او مجرد "عمل"... المهم ان هذا الانسان... او الفكرة... او العمل... قادر على احداث التغيير والتأثير في داخل المجتمع... لتنطلق بعدها موجة التأثير الى "القمة" الفاسدة بعد تعميم هذه التجربة، لكن الامر المهم هنا... من القادر على صناعة النموذج في العراق؟.
- المجالس البلدية... الغائبة او المغيبة بعمد واصرار عن المجتمع العراقي... المجالس البلدية لها اهمية كبيرة في صناعة التغيير السياسي من القاعدة... وهو امر تعتمد عليه الكثير من الدول المهمة والناجحة ديمقراطيا، (فرنسا مثالا)... حيث يتم العمل السياسي بالصعود من "القاعدة" بدلا من النزول من "القمة".
- التفكير الجمعي... للمجتمع بضرورة نبذ افة "الفساد" ومحاسبة المسؤول مهما كان عنوانه او منصبة، وهي مرحلة يتوحد فيها خطاب جميع افراد المجتمع وتتوحد فيه الافعال والاقوال برفض كل مظاهر الفساد (السياسي، الاداري، الاقتصادي) ومنع تحوله الى ثقافة... لأنه في نهاية المطاف قد يؤدي الى المحذور، لا سامح الله، وكما توحدت كلمة وفعل الجميع في مكافحة "داعش" الارهابي... بعد ان وصل خطر الارهاب الى حدود "انهيار" البلد... يمكن ان يتوحد الجميع في مكافحة "الفساد".
نحتاج فعلا الى موقف... داعش ليس الخطر الوحيد، وربما ليس الخطر الاهم، فهو سينتهي ويزول في النهاية، اما "الفساد" فهو غول يكبر مع الايام... ولن يستطيع أحد السيطرة عليه في حال تم التغاضي عمن يغذيه من دماء وقوت الشعب.
اضف تعليق