يتفق علماء الاجتماع في البلدان كافة، على أهمية شريحة الشباب، باعتبارها المعيار الأهم الذي تقاس في ضوئه حيوية المجتمع، ومدى تطوره وتقدمه في المجالين المادي والفكري، ولذلك اذا كانت شريحة الشباب متطورة ومعافاة من مشكلات الفراغ والإهمال، فإن المجتمع كله معافى، ويمكنه أن يصطف الى جانب المجتمعات المستقرة المتقدمة بجدارة، من هنا أولوية الاهتمام بهذه الشريحة المعطاء، كونها في حالتيّ السلب والإيجاب، تؤثر في الشرائح والطبقات الاخرى للمجتمع، وباختصار اذا أهلنا الشباب فقد أهملنا حاضر ومستقبل الامة كلها.
هنا يبرز دور الحوزات العلمية، في تكريس وتطوير جميع الخطوات الاجرائية التي تتعلق بالشباب، خاصة أن الحوزات تمتلك سلطات معنوية كبيرة يمكنها أن تستند إليها في التعامل مع القرار السياسي لكي يصب في صالح الشباب، بمعنى أوضح تستطيع الحوزات أن تلفت انتباه القادة السياسيين وتضغط عليهم من خلال التوجيه والتذكير الدائم لكي يبذلوا كل ما في وسعهم لتحقيق متطلبات هذه الشريحة المهمة، فضلا عن حمايتهم من الانحراف في عالم يتفنن بصنع اجواء الرذيلة وتوابعها كي يُسقط الشباب في حبائلها، فيصبحون بلا دور ولا قدرات وتموت المواهب، وتخسر الامة اهم طاقة حيوية لديها، من هنا تأتي أهمية تدخل الحوزات العلمية على نحو دائم لصالح الشباب، ولا يتعلق هذا التدخل مع الحكومات والقادة السياسيين، بل حتى الاثرياء والمقتدرين ماليا، يمكن للحوزات العلمية ان توجههم باستثمار اموالهم في المشاريع التي تخدم الشباب وتذلل مصاعبهم، وتقلل من مشكلاتهم الى الحد الأدنى، من اجل التفرغ للعمل والتفكير والابتكار، خدمة للأمة والدولة وما ينضوي تحتها من مكونات وعناوين.
ولو أننا دققنا فيما يؤكد عليه علماء الاجتماع، من أسباب يعجّ بها عالمنا، كلها تعمل على دفع الشباب نحو الانسلاخ من ثقافتهم الأصل وانتمائهم لأمتهم، فإننا سنلاحظ جهودا جبارة تبذلها جهات أخرى من اجل مسخ شريحة الشباب ومنعهم من اداء دورهم، وحرمان المسلمين من قدرات ومواهب هذه الشريحة، وسحبهم الى مجالات لا تعدو كونها ملهاة تسوق الشباب الى شتى حالات اللهو والانحراف، فتخسر الامة بذلك ركنا بل ركيزة للتقدم لا يمكن تعويضها، خاصة اذا عرفنا، أن صنع شريحة شبابية واعية مثقفة ذكية، تمتلك ارادة حرة وقوية، يعني انتقال هذه الصفات الكبيرة والعميقة الى جميع مكونات وشرائح المجتمع، فيتحول من حالة القنوط واليأس واللهو والتراجع، الى العكس تماما، فتنهض الامة بكاملها، وهذا هو الهدف الجوهري والمطلوب في هذه المرحلة التي تعج المخططات المعادية للمسلمين.
لذلك لا مناص من تركيز الحوزات العلمية على هذا الجانب الجوهري، ونعني به الاهتمام بالشباب، ومع كل ما قدمته الحوزات العلمية وما تقدمه للشباب في هذا المجال، من مزايا ومساعدات وتوجيه واحتضان وتطوير علمي وثقافي هم بأقصى الحاجة له، لكن هؤلاء الشباب يتطلعون الى المزيد، وكل المؤشرات العلمية منها والواقعة، تدعو الى مضاعفة الاهتمام اكثر واكثر بهذه الشريحة الكبيرة، لأنها ستفيض على الجميع بمساعيها التي تمضي في سبل التطوير والنهوض والمضي بالدولة والمجتمع الى امام، خلاف ذلك، أي في حالة إهمال الشباب من لدن الحكومة واثرياء البلد والمعنيين الاخرين، فإن الاضرار الكبيرة (ماديا وفكريا)، لا تنحصر في هذه الشريحة فقط، وانما تنتشر وتتمدد أكثر واكثر لتطول المجتمع والدولة معا.
وتؤكد الوقائع والدراسات معا، على ان هذه الشريحة هي الأقدر من غيرها على تحقيق الأمن الاجتماعي في عموم الدولة، وهي الجهة الاكثر قدرة على تحقيق التوازن المطلوب لغرض اشاعة الامن والاستقرار، وكلما كان الاهتمام بها من لدن الحوزات العلمية والجهات المعنية الاخرى كبيرا ومتواصلا، كلما كانت بوادر تحقق الامن الاجتماعي ظاهرة للعيان، فضلا عن خلق التوازن المطلوب مجتمعيا من الانطلاق نحو البناء المستمر، لذلك عندما تكون قضية الاهتمام بالشاب على هذه الدرجة القيّمة من النتائج الواضحة والملموسة، فإن هذا الامر الجوهري الذي يتعلق بالاهتمام بالشباب يستدعي من الحوزات العلمية بالدرجة الاولى، كونها ذات سطوة وقدرة على الانجاز اكثر من سواها، اتخاذ بعض الخطوات والاجراءات العملية التي تصب في هذا المسار، ومنها:
- فتح دورات ثقافية دينية عقائدية قصيرة المدى متخصصة بالشباب وتناسب قدراتهم وتطلعاتهم.
- استقطاب الشباب نحو الدراسات الحوزوية التي تسهم في تطوير العقلية الشبابية وجعلها قادرة على التعامل من الوضع العالمي الجديد بوعي تام.
- لابد من فتح قنوات اتصال دائمة ومستمرة بين الحوزات العلمية وبين الشباب.
- أهمية الاطلاع على المشاكل التي يعاني منها الشباب، واحتواءها ومعالجتها بالطريقة التي تظهر اهتمام الحوزة العلمية بهذه الشريحة.
- المبادرة بتزويج الشباب من خلال توفير الجوانب والمتطلبات التي بسهم في انجاز هذه المؤسسة الاجتماعية، بما يدلل على رعاية واهتمام واضح بالشباب من خلال حفلات التزويج الجماعي.
- السعي الدؤوب نحو ايجاد فرص عمل لهم بما يناسب مؤهلاتهم وقدراتهم ومهاراتهم لكي يتمكنوا من القضاء على العوز والفقر والحرمان، والفراغ ايضا.
- العمل على تأهيلهم اجتماعيا بما يحقق لهم وضعا متوازنا في المجتمع، ويظهر لهم قيمتهم ومكانتهم المهمة في المجتمع.
- استقراء افكارهم، وتنمية قدراتهم الذهنية والمزاجية، ومساعدتهم على التفريق بين ما يفيدهم من التطور مظاهر وادوات التطور الاعلامي والتقني العالمي، وبين ما يؤذيهم ويسلخهم من جذورهم وثقافاتهم.
اضف تعليق