بعد مرور عام على اكبر كارثة شهدتها فريضة الحج في المملكة العربية السعودية عام 2015، وراح ضحيتها بحسب بعض المصادر أكثر من 2000 حاج من مختلف دول العالم, الامر الذي اثار الكثير من ردود الافعال الغاضبة والانتقادات لسلطات السعودية التي ولم تنشر بعد نتائج تحقيقها بهذا الشأن وقالت وقت الحادث إن بعض الحجاج تجاهلوا قواعد منع التكدس. وألقت إيران المنافس الإقليمي للسعودية والتي فقدت أكثر من 400 حاج باللوم على المملكة وحملت السلطات السعودية مسؤولية الكارثة ووصفتها بالمفتعلة، وطالبت بسحب أمور إدارة الحج من السعودية, باعتبارها فشلت في تنظيم أمور الحجاج وتأمين سلامتهم, وهو ما اثار غضب السلطات السعودية التي اتهمت طهران بتسييس الحج واثارة المشكلات، هذه الازمة المستمرة حرمت عشرات الآلاف من الإيرانيين من اداء فريضة الحج هذه السنة وهي المرة الأولى منذ حوالي ثلاثة عقود لعدم اتفاق البلدين على مجريات تنظيم الحج.
بعد عام على التدافع ولتجنب حوادث من هذا النوع، أكدت السلطات السعودية أنها اتخذت إجراءات جديدة من اجل امن وسلامة الحجاج ومنها استخدام السوار الكتروني الذي يتضمن بيانات الحاج، هذا بالإضافة الى استخدام المزيد من كاميرات المراقبة ويجتذب العشرات من المتطوعين وأفراد الأمن.
وفيما يخص بعض تطورات هذا الملف تدفق مئات الآلاف من المؤمنين على المسجد الحرام للطواف حول الكعبة، تحت شمس حارقة ودرجات حرارة قاربت الخمس وأربعين مئوية. ويقوم المؤمنون بالطواف تباعا على مدار الساعة حول الكعبة، حيث تتوفر أماكن عديدة لشرب المياه، في أجواء مفعمة بهواء بارد من المكيفات. ويؤدي العديد من المؤمنين غير القادرين على المشي، الطواف على متن كراس متحركة يدفعها أقاربهم أو عمال آسيويون.
ووفق السلطات، بلغ عدد الحجاج حتى الآن قرابة 1,5 مليون حاج، بينهم أكثر من 1,3 مليون شخص مقبلين من الخارج. وعادة ما يصل عدد المشاركين في الحج سنويا إلى نحو مليونين. وانتشرت قوات الأمن السعودية بكثافة في كامل أنحاء الحرم المكي لتنظيم حركة الحجاج وضمان أمنها، وتفادي وقوع أي تدافع. وقرب المسجد الحرام، وقتل زهاء 2300 شخص في 24 أيلول/سبتمبر 2015 إثر تدافع في مشعر منى أثناء انتقال الحجاج لرمي الجمرات في أول أيام عيد الأضحى. وشكل الإيرانيون الجزء الأكبر من الضحايا (464 قتيلا). وتسبب الحادث في توتر شديد في العلاقة بين طهران والرياض، إذ اتهمت الأولى الثانية بالتقصير في إدارة الحج وإسعاف المصابين. وقطعت السعودية علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية مطلع هذا العام، بعد مهاجمة مقار دبلوماسية لها في إيران من قبل محتجين على إعدام الشيخ السعودي الشيعي المعارض نمر النمر. كما دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني المسلمين إلى "معاقبة" السعودية على "جرائمها". ورد المفتي العام للسعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ على تصريحات خامنئي بالقول إن "هؤلاء ليسوا مسلمين". كما اعتبر مجلس التعاون الخليجي أن التصريحات "تحريض مكشوف الأهداف" يسبق الحج.
اجراءات جديدة
إجراءات أمنية جديدة تبنتها السلطات السعودية خلال موسم الحج الحالي، حيث بدأت بتزويد الحجاج بأساور إلكترونية تحمل بياناتهم في إجراء لا يشمل الجميع لكن من شأنه طمأنة البعض بعد عام من حادث تدافع أودى بحياة نحو 2300 حاج. وتؤكد السلطات أنها حسنت التنظيم وعززت الأمن أثناء موسم الحج السنوي. والإجراء الأهم الذي تشير إليه الصحف السعودية منذ أشهر هو اللجوء إلى السوار الإلكتروني.
وهذه الأساور المصنوعة من ورق مغلف بالبلاستيك تحتوي على رمز يمكن قراءته من هاتف ذكي يضم هوية الحاج وجنسيته ومكان إقامته في مكة ومسؤول المجموعة التي ينتمي إليها وكل المعلومات المسجلة لدى تقديمه طلب التأشيرة، بحسب ما أوضح عيسى الرواس وكيل وزير الحج السعودي. وأضاف أن الهدف هو تزويد كل الحجاج القادمين من خارج السعودية (1,4 مليون) بسوار إلكتروني، لكنه لم يوضح مع ذلك عدد الأساور التي وزعت حتى الآن.
لكن في الواقع فإن بعض هذه الأساور وفرتها وكالات السياحة التي أمنت سفر الحاج وهي لا تحتوي على المعلومات ذاتها التي توجد في سوار الوزارة. يذكر أنه أثناء موسم الحج الماضي، لقي 2297 حاجا على الأقل حتفهم في تدافع بمكة، بحسب أرقام جمعت بناء على بيانات رسمية للحكومات الأجنبية. ووجدت صعوبة في بعض الحالات في التعرف على هويات القتلى. وتشير حصيلة السلطات السعودية إلى 769 قتيلا في هذا الحادث المأساوي الأشد دموية في تاريخ مواسم الحج.
وقالت جين كينينمونت الباحثة في لندن "أن أقل ما يمكن قوله أنه كانت هناك الكثير من التكهنات في مستوى التنظيم" لكن "جرت تحسينات في مستوى البنية التحتية وسيحاول السعوديون بالتأكيد تحسين الجانب اللوجستي". ويرى الخبراء أن الحج "عملية لوجستية ضخمة والسعودية تدرك أن عليها أن تنجح فيها بسبب أهمية الأمر دينيا واقتصاديا". بحسب رويترز.
كما أجرى ألوف من الموظفين الحكوميين وأفراد الأمن والمسعفين تدريبات في الإعداد للحج. ووقفة عرفات. وتقول المملكة إنها تنشر المزيد من العاملين وزادت التنسيق مع الدول التي ترسل بعثات حج لضمان التزام الحجاج بالمواعيد المتفق عليها لأداء المناسك. وتم تركيب مئات من كاميرات المراقبة الجديدة في الحرام المكي. وقال منصور تركي المتحدث باسم وزارة الداخلية إن تنظيم المواعيد هو الجزء الأهم في برنامج الحج. وأضاف إن هذا هو الأمر الذي انصب عليه التركيز لضمان التزام الحجاج بالمواعيد فور وصولهم. وقالت صحيفة الشرق الأوسط في وقت سابق إن هيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة حددت مسارات وبوابات إلكترونية لإدارة الحشود المتجهة إلى رمي الجمرات حيث وقعت العديد من الكوارث من قبل.
حالة عنق الزجاجة
من جانب اخر قال أمين مدينة مكة أسامة بن فضل البار إن حالة عنق الزجاجة بالحرم المكي جراء أعمال التوسعة الجارية حاليا ستنفرج لدى اكتمال مختلف مشاريع التطوير خلال ثلاث سنوات وسترفع الطاقة الاستيعابية للحجاج إلى حد كبير. وأكد البار أن منظومة الحج في تطور مستمر على مدى 20 سنة حتى عندما مرت المملكة بأزمات مالية مشيرا إلى أن مشاريع الحج لا تتأجل لأن الدولة تعطيها الأولوية في سياستها.
وأضاف "كل هذه المشاريع وضعت لخدمة ضيوف الرحمن واستيعاب المزيد منهم" مرجحا اكتمال كل مشروعات التوسعة بحلول عام 2020 أي بعد نحو ثلاث سنوات. وعن تأثير أعمال التوسعة على مختلف قطاعات موسم الحج وقطاعات الخدمات في مكة قال "التأثير السلبي قليل" متمثلا في تراجع ضئيل لأعداد الحجاج لكنه أشار إلى حدوث زيادة في أعداد المعتمرين. ومضى قائلا "هناك زيادة 12 مليون معتمر للمملكة العربية السعودية في موسم العمرة بالإضافة إلى العمرة الداخلية الذين يشكلون بين أربعة وخمسة ملايين وإذا أضفناهم إلى الحجاج الذين يصلون إلى مليونين يصبح العدد الإجمالي لزوار مكة نحو 20 مليونا."
وكان متوسط عدد الحجاج في السنوات القليلة الماضية ثلاثة ملايين حاج. وفنّد البار خطة توسعة الحرم المكي قائلا "طاقة المسجد الحرام قبل التوسعة كانت حوالي 600 ألف مصل والآن وصلت إلى 2.2 مليون مصل أي تقريبا ثلاثة أضعاف وما فوق. وإذا حسبنا المساحة نسبة لموطئ القدم فإن السعة تتضاعف خمس مرات" مشيرا إلى أن "المشروع عملاق إذ أن تكلفة البنية التحتية وامتلاك العقارات وحدها وصلت لمئة مليار دولار".
وفي باقي المشاعر المقدسة قال "عرض المسعى قبل التوسعة كان 20 مترا وعلى ثلاثة أدوار وبات حاليا 40 مترا على خمسة أدوار إضافة إلى أدوار خاصة للعربات لمن يعانون من صعوبة في الحركة." وأشار البار إلى أن عدد الطائفين كان 45 ألفا في الساعة وفي وقت الذروة كان يصل إلى 70 ألفا لكن بعد التوسعة باتت الطاقة الاستيعابية نظريا 105 آلاف طائف في الساعة وربما تصل إلى 400 ألف وفقا لكثافة الطائفين.
وتحدث أمين مكة كذلك عن زيادة الطاقة الاستيعابية على جسر الجمرات وعن ارتفاع طاقة مطار الملك عبد العزيز كثيرا بعد التوسعة كما أشار إلى مطار جديد سيدخل الخدمة. ومن المقرر أن يستوعب مطار الملك عبد العزيز 30 مليون مسافر في السنة لدى انتهاء المرحلة الأولى من توسعته في 2017 على أن تصل طاقته الاستيعابية إلى 80 مليون مسافر في نهاية المرحلة الثالثة والأخيرة عام 2035. بحسب رويترز.
وتوقع البار أن يكتمل مشروع قطار الحرمين نهاية العام الحالي ثم تبدأ فيه الرحلات التجريبية قبل فتحه للجمهور بداية عام 2017. ويقلص القطار زمن الرحلة بين مكة والمدينة إلى ساعتين. وتحدث كذلك عن بدء مشروع للنقل العام في مدينة مكة بشق نفق طوله أربعة كيلومترات ومحطتين بدأ العمل بهما في طريق الملك عبد العزيز. وقال إن هذا المشروع ربما يتأخر إلى 2020 وسوف يقدم منظومة متكاملة للنقل العام في مكة بالإضافة إلى المرحلة الأولى من مترو مكة ومشروع الحافلات المنتظمة على 12 خطا.
قضية سقوط الرافعة
الى جانب ذلك قالت صحيفة "الرياض" السعودية إن متهمين بينهم مهندسون واثنان من موظفي الحكومة، سيمثلون أمام محكمة في السعودية في قضية سقوط رافعة الحرم المكي. ونقلت صحيفة الرياض عن أحد المصادر قوله "إن هيئة التحقيق والادعاء العام في مكة المكرمة انتهت من التحقيق (لمدة ثمانية أشهر) مع المتهمين، وسلمت ملف القضية إلى القضاء للبت فيها".
وأضافت الصحيفة أن المحكمة بصدد تحديد أولى الجلسات القضائية لمثول المتهمين بعد درسها من قبل القاضي المكلف بالنظر فيها. وأشارت الصحيفة أن بين المتهمين مهندسين إضافة لاثنين من المسؤولين تم التحقيق معهما، ويعملان في جهتين حكوميتين في مكة من دون أن توضح التهم الموجهة أو عدد المتهمين. وسبب حادث سقوط الرافعة في الحرم المكي حرجا للمملكة التي كانت بدأت سلسلة من مشروعات التوسعة في الحرم المكي. وفور وقوع الحادث جرى تعليق عمل مجموعة بن لادن السعودية العملاقة التي كانت المقاول الرئيسي لأعمال التوسعة.
وحظيت التحقيقات بسرية تامة، وسط تكتم كبير على ما ورد في أقوال المتهمين ممن وردت أسماؤهم في الملف، حيث تم الاستماع إلى أطراف القضية كافة قبل إحالتها للمحكمة، وذلك بعد الانتهاء من تحرير لائحة الاتهام الخاصة بالمتهمين في ملف القضية، وأشارت المصادر إلى أن المتهمين أكدوا علاقتهم بالمشروعات في الحرم المكي سواء كان بشكل مباشر، أو من خلال الإشراف والمراقبة، لافتين إلى أن المتهمين أوضحوا أنهم عملوا بالإجراءات الخاصة بالأمن والسلامة المتبعة في جميع المشروعات الكبرى التي أشرفوا عليها. ووقعت حادثة سقوط آلة رافعة في الحرم المكي 11 أيلول 2015 في مشروع توسعة المسجد الحرام في مكة المكرمة غرب السعودية، وخلفت 107 قتلى وحوالي 238 جريحًا حسب ما أعلن عنه الدفاع المدني السعودي.
حوادث الحج
من جانب اخر لا يعد حادث العام الماضي، الأول من نوعه في تاريخ مواسم الحج، إذ شهدت المملكة وكما نقلت بعض المصادر حوادث مشابهة، خلفت مصرع مئات الضحايا. وهنا سبعة حوادث أخرى وقعت في مكة خلال مواسم والحج وأدت إلى مقتل العشرات: منها حريق مخيمات الحجاج 1975، حيث أسفر حريق ضخم شبّ في مخيمات للحجاج بالقرب من مكة عن مقتل 200 حاج. وأرجعت السلطات السعودية آنذاك أسباب الحادث إلى انفجار أسطوانة غاز في أحد الخيم.
مظاهرة الحجاج الإيرانيين 1987، أدت اشتباكات بين الحجاج الإيرانيين وقوات الأمن السعودية إلى مقتل 402 شخص، من بينهم 275 إيرانيا. وذكرت السلطات السعودية حينها أن الحجاج الإيرانيين نظموا تظاهرات عارمة وقاموا بإحراق سيارات احتجاجا على دعم دول غربية لنظام صدام حسين في حربه ضد إيران. وقد أدى الحادث إلى قطع العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وإيران، ولم يعد الحجاج الإيرانيون إلى تأدية مناسك الحج إلا في العام 1991.
وفي العام 1989 قتل حاج وأصيب 16 آخرون، بعد أن هاجم 16 شخص الحجاج بالقرب من المسجد الحرام في مكة المكرمة. وفي العام نفسه قتل خمسة باكستانيين وجرح 34 آخرون إثر حريق وقع في مخيم بالقرب من مكة. كما يعد حادث نفق منى 1990 الأثقل من نوعه في حصيلة الضحايا، إذ قتل 1426 حاجا أغلبهم من بلدان آسيوية نتيجة للتدافع في نفق منى جنوب مكة. وأرجعت السلطات السعودية سبب الحادث إلى توقف أجهزة التهوية عن العمل في النفق.
جسر الجمرات 1994، في هذا الحادث قتل 270 حاجا دهسا بالأقدام بعد تدافع حصل أثناء رمي الجمرات، وقالت السلطات السعودية إن سبب الحادث هو الازدحام. وفي عام1997 أسفر حريق ناجم عن احتراق سخانة في نشوب حريق هائل أتى على مخيم الحجاج في وادي منى بالقرب من مكة، مما أدى إلى مقتل 343 حاجا وجرح أكثر من 1500 آخرين. في عام 1998 ايضا قتل أكثر من 118 حاجا أثناء عملية تدافع في منى على بعد 10 كيلومترات شرقي مكة، بينما كان الحجاج يقومون برمي الجمرات. وفي سبتمبر/أيلول 2015 قتل 107 أشخاص، واصيب 238 آخرين، بعد سقوط رافعة كبيرة، داخل الحرم المكي.
اضف تعليق