الجذور هي الحرية حيث بلادنا تفتقد الحرية فالبلد الذي يحكمه رجل واحد لا يتمكن أن يقاوم الخطأ، وقد قال أحدهم: كيف نعتمد على بلد تنهيه رصاصة واحدة؟ لأن الذي يحكم بلادنا غالباً ما يكون فرداً واحدا يموت برصاصة، وفي هذه الحالة لا توجد حرية، وليست هناك مشاركة سياسية...

عانى العراق خلال تاريخه في العقود الأخيرة المنصرمة من محن ومآسي كبيرة تسببت بها الأنظمة الدكتاتورية المتلاحقة، ومن هنا قدم الفقيه الراحل آية الله السيد محمد رضا الشيرازي رؤى وأفكار وتوصيات متنوعة وجهها للعراقيين للاستفادة من تلك العبر والتجارب، تمثل دليلا نحو السبل الصحيحة التي ينبغي للعراقيين سلوكها وانتهاجها.

العودة إلى الجذور

يرى الفقيه الراحل ان السبيل الأول للخروج من بؤرة الازمات هو: إن أمتنا أمة فاقدة للمناعة، لذلك لا توجد لدينا قدرة على مقاومة الباطل، وقد تحولت بلاد المسلمين إلى ألعوبة بيد الكفار، فكم من حرب توجد الآن في بلاد المسلمين.. وإذا لم نعالج المشكلة من جذورها، فإن بلادنا تبقى لعبة إلى مائتي عام قادمة لا سمح الله.

إن الجذور هي التي أشار إليها القرآن الكريم، (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، فالجذور هي الحرية حيث بلادنا غالباً ما تفتقد الحرية فالبلد الذي يحكمه رجل واحد لا يتمكن أن يقاوم الخطأ، وقد قال أحدهم: كيف نعتمد على بلد تنهيه رصاصة واحدة؟ لأن الذي يحكم بلادنا غالباً ما يكون فرداً واحدا يموت برصاصة، وفي هذه الحالة لا توجد حرية، وليست هناك مشاركة سياسية. 

ويرى السيد انه: لا توجد لدينا حرية، ولا شورى، ولا مشاركة سياسية، ولا توجد الأمة الواحدة، لكن الغرب يعتمد اليوم على آلاف التجمعات الإجتماعية الفاعلة، وهذه الحضارة ليس لدينا منها إلاّ مقدار ضعيف وهكذا.

وإذا لاتُحل هذه الجذور فإن المشكلات تبقى، ولكن تتبدل ألوانها وأشكالها، وكلما واجهنا المشكلات أكثر كلما رأينا أن وعي الحياة في بلادنا أضعف، حيث يفتقد الكثيرون الوعي.

حكومة الأكثرية

 إن الأكثرية السياسية يؤكدها القرآن الكريم وتؤكدها القوانين العالمية وتؤكدها التجربة التاريخية:

والقرآن الكريم يقول: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، والشورى تعني إنها حكومة الأكثرية، وفي قضية عادية وهي قضية الفطام، حيث يريد الأب والأم أن يفطما ولدهم، يقول الله تعالى: ينبغي أن تكون المشورة هي الحاكمة، (فَإِنْ أَرَادَا)، أي الأب والأم (فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ)، فلا تستبد الأم بقرار الفطام بل تتشاور مع الأب، وفي قضية جزئية وعائلية تتعلق بفردين يقول الله تعالى بالمشورة وإنها يجب أن تكون هي الحاكمة، فكيف بحكومة بلد فيه الملايين.

كما ان القوانين العالمية في أغلب بلاد العالم تنصّ على حكومة الأكثرية. وأيضا التجربة التاريخية تؤكد ان الويلات التي حصلت في العراق كانت بسبب حكومة الأقلية على الأكثرية.

جمع الكلمة

يرى الفقيه الراحل ان: جمع الكلمة ضرورة حتمية، لأن الحرب حالياً ربما لا تكون حرب حدود، وإنما هي حرب وجود، بمعنى أن الأعداء الذين يريدون الشر بهذا الشعب وبهذه الأمة المظلومة وبالمؤمنين، يحاولون أن يجتثوهم من الجذور.

وهنالك جهات تحاول أن تجتث جذور المؤمنين كباراً وصغاراً ورجالاً ونساءً وعلماءَ وتجاراً وشباباً، لذا يجب أن تتحد كلمة المؤمنين لمواجهة هذه الحرب.

إطفاء الحرائق

ولكن جمع الكلمة يحتاج أولا الى إدارة الاختلافات، حيث يرى سماحته: إن الإختلاف بين البشر أمر طبيعي، ربما ثمة أخوان توأمان وُلدا معاً، لكنّهما يختلفان، فالمنظومة الفكرية لهذا تختلف عن المنظومة الفكرية لذاك، وفي مرحلة التحولات الإجتماعية تشتد الخلافات وتقوى، والخلافات لا يوجد فيها غالب ومغلوب، يقول الله تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا)، ومعنى الفشل كما يقول بعض العلماء: هو الضعف الباطني. أنتم عندكم قوة، وعندكم إندفاع ونشاط يدفعكم للتقدم بهذه الحيوية، بينما النشاط والإندفاع الباطني هو الأمل الذي عندكم، وما أن يقع الخلاف تهبط الروحيات والمعنويات، أي تفشل وتضعف، وهو الضعف الباطني، وإذا ضعف الباطن ضعف كل شيء، (فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ). فالفرد أو الجماعة الذين لهم سمعة تزول سمعتهم وتذهب عند حصول خلاف بينهم.

وفي مرحلة التحولات الإجتماعية، إذا كان هناك ثمة خلاف فكري أو خلاف عملي، فإنه لابد من تأجيله، لأنه إذا انشغل أهل الدار بالخلاف فإن السراق واللصوص يأتون ويسرقون ويهربون، فحتى لو كانت لدى شخص حسابات معينة، فإنه يمكنه تسويتها في وقت آخر، وليس في مرحلة التحول الإجتماعي.

لذا يجب أن نتحلى بحالة الأبوة، فعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (الصلح سيد الأحكام)، وهو القانون الحاكم في المرافعات والمنازعات وعلى قوانين الحق والباطل فيها، فإذا جاءكم رجل وامرأة بينهم خلاف، فقبل أن تنظروا من هو المحق ومن هو المبطل ينبغي أن تلاحظوا مسألة الصلح، فهو سيد الأحكام، وفي القرآن الكريم: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)، أي هو الأفضل، إذن لا ينبغي الإنجرار وراء الخلافات، فليس وقتها الآن، بالمقابل لنغلّب حالة الأبوة والحلول الوسطى في الخلاف، حاولوا أن تجعلوا حلاً وسطاً.

احتواء الشباب

كذلك يرى رحمه الله: إن الشباب طاقة هائلة: إذا وجهت ستنفع، لكن إذا لم توجه ستخرّب، لذلك يحتاجون إلى احتواء من كل الأبعاد، وليس في بعد واحد، فالشاب يحتاج إلى عمل، فالبطالة منفذ من منافذ الشيطان، كذلك الشباب بحاجة إلى زواج، فإذا تزوج الشاب فإنَّ شيطانه يعج ويضج ويقول: (يا ويلتاه)، لكن إذا لم يتزوج فإنه سيشكل خطراً عظيماً على المجتمع، إلاّ إذا كان إيمانه قوياً جداً، نعم يوجد هنالك شباب متدينون وإيمانهم قويّ، ولكن كثيراً من الشباب عرضة الانحراف، فمن الذي يزوج الشاب الذي لا زوجة له؟ 

ملء الفراغات

ماذا يعني الفراغ؟ يجيب سماحته: إنه الشاب الذي لا زوجة له، يقول النبي (صلى الله عليه وآله) (أكثر أهل النار العزاب)، لكن إذا تزوج الشاب ففي الحديث الشريف: يقول الشيطان: يا ويلتاه لقد حفظ هذا الشاب دينه. أما إذا لم يتزوج الشاب، فإنه سيكون مثل برميل من البارود، في أي لحظة يكون معرّضاً للإنفجار، فلا تروا ظاهره فحسب، نعم الطابع العام هو وجود مؤمنين يحفظون إيمانهم، وأمامكم شاب هادئ، ولكن هذا الشاب يحمل في داخله بركاناً معرّضاً للإنفجار في أي لحظة، والشاب غير المتزوج يكون منفذاً من منافذ الشيطان وربما يكون لقمة سائغة للشرق وللغرب.

 إن العراق يواجه مؤامرات ضد الشباب لجرهم نحو الشر، فإن الشاب يبقى معرضاً لخطر دائم، فهو يحتاج إلى زوجة.. وأنتم الذين بيدكم القدرة وبيدكم المنزلة الاجتماعية، وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى عليكم، شكلوا لجنة لتزويج الشباب، فقد أصبحت قضية الزواج صعبة الآن ومعقدة.

كما ان الشاب يحتاج إلى عمل، فإذا افتقد الشاب العمل، ماذا سيفعل من الصباح وحتى المساء؟ إنه أحد منافذ الشيطان، لذا شكِّلوا لجنة لإيجاد فرص العمل لشبابكم وأولادكم وأبنائكم، إن أبناء العراق كلهم أبناؤكم، فهذا الفراغ الموجود ينبغي أن يُملأ بالصحيح، وإلاّ فإن الشبكات الشيطانية والفضائيات التي تحاول إفساد شبابنا، والشيطان والنفس الأمارة... كلها تدخل وتتدخل لإبعاد شبابنا عن الطريق.

إن الشاب بحاجة إلى كتاب وإلى صحيفة وإلى مجلة وإلى قناة فضائية، فإذا لم نملأ نحن المتدينين هذه الفراغات فإن الآخرين سيملؤون هذه الفراغات بالباطل ويأخذون منا شبابنا.

* المصدر: كتاب (العراق.. وصايا وكلمات)، وهو من محاضرات الفقيه آية الله السيد محمد رضا الشيرازي)

اضف تعليق