ولاية الفقيه تصبح هيكلا استبداديا فارغا غير قانوني وغير شرعي عندما تجرد من المفاهيم والاطر الاسلامية الاخرى كالحرية والشورى والتعددية وحر
يرى بعض المنتقدين لنظرية ولاية الفقيه انها مسعى لبعض رجال الدين من اجل احتكار السلطة وحكم الامة من جانب واحد بلا وجود واسطة اعتمادا على التفويض الالهي الذي يدعونه، بحيث يؤدي ذلك عمليا الى سلب حريات الامة والجمهور في ممارسة السياسة والتدخل في انتخاب السلطة او انتقاد الحاكم او تغييره. وحسب هذا الادعاء فان حكومة ولاية الفقيه تتم من طرف واحد ليس للأخر أي تأثير او دور او تلازم في هذا الامر.
فهناك منهج يؤيد بقوة الولاية المطلقة للفقيه وانها ولاية كولاية النبي (صلى الله عليه وآله) وولاية الائمة المعصومين (عليهم السلام) فللفقيه سلطات مثلما للمعصوم منها، بحيث ان من يقف امام الفقيه ويعارضه كمن وقف ضد الامام لذلك يدعون ان هذه الولاية محتومة لايمكن معارضتها او مناقشتها، وليس هناك حرية للامة في محاسبة الولي او عزله او انتخابه وليس مسؤولا امامها، بل ان بعضهم ادعى اكثر من ذلك وقال بأنه لايوجد هناك شيء في الاسلام اسمه الحرية وادعى عصمة ولي الفقيه بصورة غير مباشرة.
فهل يعطي الدين الاسلامي الشرعية لولي الفقيه ان يتصرف في الناس أنفسهم ودمائهم واموالهم بدون ان يستجيزهم؟ واذا لم يتصرف الفقيه حسب مصلحة الامة فهل هو مسؤول عن ذلك امام الامة ام ان امره نافذا في كل الاحوال..؟
ويرى بعض الفقهاء والعلماء انه لايوجد هناك دليل شرعي قاطع على ان ولاية الفقيه هي مثل ولاية المعصوم (عليهم السلام)، بل ان معظم الادلة الواردة في باب الولاية تتحدث عن ولايتهم (عليهم السلام) دون ذكر الفقهاء، واذا كانت هناك روايات في ذكر العلماء والفقهاء فان الكثير من الفقهاء يشيرون الى انها واردة في باب التقليد والاحكام الشرعية ورجوع الجاهل الى العالم، اما ولاية الفقيه وبهذا الاطلاق فليس هناك مورد قطعي يستند عليه.
يقول الشيخ النائيني: المقصود من اثبات الولاية للفقيه هو اثبات ما كان للاشتر وقيس ومحمد بن ابي بكر ونظرائهم ولااشكال في انه كان لهم اجراء الحدود واخذ الزكاة جبرا والخراج والجزية ونحو ذلك من الامور العامة.
ويقول الشيخ الانصاري: اما الولاية على الوجه الاول اعني استقلاله في التصرف فلم يثبت بعموم. حيث حصر رحمه الله الولاية في بعض الامور الخاصة كولاية الايتام والسفهاء والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي ولاية عامة اعم من كونها خاصة بالفقيه، نعم من باب الاهم والمهم ورفع اختلال النظام يتصدى الفقيه لبعض الموارد، وهذا لايشكل دليلا اوليا واصليا على ثبوت الولاية المطلقة. بل ما ثبت من المجموع العام للايآت والروايات هو ولاية محدودة بشروط وقيود وأطر، حيث يرى السيد محمد الشيرازي: أن لا ولاية للفقيه في التشريع الخارج عن الاطار الاسلامي اذ الادلة لاتدل عليه والاصل العدم.
ويرى الشيخ احمد النراقي: ان الاصل عدم ثبوت ولاية احد على احد الا من ولاه الله سبحانه وتعالى او رسوله او احد من اوصيائه على احد في امره وحينئذ فيكون هو وليا على من ولاه فيما ولاه فيه.
ويرى الشيخ المنتظري: ان الاصل عدم ولاية احد على احد وعدم نفوذ حكمه عليه فان افراد الناس بحسب الطبع خلقوا احرارا مستقلين، وهم بحسب الخلقة والفطرة مسلطون على انفسهم وعلى ما اكتسبوه فالتصرف في شؤونهم واموالهم والتحميل عليهم ظلم وتعد.
الحرية اولا
الحرية هي احد المفاهيم العقائدية الاساسية التي تناولتها الآيات القرآنية بشكل واسع في عدد كبير منها وبألفاظ متعددة تؤدي الى معنى واحد هو وجود ارادة حرة يتصرف الانسان فيها باختياره ويؤمن بالدين عبر اعتقاد ومعرفة سليمة وبدون اكراه وجبر.
فالأصل هو حرية الانسان حيث يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: (لا إكراه في الدين)(البقرة 256)، ورفع الاكراه هذا يقصد منه الحرية الاعتقادية التي تعني حرية الانسان، وفي آيات اخرى يقول الله تعالى: (انا هديناه السبيل اما شاكرا او كفورا).(الانسان3) ، (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه ومن عمي فعليها).(انعام104)، (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).(الكهف29)
ويقول الامام امير المؤمنين (عليه السلام): ايها الناس ان آدم لم يلد عبدا ولا أمة وان الناس كلهم احرار ولكن الله خول بعضكم بعضا(الكافي3/57). وعنه (عليه السلام) في نهج البلاغة: لاتكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرأ.
الشورى اساسا
فكما ان الحرية من الاصول الاساسية في الاسلام فكذلك الشورى، لانه لايمكن تحقق الحرية وتتجسد بشكل عملي الا عبر وجود شورى عامة تشمل كافة المجالات والا فان القرآن لم يكن ليطرحها ويأمر الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) بتطبيقها، وذلك ان المجتمع المتكامل والسليم والمؤمن لاينمو ولا يسترشد الا بعد ان يمارس المسؤولية العامة ويمارس حريته عبر الشورى. واذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) على عظمته يأخذ بالشورى حسب ما امره سبحانه (وشاورهم في الامر) في الامور التي كانت اقل خطرا من الولاية (ولاية الفقيه) كان لزوم الاخذ بالشورى لغير النبي (صلى الله عليه وآله) الذين هم دونه في العقل والدراية في الامر الاهم وهو الولاية بطريق اولى، فانا مأمورون بالاقتداء به (صلى الله عليه وآله).
لاعصمة لولي الفقيه
ومن جهة اخرى فأن المبدأ الشيعي يرى ان حكم الفقية ورأيه لايمثل الحكم الواقعي بل هو حكم ظاهري قد يصيب وقد يخطأ حيث ان: بعد تساوي النسبة في المصلحة وجودا وعدما فان الاشاعرة لايرون حكما في الواقع والمعتزلة يرونه لكنه يتبدل بعدم اصابة الفقيه له، والشيعة يرون الواقع بلا تبدل مع الخطأ ولذا سمي الاولان بالمصوبة والاخير بالمخطئة.. لاوجه لترجيح احد الفقهاء على الاخرين في الامامة بعد التساوي عقلا ونقلا حيث قال (عليه السلام): ارحم خلفائي، ورواة حديثنا، وفيما يرويه عنا ثقاتنا، مما يدل على ان الجميع لهم حكم واحد فيما اذا اختارتهم الامة مرجعا. فالقول بعدم الشورى والحرية في ولاية الفقيه يعني نتيجة ترتب العصمة لولي الفقيه بحيث يصبح حكمه واقعيا في صورة المطابقة والخطأ، وهذا هو مذهب المصوبة والاشاعرة.
حرية التقليد
وما يلاحظ في الروايات الشريفة الواردة في باب الافتاء والقضاء هو حرية الرجوع الى أي من توافرت فيه صفات وشروط التقليد، فعن الامام العسكري (عليه السلام) في الاحتجاج: فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه. وعن الامام الصادق (عليه السلام): ينظر الى اعدلهما وافقههما في دين الله فيمضي في حكمه.
واذا كان الانسان حرا في التقليد وفي انتخاب مرجعه الديني مع ان التقليد من الامور الشخصية التي لايوجد فيها تصرف من الفقيه بصورة مباشرة ولايلزم بالتكاليف الشرعية بالقوة والاجبار بل تعتمد على التزام المكلف ووظيفته امام الله سبحانه وتعالى، فكيف بولاية الامر التي تشمل التصرف العام في حق الامة وحقوق الافراد..!
حرية انتخاب الحاكم
ان النظام الاجتماعي لايستقر الا عند وجود مشاركة جماعية مسؤولة على اساس واقعي وهذه المشاركة تتحقق عبر وجود الحريات التي من اهمها حرية انتخاب الحاكم. لذلك نرى ان الانظمة الاستبدادية هي اكثر الانظمة فوضوية وفسادا حيث تسحق ابسط الحقوق الانسانية وتنمو الامراض الاخلاقية والنفسية والاجتماعية ويستهلك النظام العام في اشكال من النفاق والانانية والفساد والتفكك والتناحر. ومن هنا فليس: لاحد ان يحدد حريات الناس او يتصرف في مقدراتهم بغير اذنهم، وللافراد ان ينتخبوا الفرد الاصلح ويولوه على انفسهم بل يجب ذلك بعدما حكم العقل بان المجتمع لابد له من نظام وحكم وانهما من ضروريات حياة البشر. فالنظام يتحقق ويتكامل مع الحرية ويختنق وينهار مع الاستبداد وقمع الحريات.
ويرى السيد محمد الشيرازي ان تصرفات الولي في سلطنة الناس على اموالهم وانفسهم لاتجوز الا بعد اخذ الاذن منهم واستشارتهم حيث يقول سماحته: وجوب اخذ الاذن بالتصرف، فكل شيء مرتبط بشؤون الامة لابد من الاستشارة فيه سواء في اصل الجعل او تابعه مثل المدارس والمستشفيات و...فانها تفتح وتعمل بمال الامة ومقدراتها، وذلك لجهتين انها تصرف بمال الامة سواء اموال الخمس والزكاة او المعادن ولايحق لاحد ان يتصرف في مال غيره الا باذنه، انها تصرف في كيان الامة ولايحق لاحد ان يتصرف في غيره الا باذنه ومن الواضح ان رضى الامة في طول رضى الله سبحانه واجازته، فالازم ان يكون التصرف حسب الرضائين.
واذا انتخب الولي واجازته الامة في التصرف فانه لايتصرف الا بمقدار الاجازة وبحسب المصلحة والوقوف امام المفسدة، ويستدل بعض الفقهاء بهذه الاية القرآنية في ضرورة العمل حسب المصلحة، حيث يقول الله تعالى: (ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نار وسيصلون سعيرا)(النساء10)، فاذا كان ولي اليتيم تتحقق تصرفاته شرعا وتصبح نافذة اذا كانت حسب المصلحة وليس فيها مفسدة، فبشكل اولى يكون على الولي الفقيه ان يعمل حسب المصلحة لان مصالح الامة لاشك اهم من مال اليتيم. وفي الكافي عن الباقر (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله): لاتصلح الامامة لرجل الا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله وحلم يملك به غضبه وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم. (وفي رواية اخرى: حتى يكون للرعية كالاب الرحيم).
حرية المعارضة
ان حق الامة في الانتخاب والتغيير يعطيها الحق في انتقاد الحاكم والولي عندما لايعمل بمصالح الامة او يتجاوز مقدار التفويض الذي وكلته فيه.
ومع غض النظر عن هذا الحق فان الانتقاد والوقوف امام الخطأ والانحراف عبر وظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من اهم الوظائف الشرعية الواجبة على المكلف وجوبا كفائيا. كما ان ولاية المؤمنين العامة والشاملة لبعضهم البعض ولولي الامر تعني الامر بالمعروف والنهي عن المنكر: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم)(التوبة71)
ان نظرية ولاية الفقيه تصبح هيكلا استبداديا فارغا غير قانوني وغير شرعي عندما تجرد من المفاهيم والاطر الاسلامية الاخرى كالحرية والشورى والتعددية وحرية الانتخابات وحرية الانتقاد وحرية التعبير وحرية المعارضة واحترام حقوق الانسان.
اضف تعليق