كثير الحديث عن الثقة بالنفس في كتابات علماء النفس وايضاً المهتمين بالشأن الاجتماعي والثقافي لما لهذه الحالة من بالغ التأثير على سلوك وتفكير وحركة الانسان في الحياة، وبما أن الحالة، هي نفسية بحتة يكتسبها الانسان بنفسه، كما هي الشجاعة والبيان، فان العلماء والخبراء ليسوا وحدهم من ينظروا في هذا الجانب، إنما مشاهير الزعماء في العالم، هم ايضاً يعدون فنارات مضيئة لمن يريد اكتساب الدرجات العليا من الثقة بالنفس، مثل نابليون وغاندي وغيرهم، بل حتى نقرأ في مدراء شركات واصحاب مصانع واعلاميين وكتاب وغيرهم ممن عركتهم التحديات فخاضوا تجاربهم بنجاح بفضل هذه القوة النفسية.
لو أجلنا النظر فيما قيل عن الثقة بالنفس، وجدنا أن الدافع الاساس الذي يغذي هذه القوة، ينطلق من رغبات ذاتية تترجم غرائز ونوازع انسانية طبيعية، مثل حب البقاء والزعامة والتملك، فقد صُرع الفشل واليأس على يد قادة عسكريون وثائرون محررون و اصحاب مشاريع اقتصادية وايضاً علماء افذاذ، بيد أن كل هذه الانجازات والمكاسب، وإن تركت آثارها الكبيرة والعميقة في حياة الشعوب والأمم، فانها تبقى تجارب شخصية ليس من السهل تكرارها، والاسباب كثيرة؛ منها ذاتية وأخرى تتعلق بالظروف المحيطة والحاجة وغيرها مما يخلق الاندفاع الهائل لتحقيق الغايات المطلوبة، بمعنى أن أدوات تعزيز الثقة بالنفس، ينتجها الانسان بنفسه، طبعاً؛ هي بحد ذاتها علامة قوة ومكسب في بداية الطريق، ولكن؛ يا ترى هل يمكن ان تتوفر هذه الأدوات بالشكل السلس الذي يتحدث عنه علماء النفس في كتبهم؟.
الايمان بالقدرة اللامتناهية
لا ريب في دور القوى والقدرات الذاتية للانسان في نجاحه بالحياة، بل هذه تعد استجابة للفطرة الإلهية على الحركة والعمل والانتاج والتطور، وهو ما حفلت به النصوص الدينية، من آيات كريمة وأحاديث شريفة تحث على الكدّ والعمل في الحياة لما فيه سعادة الانسان والآخرين.
وحتى يكون هذا النجاح متكاملاً وراسخاً في الواقع و ذو شأن في صناعة الحاضر والمستقبل، نجد الايمان بالقدرات اللامتناهية لها دورها ايضاً في تعزيز الثقة بالنفس، ومن مشاهد من التاريخ نستنتج أن هذا الايمان كان المفتاح السحري لانتصارات عظيمة، ولعل تاريخ صدر الاسلام، خير شاهد يؤكد هذه الحقيقة، فقد حقق المسلمون الاوائل مكاسب حضارية عدّة من خلال الفتوحات العسكرية والعلمية ونشر القيم والمبادئ في الأرجاء، بالاعتماد على قيمة التوكّل التي يدعونا القرآن الكريم اليها في آيات عدّة.
نعم؛ يجرّب الانسان بناء الثقة بنفسه وبقدراته التي وهبها الله له، فالطالب في المدرسة، يجتهد ويسهر الليالي لتلقّي العلوم المختلفة لما يؤهله لنيل شهادة الاختصاص في علوم مختلفة، مثل الطب، فيكون طبيباً يصف الدواء والعلاج للمرضى، والجندي في جبهات القتال يبذل قصارى جهده العضلي وما أوتي من قوة ومعدات عسكرية لتحقيق النصر على العدو، وهكذا سائر الامثلة في مجالات عدّة في الحياة، حيث تدعونا النصوص الدينية لأن يكون الانسان قوياً فـ "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف"، الى جانب هذا، نسمع من بعض الاطباء نصيحة لمرضاهم بأن لا ينسوا الدعاء بالشفاء قبل تناولهم الدواء الذي يصفه لهم، انطلاقاً من مبدأ "هو الشافي"، في دلالة من هذا القول الحكيم، الى أن الشفاء الحقيقي بيد الله –تعالى- .
وما تعيشه الامة اليوم من أزمات ومشاكل تتشابك مع بعضها ربما تكون رسالة لنا لأن نعرف بان تعزيز الثقة بالنفس لتجاوز هذه المرحلة لن يكون بالسهولة التي يتصورها البعض عندما يكون الاقتصار على مصادر القوة الانسانية – إن صح التعبير- لاسيما وأن شعوبنا، ومنها الشعب العراقي، جرّب كل مصادر القوة المتاحة، من مال وسلاح وعلاقات خارجية وثروات وغيرها، ولم تشفع له في تأمين الاستقرار والأمن والرخاء، بينما نلاحظ حصول تحول كبير وعظيم بوزن الوقوف بوجه تهديد التمدد السريع لداعش باتجاه بغداد والمدن الشيعية في ظل هشاشة المؤسسة العسكرية وتشرذم المؤسسة السياسية، لمجرد دخول هذه القوة الاستثنائية في عملية صناعة وتعزيز الثقة بالنفس، فكان ما كان من انطلاق المئات من الشباب العراقي متطوعين الى سوح الجهاد والتضحية.
فما الذي عزز الثقة في نفوس هؤلاء الشباب، وهم يتركون اطفالهم وزوجاتهم وحياتهم الطبيعية، أمام وضع سياسي واقتصادي وأمني مهلهل؟ هل هي الوعود بالرواتب المغرية والامتيازات أم أمر آخر.
في سوح المعارك وفي مشاريع البناء ايضاً
صحيح أن عامل الايمان بالله –تعالى- يعزز الثقة في النفس ويبعث على الاطمئنان في القلوب في حالة الشدّة، كما هي حالات الحرب والمواجهة مع العدو المتربص داخلياً وخارجياً، بيد أن الثقة العالية المدعومة من السماء لها مدخلية واسعة في مجالات البناء والتنمية في المجالات كافة، وقد بين لنا القرآن الكريم، كيف أن بني اسرائيل خسروا الفرصة الذهبية في التألق بإيمانهم بالله، بعد خلاصهم من فرعون، عندما انهارت قواهم النفسية أمام قوم يعبدون الاوثان من دون الله، فطالبوا نبيهم بكل ما اوتوا من جاهلية عمياء، بأن يجعل لهم آلهة كما لأولئك! ولم يرتدعوا للتحذير والتنبيه بالخديعة، فارتكبوا الخطيئة التاريخية المعروفة بعبادتهم العجل، فتصوروا أنهم بالذهب الذي يمتلكونه وقوتهم العددية أن يحققوا ما يريدونه، وعندما عرفوا بمكر السامري، كانوا قد خسروا ايمانهم بالله.
وهكذا في حالنا الحاضر، حيث نحن أحوج ما نكون الى ما يعزز ثقتنا بقدراتنا وانفسنا لتجاوز مشاكل وأزمات متشابكة؛ السياسية منها والاقتصادية والامنية وحتى الثقافية، ولعل عظم هذه الازمات والرزايا تكون مدعاة للتوجه الى مصدر القوة الحقيقية التي تصنع لنا ثقة قوية ايضاً تمكننا من تغيير الواقع. فكما نجحنا في التجربة العسكرية وكسرنا شوكة الارهاب الى الابد، فان شبابنا قادرون على كسر شوكة التبعية والفساد والتخلف التي تقض مضاجع الشعب العراقي، كما هي الحال في كثير من البلاد الاسلامية، من خلال الانطلاق في رحاب العلم والمعرفة، فالاهداف الكبيرة قطعاً بحاجة الى قوة استثنائية وكبيرة وهي قوة الايمان.
اضف تعليق