السمة البارزة على طبيعة العمل السياسي في العراق هي عدم التكاملية، أي انفصال دوائر الوزارة الواحدة عن بعضها البعض، وتعمل بعيدا عن التنسيق لتحقيق التكامل وتقديم خدمة أفضل وأكثر نفعا بالنسبة للمواطنين، لذا برزت الآراء والاجتهادات الشخصية في تفسير الكتب والقرارات بما يخدم جهة المدير او الوكيل او الوزير...
من الممارسات الدعائية ذات الابعاد الطويلة او يمكن تسميتها بالدعاية المبكرة الأمد هو عبارة تم انشاء هذا المجسر في عهد دولة رئيس مجلس الوزراء، او وفي زمن محافظ من المحافظين، وكأن رئيس مجلس الوزراء او المحافظ حجز لنفسه مكان دعاية انتخابية سابقا اقرانه من الشركاء السياسيين.
كتابة عبارة في خط واضح على مدخل المشروع او المؤسسات التي يتم افتتاحها في عهد مسؤول معين، أصبحت كعرف سياسي يستخدم على المدى البعيد كدعاية لهذه الشخصية التي تريد ترسيخ صورتها في اذهان الافراد.
خذ على سبيل المثال العبارة المخطوطة بخط كبير جدا على مدخل طوارئ مستشفى الحسيني التعليمي في كربلاء، "تم إعادة تأهيليها عام 2024 بتوجيه واشراف المحافظ المهندس نصيف جاسم الخطابي" وتميز اسم المحافظ عن باقي العبارة بجملة أكبر بكثير عن سابقتها.
هذا التمييز في الخط وكأن المحافظ يريد ان يذكر كل مواطن يدخل عبر هذه البوابة الى المستشفى، انه صاحب فضل عليه، ولولاه لما تم الترميم والصيانة بهذه الصورة، ويعطي أيضا انطباع ان الحكومة المحلية تعطي القطاع الصحي أولوية خاصة وهي حريصة على تقديم خدمات أفضل للمواطنين.
ويأتي مسؤول آخر يذيل جدارية الوزارة باسمه وصفته، والسؤال هنا، من الذي اعطى الحق للمسؤول ان يتبع هذه الاستراتيجية الدعائية؟
ولو تم اعتماد هذه الآلية من قبل جميع الذين شغلوا منصب الوزير او المدير العام لهذه الدائرة، أصبحنا بحاجة الى جدارية أخرى الى جانب أسماء الوزارات او الهيئات او المديريات العامة، توثق إنجازات هذه الشخصيات لتبقى شاخصة امام المواطنين.
المسؤول الذي رمم بناية ما او شرع ببناء أخرى، لم يتفضل على المواطنين بشيء، فهو بحكم مسؤوليته عليه ان يقوم بهذه الاعمال، كونه صاحب القرار في التنفيذ وصرف الأموال، يتمكن من العمل بحرية مطلقة طالما هو الرجل الأول في المدينة ويتربع على عرش السلطة فيها.
يوجد اعتقاد سائد لدى الكثير من المسؤولين وهو عند تقديم الخدمات يعد نفسه من المتفضلين على أبناء مدينته او بلده إذا كان رئيس للحومة او مسؤول رفيع المستوى، وترسخت هذه القناعة لدى اغلب المسؤولين العراقيين، لذلك كان العمل في المؤسسات الحكومية على انفراد.
كل مسؤول يعمل بمعزل عن الآخر ولكل منهم خطة لها خطوطها العريضة ودعاماتها المختلفة عن خطة السابق، لذا صارت لكل شخصية تتسنم منصب معين شخصيتها الإدارية وبالنتيجة يحدث التخبط وعدم التوافق، ما دام المسؤول يحقق بخطته مصلحته الشخصية ويخدم قضيته الدعائية التي يبدأها مبكرا فور اسناد المسؤولية اليه.
السمة البارزة على طبيعة العمل السياسي في العراق هي عدم التكاملية، أي انفصال دوائر الوزارة الواحدة عن بعضها البعض، وتعمل بعيدا عن التنسيق لتحقيق التكامل وتقديم خدمة أفضل وأكثر نفعا بالنسبة للمواطنين، لذا برزت الآراء والاجتهادات الشخصية في تفسير الكتب والقرارات بما يخدم جهة المدير او الوكيل او الوزير وصولا الى اعلى قمة في الهرم الحكومي.
ليس منكرا ان يعمل المسؤول على استثمار المنصب للعملية الانتخابية طالما يتواجد فيه، لكن الاستثمار يجب ان يكون عبر التفرد والتميز في الخدمات المقدمة ونوعيتها، فالجولات الشكلية على المشروعات لمتابعة سير العمل لا يمكن ان يحقق الرضا الجماهيري المطلوب.
فا الذي يحقق الرضا والقبول الشعبي هو التفكير بوضع الحلول لجملة من المشكلات التي يعاني منها الأهالي لعقود من الزمن، وان عمل على حلها او الاقتراب من حلحلتها، حينها لا يحتاج الى ان يكتب اسمه في مداخل البيانات كجزء من الدعاية المبكرة وحتما سيجازيه الجمهور المحلي لوقفه معهم في أحلك الظروف.
اضف تعليق