نظرة تجمع فيها التركيز والتأمل على نعمة لشخص ما قد وهبها الله اياه قد تكلفك ثمنا غاليا.
نعم قد تكلفك فقدان الصحة، وعدم القدرة على ضبط النفس، والتشتت الذهني.
اما الشخص المقابل فيكون نصيبه قد لا يقتصر على زوال نعمته فقط بل يتجاوزها ليكون له سببا للمرض او الوفاة.
كلمات القرآن الصريحة وضعت هذا التصرف النفسي والسلوكي تحت تسمية الحسد حيث ذكر الله جل وعلى في كتابه الكريم الحسد أربع مرات بصورة صريحة بالكلمة نفسها، وذكر الحسد تارة أخرى بصوره غير مباشرة بإيحاء الى الحسد كما في قصة ابليس ورفضه السجود لآدم (عليه السلام)، وكذلك في قصة قابيل وكيف أن حسده أدى به الى قتل أخاه هابيل، وكذلك في قصة نبي الله يوسف (عليه السلام)، وما فعل به اخوته وما دبروه له من مكائد وما فعلوا به، فكل هذه الأحداث كان سببها الأول والأخير هو الحسد.
وان الملاحظ في هذه القصص لم يكن الحسد فقط تمني زوال النعمة بل تعداها الى ان يكون مرفق بتدبير وكيد على الشخص المحسود. ويعتبر هذا هو النوع الثاني والأخطر من انواع الحسد حيث يبدأ الشخص بتدبير المؤامرات والمكائد للإيقاع بالشخص المقابل وتحصل اغلب مثل هذه الامور بالدوائر والمؤسسات.
اذن فالحسد خصلة شيطانية تظهر في الانسان نتيجة عوامل مختلفة كضعف الايمان، وضيق النفس والنظر، والبخل.
ومقتضاها والهدف منها هو زوال النعمة عن صاحبها.
إن المؤمن حقا يعلم إن ما أعطي له خير، وما منع عنه له فيه خير أيضا، فامتلاك شخص ما نعمة معينة كوظيفة، أو جاه، أو منصب مرموق، دون غيره ماهي إلا مشيئة ربانية يجب علينا الإقرار والاعتراف بأن الله اقتضى ذلك بالإضافة إلى سعي الشخص وبذله جهودا للوصول إلى مبتغاه، اما حسدها وتمني زوالها فذلك اثم عظيم.
فعن الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم قال: "الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب"
فهل هناك شخص مستعد ان تذهب حسناته التي يجمعها كالهباء المنثور وتحترق نتيجة أمر بغيض كالحسد؟
ان تأثير الحسد لا يقتصر على المحسود، بل يكون للحاسد الجزء الأوفر منه، فعن امير المؤمنين (عليه السلام): "صحة الجسد من قلة الحسد". (نهج البلاغة، الحكم والمواعظ).
اي أن الحسد يكون مضر بالصحة فيسبب لها الأمراض والأسقام ويؤدي الى وهن القلب وانتشار الأمراض بالجسم ككل نتيجة الطاقة السلبية التي يمتلكها الشخص الحاسد والتي ستتسبب بضعف ايمانه، وبصيرته، واخيرا ضعف بدنه، نتيجة للانشغال والتفكير والتحسر بما امتلك الغير هذا إذا كان الحسد دون مكيدة وهو النوع الأول والأبسط.
اما إذا كان مرافقا لمكائد ومؤامرات فالحاسد سوف تُكبَت أفعاله وتُرَد الى نَحره.
يعتبر الحسد نصف الشرك وآفة من آفات الدين، وثلث الكفر بل كله، ولِما له من تأثير على السلوك البشري والنفس البشرية حيث بروز هذه الخصلة الرذيلة في شخص أو مجتمع يؤدي الى حب الذات، واضمحلال روح التعاون، والمنافسة الغير شريفة في الأعمال والتجارة، هذا من ناحية المعاملات والامور المادية.
اما من الناحية النفسية فالتأثير على نقاء القلب حيث يؤدي الى ضعف الايمان، فعن الامام محمد الباقر عليه السلام قال: "ان الحسد ليأكل الايمان كما تأكل النار الحطب".
وُصِف الحسد بأنه من الأمراض النفسية التي يصبح حاملها بمرور الوقت في حالة تعايش معه، وذلك من خلال التأثير على أفكاره ومَحوَرَتَها وتوجيهها بالاتجاه غير السليم، حتى يصبح متأصلا فيه مما يؤثر على نظراته وسلوكياته وحديثه وطباعه، ليؤدي شيئا فشيئا الى ان تكون نهايته منبوذ ممن حوله ويتحاشى الكثير منهم لقاءه ولو بالصدفة.
ان العلم الحديث يؤكد بأن الحسد يؤثر على خلايا الدماغ والجسم ويسبب لهما الضرر، فعند عمل رنين مغناطيسي للمخ وجد أن جميع الخلايا تكون في حالة اضطراب وفوضى أثناء الحسد، حيث يسبب الحسد التشويش الكامل، واضطرابات شديدة في الموجات الكهربائية التي تحدث في مخ الانسان فتؤثر عليه بصورة او بأخرى.
وكيفية العلاج فتكون اولا: بترويض النفس بتجنب النظر وتمني ما رزق الله غيرها من الناس، وقد يستغرق هذا الأمر فترة طويلة من التدريب الروحي الذي يحصل بزيادة الاستغفار وحمد الله دائما على كل نعمة وذكر هذا القول، فعن النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) قال: "من رأى شيئا يعجبه فقال الله الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره شيئا".
اما العلاج الثاني ولو انه في الحقيقة لا نستطيع ان نسميه علاجا حقيقيا فهو الابتعاد عن الناس والمكوث في المنزل أو تجنب الاختلاط قدر الإمكان الى ان يشعر الشخص بأنه قادر على مواجهة الناس دون حسدهم لكي يتجنب أذية نفسه وأذية من حوله.
أما المحسود فنقول له قراءة المعوذتان والآيات المشهورة لدفع الحسد وسيلة لنجاتك من حاسديك،
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: "رقى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) حسنا وحسينا فقال: أعيذكما بكلمات الله التامات وأسمائه الحسنى كلها عامة من شر السامة والهامة، ومن شر كل عين لامة، ومن شر حاسد إذا حسد، ثم التفت النبي (صلى الله عليه واله وسلم) إلينا فقال: هكذا كان يعوذ ابراهيم اسماعيل واسحاق (عليهم السلام)".
وأخيرا وصية أمير المؤمنين (عليه السلام): لطالب العلم حيث يقول: "يا طالب العلم ان العلم ذو فضائل كثيرة فرأسه التواضع وعينه البراءة من الحسد ".
لأن الحاسد سواء كان شخصا عاديا أو طالب علم هو الضار بنفسه لاغتمامه بسرور غيره.
اضف تعليق