اذا كان مسرحك الاخلاقي تشغله فقط الحقوق والمبادئ العالمية عندئذ انت اما تؤمن بها او لا تؤمن، وهناك افتراض طبيعي بانك اذا كنت حقا تؤمن، فان الأقوى هو الأفضل. يجدر الانتباه هنا ان فضيلة التواضع غير المألوفة يمكن ان تكون في تضاد مع هذا...
ان افكار كانط الكبرى في الأخلاق لا يجب ان تقتصر على جماعة صغيرة من الافراد اختاروا دراسة الفلسفة. انها ليست فضولا اكاديميا وانما هي هامة جدا ويجب ان تكون جزءاً من أي تعليم أخلاقي. ان معرفة أخلاق الفضيلة virtue Ethics تحديدا تساعد شباب اليوم في الإبحار في ما يواجهون من عالم معقد ومخيف.
تقليديا، كان التعليم الديني هو الميدان الذي تتم فيه تغطية الموضوعات الأخلاقية، عادة مع التركيز على الإشكالات الاخلاقية مثل الموت الرحيم، الإجهاض، ومكانة الحيوان. هذه الموضوعات هامة وممتعة وبحاجة لتُناقش لكنها لا تعطي اطارا اخلاقيا. ان التعامل مع الاخلاق في هذا المستوى عادة يُنتج نوعا من شلل الحيادية، او اتجاه فيه "بعض الناس يقولون هذا والآخرون يقولون ذاك – وعليك الاختيار"، مع ان هناك مجالات يتم فيها اتخاذ خط اكثر حزما.
لا أحد ينكر، مثلا، اننا لنا حقوقا معينة، هذه ليست مجرد رأي، في المملكة المتحدة كان هناك مؤخرا اندفاع لتضمين ما سمي "القيم البريطانية" في المنهاج التدريسي (لا نعلم ان كانت هناك قيم بريطانية متميزة). هذه تضم حكم القانون، التسامح، الديمقراطية، الحرية الفردية. وهناك قيم اخرى مثل المساواة، الاحترام، التنوع، الشمولية ايضا اُعطيت أهمية. كل هذا مهم لكنه غير كاف. انه غير شخصي ومجرد وغير مفيد لمن يبحث عن مرشد مباشر حول الكيفية التي تُقاد به حياته. هذه الأفكار الأخلاقية هي ايضا ثابتة. انت اما تقبل بها او لا تقبل، ولا وجود هناك لبُعد تطوري يسعى لتحسين حياة الشخص اخلاقيا وسايكولوجيا.
الايمان الديني يمكنه ان يعطي المزيد من التوجيه الشخصي ولكن هناك بالتأكيد شيء ما يملأ هذا الدور لاولئك الذين هم غير متدينين. حتى وقت متأخر كان هناك قلق من ان النسبية الأخلاقية أصبحت الافتراض الثقافي المهيمن، والذي يعني ان الأخلاق هي دائما مسألة رأي، كل رؤية هي "صالحة بمقدار متساوي" مع عدم وجود معيار موضوعي. نحن نبدوا الآن كما لو اُلقي بنا بقوة الى النهاية الاخرى. المواقف الاخلاقية هي عادة ما يتم الايمان بها بيقين حماسي.
اذا كان مسرحك الاخلاقي تشغله فقط الحقوق والمبادئ العالمية عندئذ انت اما "تؤمن" بها او "لا تؤمن"، وهناك افتراض طبيعي بانك اذا كنت حقا تؤمن، فان الأقوى هو الأفضل. يجدر الانتباه هنا ان فضيلة التواضع غير المألوفة يمكن ان تكون في تضاد مع هذا.
الباحثة (كاثي ماسون) ربطت فضيلة التواضع بالتطور الاخلاقي. هي لاحظت ان التحدث لشخص متواضع "طالما هو لا يهتم بكونه متفوقا نسبيا، هو يُحتمل ان يكون اقل اشتراكا في القوالب النمطية الخبيثة حول ما يجب ان يعلّمنا اياه الآخرون. الاستماع الجيد لشخص ما يستلزم الاعتقاد بان المتكلم ربما لديه ما يريد قوله لنا، وانه ربما يعرف بعض الاشياء التي لا نعرفها نحن"(1). التواضع هنا لا يعني نقص الثقة، او عدم القدرة للدفاع عن رؤية اخلاقية معينة، انه يستلزم فعلا تبنّي جاد للوصول الى الحقيقة دون اعتبار للمكانة الشخصية.
هناك ايضا مشكلة أعمق في التأكيد على الحقوق. انها صورة تشجع الرؤية للافراد كمراكز ذاتية منعزلة ومهددة. الحقوق تصبح دعامة للفرد من تدخّل العالم الخارجي. ان السرد الذي تحتل فيه الحقوق مركز الصدارة يدفعنا نحو افكار الانجاز الفردي من خلال تحقيق الذات والأصالة التي يجب ان تعمل ضد الضغوط التي نواجهها حولنا من العالم الاجتماعي. نعتقد ان هذا، اتجاه أحادي الجانب. كما سنرى، اتجاه الفضيلة يتخذ منظورا اجتماعيا اساسيا حول وجود الانسان.
بالنسبة الى اولئك الذين ليست لديهم تجربة بالفلسفة الاكاديمية، ربما تبدو كلمة "فضيلة" موضة قديمة الطراز وحتى متزمتة. غير اننا، منذ ان كتبت (اليزابيث انسكوم) عام 1958 ورقة هامة اصبحت اخلاق الفضيلة احدى التقاليد المسيطرة في الفلسفة الاخلاقية. (2)
هي تجادل انه بدون الافتراضات الدينية للثقافة المسيحية، فان الفضائل الاخلاقية لأرسطو تبدو اكثر ملائمة من التقاليد المنافسة المتشربة بالافتراضات المسيحية الميتافيزيقية. اخلاق الفضيلة هي نهج شمولي يأخذ الكائن البشري كنقطة بداية بعواطف وعقل والذي عليه اتخاذ قرارات ملموسة في حياته، وانها توفر اطارا مقنعا لعمل معنى لكل هذا. وبدلا من ذوات خاصة تتخذ قرارات اما خاطئة اخلاقيا او صحيحة اخلاقيا، فان التركيز في اخلاق الفضيلة هو على الشخصية وهذه هي شيء يمكن تطويره. اخلاق الفضيلة هي بالتأكيد موضوع كبير، لذا سنركز هنا على ثلاثة مجالات.
اولا، العادات
بالنسبة لاتجاه الفضيلة، تتعلق الاخلاق كثيرا بالعادات في اتباع قرارات اخلاقية طوعية. لكي نكتسب الفضيلة هي، من بين اشياء اخرى، ان نطور العادات الملائمة، ولا وجود هناك لتمييز حاد بين العادات الاخلاقية والعادات غير الاخلاقية. الخاصية الهامة لاتجاه الفضيلة هي ان الاخلاق ليس فيها قسم خاص للحياة.
(تكشف الكاتبة بان ارسطو وافلاطون يشيران مرارا وتكرارا في نقاشاتهم للاخلاق الى أمثلة عن المهن وبدون ملائمة أخلاقية واضحة، مثل الاسكافيون والرماة والمصارعون والنجارون). انه من الصعب رسم حد فاصل و واضح بين الاثنين، عادات التفكير مثل الانتباه الى التفاصيل، الدقة وتقييم الدليل، رغم انها ليست واضحة اخلاقيا لكن يمكن القول ان فيها بعد اخلاقي. بالنسبة للسلوكيات المتكررة التي تشكل الكثير من حياتنا، يسمح لنا الدليل التلقائي للعادة بتجاوز عملية إتخاذ القرارات الواعية.
العادات يمكن ان تسود عندما لا يجب ذلك، عندما على سبيل المثال انت تجد نفسك تسوق سيارتك للعمل في نهاية الاسبوع بسبب انك في نفس الطريق الذي تسلكه في يوم العمل. الخاصية الاساسية للفكر المعتاد والسلوك هو انه سهل وطبيعي، ويمكن تجسيده في حياتك ومن الصعب تجاوزه. هذه الخاصية الأخيرة يمكن ان تكون ذات فائدة هامة، قد يجد البعض، مثلا، من المستحيل الذهاب للنوم في الليل بدون تنظيف اسنانهم. ولكن من المهم، ان العادات لا تظهر بسرعة، انها تأخذ وقتا لكي تتطور.
في بداية حياتنا، من المألوف ان يكون آباؤنا مسؤولين عن غرس العادات الجيدة، ولكن من الخطأ الافتراض ان هناك نقطة في البلوغ تتوقف عندها هذه العملية. نحن نستطيع الاستمرار في العمل بعاداتنا تماما كما لو كنا نكتسب مهارات جديدة مثل عزف الموسيقى او المشاركة في فعالية رياضية جديدة. العديد من السلوكيات السخيفة، تنتج عادة عن عادات سيئة. هذه ليست بالضرورة قرارات واعية للتصرف بدون اعتبار للاخرين، او لامبالاة. لذا فان العادات الجيدة، هي عنصر مهم للحياة الاخلاقية ولم يُعترف بها بما يكفي من جانب المنظورات الاخلاقية الاخرى.
ثانيا، الحكم الجيد
ان فكرة الحكم الجيد (الحكمة العملية لأرسطو) اُعطيت دورا مركزيا. تقليديا الاخلاق تضع المبدأ الاخلاقي في مركز الصدارة وتطبيق هذا اُعطي مكانة ثانوية، انها اعتُبرت تقريبا كعملية ميكانيكية. تماما مثل الهندسة، على سبيل المثال، حالما تُعرف معادلة مساحة المثلث، سيكون الحساب سهلا لو عرفنا القيم الملائمة للمثلث المعين في السؤال. معرفة المعادلة هي الجزء المهم.
اتجاه الفضيلة يعترف بان الاخلاق ليست هكذا ابدا. معرفة المبادئ الاخلاقية يمكن ان تكون عامة ومجردة وهناك فجوة كبيرة بين هذه المعرفة والافعال التي يُفترض ان تُتبع. مثلا، حبّك للجيران كحبك لنفسك، رغم انه شيء رائع، لكنه حقا لا يقول لنا كثيرا عن الافعال المحددة في ظروف معينة. هذه النقطة اثارها سارتر في مثاله الشهير عن الطالب الفرنسي في الحرب العالمية الثانية الذي كان عليه ان يقرر هل يلتحق بالمقاومة ام يبقى يعتني بامه المريضة (3).
الحكم الجيد هو القدرة على التقييم الحقيقي لموقف معين واتخاذ الخيار الصحيح في هذا الموقف. بالنهاية، حياة الانسان هي معقدة وفيها العديد من المتغيرات، بما فيها قدرات الفرد على عمل الأحكام. لو اردنا عمل مقارنة رياضية بين مباريتين لكرة القدم، فان المباريتين لا تتبعان ابدا نفس الطريقة ولذا فان لاعب القدم الجيد يجب ان يمتلك القدرة على عمل القرار الصحيح في موقف جديد.
هناك ربما قواعد عامة للتكتيكات او الاستراتيجية ولكن حتى مع هذه المعرفة سنبقى نفتقر للقدرة على عمل القرار المطلوب في مواقف متفردة. التركيز على الحكم الجيد يضع اخلاق الفضيلة اقرب الى الأسبقيات القانونية منه الى القانون الأساسي. قانون الحالات لا يتطور من خلال وصفات عامة كبيرة وانما من خلال الحكم في حالات محددة تعمل لاحقا كسوابق لحالات المستقبل، والتي بدورها اما تتبع السوابق او، تنحرف بسبب اختلافات اساسية.
الحكم الاخلاقي يتحسن في نفس الطريقة لأن حالات السوابق تصبح اكثر صقلا عندما تُواجه حالات جديدة مختلفة. لذا فان النقطة الاساسية هنا هي ان الحكم الجيد هو حساس للاختلاف في الظروف، وهو شيء عادة يتم تجاهله من جانب المُثل الاخلاقية العالمية، نحن دائما نقول ان الشيطان يكمن في التفاصيل. القرارات الاخلاقية لمعظمنا تتكون في الواقع من أحكام فردية حساسة لظروف معينة بدلا من اتّباع مباشر لقائمة من التوصيات الاخلاقية.
هنا اخلاق الفضيلة تعكس فقط الكيفية التي تُعاش بها الحياة. وبدلا من المبادئ الاخلاقية، فان المواد الخام لعملية تطوير الحكم الجيد هي فضائل معينة مثل الصبر، الكرم، التواضع، اللطف وما شابه. هذه بذاتها خصائص مفتوحة النهايات، نحن فقط من خلال عملية طويلة من تعلّم كيفية تطبيق هذه الافكار في ظروف معينة سنستطيع القول اننا اكتسبنا مثل هذه الفضائل كصفات شخصية. عملية التعلّم هذه تحدث من خلال نماذج الدور، الاستشارة الجيدة، التجربة والخطأ والتفكير النقدي. وهكذا، كما في العادات، الحكم هو شيء ما نستطيع الاستمرار في تحسينه طوال حياتنا.
ثالثا، المصلحة الذاتية
ان أخلاق الفضيلة تعطينا فكرة واسعة ومعقدة عن المصلحة الذاتية. في الخيال الشعبي المصلحة الذاتية يُفترض عادة ان تكون عدو السلوك الأخلاقي: الأنانية سيئة، التضحية جيدة. نحن نرى التصرف لأسباب سخيفة مساوي لوضع مصلحتنا الذاتية قبل مصالح الآخرين، حتى عندما لا يرسخ العمل السخيف دائما المصلحة الذاتية . العديد من الدارسين افترضوا كونك مهتم بالمصلحة الذاتية يعني كونك سخيفا الى ان اشير لاحقا ان الدراسة لأجل الامتحانات يمكن وصفها كمصلحة ذاتية لكن من الصعب ان تكون سخيفة. الفلاسفة أعطوا نظريات توفّق بين المصلحة الذاتية والسلوك الاخلاقي – نظرية العقد الاجتماعي هي مثال رئيسي (انا اتصرف جيدا تجاه الآخرين بشرط انهم يتصرفون جيدا تجاهي).
مع ذلك، الاخلاق الفاضلة تعطي كما يبدو ما هو اكثر اقناعا من هذه النظريات. ان تطوير العادات الجيدة اخلاقيا والحكم الجيد لا يتطلب وضع المصلحة الذاتية جانبا. بل العكس تماما، انه جزء اساسي من عيش حياة جيدة. ان غموض كلمة "جيد" هنا هو امر حاسم. لأنه بالنسبة للاخلاقي الفاضل، الحياة الجيدة اخلاقيا هي الحياة التي هي ايضا جيدة بمعنى كونها حياة مقنعة. ولكي تعيش حياة مرضية او مقنعة هو بالتأكيد لمصلحتنا الذاتية.
الافتراض الهام الذي يدعم هذه الحجة هو الطبيعة الاجتماعية الجوهرية للوجود الانساني. اخلاق الفضيلة يمكن ولدرجة كبيرة ان تهدم الذات اثناء الصراع مع الآخر من خلال الافتراض بان حياتنا افضل ما تُعاش هي ضمن جماعة مستقرة عبر فترة من الزمن، وحيث تتحد المصلحة الذاتية مع مصلحة الآخرين. هذه الجماعات لكي تكون دائمة، كلا المصلحتين تعتمدان على سلوك فاضل للناس المقيمين وفي نفس الوقت يوفر مجالا للمقيمين لتطوير هذه الفضائل.
هناك احساس واضح تكون فيه الفضائل الساندة اجتماعيا مثل الصبر والكرم والمودة، هي مصلحة ذاتية. الكائن البشري يميل للشعور والتصرف بايجابية اكثر تجاه الافراد الذين يعرضون هذه الفضائل قياسا بمنْ يفتقرون لها. لكن هناك معنى أعمق تكون فيه الفضائل جيدة لنا. الفيلسوف الاسكتلندي ألسدير ماكنتاير يطرح الفرق بين ما يسميه خيرات خارجية وخيرات داخلية. لكي يوضح هذا الفرق، هو يتصور طفلا ذكيا يرغب لعب الشطرنج بوسائل من مكافأة الحلويات. حالما يتعلم الطفل اللعبة، يُعطى مكافأة اخرى في كل مرة يربح بها.
اصبح واضحا ان الفوز دائما ممكن مع انه ليس سهلا. ماكنتري يلاحظ انه طالما الحلوى هي المحفز الاكبر فهناك إغراء واضح للخداع. ولكن، هو يقترح وبشكل مقبول ان وقتا سيتم الوصول اليه عندما يبدأ الطفل التمتع بالمهارة التي يطورها لأجل ذاتها. هو يقول، "لذا نحن ربما نأمل، سيأتي وقت عندما يجد الطفل في تلك الخيرات الخاصة بالشطرنج، بالإمكان استخدامها في انجاز نوع معين من المهارات التحليلية، وفي الخيال الاستراتيجي والمزايا التنافسية، ومجموعة جديدة من الأسباب، وهي الان اسباب ليست فقط للفوز في مناسبة معينة وانما لمحاولة التفوق في كل ما يمكن ان تتطلبه لعبة الشطرنج"(4).
وعلى خلاف الحلوى التي تعمل فقط كخير خارجي، ماكنتري هنا يحدد الخيرات الداخلية التي يمكن الحصول عليها من لعب الشطرنج. (السلسلة الاخيرة من دراما Queens Gambit توضح مثال ماكنتري بوضوح ، لأنه على الرغم من ان الصفة المركزية الواضحة هي ان لعبة الشطرنج للفوز بالنقود – خير خارجي- لكن المشاركة في اللعبة ذاتها هي مصدر الإنجاز والقناعة العميقة – الخير الداخلي). الشطرنج هو فقط مثال لما يصفه ماكنتري كممارسة، أي، " شكل متماسك ومعقد للفعالية الانسانية التعاونية المتأسسة اجتماعيا"، وكما في اي ممارسة نحن نستطيع تحسين الآداء من خلال اكتساب العادات الصحيحة، والفضائل الملائمة والحكم الجيد.(5).
وهكذا فان الخير الجيد للحياة الانسانية ليس الخير الخارجي، رغم ان هذا لا يمكن تجاهله، وانما هو الخير الداخلي للانخراط بالممارسات. لكي يكون هناك انجاز عميق ومستمر، فان القناعة والمهنية في المشاركة، في "فعالية انسانية تعاونية مؤسسة اجتماعيا" لا يمكن بلوغها بالمكافأة المادية. وان الانخراط في الجماعة هو الممارسة التي يجب ان نكون فيها بدرجة ما دائما مهنيين. هذا يقودنا لفكرة ان هناك شيء كونه خيّر في الحياة، والحياة نعني بها القدرة لنعيش بانسجام مع الاخرين ضمن جالية. لكن مثل اي مشاركة عند الممارسة يجب النظر اليها كمشروع يترك مجالا للتحسن المستمر.
هناك اذاً فن للحياة اكثر من مجرد تعاقب لخيارات حرة دون ربان كما تفترض الليبرالية احيانا. وفي مقابل فكرة الحياة الاخلاقية كجمود عند مبادئ معينة دون ان تتأثر بالمصلحة الذاتية، يتم تصور الاخلاق كمشروع طويل الأمد لتطور الشخصية ضمن الجالية، والذي يرتكز على اكتساب العادات الجيدة والحكم الجيد المرتبطان بالفضيلة، وهذا كثير منه يصب في مصلحتنا الذاتية. المشاركة في الجالية لا تعني الوسيلة لهدف السلام والأمن للفرد، كما يفترض ذلك العقد الاجتماعي، انها جزء أساسي من الازدهار الانساني ذاته.
هناك طريقتان يمكن ان يكون فيهما فهم الاخلاق الفاضلة لفائدة الحياة المفعمة.
1- على المستوى الشخصي انه يزود انموذجا معقدا في كيفية ايجاد معنى للحياة كمشروع يتطلب جهدا وانخراطا في الممارسة ولكن يمكن ان يقود لإنجاز أعمق يتجاوز رأسمالية المستهلك ومزاعم الهوية. انه انموذج للحياة الاخلاقية التي هي جيدة بصفة عامة وجيدة لك ايضا. في الغرب هناك نزعة لإعطاء قيمة عالية للفطري "الموهبة" التي اما تمتلكها انت ام لا. (هذا يفسر لماذا أطفال شرق اسيا يعملون جيدا في الرياضيات، هم لا يضعون مثل هذا الافتراض). الاخلاق الفاضلة تعمل ضد هذه النزعة. (قيل ان كتاب الاخلاق النيقوماخية لأرسطو هو أعظم كتاب في المساعدة الذاتية).
2- وعلى نطاق أوسع، فهم الاخلاق الفاضلة يزودنا بفهم أعمق للمجتمع الجيد. ان وضع البناء السياسي والاقتصادي الصحيح ربما هو شرط اساسي لكنه بالتأكيد غير كاف للمجتمع. ثقافة الفضيلة هي ايضا مطلوبة. وبمعنى آخر، نحن نرى ان وضع الهياكل السياسية والاقتصادية في المكان الملائم يتطلب وجود شخصيات فاضلة.
أحد الانتقادات لنظرية الفضيلة هي انها تنطوي على نوعها الخاص للنسبية بمعنى لا وجود هناك لمجموعة من الفضائل يمكن اعتبارها المجموعة الصحيحة، وانه من الممكن بناء ظروف تتصارع فيها الفضائل. فضائل اليونان القديمة سوف لن تكون نفس فضائل كونفشيوس او المسيحية، رغم ان هناك مقدار اكبر للتلاقي منه الى الاختلاف. نحن لا نسعى بالنهاية لتحديد مجموعة واحدة للفضائل الصحيحة، وفي اية حال، هناك بعض الفضائل المركزية التي هي بالتأكيد بحاجة للتطوير في أي حياة جيدة، وهو النقاش الذي نحن بحاجة له.
فضائل اللطف، الصبر، العدالة، التواضع، الشجاعة، ربما تبدو واضحة للعديد من الناس، ولكن وصف لماهية الفضائل، كيف يمكن تطويرها، وكيف يمكن ان تساعد المرء ليعيش حياة أفضل لازال بعيدا عن الوضوح لدى الطلاب.
اضف تعليق