لم تقتصر ظاهرة الكذب على مجال معين او حقل من الحقول الانسانية، فنراه منتشر في الدوائر الحكومية والقطاع الخاص على حد سواء، ولم يعرف لغاية الآن السبب الحقيقي وراء هذا التفشي الواسع، لا سيما في الآونة الاخيرة، اذ باتت ظاهرة محسوسة يمارسها الجميع ويعاني منها الكل...
ذات يوم وفي احدى المراحل الدراسية قام المدرس بشرح المادة بشكل مفصل وبعد حين عاد ليتأكد من ان المعلومات ترسخت في اذهان الطلبة، وعندما وجه سؤالا لأحدنا، فأجاب: "استاذ انت لم تشرح هذا الموضوع"، صمت المدرس قليلا وقال الآن اصبحت اخشاكم لان فيكم من يكذب، ومنذ ذلك الحين رسخ بمخيلتي تساؤل وحيد لماذا يكذب الانسان.
الكذب ظاهرة واقعية ولا يمكن ان ننكر تلك الحقيقة، فالمجتمعات الانسانية تمارسها منذ عصور ولدوافع مختلفة واسباب متباينة، اذ يصنف الكذب من اهم السلبيات التي تواجه المجتمع اليوم، كون لها تداعيات على الافراد بمختلف اشكالهم ومكانتهم الاجتماعية.
فقد يكون الكذب بدافع الهروب من الالتزامات المناطة بهم، اذ من الممكن يحتال الموظف لعدم اكمال عمله المسؤول عنه متخذا من الكذب عكازته التي يتكئ عليها ومنقذه الوحيد في مثل ذلك التقصير، وقد قدر بعض المهتمين بهذه الظاهرة أن الإنسان يكذب حوالي 4 مرات في اليوم أي ما يعادل 1456 كذبة في السنة، ولكن الغريب أن الكثير من الناس ينكر ممارستها أو يبررها ويضعها تحت تصنيفات مختلفة كالكذب الأبيض والكذب الاسود او الايجابي وغيرها من الاصناف.
ولم تقتصر ظاهرة الكذب على مجال معين او حقل من الحقول الانسانية، فنراه منتشر في الدوائر الحكومية والقطاع الخاص على حد سواء، ولم يعرف لغاية الآن السبب الحقيقي وراء هذا التفشي الواسع، لا سيما في الآونة الاخيرة، اذ باتت ظاهرة محسوسة يمارسها الجميع ويعاني منها الكل، وهنا يمكن ان يكون الكل يكذب على الكل!.
لو تفحصنا في الاسباب الحقيقة التي تدفع الانسان للكذب نجد في مقدمتها هو خشية الفرد من اظهار الحقيقة للناس التي تغير وجهة نظرهم فيه، بينما في الخفاء يمارس شتى الممارسات غير اللائقة وشخصيته ومكانته الاجتماعية، حيث يلجأ الى الكذب لتغييب تلك الحقيقة ابعادها عن الناس.
وضمن صفوف الكاذبين بعض الطلبة في المدارس اذ يقدم الطالب على الكذب للخلاص من العقاب الذي من المؤكد سيحل به لو نطق بالصراحة، فبعض التربويين يقدم العقاب دون معرفة الاسباب ولا ينتظر لسماع الحقيقة من الطالب فلربما يمر بظرف منعه من تأدية واجبه البيتي او حصل عارضا اجبره على التأخر لدقاق عن الحصة الاولى، ما دعاه لتفخيم الامر واعطاء الموضوع اكبر من حجمه ليضمن بذلك عدم المعاقبة او التأنيب على اقل تقدير.
ولا يختلف حال بعض اولياء الأمور فقد يقع الآباء بالاحراج امام ابنائهم اذا تعلق الامر بجلب بعض الاشياء من السوق، فقد تكون الحالة الاقتصادية هي من اجبرته على الكذب كونه لا يملك المال الكافي ولا يستطيع قول ذلك لافراد العائلة فنراه يذهب لاساليب اخرى يتخف ورائها للخروج من ازمته العائلية، فيقول ان صاحب المتجر الفلاني غالق ابوابه، او مررت بصاحب الاسواق هذا فلم اجد النوعية الجيدة وانتهم تستحقون الافضل، وما شابه هذه الاعذار كثير.
وللعوامل النفسية تأثير كبير على ممارسة الكذب من قبل الكبار، فبعضم كان يعاني في صغره من نقص الاهتمام والدونية الاجتماعية، فأراد ان يغير تلك النظرة بالكذب من اجل لفت الانتباه اليه بطريقة ما، دون الاكتراث لما يفعله كونه مؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة وان لم تكن الوسيلة مقبولة اجتماعيا ومحرمة دينيا في جميع المذاهب والاديان السماوية.
فمن الواضح ان جميع بني البشر يعتقدون انهم صادقون حتى الكاذبين ولا يتقبل اي انتقاد او تصنيف يضعه داخل المجموعة الكاذبة في المقابل نجدهم يمارسون الكذب بشكل واضح وعلني، فترى ما الذي يمكن ان نطلقه على هذه الظاهرة؟، فهل يمارس الشخص الكذب لاشباع رغبة نفسية ام محاولة للنيل من بعض الاقران؟، فقد يلحق الكذب بهم الضرر وهو بذلك وصل مبتغاه وغايته.
ويخطأ من يظن ان ظاهرة الكذب تتفشى في المجتمعات النامية او المتخلفة فحسب، فالكذب موجود ويمارس من قبل الافراد البشرية بصورة عامة ولكن بنسب مختلفة، فلا يمكن ان تكون نسبة الكذب لدى الشعوب الجائعة هي نفسها لدى البلدان المرفهة بالتأكيد هنالك اختلاف كبير، لكن القصد من ذلك لا يمكن ان نرى الكذب يختفي تماما بجتمع ما ويظهر جليا في آخر.
ويبقى علينا ان نذكر بأن للكذب جوانب مشرقة ايضا فلا يمكن ان تخلو اي ظاهرة من الايجابية، فبعض الاشخاص يكذبون لدرأ مفاسد معينة ويحصلون على نتائج ايجابية كأن يكون الكذب بقصد اصلاح ذات البين وفض الخصومة بين طرفين، وبذلك يكون الكذب عاملا رئيسا وسببا ناجحا من اسباب الصلح او التقارب بين الطرفين والامثلة على ذلك كثيرة.
اذا اراد الانسان ان يتقدم في مضمار الحياة المتشابك عليه ان يكون صادقا مع نفسه ومتصالحا مع ذاته، كون الصدق هو بمثابة جواز سفر تجوب به قلوب الاقارب قبل الاصدقاء ولا تفسح الفرصة امام الاعداء للتشهير بك والتقليل من كرامتك، وبهذا ستكون شخصية لها تأثيرها المميز ومكانتها المرموقة بين الاقران، ولنا في ذلك اسوة حسنة تتمثل بشخصية النبي الاكرم محمد صل الله عليه وآله وسلم الذي كان رمزا من رموز الصدق والامانة لذا اجتباه الله لتبليغ رسالته ونشر فرائضه وارساء احكامه.
اضف تعليق