الظلم نقيض العدل، الأول يرتبط بالأشخاص المستبدين بغض النظر عن حجم المسؤولية المرتبطة بهم، والثاني (العدل) وهو يرتبط بالأشخاص الذين يتعاملون مع الجميع وفقا لمعايير العدالة، وشتان ما بين الانسان الظالم والعادل، وكلما عظمت مسؤولية الانسان كلما كانت نتائج الظلم أو العدل كبيرة ومؤثرة، فالحاكم الظالم عندما يتخذ إجراءً ظالما قد يطول شريحة أو فئة أو مجموعة كبيرة من الناس، هنا سوف تكون أعباء اجراء الحاكم جماعية يتأثر بها عدد كبير من الناس، وكذا إذا كان الاجراء عادلا سوف ينعكس على الجمع الذي يستهدفه.
قد يكون الأب ظالما أو عادلا، وكذلك رب العمل ومدير المؤسسة والدائرة والمدرسة، وهكذا، وقد أثبتت الوقائع والتجارب أن نتائج الظلم قد تكون مدمرة، وقد تصل خسائرها الى مستويات غير مسبوقة، ولن تكون من حصة الشخص او الجماعة التي يقع عليها الظلم، فالقائم بالظلم سوف يخسر الكثير ماديا ومعنويا، فإذا كان صاحب مؤسسة انتاجية، لا شك أن قراراته وادارته الظالمة، سوف تجر عليه كثيرا من الخسائر، على العكس من المدير أو المسؤول أو المالك العادل الذي يراعي حقوق العمال وما شابه، فهو ينال رضا العاملين عنده، وينال رضا الله تعالى، على العكس من الظالم الذي اذا نجا من عقوبة الدنيا، سيكون بانتظار عقوبة الآخرة، وبهذا المعنى فإنه لن يفلت من العقاب فضلا عن الخسائر المادية والمعنوية التي تلحق به من دون أدنى شك.
يقول الامام علي عليه السلام: (الظَّالِمُ طَاغ يَنْتَظِرُ إِحْدَى النِّقْمَتَيْنِ). إذاً فالظالم طاغ أي أنه جاوز الحدّ في ارتكاب الذنوب، ولابد أنه يتوقع أحد العذابين، العذاب الدنيوي، والعذاب الاخروي، وبما انّه معرّض لأحدهما وسوف يلاقي أحدهما، فكأنّه ينتظر أحدهما، وبهذا يكون عرضة للخسارة بشقيها المادي والمعنوي اذا كان من اصحاب الاعمال والمشاريع الانتاجية او سواها.
من ناحية أخرى، الانسان العادل سوف يكون رابحا في جميع الاحوال، حتى لو تعرض لبعض الخسائر المرحلية نتيجة لإدارته او قراراته العادلة، ففي بعض الاحيان يحتاج العدل الى بعض السياسات المهادنة، وربما يحتاج الى نوع من التنازلات الوقتية، وقد يؤدي الى خسائر وقتية ايضا، فهناك أناس واشخاص لا يروق لهم العدل، لأن مصالحهم فوق كل شيء، حتى فوق العدل، ولاشك أن الانسان العادل سوف يخسر مثل هؤلاء اذا وقف ضد مصالحهم وفق العدل، لكنه يبقى في سياسته العادلة كمن يزرع الآن ليحصد ارباحه غدا، وينطبق هذا على جميع الاشخاص العادلين في حياتهم وأعمالهم وعلاقاتهم وقراراتهم، مهما كان نوع او درجة مسؤوليتهم، ولا شك أن الانسان العادل سيكون على العكس من الظالم تماما، سواء في أعماله أو في النتائج التي ينتظرها، فإذا كان الظالم بانتظار احدى النقمتين، فإن الانسان العادل كما يقول الامام علي عليه السلام: (رَاع يَنْتَظِرُ أَحَدُ الجَزَاءَيْنِ).
لأن الحاكم العادل هو من يراعي الحقو والعدل ويهتم بحقوق ومصالح الناس، أي انّ الحاكم العادل يرعى مصالح الناس بعدالته، ويتوقع تحصيل أحد الجزاءين الحسنين، أحدهما في الدنيا والآخر في الآخرة. وقد ورد (أحسن الجزاءين) بدل (الجزاءين) في بعض النسخ، وعليه انّه ينتظر أفضل الجزاءين الحسنين، أي سيصيبه ما هو الأفضل له منهما، وهذه تمثل ربحية مؤكدة لا تقبل الشك، يستحقها الحاكم والمسؤول والانسان العادل نتيجة لعدله وابتعاده عن الظلم.
أما بخصوص القادة السياسيين، فإن العدل بالنسبة لها سياسة وقرار واجراء فعلي، له نتائجه الواضحة التي ستكون في صالح الامة والدولة والمجتمع، وفي الوقت نفسه ستزيد من ربحية السياسي، وتجعله محط احترام وتأييد العامة، وهذا هو المكسب الدنيوي الحقيقي بالنسبة لمن يعمل في حقل السياسة، وحتما هناك اسلوب آخر لإدارة شؤون الناس غير العدل، ولكن ابتعاد الحاكم او السياسي عن العدل سوف يجعله عرضة للخسائر المادية والسياسية المعنوية، لذلك ينصح العارفون الساسة والقادة والحكام بأهمية الإدارة العادلة والحكم العادل.
كذلك يقول الامام علي عليه السلام: (العَدْلُ أَفْضَلُ السِّياسَتَيْنِ).
بمعنى أن المراد هنا هو أنّ العدل والانتصاف للمظلوم من الظالم أفضل من التدابير الأخرى، أو انّه إذا قيس بأيّة سياسة وتدبير آخر كان أفضل، وحتما سوف يربح السياسي كثيرا نتيجة لعدله، في حين أن الحاكم الجائر سوف يخسر كل شيء كما أكدت ذلك التجارب والوقائع على حد سواء، لذا فإن العدل يمثل عاملا مساعدا بل منتجا للربحية بنوعيها المادي والمعنوي، ليس للسياسي فحسب انما ينطبق ذلك على جميع المسؤوليات والمناصب من أدناها الى أعلاها، الامر الذي يدعو الحكام وذوي المناصب والمسؤوليات كافة، الى اهمية الادارة العادلة، والابتعاد عن الظلم بكل اشكاله ودرجاته.
اضف تعليق