تعد مشكلة نقص المياه وشحتها، من اخطر التحديات التي تهدد مستقبل الحياة على سطح الكرة الارضية، اذ اصبحت المعمورة تعج بالكثير من المشكلات والازمات والمخاطر المتفاقمة، بسبب انانية الانسان واستمرار الصراعات والخلافات السياسية بين اغلب دول العالم، في سبيل تحقيق منافع ذاتية كانت سببا كبيرا في خراب هذا الكوكب الحي كما يقول بعض الخبراء. وقد أكد الخبراء في تقارير مختلفة، أن النمو السكاني وتغيّر المناخ بصورة متزايدة يؤديان إلى إحداث تغييرات في مدى توافر المياه التي ازداد الطلب عليها بشكل كبير، إذ أخذت مصادر المياه العذبة في التقلص، هذا بالإضافة الى ان عددا كبيرا من مصادر المياه أصبح مهددا بسبب الصرف الخاطئ للنفايات وطرح الملوثات الصناعية والمياه الملوثة، وهو ما قد يسهم بحدوث ازمات عالمية جديدة، قد تقود الى حدوث صراعات ونزاعات وحروب عسكرية في سبيل الحصول على مصادر المياه وتحويل مجاري الانهار. وعدم اتخاذ خطوات فعالة قد يكون له نتائج خطيرة على نطاق واسع.
وبحسب بعض التقارير الخاصة فإن الطلب العالمي على المياه سيرتفع من 4500 مليار متر مكعب في الوقت الحاضر الى 6900 مليار متر مكعب في العام 2030. ووفقا للتقديرات يحتاج كل فرد في المتوسط إلى 1000 متر مكعب من المياه على الأقل سنويا ـ أي ما يعادل خمسي حجم بركة سباحة أولمبية. لأغراض الشرب والنظافة وزراعة متطلبات غذائه. واحتمال حصول الناس على كميات كافية من المياه يتوقف في الغالب على مكان إقامتهم، لأنه ثمة تباين كبير في توزع الموارد المائية العالمية.
وتوقع خبراء البيئة والمناخ أيضاً أن تشتد ندرة المياه في بعض المناطق مثل الأقاليم القاحلة في أميركا الجنوبية وأفريقيا والأقاليم الداخلية في آسيا وأستراليا. وفي سياق متصل، توقع بعض الخبراء تردي نوعية المياه عالمياً بأثر من ارتفاع درجات حرارة الارض والتغييرات في الظروف المناخية غير العادية التي تشمل الفيضانات والجفاف وغيرهما. ولمحوا إلى أن الانخفاض في المياه الجوفية على طول أحد السواحل يمكن أن يتسبب في اقتحام المياه المالحة لإمدادات المياه الجوفية فيه.
حاجة الأمريكيين للماء
وفي هذا الشأن فقد اظهر تقدير جديد لوكالة الفضاء الاميركية (ناسا) ان وضع حد لمشكلة الجفاف التي تضرب ولاية كاليفورنيا منذ ثلاث سنوات بحاجة الى 42 كيلومترا مكعبا من المياه اي ما يعادل حوالى مرة ونصف المرة المحتوى الاقصى لأكبر خزان في البلاد. ففي وقت سابق وفي عز موسم الجفاف، حدد فريق العلماء هذا استنادا الى بيانات جمعت بالأقمار الاصطناعية ان مخزونات المياه في احواض نهري ساكرامنتو وجواكين هي دون المستوى الموسمي الاعتيادي بكثير مع 41639 مليار ليتر اقل.
واستعان العلماء بالقمر الاصطناعي غريس (غرافيتي ريكوفوري اند كلايمت اكسبريمنت) التابع للناسا وقدروا ان هذين الحوضين النهريين خسرا منذ العام 2011 حوالى 151000 مليار (15 كيلومتر مكعب) من المياه سنويا. وهذا يشكل كمية من المياه اكبر من تلك التي يستهلكها سكان كاليفورنيا الثمانية وثمانون مليونا سنويا لكل حاجاتهم، على ما اعتبر معدو الدراسة التي عرضت في المؤتمر السنوي لجمعية "اميركان جيوفيزياكل يونيون" المنعقد في سان فرانسيسكو. وثلثا هذا العجز المائي عائد الى نضوب جيوب جوفية في وادي كالفورنيا.
واظهرت دراسة اخرى اجريت في 2014 مع المرصد الجوي للثلوج والجليد ان الغطاء الثلجي في سلسلة جبال سييرا نيفادا اقل سماكة بمرتين عما كان عليه في التقديرات السابقة. ويسمح المرصد بقياس كمية المياه التي تحويها طبقات الثلج والاشعاع الشمسي الذي تمتصه. ويمكن للعلماء من خلال ذلك احتساب وتيرة ذوبان الثلوج وتقدير كمية المياه التي ستنتهي في الاحواض. وقال توم باينتر الباجث في مختبر "جيت بروبالشن لابوراتوري" التابع للناسا ان "الغطاء الثلجي في العام 2014 كان الاقل سماكة منذ العام 1977 عندما كان عدد سكان كاليفورنيا نصف ما هو عليه الان". وتابع يقول "الى جانب تراجع مخزونات المياه فان تقلص المساحات المكسوة بالثلوج تكثف من ظاهرة الاحترار المناخي من خلال امتصاص اكبر للأرض غير المكسوة بالثلوج لحرارة الشمس". بحسب فرانس برس.
من جانب اخر قالت السلطات في لوس أنجليس إن رئيس بلدية المدينة يهدف إلى خفض المياه المستخدمة محليا بنسبة 20 بالمئة على مدى السنوات الثلاث القادمة لمواجهة أسوأ موجة جفاف. وطالب رئيس البلدية إريك جارستي في أمر تنفيذي سكان المدينة البالغ عددهم 3.9 مليون شخص بالحد من ري حدائق منازلهم إلى مرتين أسبوعين وأمر ادارات المدينة بخفض ري الحدائق التابعة للبلدية.
وحذر جارستي من أنه إذا لم تؤت هذه التدابير وتدابير أخرى ثمارها بخفض استخدام المدينة للمياه بنسبة 20 بالمئة بحلول 2017 فإن لوس أنجليس قد تفرض تخفيضات إلزامية على السكان من بينها فرض قيود على غسل السيارات. ويأتي هذا التحرك بعد أشهر على إعلان حاكم ولاية كاليفورنيا جيري براون حالة الطوارئ بسبب موجة جفاف بدأت منذ عدة سنوات وطالب بتخفيضات طوعية للمياه بنسبة 20 بالمئة. وأعلن مسؤولو كاليفورنيا أن استهلاك المياه في الولاية الامريكية تراجع بالفعل بنسبة 11.5 بالمئة. كما أمر ادارة المياه والطاقة بالمدينة بخفض مشترياتها من المياه التي يتم استيرادها من مناطق اخرى بنسبة 50 بالمئة بحلول عام 2024.
اكبر بحيرة ملحيّة
من جانب اخر ورغم أنها كانت وجهة لمن يريد الطوف فوق أملاحها، ورغم كونها سادس أكبر بحيرة ملحية في العالم، وأكبرها بالشرق الأوسط قبل 20 عاماً، إلا أنه لم يعد هنالك ذكر لبحيرة "أروميا" الواقعة في إيران. ولم تكن هذه البحيرة وجهة للمتعالجين من البشر فحسب بل كانت محطة لطيور الفلامنغو، والغزلان التي كانت منذ فترة غير بعيدة من أهم سكان المناطق المجاورة للبحيرة.
لكن اليوم تقبع هذه البحيرة في ظلال الماضي، فبعد عقود من سوء إدارة مياهها، وعدم تنظيم سياسات الزراعة وتناقص معدلات هطول المطر، فإن حجم البحيرة الكلي تراجع لما يقارب الجفاف، إذ تشير إحصائيات برنامج الأمم المتحدة للتنمية إلى أن حجم البحيرة تقلص بمقدار الثلثين منذ عام 1997.
ولا يرافق هذه البحيرة في وحدتها إلا الأملاح وعدد من القوارب الصدئة المهجورة، فقد تركت هذه البحيرة من قبل السياح وحتى الحيوانات الي اعتبرتها موطناً في السابق. ويقول المنسق شؤون الأمم المتحدة في إيران، غاري لويس، إن تراجع مستوى البحيرة يشير إلى سرعة الضرر الذي يمكن أن يحدثه البشر على الطبيعة، وهي مشكلة يعلم الرئيس حسن روحاني بوجودها في بلاده، وقد تطرق إليها وأبدى موافقته على صرف 500 مليون دولار خلال العام الأول من خطة ستمتد على مدى عشر سنوات، إذ قال في خطابه: "إن جفت البحيرة، فإن التهديد الناجم عن ذلك، لن نتمكن من مقارنته بأي تهديد آخر."
هذا الخطاب لم يكن مبالغاً به، إذ يمكن أن تشهد إيران أزمة كبيرة في المياه، إذ يشير لويس إلى أن معدل استهلاك المياه للفرد الواحد سنوياً عام 1956 بلغ سبعة آلاف متر مكعب، واليوم فإن الرقم تضاءل ليصل 1900 متر مكعب، ويقل إلى 1300 متر مكعب للفرد بحلول عام 2020. وطريقة إيران للتعامل مع المشاكل تعد حديثة للدولة، إذ لا تعمل على رمي النقود لعلاج المشكلة، بل تعاون قسم البيئة التابع لإيران مع صندوق مشاريع الأمم المتحدة للتنمية "UNDP"، وعقدا اجتماعاً استضافا فيه مئات الخبراء الدوليين لتفهم كيفية حل مشكلة نقص المياه التي تعاني منها إيران، وقد تمت الموافقة على 24 مشروعاً.
وقد أصدر روحاني، خلال الفترة الأولى من استلامه منصب الرئاسة، أوامر بتشكيل مجموعة خاصة لإنقاذ بحرية " أورميا " والمناطق الأخرى المهددة بالجفاف، وفقاً لما أشار إليه أستاذ العلوم والأحياء البحرية في جامعة أورميا، ناصر آغ، الذي يعمل عضواً في اللجنة المشرفة على برنامج إعادة تأهيل البحيرة. ولكن عملية تأهيل البحيرة لن تكون بالأمر الهين. بحسب.CNN
إذ يقول آغ إن المشروع المخطط لعشر سنوات سيهدف لإعادة البحيرة لنصف حجمها الأصلي، ولكنه أكد على أن الحكومة الجديدة لإيران مختلفة، وتتناول القضايا لحلها، وقارنها بالحكومة القديمة التي كانت تقول وتشكل لجان دون توفير أي ميزانية لتنفيذ المشاريع المخطط لها، وكما يقول آغ: "دون ميزانية لم يكن بمقدورنا أن نفعل شيئاً."
خزان طبيعي في روسيا
الى جانب ذلك حذرت السلطات الروسية من ان مياه بحيرة بايكال، اكبر خزان طبيعي للمياه العذبة في العالم، وصلت الى ادنى مستوى لها منذ ستين عاما، في ظاهرة تعزى بحسب الناشطين البيئيين الى الجفاف والافراط في استخدام المياه. وقال يوري سافيانوف وزير الموارد الطبيعية في حكومة جمهورية بورياتيا الروسية التي تشرف اراضيها على البحيرة "ان المستوى الحالي هو الادنى منذ ستين عاما". وازاء ذلك، قررت السلطات "اعلان حالة الطوارئ" ولا سيما لمراقبة ضخ المياه من البحيرة الى القرى المجاورة التي قد تخضع لتقنين.
ويرى المدافعون عن البيئة ان السبب في انخفاض مستوى مياه البحيرة يعود اساسا الى شركة لتوليد الطاقة الكهربائية اقيمت على ضفاف نهر انغارا، وهو النهر الوحيد الذي يصب في البحيرة. وقال الكسندر كولوتوف المنسق الروسي لمنظمة "انهار بلا حدود" التي تضم منظمات صينية وروسية ومنغولية واميركية، ان هذه الشركة لتوليد الطاقة الكهربائية "تزيد انتاجها سنة بعد سنة على حساب مستوى مياه البحيرة". بحسب فرانس برس.
وقال اركادي ايانوف من منظمة غرينبيس ان الجفاف هذا العام ادى الى خفض منسوب البحيرة، مضيفا "والآن يأتي قطاع الطاقة ليجعله ينخفض اكثر فأكثر". وتدرس الحكومة الروسية حاليا مشروعا يقضي باقرار تخفيض جديد للمنسوب الادنى المسموح به للبحيرة، بهدف رفع مستوى انتاج الطاقة في المحطات الكهربائية، ومن المقرر ان تبت به في الايام المقبلة.
انخفاض احتياطي ماء البرازيل
من جانب اخر يقول مسؤولون إن مدينة ساو باولو البرازيلية التي يسكنها 20 مليون نسمة وأصابها الجفاف لم يبق لها سوى شهرين من إمدادات المياه فيما تبدأ في استهلاك ثاني احتياطي من ثلاثة احتياطيات للطوارئ. وبدأت المدينة تستخدم ثاني "احتياطي فني" قبل أيام لمنع أزمة مياه قبل أن تنخفض المياه في الخزانات إلى مستويات خطيرة. ويقول خبراء إن هذه هي أول مرة تلجأ الولاية إلى استخدام الاحتياطي.
وقالت ماروسيا ويتلي وهي خبيرة في موارد المياه في معهد سوسيو أبيمينتال غير الحكومي "إذا وضعنا في اعتبارنا النمط ذاته في استخراج المياه وهطول الأمطار التي شهدناها حتى الآن -والتي كانت أقل من نصف متوسط هطول الأمطار المعتاد - نستطيع ان نقول إن الاحتياطي سيكفينا قرابة ستين يوما." لكنها أضافت أن الارتفاع المتوقع في استخدام المياه خلال موسم عطلات عيد الميلاد ورأس السنة قد يقلص بسهولة فترة استمرار الاحتياطي. وذكرت أنه بعد هذه الفترة لا يوجد أي ثقة بشان مصير إمدادات المياه المتاحة في أغنى مدينة بالبرازيل ومركزها المالي. وقالت إنه إذا لم تجدد الأمطار نظام الخزانات الذي يمد المدينة بالمياه فان المدينة قد يصيبها الجفاف. بحسب رويترز.
وقال فيسنتي أندرو رئيس وكالة تنظيم المياه إن من الممكن استخدام الاحتياطي الثالث والأخير لكن المياه بداخله مخلوطة بالطمي وقد يصعب هذا من ضخ المياه للمستخدمين. وقال خلال جلسة استماع بشان أزمة المياه في الكونجرس ببرازيليا "أعتقد أنه من الناحية الفنية لن يكون صالحا للاستخدام. لكن إذا لم تمطر فلن يكون أمامنا بديل سوى استخراج المياه من الطمي."
حالة طوارئ بالمالديف
على صعيد متصل اعلنت "حال الطوارئ" في ماليه عاصمة جزر المالديف التي حرم قسم كبير منها من الماء الصالح للشرب غداة حريق في مصنع تحلية مياه البحر. وازاء ندرة الماء هاجم سكان محلات تبيع المياه المعدنية، بحسب وسائل اعلام محلية. وماليه هي احد اكثر اماكن العالم اكتظاظا بالسكان حيث يقطن 120 الف شخص في كيلومترين مربعين.
وفي حين يبذل المهندسون جهودا لإصلاح المصنع المتضرر، أرسلت الهند وسريلانكا والصين أطنانا من قناني المياه المعدنية. وأقام سلاح الجو الهندي جسرا جويا، وأرسلت البحرية سفينة مزودة بنظامين لتطهير المياه يمكنهما إنتاج 20 طنا من مياه الشفة يوميا. بحسب ما اعلنت الخارجية المالديفية. واضافت الوزارة ان هناك سفينة اميركية محملة بالماء في طريقها الى المالديف كما وعدت الصين بالمساعدة. وتسعى السلطات الى اعادة تشغيل المصنع لكن اصلاحه قد يستغرق ايام، بحسب موقع مينيفان نيوز. في المقابل لم تصب ندرة الماء المناطق السياحية في المالديف الواقعة على جزر اخرى تملك مصانعها الخاصة لتحلية الماء.
مبالغ ضخمة لتحلية الماء بالسعودية
في السياق ذاته قال رئيس المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية عبد الرحمن بن محمد آل إبراهيم إن المؤسسة الحكومية تعتزم استثمار 300 مليار ريـال (80 مليار دولار) بحلول العام 2025 لتعزيز إنتاج المياه المحلاة التي تستهلك الطاقة بكثافة إلى 8.5 مليون متر مكعب يوميا. وأبلغ آل إبراهيم أن المؤسسة وهي أيضا ثاني أكبر منتج للكهرباء في السعودية تنتج حاليا 3.6 مليون متر مكعب يوميا من المياه المحلاة. وزاد معدل استهلاك الكهرباء والمياه في المملكة كثيرا في السنوات الأخيرة مع استهلاكها كميات أكبر لدعم السكان الذين يعيشون حياة مرفهة والتغلب على درجات الحرارة المرتفعة في الصيف.
وقال آل إبراهيم "في أقل من عامين سيزيد انتاجنا إلى 5.2 مليون متر مكعب يوميا ... وبحلول نهاية الفترة 2015-2020 سنحتاج للوصول إلى 8.5 مليون متر مكعب يوميا." وأضاف "حجم الاستثمار الذي نحتاجه يبلغ نحو 300 مليار ريـال سعودي في السنوات العشر المقبلة... حتى 2025." بحسب رويترز.
وكان نائب وزير الكهرباء السعودي قال في وقت سابق إن السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم تحتاج لانفاق 800 مليار ريـال على مدى السنوات العشر القادمة لتلبية الطلب المحلي المتزايد على المياه والكهرباء. وذكر آل إبراهيم أن المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعى لمضاعفة كفاءة الطاقة من المستوى الحالي البالغ نحو 26-27 بالمئة إلى 54-55 بالمئة وتتطلع إلى موارد للطاقة المتجددة. وقال في وقت لاحق إن المؤسسة تستخدم 300 ألف برميل من المكافئ النفطي يوميا.
المصدر الحقيقي للمياه
من جانب اخر كشفت القياسات التي قامت بها المركبة الأوروبية روزيتا وهي في مدار حول المذنب "تشوريوموف-غيراسيمنكو" أن المصدر الحقيقي للمياه على الأرض يرجع على الأرجح للنيازك وليس للمذنبات. ويعود مصدر المياه الموجودة على الأرض إلى كويكبات ارتطمت بكوكبنا قبل 3,9 مليار سنة وليس إلى نواة مذنبات، على ما أظهرت القياسات التي قامت بها المركبة الأوروبية روزيتا وهي في مدار حول المذنب "تشوريوموف-غيراسيمنكو" الذي حط عليه الروبوت فايلاي في تشرين الثاني/نوفمبر.
وأوضحت كاثرين التويغ من جامعة برن السويسرية المشرفة الرئيسية على هذه الدراسة التي نشرتها مجلة "ساينس" العلمية الأمريكية "نستنتج أن المياه على الأرض نقلتها على الأرجح نيازك وليس المذنبات". وبواسطة منظار طيفي، حدد الباحثون أن البصمة الذرية لجزيئيات الماء المرصودة قرب المذنب "تشورييوكوف" مختلفة كثيرا عن تلك الموجودة على الأرض.
ويقيس العلماء نسبة الدتيريوم (الهيدروجين الثقيل)، إلى الهيدروجين نفسه الذي تضمه المياه إلى جانب الأكسيجين في تركيبتها. وأضافت التويغ أن "نسبة الدتيريوم إلى الهيدروجين (في جزيئيات المياه على المذنب تشوريوكوف) هي الأعلى على الأرجح بين كل الأجرام في النظام الشمسي" وهي ثلاث مرات النسبة الموجودة في المياه المتوافرة على كوكب الأرض.
وهذه النسبة أكبر بـ 30 إلى 120% من تلك التي عثر عليها في جزيئيات مياه في المذنب هالي الذي ينتمي إلى عائلة المذنبات نفسها والمعروفة بمذنبات المشتري المتشكلة في حزام كايبر. وقالت العالمة إن نسبة الدتيريوم إلى الهيدروجين العالية "تعني أن المذنب تشوريوموف تشكل على حرارة متدنية جدا على الأرجح في بدايات النظام الشمسي قبل 4,6 مليار سنة". أما المياه التي عثر عليها على نيازك فنسبة الدتيريوم إلى الهيدروجين فيها أضعف بكثير، وهي بالتالي مشابهة لتلك المتوافرة على الأرض.
وأوضح فرانسيس روكار، مسؤول برنامج روزيتا في المركز الوطني لدراسات الفضاء، أنه تم حتى الآن رصد عدد أكبر من النيازك (650 ألفا) مقارنة بالمذنبات (أربعة آلاف). وأضاف "برأيي أن هذه النتيجة من روزيتا لا تقلب الأمور بل تعقدها أكثر مما كنا نعتقد مع تعزيز فرضية النيازك" كمصدر للمياه على الأرض. وأوضح العالم "نسبة الدتيريوم إلى الهيدروجين في المياه تتفاوت من مذنب إلى آخر وأكثر بكثير مما هي الحال مع النيازك وحتى الآن يصعب علينا أن نستوضح الأمر". بحسب فرانس برس.
وأوضحت التويغ أن القياسات المتباينة لهذه النسبة في العائلة نفسها من المذنبات قد يشير إلى مصادر مختلفة للأجرام السماوية. ويوضح العلماء أن المياه على شكل غاز متأت من صهارة بركانية بعيد تشكل كوكب الأرض، تولدت من حوادث ارتطام ضخمة مع أجسام أخرى ولا سيما الحادث الذي أدى إلى تشكل القمر. ويرجح أن تكون هذه المياه البدائية اختفت لكن الأرض استعادت المياه بفضل وابل كثيف من النيازك خصوصا، قبل 3,9 مليار سنة على ما تظهر الدراسة الأخيرة.
ما حجم بصمتكَ المائية
من جهة اخرى فإذا كنت قد اشتريت بنطالا من الجينز في الآونة الأخيرة أو تناولت قطعة برجر في العشاء ثم أعقبتها بفنجان لطيف من القهوة.. فربما لم يخطر ببالك أن تربط ملمس القماش أو رائحة الطعام بكمية الماء المستخدمة فيهما. ربما يكون الوقت قد حان لتدبر الأمر. فإعداد فنجان القهوة لا يقتصر على مجرد 125 ملليمترا من الماء تسكبها في الفنجان.. بل إن هناك 140 لترا من الماء تتطلبها زراعة حبات البن المستخدمة في عمله. أما إنتاج قطعة همبرجر واحدة فيحتاج كمية من الماء تزيد 17 مرة عن ذلك.. يحتاج 2400 لتر.
وإنتاج كيلوجرام واحد من القطن المستخدم في صناعة بنطال الجينز يحتاج عشرة آلاف لتر من الماء لزراعة القطن والصباغة والغسل. من هنا كانت أهمية بصمتنا المائية التي تعني الأثر الذي تتركه أنشطتنا على موارد المياه العذبة. فقرارنا الخاص بالأشياء التي نستهلكها يؤثر على موارد المياه في الأماكن التي يجري فيها صنع تلك المنتجات.
وكثير من هذه الأماكن مثل الصين والهند أكبر منتجي القطن في العالم أو منتجي البن مثل كولومبيا ربما تكون تواجه بالفعل مشكلات في المياه. وقالت روث ماثيوز مديرة شبكة البصمات المائية التي تروج لفكرة ترشيد استهلاك المياه إن الوقت حان للانتباه للآثار المترتبة على الاستهلاك من جانب الأفراد وليس مجرد الشركات الكبرى التي بدأ كثير منها بالفعل في حساب بصماتها المائية. وأضافت "إذا واصلنا تحسين نوعية حياتنا من خلال كمية السلع التي نستهلكها.. فسيعاني المزيد والمزيد من الناس من ندرة المياه." بحسب رويترز.
ويستهلك الفرد في بريطانيا حوالي 150 لترا من الماء يوميا في المتوسط ويرتفع الرقم لأكثر من 4500 لتر يوميا عند حساب كل "المياه الخفية". وفي المقابل هناك ما يقرب من 750 مليون نسمة في العالم لا سبيل لهم للوصول للمياه النظيفة. وقالت ماثيوز "لن يصبح الجميع نباتيين لكن بالإمكان التفكير في تقليل تناول اللحوم يوما في الأسبوع أو التفكير فيما ما إذا كنت تحتاج 20 قميصا قطنيا أم أن عشرة قمصان تكفي أو خمسة." وأضافت قائلة أن إحداث تغييرات في صنع القرار يمكن أن يساعد آخرين على الحصول على مياه نظيفة.
اضف تعليق