q

البيئة في العراق تتعرض لتحد كبير يتجاوز حدود المنطق والمعايير الدولية من خلال الانتهاكات الكبيرة التي تتعرض لها وهو يخوض المعارك الكبيرة ضد عصابات التكفير مع إنتهاكات أخرى ترسم ملامحها الحركة غير المنظمة لتطوير الصناعات النفطية بجولة التراخيص، لتزيد معاناتها بعدما تكبدته البيئة من انتهاكات صارخة ابان النظام السابق حين جرفت الكثير من المساحات التي تزخر بأنواع النخيل الى تجفيف الاهوار تبعها الاهمال الكبير بتراكم النفايات وعدم وجود مصانع تدويرها ناهيك عن ضعف كبير في البينة التحتية المتهالكة لمجاري تصريف المياه والانتهاك الصارخ بحق الانهر التي يلقى بها الكثير من الملوثات.

الحروب كانت السبب الأهم في الانتهاكات للبيئة العراقي فوحدها تلك البيئة تحملت مئات الالاف الاطنان من القنابل المختلفة الانواع بما فيها قنابل اليورانيوم المنضب وغيرها من الالغام التي تنام تحت أديمها والتي يقدر عددها بعشرات الملايين.

بعد عام 2003 استمر الانتهاك الواضح للبيئة فقد سيطرت المجاميع الارهابية على بعض السدود مما تسبب في دخول الحرب منعطفاً جديداً بغلقها لتلك السدود والتحكم بها بما يخدم مآربها الخبيثة وفي نيسان 2014 تسربت بقع نفطية من الانابيب الواصلة بين كركوك ومصفى بيجي بسبب تهرئ الانابيب الممتدة تحت نهر دجلة مما تسبب بظهور بقع نفطية كبيرة، في مدينة البصرة تسبب إرتفاع نسبة الملوحة في المياه الى إعاقة عملية السقي وتدمير مساحات خضراء واسعة كما في ديالى، كما ساهمت جولات التراخيص النفطية في تجريف مزارع كثيرة في عام 2013.

لم تكن الحروب وحدها من ساهمت بتدمير البيئة بل أن افتقارنا للكثير من المشاريع التي تدعم ثباتها وموائتمتها للعيش بصحة.

بعد حزيران 2013، وحين سيطرت التنظيمات الارهابية على مدينة الموصل وتبعها بعد عام السيطرة على مدينة الرمادي، تغيرت الخارطة البيئية للعراق كثيراً فقد دمرت المساحات الكبيرة من تلك البيئة التي كانت تمثل ثلث المناطق الزراعية واصبحت بيد التنظيمات الارهابية، ومع سيطرتها على بعض السدود والبوابات ولغرض عرقلة تقدم القوات الامنية ؛ سارعت باغراق آلاف الدوانم من المساحات المزروعة.

وفي حرب أخرى بعيداً عن ازيز المدافع وانفلاق الالغام ؛ حرب المياه الخفية لازالت مستمرة في إعاقة الاطلاقات المائية من حصة العراق من قبل "الجارتين" تركيا وايران ودون اسباب واضحة ممكن أن يعتد بها مما تسبب في إعاقة العمل الحكومي لإعادة أهوار العراق كواحدة من أكبر المسطحات المائية في الشرق الاوسط حتى تردد صدى ذلك في فعاليات معرض أكسبو 2015 الدولي في مدينة ميلانو الإيطالية الذي أقام ورشة لمناقشة الإنتاج الزراعي في المناطق المعرضة لظروف بيئية قاسية وكان جنوب العراق إحدى تلك المناطق وكانت التوصية بالدعوة إلى "تدخل دولي وضغط شعبي من أجل إنقاذ المنطقة بإطلاق المياه إليها" كما يشير الى ذلك وكيل وزارة الزراعة العراقية الدكتور مهدي ضمد القيسي.

في اليوم العالمي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية الذي يوافق السادس من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، وفي رسالة للأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون قال : لا بد لنا من أن نستخدم كل الأدوات المتاحة لنا، بدءا من الحوار والوساطة وحتى الدبلوماسية الوقائية، لمنع الاستغلال غير المستدام للموارد الطبيعية من تأجيج النزاعات المسلحة وتمويلها، وزعزعة الأسس الهشة التي يقوم عليها السلام. ولنضع حلولا تقوم على إشراك المجتمعات المحلية بصورة مجدية وتستفيد من المعارف الجماعية، من أجل النهوض بالإدارة السليمة للبيئة، بوصف ذلك جزءا لا يتجزأ من بناء السلام والتنمية المستدامة".

بيئتنا تعيش أزمتها كما يعيش أبناء شعبنا ازماتهم المتلاحقة فهي تتآكل تحت أقدامنا وفوق رؤسنا وعلينا أن نصب جهودنا الحكومية باستحصال الدعم الدولي بوقوفنا قريبين جداً من المنظومة الدولية للحصول على مناصرة قوية من برنامج الامم المتحدة للبيئة نحاول من خلالها إعادة الحياة لبيئتنا.. واستدامتها.. والاستفادة من تجارب العالم في اجراء المعالجات الكاملة.

كل تحسن في تقديم الخدمات العامة سيدفع ذلك لضمان وجود بيئة مستدامة قد تتجدد بيئتنا بفعل ممارسات حكومية كبيرة في هذا المجال فحسمنا لمعاركنا العسكرية و"معارك المياه" مع دول الجوار سيساعد بيئتنا كثيراً في إدامة المسطحات المائية "الاهوار" وخفض نسب الملوحة في المياه الداخلة وبالتالي ازدهار في الزراعة ونشوء مناطق زراعية مهمة في تلك البيئة فانتصارنا في استعادة الاراض التي يتحكم بها الارهاب يعيد سيطرتنا على النواظم والسدود وتنظيم عمليات الري.

نحن بحاجة ماسة الى الوصول الى تطبيق مبادىء الاقتصاد الاخضر الذي يساعد على بيناء بيئة سليمه صحية فاقتصادنا الريعي يعتمد بشكل كبير على إنتاج النفط ومن خلال استغلالنا لمليارات الامتار المكعبة من الغاز المحترق في اجوائنا مع الخلاص من مئات الالاف من المولدات الاهلية التي تطرح عوادمها الغازات في الاجواء لها الاثر الكبير في توليد الامطار الحامضية المؤذية للتربة.

للتوعية البيئية دور مهم في بناء العلاقة الايجابية بين المجتمع وبيئته وعلى الجميع أن يفهم أن البيئة الصحية في متناول الجميع إذا ما أحسن استخدامها بضمان تجنب تلويثها واتباع الاساليب الصحيحة في التعامل معها على أساس أننا بحاجة لها لتكون لنا عنصراً مهماً في ديمومة حياتنا، وبرغم عدم وجود التخصيصات المالية إلا أن ذلك لا يمنع مؤسسات المجتمع المدني من التدخل لإضافة زخم كبير للتوعية المنشودة.

لدينا وزارة للبيئة، على الرغم من دمجها مع وزارة الصحة إلا أن كوادرها لازالت عاملة ووزيرها السابق السيد قتيبة الجبوري نائباً للامين العام للجمعية العامة للامم المتحدة لشؤون البيئة، ولدينا أقسام علمية تختص بهندسة البيئة في أغلب الجامعات العراقية تُخّرج العشرات من المهندسين في هذا المجال، كان بالإمكان أن يتم إدخالهم في بعثات عالمية في مجال تطوير بيئتهم وتدريبهم على الاساليب الحديثة في التحليل البيئي لمشاكلنا التي ستصبح مزمنة دون حلول واقعية تحسن من كفائتها واستدامتها.. نحن بحاجة لبيئتنا لبيتنا.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق