تقف ظاهرة النينيو وراء الفيضانات العارمة التي أغرقت مناطق واسعة بشرق أفريقيا مما تسبب في أزمة إنسانية مأساوية حيث أدت الفيضانات التي اجتاحت كينيا وتنزانيا وبوروندي وأوغندا إلى مقتل 300 شخص، ففي كينيا وحدها، قُتل حتى الآن 169 شخصا جراء الفيضانات...

النينيو من أبرز تجليات التغيرات المناخية، قوامه رياح ساخنة تهب على جنوب المحيط الهادي فتُحدث اضطرابا في توازن مستويات الضغط بين شرق وغرب المحيط لتأثيرها على حرارة المياه السطحية، ما يحدث كتلا وتيارات مائية ساخنة بالمناطق المدارية التي تقع على خط الاستواء، فتندفع المياه السطحية الدافئة القريبة من الشواطئ إلى جهة الغرب لتحل محلها المياه العميقة الباردة، ثم يمتد تأثيرها إلى أرجاء واسعة من المحيطين الهندي والأطلسي في شكل أمطار وفيضانات في مناطق، وجفاف وارتفاع في معدلات الحرارة بمناطق أخرى.

أصل الظاهرة

يُرجع الباحثون في مجال المناخ ظاهرة النينيو إلى تباين الضغط بين القسمين الغربي والشرقي للمحيط الهادي، واختلاف درجة حرارة التيارات البحرية في المحيط على طول خط الاستواء، ورغم غموض جوانب كثيرة من ظاهرة النينيو، فإن الباحثين يُعولون عليها كثيرا لفهم ظاهرة التغيرات المناخية نظرا لاتساع نطاق تأثيرها وتنوع أوجه هذا التأثير. وخلصت دراسة أُنجزت في عام 1990 إلى وجودِ علاقةٍ سببية بين نوبات الحرارة الناتجة عن النينيو، وبين ظاهرة التغيرات المناخية على المدى القريب. وخلصت عمليات قياس موضعية في المحيطين الهندي والأطلسي بلغت نحو 650 ألف عملية إلى أن القطاع الاستوائي من المحيط الأطلسي يعرف فترات حرارة قياسية بعد 18 شهرا من كل نوبة حرارة يشهدها المحيط الهادي.

التأثيرات

يتسبب اندفاع المياه السطحية الساخنة غربا، تحت تأثير الرياح الساخنة القادمة من الشرق، إلى صعود المياه الباردة إلى السطح فيدفع هذا التغيير الفجائي في الحرارة الأسماك إلى مغادرة الشواطئ بحثا عن المياه الدافئة، ما يُؤذن بنهاية مبكرة لموسم وفرة الأسماك في عدد من بلدان أميركا الجنوبية وخاصة الإكوادور والبيرو. وتحفز الرياح الساخنة المياه الباردة على التبخر ثم التكثف في الأجواء لتصير غيوما ثم أمطارا رعدية تصاحبها عادة سيول وفيضانات، وعلى نطاقٍ أوسع فإن الرياح الساخنة لها تأثير فوري على حالة الطقس إذ ترتفع معها درجات الحرارة إلى مستويات قياسية في مناطق معينة متسببة في حالة جفاف قاسية واندلاع حرائق بالجملة.

وخلال نوبة النينيو، ينخفض الضغط في الجزء الجنوبي من المحيط الهادي، وتضعفُ الرياح الساخنة وتُغير وجهتها وبعض خصائصها فينعكس تأثيرها في الجهة المقابلة من المحيط في شكل نوبةٍ من الجفاف والحرارة في إندونيسيا وأستراليا، في حين تخيم العواصف الاستوائية والأمطار على الجزء الشرقي من المحيط الهادي وتتأثر منها بالخصوص بولينيزيا الفرنسية، وشواطئ البيرو.

لا يمكن الجزم بأن ظاهرة النينيو هي ظاهرة منتظمة، وبالتالي يصعب تحديد دورةٍ زمنية ثابتة لها، وهذا أحد الجوانب المظلمة فيها وما يزال يستأثر باهتمام الباحثين، فتحديد دورة زمنية للظاهرة يمر باستجلاءِ مختلف العوامل المساهمة في نشأتها.

وتفيد الدراسات المنجزة في هذا الصدد بأن ظاهرة النينو تتكرر خلال فترة تمتد من عامين إلى سبعة أعوام. وسجلت أعنف نوبة من النينو عام 1979 وطالت أرجاء واسعة من أميركا الجنوبية وآسيا وخلَّفت آثار مدمرة، وبعد ذلك وقعت نوبات أقل شدة وتدميرا وفق دورة سنوية بين 2002 و2007 ثم في 2009 و2010. وغالبا ما تبدأ نوبة النينو في وسط السنة وتدوم بين 6 إلى 18 شهرا. بحسب ما نشره موقع “الجزيرة نت”.

مكتب الأرصاد الجوية الأسترالي يقول إن مرحلة إل نينو من ظاهرة التغير المناخي، التي بدأت في صيف 2023، انتهت الآن. ساعدت الظاهرة في زيادة درجات الحرارة إلى مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة، علاوة على الاحتباس الحراري طويل الأجل الذي تسبب به البشر.

ما هي ظاهرة إل نينو؟

إل نينو جزء من ظاهرة مناخية طبيعية تدعى نينو التذبذب الجنوبي. وهذه الظاهرة لها حالتان هما: إل نينو ولا نينا، وكلاهما تغيران الطقس العالمي كثيراً.

ويمكن التعرف على إل نينو من خلال عدد من القياسات المختلفة، ومن بينها:

درجات حرارة سطحية لماء البحر أسخن من المعتاد في مناطق شرقي المحيط الهادي الاستوائية وضغط جوي فوق المعتاد في داروين، في أستراليا (غربي المحيط الهادي)، وضغط جوي أقل من المعتاد في تاهيتي في بولينيزيا الفرنسية (وسط المحيط الهادي).

وفي ظروف محايدة، تكون المياه السطحية في المحيط الهادي أبرد في الشرق وأسخن في الغرب. وتهب "الرياح التجارية" من الشرق إلى الغرب، وتعمل حرارة الشمس على تسخين المياه تدريجياً مع تحرك الرياح بهذا الاتجاه.

وخلال ظاهرة إل نينو، تضعف هذه الرياح أو تعكس اتجاهها، مما يرسل المياه السطحية الأسخن باتجاه الشرق بدلاً من الغرب. أما خلال فترة ظاهرة لا نينا، فإن الرياح الاعتيادية التي تهب من الشرق إلى الغرب تصبح أعتى قوة، مما يدفع المياه الأسخن أكثر باتجاه الغرب.

وهذا يتسبب في صعود الماء البارد من أعماق المحيط، وهو ما يعني أن درجات حرارة المياه السطحية تصبح أبرد من المعتاد في منطقة شرقي المحيط الهادي.

ولوحظت الظاهرة للمرة الأولى من قبل صيادي السمك في بيرو في بداية القرن السابع عشر، والذين لاحظوا أن المياه الدافئة يبدو أنها تصل إلى ذروتها بالقرب من الأمريكيتين في ديسمبر/ كانون الثاني. ولقد أطلقوا عليها اسم "إل نينودي نافيداد" وتعني باللغة الإسبانية فتى عيد الميلاد.

كيف تغير "إل نينو" و"لا نينا" الطقس؟

لا تتشابه الأحداث فيما بينها والعواقب تختلف من منطقة لأخرى، لكن العلماء لاحظوا بعض التأثيرات المشتركة:

درجات الحرارة

ترتفع درجات الحرارة العالمية خلال ظاهرة إل نينو وتنخفض خلال ظاهرة لا نينا.

ووجود ظاهرة إل نينو يعني أن المياه الساخنة تنتشر إلى مساحة أكبر وتبقى قريبة من السطح. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق المزيد من الحرارة في الجو، مما يتسبب بتشكل هواء أكثر رطوبة وسخونة. لكن التأثيرات الإقليمية أكثر تعقيداً، وبعض الأماكن قد تكون أسخن وأبرد من المتوقع خلال أوقات مختلفة من السنة.

وأسخن سنة في التاريخ الموثق هي 2023 وقد عزز ارتفاع درجات الحرارة فيها ظروف إل نينو، علاوة على التغير المناخي طويل الأجل الناجم عن أفعال البشر، وذلك الاحترار استمر وصولاً إلى العام 2024. خلال الفترة بين 2020 و2022، شهد العالم فترة طويلة على غير العادة من ظروف ظاهرة لا نينا، والتي ساعدت في منع ارتفاع درجات حرارة العالم.

وكيفية استجابة درجات الحرارة في المملكة المتحدة وأوروبا الغربية لظاهرة إل نينو أمر معقد وغير مؤكد. فهي قد تعني شتاءات أبرد من المعدل، على سبيل المثال، لكن ذلك يعتمد على الطريقة التي ستتبدى بها ظاهرة إل نينو.

التغيرات في معدل سقوط الأمطار

خلال أحداث ظاهرة إل نينو، تدفع المياه الدافئة تيارات الهواء القوية الخاصة بتيار المحيط الهادي النفاث إلى مسافات أبعد في الجنوب والشرق. وهذا يجلب طقساً ماطراً أكثر إلى جنوبي الولايات المتحدة وخليج المكسيك. وتشهد المناطق الاستوائية مثل جنوب شرق آسيا وأستراليا ووسط أفريقيا ظروفاً جوية أكثر جفافاً من المعتاد. أما في ظل ظاهرة لا نينا، فإن التأثير يكون عكسياً.

العواصف الاستوائية

تؤثر ظاهرة إل نينو أيضاً على أنماط التقلبات الجوية، وهو ما يعني حدوث عدد أكبر عموماً من العواصف الاستوائية في المناطق الاستوائية من المحيط الهادي، ولكن عدداً أقل في المناطق الاستوائية من المحيط الأطلسي بما في ذلك جنوبي الولايات المتحدة. وخلال فترة لا نينا، العكس هو الصحيح.

مستويات ثاني أكسيد الكربون

لاحظ العلماء أيضاً أن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الجو تزداد خلال أحداث إل نينو، ربما نتيجة للظروف الجوية الأسخن والأشد جفافاً في المناطق الاستوائية. وإذا نمت النباتات بسرعة أقل خلال أوقات الجفاف، فإنها تمتص كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون، بينما يعني تزايد حرائق الغابات في أماكن مثل جنوب آسيا إطلاق المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الجو.

ما أهمية الأنماط المناخية لظاهرتي إل نينو ولا نينا؟

تؤثر مظاهر الطقس السيء التي تزداد سوءاً بفعل النينو والنينا على البنية التحتية وعلى الغذاء وأنظمة الطاقة حول العالم. فعلى سبيل المثال، عندما تصعد كميات أقل من المياه الباردة إلى السطح في المحيط قبالة الساحل الغربي والجنوبي لأمريكا خلال أحداث ظاهرة النينو، تقل كميات العناصر الغذائية الناشئة من أعماق المحيط.

وهذا يعني وجود غذاء أقل للكائنات البحرية مثل الحبار وأسماك السلمون، وهو ما يؤدي بالمقابل إلى تقليل المخزون من الثروة السمكية بالنسبة للمجتمعات التي تعتمد على الصيد في أمريكا الجنوبية. وقد أثرت موجات الجفاف والفيضانات الناجمة عن ظاهرة النينو القاسية في 2015-2016 على الأمن الغذائي لأكثر من 60 مليون شخص، وذلك وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

وأشارت دراسة حديثة إلى أن أحداث النينو تعمل على خفض النمو الاقتصادي العالمي بصورة كبيرة، وهو تأثير قد يزداد في المستقبل.

كم مرة تحدث دورات "إل نينو" و"لا نينا"؟

تحدث دورات إل نينو ولا نينا كل سنتين إلى سبع سنوات، وتستمر عادة ما بين تسعة أشهر إلى 12 شهراً. وهما لا تتناوبان بالضرورة. فأحداث النينا أقل شيوعاً من نوبات إل نينو.

في 2021، قال علماء المناخ في الأمم المتحدة من اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي إن أحداث إل نينو التذبذب الجنوبي التي حدثت منذ 1950 هي أقوى من الأحداث المسجلة بين 1850 و1950.

لكن اللجنة قالت أيضاً إن حلقات الأشجار ودلائل تاريخية أخرى تظهر أنه كان هناك تغيرات تكرار حدوث وقوة هذه الحلقات منذ القرن الخامس عشر. وخلصت اللجنة إلى أن هناك أدلة واضحة على أن التغير المناخي أثر على تلك الأحداث. وتشير بعض النماذج المناخية إلى أن أحداث إل نينو ستصبح أكثر تكراراً وقوة بسبب الاحتباس الحراري- وهو ما سيرفع من درجات الحرارة بصورة أكبر- لكن هذا الأمر غير مؤكد. بحسب ما نشره موقع “BBC “.

طريقها إلى الانتهاء

أعلن رومان فيلفاند المدير العلمي لمركز الأرصاد الجوية الهيدرولوجية في روسيا، أن ظاهرة النينيو ستنتقل تدريجيا في نهاية أبريل- منتصف مايو إلى المرحلة المحايدة.

ويقول العالم في حديث لوكالة تاس الروسية للأنباء: "يجب أن يبدأ في نهاية أبريل - منتصف مايو انتقال تدريجي إلى مرحلة محايدة. وهذا مهم للغاية بالنسبة لدرجات الحرارة العالمية".

ويشير فيلفاند، إلى أنه خلال ثمانية أشهر متتالية سجل متوسط درجة الحرارة العالمية ارتفاعا قياسيا، بدأ في يوليو 2023. ولكن هذه الظاهرة لم تؤثر بشكل كبير على درجات الحرارة في روسيا، فمثلا، كانت درجة الحرارة في الجزء الأوروبي من روسيا في يناير/كانون الثاني الماضي أقل من المعدل الطبيعي بمقدار 3- 4 درجات.

ويقول: "الاهتمام الدقيق بظاهرة النينيو أمر مهم لأن درجات الحرارة العالمية آخذة في الارتفاع، وعندما ترتفع يزداد عدد الظواهر الخطيرة، مثل الأعاصير المدارية. لكن هذا لا علاقة له بخطوط العرض المعتدلة".

وعموما تحدث ظاهرة النينيو في المتوسط مرة كل 2-7 سنوات وتستمر عادة 9 - 12 شهرا. وترتبط بارتفاع درجات حرارة المياه في وسط وشرق المحيط الهادئ الاستوائي. وقد بدأت ظاهرة النينيو في النصف الثاني من عام 2023 وأدت بالفعل إلى انخفاض مستوى المياه في قناة بنما، ما أدى إلى توقف حركة السفن ومشكلات لوجستية وتأخير في توريد السلع المختلفة.

ويذكر أن منظمة الصحة العالمية حذرت من أن ظاهرة النينيو يمكن أن تزيد مشكلات الحصول على المياه واستخدام الأراضي الزراعية، ما سيؤدي إلى انتشار مخاطر "سوء التغذية بسبب استمرار انعدام الأمن الغذائي". نقلاً عن “RT”.

تفتك بشرق أفريقيا

تسببت ظاهرة النينيو المناخية في فيضانات عارمة ضربت بلدان شرق أفريقيا مما أدى إلى خسائر مادية وبشرية كبيرة ونزوح الملايين في أوغندا وكينيا وتنزانيا. فما أسباب ذلك؟

تقف ظاهرة النينيو وراء الفيضانات العارمة التي أغرقت مناطق واسعة بشرق أفريقيا مما تسبب في أزمة إنسانية مأساوية حيث أدت الفيضانات التي اجتاحت كينيا وتنزانيا وبوروندي وأوغندا إلى مقتل 300 شخص.

ففي كينيا وحدها، قُتل حتى الآن 169 شخصا جراء الفيضانات من بينهم 45 شخصا على الأقل لقوا حتفهم جراء انهيار سدّ بوسط البلاد أواخر أبريل / نيسان الماضي.

وفي تنزانيا، أدت الأمطار القوية المرتبطة بظاهرة "النينيو" المناخية إلى مقتل أكثر 155 شخصا. أما في أوغندا، فقد تحول نهر كان يتسم بالهدوء إلى نهر شرس في منطقة مبيغي قرب العاصمة كمبالا بعد أن غمرت المياه جسرا شديد الأهمية كان يمثل الطريق الوحيد الذي يربط المنطقة بكمبالا. وتعرضت المناطق الساحلية للخطر حيث تواجه أيضا عواصف رعدية قوية وأمواج عالية.

وفي مقابلة مع DW، قال فرانك كاجولو، أحد سكان المنطقة المنكوبة، إن الكثير من السكان نزحوا من منازلهم بسبب الدمار الكبير، مضيفا "لم يعد بإمكانهم البقاء بسبب الفيضانات. لقد باتوا الآن نازحين". وتؤدي الأمطار المتواصلة ليس فقط إلى ارتفاع مستويات المياه في الأنهار، ولكن أيضا إلى توسع البحيرات العظمى في شرق أفريقيا.

وأغلقت الطرق وأصبح من المستحيل عبور الجسور، ما أعاق نقل البضائع بين الدول في المنطقة، مثل تلك التي بين أوغندا ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

وفي بوروندي، إحدى أفقر البلدان في العالم، نزح 96 ألف شخص بسبب هطول الأمطار بشكل متواصل لأشهر، حسبما أعلنت الحكومة والأمم المتحدة. وحذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في الخامس من مارس / آذار الماضي من أن الأمطار الموسمية تقترن هذا العام في العديد من دول شرق افريقيا، بظاهرة "النينيو" المناخية، التي بدأت منتصف عام 2023 وقد تستمر حتى مايو / أيار. بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة، تسبب ظاهرة النينيو الجفاف في بعض أنحاء العالم والأمطار الغزيرة في مناطق اخرى.

كينيا أمام معركة السيول

وتشير التقارير إلى أن الوضع في كينيا أكثر مأساويا إذ غمرت المياه معظم أنحاء العاصمة نيروبي من المناطق الثرية إلى القرى الفقيرة مما أدى إلى تقطع السبل بالعديد من السكان وبات الآلاف منهم بلا مأوى.

وبنبرة يعتصرها الآسي، قال رودس أوروبا، أحد سكان نيروبي، في مقابلة مع DW "كنت في العمل عندما تلقيت اتصالا عاجلا من زوجتي حيث أبلغتني عن الارتفاع المفاجئ في منسوب المياه، مما تسبب في تدفق المياه بشكل سريع وقوي إلى المنطقة التي نسكن فيها".

وعلى وقع الفيضانات، قال وزير الداخلية كيثور كينديكي إن الحكومة أمرت السلطات المحلية "بتفقد جميع السدود والخزانات العامة والخاصة في ولاياتها خلال الساعات الـ 24 المقبلة وتحديد الأوضاع التي تستلزم إصدار أوامر الإجلاء الإلزامي والنقل الموقت”.

تنزانيا...النزوح

وفي تنزانيا، تسببت الأمطار القوية في أضرار واسعة النطاق طالت المنازل والبُنى التحتية في جميع أنحاء البلاد حيث اضطر الكثير من السكان إلى ترك منازلهم بعد أن غمرتها المياه.

وفي مقابلة مع DW، قالت إستر سينزوي، إحدى سكان نيروبي، إنها باتت بلا مأوى، مضيفة "غمرت المياه منزلي ولم يعد لدينا أي مكان نلجأ إليه. أعيش حاليا مع جارتي. لسنا متأكدين من موعد توقف هطول الأمطار. نحن في حالة خوف شديدة".

النينيو وتفاقم أزمة الغذاء العالمي

وجاءت موجة الفيضانات بعد أيام من صدور التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية الذي حذر من تداعيات ظاهرة النينيو، قائلا: "الأسوأ لم يأتي بعد".

وأضاف التقرير أن "تأثير ظاهرة النينيو الكامل على الأمن الغذائي يُرجح أن ينكشف في وقت لاحق من العام الجاري جراء الفيضانات وقلة الأمطار في أجزاء من شرق أفريقيا والجفاف في الجنوب الأفريقي خاصة مالاوي وزامبيا وزيمبابوي".

ويعود ارتباط العديد من حالات نقص الغذاء في أفريقيا بظاهرة النينيو إلى ثمانينات القرن الماضي منذ أزمة الغذاء العالمية التي ضربت القارة السمراء بين عامي 1982 و1984 التي تعد أشد الأزمات المسجلة، بحسب تقرير أممي.

وقد تسبب ذلك في حدوث مجاعات طالت العديد من سكان بلدان القرن الأفريقي والساحل مما أسفر عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص فيما تسببت ظاهرة النينيو في حدوث الجفاف الذي أصاب الجنوب الأفريقي في الفترة بين عامي 1991 و1992 في الجنوب الأفريقي مما أثر على ما يقرب من 100 مليون شخص.

وقال التقرير "إن ما يسمى بظاهرة النينيا الثلاثية تسببت خلال الفترة ما بين عامي 2020 و2023 في حدوث جفاف استمر ثلاث سنوات متتالية في إثيوبيا وكينيا والصومال، تاركا ملايين الأشخاص يواجهون الجوع الشديد".

ومع تفاقم تداعيات ظاهرة تغير المناخ، تزايدت ضراوة وشدة ظاهرة "النينيو" خاصة في البلدان النامية التي باتت غير قادرة على التعامل مع أزمات المناخ بسبب نقص التمويل، وفقا لما أشارت إليه ناشطة المناخ الكينية غريس رونوه.

وفي مقابلة مع DW، أضافت "باتت معظم هذه البلدان في الوقت الحالي مثقلة بالديون، لذا فهي تعطي الأولوية لسداد ديونها". 

من جانبه، شدد ديفيد جيكونغو، مدير إدارة الأرصاد الجوية الكينية، على ضرورة توفير أنظمة الإنذار المبكر للدول الفقيرة المعرضة لظاهرة النينيو لتعزيز قدرتها على مواجهة تداعيات الظاهرة بشكل مسبق.

وفي حديثه إلى DW، قال "الإشعارات التي نصدرها والتي يتلقاها الصحافيون هي ذاتها التي نرسلها إلى الحكومات وكافة المؤسسات المعنية...هناك توقعات ومن ثم تقوم الحكومات بتحذير شعوبها". لكن مع توقع هيئات الأرصاد الجوية هطول المزيد من الأمطار خلال الأيام المقبلة، فإن مستقبل المجتمعات المنكوبة بالفيضانات في شرق إفريقيا أصبح على المحك.

وكثيرا ما تسببت ظاهرة النينيو في إحداث أضرار في شرق أفريقيا إذ في ديسمبر / كانون الأول لقي أكثر من 300 شخص حتفهم في كوارث مختلفة ناجمة عن الأمطار الغزيرة في كينيا واثيوبيا والصومال التي نزح فيها أكثر من مليون شخص.

وخلال الفترة ما بين أكتوبر / تشرين الأول عام 1997 ويناير / كانون الثاني عام 1998، تسببت الفيضانات الهائلة الناجمة عن الأمطار الغزيرة جراء ظاهرة النينيو بوفاة أكثر من ستة آلاف شخص في خمسة بلدان في المنطقة. نقلاً عن “DW”.

اضف تعليق