حذّرت الدراسة من أن الأضرار بالزراعة والبنى الأساسية والإنتاجية والصحة الناجمة عن تغير المناح تكلف الاقتصاد العالمي 38 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2050، كما ستتسبَّب الظاهرة بخفض إجمالي الناتج المحلي لاقتصاد دول العالم بنسبة 17% بحلول الموعد نفسه، ومن دون استثناء، ستعاني كل بلدان العالم...
كشفت نتائج دراسة جديدة، أجراها معهد بوتسدام لأبحاث آثار المناخ (PIK) المدعوم من الحكومة الألمانية، توقعات بتكبُّد دول العالم خسائر اقتصادية فادحة بحلول منتصف القرن الجاري، جراء الأعاصير والجفاف وأضرار البنية الأساسية الناجمة عن الظاهرة.
وتُعرّف الأمم المتحدة تغير المناخ بأنه تحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، وكان نشاط الإنسان هو المحرك الرئيس منذ القرن التاسع عشر عند بداية الثورة الصناعية، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وينتج عن حرق الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز الطبيعي وأنشطة الصناعة والنقل والزراعة انبعاثات تعمل مثل غطاء ملفوف حول الأرض، يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجة الحرارة، وحذّرت الدراسة من أن الأضرار بالزراعة والبنى الأساسية والإنتاجية والصحة الناجمة عن تغير المناح تكلف الاقتصاد العالمي 38 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2050، كما ستتسبَّب الظاهرة بخفض إجمالي الناتج المحلي لاقتصاد دول العالم بنسبة 17% بحلول الموعد نفسه، ومن دون استثناء، ستعاني كل بلدان العالم من آثار تغير المناخ، لكن الدول الأقل نموًا والأشد فقرًا ستكون أكبر المتضررين.
آثار تغير المناخ
استعمل معدّو الدراسة بيانات من أكثر من 1600 منطقة حول العالم على مدار الأربعين عامًا الماضية، من أجل تقييم الأثار المستقبلية لارتفاع درجة حرارة الكوكب في النمو الاقتصادي، تقول المؤلفة الرئيسة للدراسة والعالمة في معهد بوتسدام ليوني وينز، إن تغير المناخ سيسبّب أضرارًا اقتصادية ضخمة على مدار الخمس وعشرين عامًا المقبلة في كل البلدان تقريبًا".
ودعت إلى خفض الانبعاثات بشدة وفورًا، وإلّا ستصبح الخسائر الاقتصادية أكبر في النصف الثاني من القرن لتصل إلى 60% من متوسط الناتج العالمي بحلول عام 2100، ويقول الباحثون بالمعهد، إن خفض الانبعاثات والحدّ من الاحترار العالمي إلى درجتين مئويتين بنهاية القرن سيكون أكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة لتقليل أضرار المناخ بصورة أكبر.
يقول التقرير: "حماية مناخنا أرخص بكثير من عمل لا شيء تجاه ذلك، وهذا دون النظر في الآثار غير الاقتصادية مثل الخسائر بالأرواح والتنوع البيولوجي.. سنحتاج إلى المزيد من جهود التكيف إذا أردنا تجنُّب بعضها على الأقل، وذلك بحسب نص الدراسة المنشور في مجلة نيتشر العلمية "nature"، ومن المتوقع -بحسب نتائج الدراسة- أن تتكبد الدول صاحبة المسؤولية الأقل عن تغير المناخ خسائر فادحة، إذ ستعاني من خسائر في الدخل بأكثر من 60% مقارنة بالدول صاحبة الدخل الأعلى.
وبحسب وينز، تعاني تلك البلدان الفقيرة من شح الموارد المتاحة للتكيف مع آثار الاحترار العالمي، وستتكبد كل دول العالم الخسائر الاقتصادية، ومنها الدول الأكثر تقدمًا، مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، لكن الدول الواقعة على ارتفاعات عالية أو خطوط العرض المرتفعة ستكون في مكانة أفضل للاستفادة من ارتفاع درجات الحرارة.
وبالإضافة لذلك، تتجاوز الخسائر الاقتصادية التي رصدتها الدراسة تقديرات سابقة، لأنها تأخذ في الحسبان الزيادات في درجات الحرارة والعوامل المناخية المتغيرة الأخرى مثل هطول الأمطار الغزيرة وآثار حوادث الطقس القاسية على الزراعة وإنتاجية العمال وصحة الإنسان.
وحذّر المؤلف المشارك في الدراسة أندرس ليفرمان من أن الاستمرار على النهج الحالي في مواجهة تغير المناخ سيؤدي إلى عواقب وخيمة، داعيًا إلى تغييرات هيكلية في منظومة الطاقة المتجددة من أجل أمن المجتمعة وتوفير المال.
الرأسمالية وتغير المناخ
يقول الباحث البيئي والصحفي الأميركي بيل ماكيبين، إن الرأسمالية تعمل بطريقة انتحارية تجاه المناخ، ورغم التحذيرات الصادرة قبل سنوات، فإنها تقاوم كل المساعي الرامية إلى وضع حدّ لتجاوزاتها، وأشار في هذا الصدد إلى تصريح للرئيس التنفيذي لشركة إكسون الأميركية (Exxon)، الذي قال، إنه لا يمكن تحقيق إيرادات عالية من الطاقة المتجددة، ولكن يمكن تحقيق إيرادات أعلى من المتوسط، لأن ضوء الشمس مجاني.
وكشف بحث جديد أن المصارف الأميركية تسارع بتقديم القروض لمشروعات الوقود الأحفوري، مدفوعة بالسياسات المناهضة للمعايير البيئية والاجتماعية والحكومة (ESG) في الولايات ذات الأغلبية المنتمية للحزب الجمهوري الداعم للوقود الأحفوري.
وأصبحت شركة "بو أو كيه فاينانشيال" ( BOK Financial) -ومقرّها أوكلاهوما- إحدى أكبر شركات العالم في إبرام صفقات النفط والغاز، تقول النائبة الأولى لرئيس الشركة ماريزول سالازار: "نريد المزيد من الفرص في صناعة الوقود الأحفوري، لا نختار العملاء فحسب، بل الموهبة والمهندسين والمصرفيين الاستثماريين ومديري العلاقات من ذوي الخبرة".
وفي هذا الصدد، كشف تقرير منفصل أن العديد من الانبعاثات الكربونية لشركات، منها أبل وأمازون ومايكروسوفت، مرتبطة بالأموال التي تودعها في المصارف التي تُقرضها لآخرين لإقامة البنى الأساسية لمشروعات الوقود الأحفوري.
وإذا كانت البنوك الكبرى ومديرو الأصول في أميركا دولة، لكانت ثالث أكبر مطلق للانبعاثات على مستوى العالم بعد الصين والولايات المتحدة، بحسب تقرير منصة "كلين تكنيكا" الذي رصدته منصة الطاقة المتخصصة، وتعليقًا على ذلك، يقول أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في جامعة ستانفورد ومدير برنامج الغلاف الجوي والطاقة مارك جاكوبسون: "إن الرأسمالية ربما تكون سبيلًا فعالًا لتوزيع الموارد الاقتصادية، لكنها تفشّت لتصبح فيروسًا سيلتهمنا جميعًا، وإذا لم نأخذ في الحسبان تكاليف تدهور المناخ، لن تؤول أمور البشرية إلى خير".
اضف تعليق