تمثل انبعاثات غازات الدفيئة من القطاعات الزراعية والغذائية حوالي 34 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة. ولكن حين نسمع ذلك، هل نفكر ولو للحظة في أن الزراعة هي أيضًا من أكثر المجالات تأثرًا بتغير المناخ؟ فالقطاع الزراعي، بصفته مصدرًا للانبعاثات وضحيّة لها في آن معًا...
تمثل انبعاثات غازات الدفيئة من القطاعات الزراعية والغذائية نحو 34 في المائة من مجموع الانبعاثات. بيد أنّ الزراعة أيضًا من المجالات الأشد تأثرًا بتغير المناخ.
عندما نشاهد التقارير الإخبارية التي تتناول تغير المناخ، كثيرًا ما تتضمن مشاهد عن مداخن المصانع والطرقات المزدحمة بالسيارات. ولعلنا ندرك أو لا ندرك أن الزراعة أيضًا جهة مساهمة رئيسية في تغيّر المناخ. وفي الواقع، تمثل انبعاثات غازات الدفيئة من القطاعات الزراعية والغذائية -وهي النظم التي تتم من خلالها زراعة أغذيتنا وإنتاجها وتوزيعها- حوالي 34 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة. ولكن حين نسمع ذلك، هل نفكر ولو للحظة في أن الزراعة هي أيضًا من أكثر المجالات تأثرًا بتغير المناخ؟ فالقطاع الزراعي، بصفته مصدرًا للانبعاثات وضحيّة لها في آن معًا، يتمتع بموقع فريد يمكّنه من تقديم حلول لهذا التحدي الضخم.
ومع ارتفاع درجات الحرارة، والظروف المناخية المتطرفة غير القابلة للتوقع، يهدد تغير المناخ الأمن الغذائي أصلًا في مناطق عدة من العالم.
واستجابةً لذلك الوضع، تدأب منظمة الأغذية والزراعة على تكثيف عملها للمساعدة في تحويل نظمنا الزراعية والغذائية لكي تستجيب لأزمة المناخ بصورة أفضل. ومن سبل تحقيق هذه الغاية، تعميم استخدام التقنيات الزراعية الخضراء القادرة على الصمود بوجه تغير المناخ، الأمر الذي من شأنه أن يساعد في الحد من التأثيرات السلبية الناجمة عن طرق إنتاج أغذيتنا ووصولها إلى موائدنا.
وترد في ما يلي أربعة أمثلة تبيّن كيف تقوم المنظمة بمساعدة المزارعين ومنتجي الأغذية حول العالم على تنفيذ حلول خضراء ومبتكرة وقادرة على الصمود بوجه المناخ:
1- تقنيات الزراعة الذكية مناخيًا في سري لانكا
في سري لانكا، أصبح التأثير الناجم عن تغيّر المناخ والعوامل البيئية واضحًا إلى حد كبير في الزراعة. فإن إنتاجية الحقول تتراجع جرّاء الهطول الكثيف للأمطار والحراثة المفرطة للتربة وقلة المغذيات. وتعاني الخزانات من تراكم الطمي بداخلها ما يؤثر سلبًا في نظم الري ويعيق كفاءة استخدام المياه. ومن شأن هذا كله أن يصعّب على أصحاب الحيازات الصغيرة تحقيق الربح، ما يدفعهم في أحيان كثيرة إلى الاستعانة بأساليب زراعية غير مستدامة بيئيًا سعيًا إلى كسب عيشهم من نتاج الأرض.
ومن خلال مشروع "الحفظ والتوسّع" الذي تدعمه وزارة الأغذية والزراعة الاتحادية الألمانية، قامت المنظمة بتدريب أكثر من 1130 مزارعًا على استخدام المياه والمدخلات الزراعية واليد العاملة بأفضل صورة ممكنة. وقد ساعدت الدورات التدريبية أصحاب الحيازات الصغيرة الذين يزرعون المحاصيل الرئيسية في هذه الجزيرة على التقليل من استخدام مياه الري بنسبة تتراوح بين 10 و20 في المائة، بما يمكّنهم من تخزين المزيد منها لموسم الحصاد التالي. وبفضل تحضير أراضيهم في وقت مبكر بدلًا من انتظار امتلاء الخزانات، بوسعهم ري مساحة 15 في المائة إضافية من الأراضي في الموسم الجاف. وإن التوفير في استخدام المياه خلال الموسم الزراعي، والزراعة في وقت مبكر واستخدام مياه الأمطار على نحو أفضل تؤدي كلها إلى بقاء كمية إضافية من المياه للمزارعين بعد انقضاء الموسم الجاف. وقد تعلّموا أيضًا كيفية تطبيق الأسمدة بدقة أكبر، ما يقلّل الكمية المستخدمة منها بنسبة 27 في المائة.
2- إعادة التحريج في باراغواي
في المناطق الواقعة شرقي باراغواي، تنتشر إزالة الغابات وتدهورها على نطاق واسع، ويؤدي تغير المناخ إلى جعل المجتمعات المحلية المعتمدة على الزراعة الأسرية من أجل إنتاج الأغذية وكسب العيش، عُرضة للتأثيرات المناخية على نحو متزايد.
وتستجيب المنظمة لاحتياجات هذه المجتمعات بوصفها وكالة رائدة تنفّذ مشروعًا جاريًا للصندوق الأخضر للمناخ في المنطقة يركّز على 000 87 شخص، ينتمي كثيرون منهم إلى مجتمعات أصلية. وسيحصل المزارعون على تحويلات نقدية مشروطة بيئية مقابل تنفيذ مشاريع للحراجة الزراعية مراعية للمناخ. وتشمل هذه المبادرات زراعة أشجار مثل الأوكالبتوس والحمضيات ونباتات يربا ماتي والتخلي عن ممارسة قطع أشجار الغابات المحلية لأجل الوقود. وسوف تساعد هذه الزراعة على توفير الظل، والحفاظ على التربة، وتخزين ثاني أكسيد الكربون، وتنظيم تدفقات المياه، ومساعدة صغار المزارعين على التكيف مع موجات الجفاف والفيضانات المتكررة من خلال تنويع موارد رزقهم الأساسية التقليدية من قطن وفاصوليا وكسافا وسمسم وقصب السكر.
3- صيد الأسماك القادر على الصمود بوجه المناخ في ملاوي
في ملاوي، يشغّل قطاع مصايد الأسماك بصورة مباشرة ما يقرب من 000 60 صياد، ويقدم الدعم بصورة غير مباشرة إلى أكثر من 000 500 شخص. ويركّز مشروع منظمة الأغذية والزراعة بعنوان "بناء القدرة على الصمود بوجه المناخ في قطاع مصايد الأسماك" بشكل خاص على المجتمعات التي تعيش على ضفاف بحيرة مالومبي التي تعاني من الصيد الجائر في ملاوي.
ويساعد هذا المشروع، الذي يدعمه مرفق البيئة العالمية، المجتمعات المحلية على جعل استزراع الأسماك أقل تأثرًا بتغير المناخ من خلال تعزيز تكنولوجيا البرك العميقة. فالبرك الأكثر عمقًا تكون أقل تعرضًا لفقدان مياهها خلال فترات الجفاف، في حين أن الجدران العالية تساعد في منع الأسماك من الإفلات خلال الفيضانات. ويتم الترويج للأسماك السريعة النمو حتى يتسنى صيدها قبل أن تجف البرك الضحلة.
4- تربية الثروة الحيوانية الذكية مناخيًا في إكوادور
في إكوادور، يشكل إنتاج المواشي إحدى الركائز الأساسية لاقتصاد البلاد ولبنيتها الاجتماعية والاقتصادية. ولكن تأثيراته البيئية تثير القلق، إذ تشكّل الانبعاثات الناتجة عن تربية الثروة الحيوانية مصدرًا رئيسيًا لغازات الدفيئة.
وفي إطار مشروع للثروة الحيوانية الذكية مناخيًا مموّل من مرفق البيئة العالمية، عملت المنظمة مع خبراء فنيين من وزارة الزراعة والثروة الحيوانية في إكوادور للمساعدة في تعزيز تقنيات إدارة الثروة الحيوانية الذكية مناخيًا في عداد المزارعين في البلاد. وتشمل هذه الممارسات تحسين إدارة المراعي والأسمدة الطبيعية، وريّ حقول الأرز، وبنوك الأعلاف والرعي الدوار، فضلًا عن تحسين الأساليب المستخدمة في حلب الحيوانات وضمان صحتها.
وفي إطار هذا المشروع حتى الآن، تبنّى أكثر من 000 1 مزارع أساليب جديدة أكثر ذكاءً مناخيًا في إدارة الثروة الحيوانية. ولم يساعد ذلك فقط في خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة فاقت الـ 26 في المائة، وإنما ساعدهم أيضًا على تحسين الإنتاجية وكسب دخل إضافي بنسبة 17 في المائة.
إن عكس مسار خسارة التنوع البيولوجي، والحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وتعزيز التكيف الزراعي، وتعزيز قدرة المزارعين على الصمود، أمور أساسية للتصدي لتغير المناخ ولمكافحة الفقر والجوع على حد سواء. وتعمل المنظمة على تعميم حلول مبتكرة لهذه التحديات من خلال تشجيع سبل أكثر خضرةً وقدرة على الصمود بوجه تغير المناخ لإنتاج غذائنا وتجديد النظم الزراعية والغذائية بحيث تصبح أكثر شمولًا واستدامة.
وخلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ستعمل المنظمة على التوعية بهذا الأمر وتشجيع النقاش بشأن "الزراعة الخضراء والقادرة على الصمود بوجه تغيّر المناخ" في إطار الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف بالتعاون مع شركاء رئيسيين، بما يشمل الولايات المتحدة والصين والصندوق الأخضر للمناخ ومرفق البيئة العالمية. وتشكل الزراعة الخضراء والقادرة على الصمود بوجه تغيّر المناخ جزءًا مهمًا من الحلول لتوفير أغذية مغذية مع الحفاظ على نظم إيكولوجية صحية لأجيال المستقبل.
اضف تعليق