لقد تفاقمت مشكلة تلوث مكونات البيئة المختلفة نتيجة الإهمال والفساد والحروب التي امتدت لعقود حيث تراكمت في البيئة العراقية مختلف أنواع الملوثات الصلبة والسائلة والغازية ذات الطبيعة الكيمياوية والحيوية والنووية ودخل معظمها في النظم البيئية المختلفة وبات يهدد ديمومتها وسلامة مواردها. وتعاني الموارد المائية في...
ورقة دراسة موجزة: د. عبد المطلب محمد عبد الرضا
مقدمة:
لقد تفاقمت مشكلة تلوث مكونات البيئة المختلفة نتيجة الإهمال والفساد والحروب التي امتدت لعقود حيث تراكمت في البيئة العراقية مختلف أنواع الملوثات الصلبة والسائلة والغازية ذات الطبيعة الكيمياوية والحيوية والنووية ودخل معظمها في النظم البيئية المختلفة وبات يهدد ديمومتها وسلامة مواردها.
وتعاني الموارد المائية في العراق من تدني نوعية المياه نتيجة عوامل متعددة بعضها ناتج عن عوامل خارجية يتمثل بالسياسات المائية لدول منابع نهري دجلة والفرات وبناء السدود عليها وعلى روافدها دون مراعاة لاحتياجات العراق المائية، بينما تمثل العوامل الداخلية السياسات الوطنية لإدارة المياه والمخلفات السائلة الناتجة عن الأنشطة البلدية والصحية والصناعية والزراعية ومحدودية خدمات محطات معالجة مياه المجاري.
كما تعاني مدن العراق من تراجع في جودة الهواء بسبب الانبعاثات الملوثة الصادرة عن المصادر الثابتة والمتنقلة المختلفة والمنتشرة في جميع المدن كما إن التربة تعاني بشكل رئيسي من رمي النفايات والمخلفات المتنوعة ذات المصادر المختلفة إضافة إلى عدم تطبيق القوانين والتشريعات لمنع تلوث الماء والهواء والتربة. في هذا الجزء نذكر أهم التحديات البيئية الناتجة عن تلوث مكونات البيئة الرئيسية.
اولا: التحديات البيئية في مجال التلوث:
أ- التلوث المائي
- إضافة إلى قلة الواردات المائية الواصلة من دول منابع دجلة والفرات في السنوات الأخيرة، يلاحظ أيضا تدهور في نوعية المياه الواصلة إلى العراق نتيجة لقيام دول الجوار (تركيا وإيران وسوريا) برمي مياه مبازل مشاريعها الزراعية ومياه الصرف الصحي في مجاري هذين النهرين.
- هنالك عدة مصادر رئيسية تسبب تلوث المصادر المائية السطحية في العراق أهمها مياه الصرف الصحي، النفايات الصحية ونفايات المستشفيات، المواد النفطية، الفضلات الصناعية، مخلفات ومواد القطاع الزراعي والفضلات السائلة والصلبة البلدية المختلفة.
- يلاحظ تدهور في نوعية مياه نهر دجلة والفرات من لحظة دخولها الحدود العراقية وحتى وصولها إلى الخليج العربي نتيجة للفضلات السائلة والصلبة من المصادر التي ذكرت أعلاه والتي ترمى مباشرة إلى الأنهار خصوصا في المناطق الواقعة جنوب بغداد إضافة إلى طبيعة التربة وخواصها الفيزياوية والكيمياوية التي يمر بها نهر الفرات.
- تظهر بعض الدراسات إن هنالك زيادة في أعداد البكتريا الموجودة في المياه تظهر بشكل واضح في مؤخرة المواقع التي تمتاز بكثافة سكانية عالية وفي حالة كلا النهرين.
ب- التلوث الهوائي:
- يتميز العراق بمناخه الجاف الذي تقل فيه الأمطار وخاصة في المنطقة الوسطى والجنوبية والغربية مما يقلل من إمكانية تخليص الهواء من ملوثاته المختلقة.
- شهدت مدن العراق تغيرات سكانية وعمرانية واقتصادية كبيرة أدت إلى تراجع في جودة الهواء خاصة في المناطق الحضرية بسبب انبعاث ملوثات الهواء من المصادر الثابتة والمصادر المتحركة. وتشمل المصادر الثابتة لتلوث الهواء محطات إنتاج الطاقة الكهربائية ومصافي تكرير النفط الخام والمصانع والصناعات الغذائية والإنشائية والكيمياوية ومعامل طحن الحبوب ومحطات التزود بالوقود ومواقع رمي النفايات البلدية والتجارية ومواد الهدم إضافة إلى المصادر الأخرى المنتشرة بصورة عشوائية داخل المناطق السكنية كالورش والصناعات الحرفية والأفران والمولدات الكهربائية الفردية والجماعية التي انتشرت بسبب تدني إنتاج شبكة الطاقة الكهربائية الوطنية. أمّا المصادر المتحركة لتلوث الهواء فتتمثّل بالنقل البري وزيادة أعداد السيارات وأنواع المركبات الأخرى وقِدَم البعض منها وضعف الصيانة والإدامة.
- إن أسوء نوع من أنواع وقود العربات (البنزين) في الشرق الأوسط يستعمل في العراق مما يؤدي إلى تلوث الهواء بالمركبات الكيمياوية الضارة المختلفة.
- يأتي تلوث الهواء أيضاً في العراق من العواصف الغبارية وزيادة أعدادها وفترة استمرارها في السنوات الأخيرة.
ج- تلوث التربة بالنفايات والمخلفات:
- إن أول قانون صدر في العراق للمحافظة على البيئة ومنع تلوث المياه كان في عام 1929 باسم قانون وقاية الصحة العامة رقم 6 لسنة 1929 تلاه نظام رقم 4 وهو أكثر تفصيلا عام 1935 باسم نظام المكاره لتنظيف الشوارع ونقل الازبال وإزالة المكاره ومنع تلويث الأنهار.
- حسب تقرير لوزارة البيئة لعام 2014 فانه يتولد سنويا في العراق (17,6 مليون) طن من النفايات والمخلفات البلدية كما يبلغ معدل توليد الفرد العراقي من النفايات ما بين (0,75 – 1,1) كغم/يوم.
- تتنوع وتختلف النفايات المطروحة فهي تشمل مخلفات البناء والهدم والنفايات المنزلية (أثاث ومواد كهربائية ومخلفات الطبخ...) والنفايات الطبية (الإبر المستعملة، القطن والشاش الملوث، الأدوية منتهية الصلاحية…)، النفايات الصناعية المختلفة، المواد النفطية ومشتقات النفط، النفايات الزراعية والمخلفات العسكرية والسكراب الناتجة من الحروب المختلفة.
- ترمى اغلب النفايات والمخلفات المنزلية والتجارية والنفايات الطبية للعيادات الصغيرة ومخلفات البناء والهدم في الشوارع والأزقة والساحات والأراضي المتروكة.
- نظرا لتعثر أو عدم كفاية وفعالية نظام جمع النفايات المنزلية والصناعية والطبية وضعف الوعي البيئي العام لدى المواطنين أصبحت النفايات والمخلفات البلدية والطبية والتجارية مصدرا من مصادر انتشار الأمراض والأوبئة ونمو وتكاثر الحشرات والحيوانات الضارة إضافة إلى روائحها الكريهة ومنظرها المنافي للذوق السليم.
- قدرت بعض المصادر إن كمية الأنقاض في مدينة الموصل وحدها تبلغ أكثر من (10) مليون متر مكعب نتيجة الأعمال الإرهابية لداعش وان نقلها إلى خارج المدينة سيكلف حوالي (250) مليون دولار.
ثانيا: المقترحات والحلول:
- وضع رؤية إستراتيجية وبرنامج عمل للإدارة المتكاملة للموارد المائية التي تضمن الاستخدام الأمثل والعادل للمياه وتأمين متطلبات التنمية المستدامة في كافة القطاعات المستهلكة للمياه وبخاصة القطاع الزراعي اكبر مستهلك للمياه في العراق.
- تشديد الرقابة على مصادر التلوث المائي (مياه الصرف الصحي، مياه المبازل، مياه المصانع والمستشفيات، المواد النفطية، النفايات البلدية…) والتلوث الهوائي (وسائط النقل، المصانع، المولدات...) وتطبيق التشريعات والقوانين بحزم لوقف ومنع هذه الملوثات.
- إدامة محطات معالجة مياه المجاري الحالية وإنشاء محطات جديدة لتستجيب للتوسع العمراني وزيادة عدد السكان وضمان معالجة صحيحة ومتكاملة وفقا للتعليمات والتشريعات البيئة والصحية.
- نصب منظومات ثابتة وأخرى متنقلة لمراقبة نوعية الماء والهواء لغرض رسم صورة متكاملة لمصادر التلوث مما يساعد على اتخاذ القرارات المستندة إلى مؤشرات وأدلة علمية وواقعية ويساهم في تحسين نوعية المياه وهواء المدن.
- تحديث وصيانة المنشآت والمصافي النفطية ووحداتها العاملة ومراقبة انبعاثاتها الغازية بما يضمن عدم تأثيرها على البيئة والصحة العامة.
- الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (الميثان، أول وثاني اوكسيد الكاربون، اكاسيد النتروجين، الهيدروكاربونات المشبعة بالكلور...) من خلال تشجيع الاستثمار في الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة.
- تنظيم وضبط عملية إدخال السيارات والمركبات وإجراء الفحوصات الدورية عليها لمنع انبعاث الغازات الضارة من محركاتها وتشجيع النقل الجماعي.
- الاهتمام الجدي بصيانة محطات إنتاج الطاقة الكهربائية وإنشاء محطات جديدة لتلبية جميع الاحتياجات الوطنية لغرض القضاء على ظاهرة المولدات الفردية والجماعية وتحسين جودة الهواء في المناطق الحضرية.
- إيجاد نظام فعال لجمع وإدارة ونقل وفرز ومعالجة النفايات والمخلفات البلدية والصحية والتجارية وغيرها والتشجيع على إعادة الاستخدام والتدوير وتقليل استنزاف الموارد الطبيعية وإنشاء مواقع طمر صحية وفنية.
- الاهتمام بتشجير جوانب الطرق والساحات العامة والدوائر والمؤسسات الحكومية والخاصة وزيادة أعداد الحدائق والمتنزهات ونشر ثقافة الوعي البيئي والصحي.
- توعية جميع السكان بحجم وأهمية وجدية الآثار والأمراض التي يحدثها التلوث البيئي لمكوناته الرئيسية (الماء, الهواء والتربة) والنتائج المترتبة في المجال الصحي والاقتصادي.
اضف تعليق