والقراءة غذاء العقل ومتعة النفس بها يوسع الانسان معارفه ومداركه وينمي قدراته ومهاراته، وهي مقياس لتقدم الامم ورقيها، وتعتبر ظاهرة اصيلة في حضارة وادي الرافدين حيث ان للعراقيين تاريخا مجيدا وحافلا بالعطاء المعرفي والعلمي وانهم اول الشعوب التي اسست المكتبات وشجعت على القراءة والبحث العلمي...
بقلم: الباحثة فاطمة نوري ابراهيم
المكتبة:- هي مؤسسة... علمية... ثقافية... تربوية... واجتماعية، هدفها جمع مصادر المعلومات بطرق مختلفة مثل الشراء والتبادل والاهداء والايداع، وتنظيمها من خلال فهرستها وترتيبها لتقدم خدماتها بطرق ميسرة لجميع افراد المجتمع بمختلف مستوياتهم، فهي من المعالم الرئيسة الدالة على مستوى التقدم الحضاري والثقافي لدى شعوب العالم، وقد تطورت على مدى العصور فازدهرت في بعض الفترات واندثرت معظمها في فترات اخرى.
والقراءة غذاء العقل ومتعة النفس بها يوسع الانسان معارفه ومداركه وينمي قدراته ومهاراته، وهي مقياس لتقدم الامم ورقيها، وتعتبر ظاهرة اصيلة في حضارة وادي الرافدين حيث ان للعراقيين تاريخا مجيدا وحافلا بالعطاء المعرفي والعلمي وانهم اول الشعوب التي اسست المكتبات وشجعت على القراءة والبحث العلمي وقد ظهر ذلك في اول مكتبة في العالم وهي مكتبة آشور بانيبال في القرن السابع قبل الميلاد والتي احتوت على الاف الالواح الطينية والنصوص باللغة الاكدية جمعها الملك من القصور الملكية لأجداده واضاف اليها الكثير وقد كانت مفهرسة ومنظمة.
وفي حكم المأمون العباسي كانت بغداد وجهة العالم والادب من خلال بيت الحكمة الذي انفق من اجله اموالا طائلة ليفتح ابوابه امام طلاب العلم والمعرفة.
وقد وصف الجاحظ الشعب العراقي في حبه للقراءة قائلا:-
(لقد كان شغف العراقيين للقراءة كالأسد حينما ينقض على فريسته).
وتعتبر تجربة المكتبات العامة والمدرسية ناجحة جدا خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي في العراق حيث ادت الى رفع المستوى الثقافي والادبي والعلمي للفرد العراقي وقد ظهر على اثرها اجيال تتسم بالنضوج الفكري والثقافة العالية والذوق الرفيع.
وهناك عدة انواع للمكتبات حسب محتوياتها وروادها وهي:-
1. المكتبة المدرسية: توجد في المدارس وتقدم خدماتها الى المجتمع المدرسي وتهدف الى تنمية شخصية الطالب وتشجيعه على القراءة والمطالعة.
2. المكتبة الجامعية: تقوم الجامعة بأنشائها وتمويلها وادارتها لتقدم الخدمات المعلوماتية للمجتمع الجامعي.
3. المكتبات المتخصصة: تعني بموضوع معين او عدة موضوعات ذات علاقة وتقدم خدماتها لاشخاص معنيين ومتخصصين يعملون في المؤسسات والهيئات والمنظمات.
4. المكتبات الوطنية: تقوم بجمع التراث الفكري الوطني وحفظه وتنظيمه والتعريف به والاعلان عنه وتؤدي دورها كمركز للإيداع وفقا لقانون تصدره الدولة.
5. مكتبة الاطفال: تجمع أدب الاطفال بأشكاله المختلفة وتنظيمه وتقديمه للطفل في بيئة مناسبة للقراءة والمطالعة والحركة.
6. المكتبات الفرعية: اسست لايصال الخدمات المكتبية الى المستفيدين الذين يصعب عليهم الوصول الى المكتبة العامة وذلك لتوفير الوقت والجهد عليهم.
7. المكتبة المتنقلة: والتي تقوم بأيصال الخدمات المكتبية الى المناطق النائية والمعزولة حيث لاتتوفر مكتبات عامة وذلك عن طريق وسائل النقل المختلفة وهي خدمة مؤقته لحين انشاء مكتبات فرعية في تلك المناطق.
8. المكتبات الالكترونية او الرقمية: وهي المكتبة التي تدخل تقنيات المعلومات الالكترونية في تنظيمها لدعم قدرتها على تقديم خدمات افضل وزيادة فاعليتها وكفاءتها.
ان اجمل شعور ينتاب الفرد عندما يدخل مكتبة عامة ويشم رائحة الورق لينتقل بين صفحات الكتب من الماضي الى الحاضر ثم المستقبل ويطوف المعمورة لينتعش ذاته فهي المتنفس لما يواجهه الفرد من صعوبات الحياة.
وللمكتبات اهمية كبيرة يمكن تلخيصها كالاتي:-
1. تحفظ التراث الفكري والانساني (الثقافي) لتنقله جيلا بعد جيل.
2. من خلالها يمكن الحصول على المعلومات لكافة المجالات من مصادر صحيحة.
3. التشجيع على الاستخدام المسؤول والواعي لشغل اوقات الفراغ بما يفيد المواطن.
4. تشجيع الافراد في المجتمع على المطالعة ودعم الثقافة والتشجيع على نشرها من خلال توفير اجواء مناسبة ومراجع مختلفة بدون مقابل، وهذا بدوره يؤدي الى خلق مواطنة صالحة ليصبح بذلك الفرد قادرا على خدمة ذاته ومجتمعه.
5. تتولى جزء من مهمة التصدي للمشكلات الاجتماعية والثقافية داخل المجتمع والاسهام في ايجاد الحلول لها من خلال الدورات والمحاضرات التي تقام بها وتساعد الافراد على مواكبة الاحداث الجارية على المستوى المحلي والاقليمي والدولي.
6. تنمية الهوايات وصقل المواهب وتعزيز روح الابداع لدى الافراد.
7. تأكيد مبدأ تكافؤ الفرص بين افراد المجتمع الواحد وعدم التمييز بينهم.
واذا كانت المكتبات التي توفر لنا جوا مناسبا للقراءة بهذه الاهمية فمن جهة اخرى للعزوف عن القراءة انعكاساته السلبية التي يمكن ان نذكرها بالنقاط التالية:-
1. عدم امتلاك المعرفة يؤدي الى عدم تغيير الواقع السيء مثل الفقر والاستبداد.
2. الخضوع والاستسلام الاعمى للثقافة السائدة بمعاييرها المادية فاصبح الشباب يسيرون مع التيار كقشة في مهب الريح، يحملهم كيفما يشاء لا كيفما يشاؤون.
3. السطحية في التفكير مع ضحالة ذهنية مفرطة حجبت منافذ البصيرة في الكثير من الرؤى.
4. انعدام قدرة الفرد على التعبير والانتقاد بشكل علمي رصين.
5. أزمة في الوعي فقد اصبح الشباب معرضين للتغييب والانفصال عن الهوية العربية والنتيجة غوغائية المجتمع وتشرذمه.
6. الشخصية خاوية الثقافة وسطحية التفكير معرضة للانحراف والضياع بسهولة عكس الشخصية المثقفة العازفة عن الامور المضرة وغير البناءة.
ولكن على الرغم من تلك المشاكل الكبيرة التي تنتج عن عدم القراءة نجد ان امة اقرأ ومع كل الاسف اصبحت الان امة لا اقرأ فقد هجر المكتبات روادها وتصدعت اساساتها للأسباب التالية:-
1. هزالة دعم الدولة الرسمي للمكتبات بتفعيل دورها وترميمها لان اغلب ابنيتها قديمة اضافة الى عدم توفير المصادر العلمية الحديثة بالاشتراكات السنوية بالعملة الصعبة اوجد تباعدا كبيرا في المسار الخدمي بين المكتبة وروادها.
2. غياب دور الاسرة والتي هي نواة المجتمع في توجيه ابناءها نحو حب القراءة فالطفل الذي ينشأ في بيت فيه مكتبة عامرة وابوين قارئين يختلف بالطبع عن الطفل الذي ينشأ في بيت يخلو من الكتاب.
3. الغاء الدوام المسائي للمكتبات العامة في نهاية التسعينات بعدها اعيد العمل به عام 2010 ليلغى مرة اخرى عام 2012 لعدم امكانية توفير الخدمات اللازمة من الطاقة الكهربائية اضافة للظروف الامنية السيئة في ذلك الوقت، وقد بقيت المكتبات بدوام صباحي فقط لغاية اليوم رغم تحسن الاوضاع الامنية اضافة الى سلبية الدوام الصباحي للمكتبات العامة في كونه مع دوائر الدولة ومؤسساتها وجامعاتها وبالطبع لايستطيع الموظف ترك عمله للذهاب الى المكتبة والنتيجة قلة اعداد رواد المكتبة.
4. عدم الاهتمام بالمكتبات المدرسية او الغائها في بعض المدارس رغم اهميتها في دعم المنهاج المدرسي وغرس حب القراءة لدى الطلبة او قد لايشرف عليها جهاز مؤهل علميا وعمليا اضافة الى عدم توفر الدعم المالي لسد احتياجاتها فأصبحت صف زائد يمكن ان يستخدمه المرشد التربوي وزالت اهميتها مع مرور الزمن، اضافة الى سبب مهم وهو كثافة وصعوبة المنهاج الدراسي مما يمنع الطلبة من ارتياد المكتبة لعدم توفر الوقت الكاف لديهم والنتيجة منح الجهل مساحة اكبر.
5. الثورة الالكترونية الحديثة حيث حولت القارئ من ورقي الى الكتروني لعدة اسباب اهمها سهولة وسرعة الوصول الى المعلومات مقارنة بالكتاب الورقي الذي لايساير طبيعة الانسان العصري المهووس بالسرعة مما ادى الى خلو اغلب البيوت من المكتبات ونتج عن ذلك اجيال تنصرف عن تثقيف نفسها متجهة نحو العالم الرقمي الذي يمثل ينبوعا فكريا سلبيا تتسرب عبره ثقافات عديدة وافدة تمثل خطرا على عادات وتقاليد المجتمع خاصة لدى المستخدمين الذين لا يملكون الوعي والعمق الثقافي الكافيين لتحقيق الحصانة.
6. عجز التعليم فهو المسؤول الاول في تدني المعرفة بسبب عقم المناهج المعتمدة على التلقين والحفظ والقائمة على الاكراه حيث ان النجاح يعتمد على حفظ المقررات الدراسية لا على الثقافة العامة وتلك البيئة التعليمية الناقصة سببت تعطيل علاقة الطالب بالكتاب بل انه اصبح يكره الكتاب والقراءة والدليل ما نراه بعد الامتحانات النهائية من مظاهر همجة كتمزيق الكتب امام المدارس.
7. اصبحت القراءة الصحيحة في طريقها الى الانقراض والاسوء من ذلك هو انغماس الشباب الحالي في المواد الرديئة التي لاتعد ضمن مجال المعرفة العلمية والفكرية والتوجه نحو قراءة التفاهات مثل الاشاعات واخبار الفنانين وبعض الروايات التي تنشر الثقافات الفاسدة وكل ما يتوافق مع واقع العصر. يجب الاخذ بنظر الاعتبار اولوية ماذا نقرأ وليس اننا نقرأ فقط، ومن خلال ذلك تتحدد توجهات الثقافة.
8. المستوى المعيشي المتردي الذي يعاني منه اغلب الشباب الحالي وصعوبة الحياة تجعلهم مشغولين بالجري وراء لقمة العيش وبهذا لايمتلكون الوقت الكاف للقراءة والمطالعة وتثقيف انفسهم في عصر اتسم بالمظاهر حيث ان الاولوية للجانب المادي على حساب النظرة المعنوية للانسان والحياة. ومن الطبيعي فان المجتمع الذي لا يحترم مثقفيه ويقدسهم، يلغي روح الابداع لديهم ولاينتظر منه ان ينتج مثقفين او حتى قارئين.
9. يجب ان يكون الكتاب كالرصاصة التي لا تخطيء هدفها ولكنه اليوم لايتناسب وحاجة القاريء الذي يعيش حياة السرعة ويكره الاطالة دون داعي فتجد مستوى الكتابة هابط ولاتوجد ضوابط في سوق النشر فما اكثر الكتب التي لاتساوي حبر طباعتها فقط لان مؤلفيها يملكون المال فتنشرها لهم دور النشر وتروج لبضاعتهم عديمة القيمة، ولان الافضلية للجانب المادي فقط اصبحت دور النشر تهتم بعدد مبيعاتها من الكتب على حساب المنتج الادبي وثقافة القاريء.
وبما ان مستوى التقدم الحضاري يرتبط طرديا مع القراءة فهناك ثلاثة جهات تتحمل مسؤولية الحث على القراءة وتثقيف المجتمع وهي الدولة والاهل والمدرسة وذلك من خلال:-
1. على الدولة ان تؤدي مسؤوليتها في جعل القراءة جزءا من دورة الحياة اليومية عن طريق تشييد المكتبات في جميع المحافظات وتفعيل دورها لتحقق اهدافها بنشر الوعي بأهمية القراءة وتوفير الكتب الجديدة التي تواكب التطورات العلمية لاعادة الروح اليها.
2. على الاسرة تقديم بيئة ملائمة لتكوين ارضية ثقافية تتيح لكل عضو في الاسرة فرص الاستكشاف والتعلم والتفاعل والرقي العقلي والروحي والجسدي، فمستقبل الطفل وعطاء الاسرة شقيقان فلا مناص من توفير كل الامكانيات المتاحة عند الاسرة لتثقيف الطفل.
3. تفعيل دور المكتبة المدرسية كمركز اشعاع تربوي عن طريق توفير المواد التعليمية والتربوية من كتب ومراجع ووسائل تعليمية جاذبة للطالب لتكون كالبذرة التي تغرس في عقله وتنمو معه ليبقى محبا للثقافة. كما يجب على الكادر التعليمي والتدريسي ان يطلب من الطلبة البحوث والتقارير لكل المواد العلمية وزيارة المكتبة المدرسية والمكتبات العامة لأجل ذلك، كما في السنوات السابقة ليحفزونهم على البحث وجعل ثقافتهم متنوعة لاتقتصر على المنهاج الدراسي والنجاح به فقط.
4. تطوير المناهج الدراسية بشكل جذري في المنظومة التعليمية من اجل تكوين جيل جديد محب للقراءة.
5. وضع مكتبات في المساجد والدوائر الحكومية والشركات والمطارات والعيادات ومضايف العشائر... الخ بحيث يشاع الكتاب في كل مكان وتعتاد النفوس على رؤيته، مع تجديد الكتب بمرور الزمن كي لايمل القاريء منها.
6. خلق حوافز للتشجيع على القراءة عن طريق مسابقات القراءة وما شابه مع وضع جوائز تحفيزية مثل مبادرة الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم في الامارات المتحدة بعنوان (تحدي القراءة العربي) والذي يهدف الى ابراز جيل جديد ومتفوق في مجال القراءة وشغف المعرفة.
7. دعم البرامج والندوات التي تلقي الضوء على الاصدارات الجديدة للكتب ذات القيمة.
8. حملات اعلامية مكثفة لترسيخ الحس الحضاري تجاه القراءة في وجدان الناشئة لان الاعلام يشكل فضاءا واسعا يمكن استثماره اذا احسنا فهم وظائفه المجتمعية اولا والتفاعل المتزن معه ثانيا.
9. بما انه ومن ضمن مسؤوليات المكتبة العامة دعوة المدارس ضمن الرقعة الجغرافية لزيارتها وان اغلب المدارس لاتستطيع تحمل مسؤولية اخراج طلبتها سيرا الى المكتبة خوفا عليهم من الحوادث، لذا يمكن ان تتوفر لكل مكتبة حافلة صغيرة لتقوم بمهمة نقل الطلبة بين المدرسة والمكتبة مجانا وذلك لتحفيزهم على القراءة، وبالطبع فان توفير مثل هذه الخدمات تقع على عاتق الدولة التي يجب ان تؤدي مسؤوليتها تجاه الاجيال القادمة.
10. ارجاع الدوام المسائي للمكتبات العامة ليتمكن الجميع من ارتيادها.
علينا ان نفكر باستثمار الامكانيات المتوفرة لدينا وبما ان المحافظة لم تزود المكتبات بالكتب منذ عام 2008 لذا فان هذه المكتبات العامة قد لا تخدم طلبة الدراسات العليا ولكنها وبالتأكيد تخدم الاطفال وطلبة المراحل الابتدائية والثانوية وهذه الفئة العمرية تمثل الجيل الجديد الي يجب الاهتمام به وبناءه روحيا وتحصينه فكريا، لذا علينا ان نكثف جهودنا وان نتفق على ستراتيجيات مدروسة لجذب الطلبة للمكتبات وتحفيزهم على القراءة لأننا مسؤولون عن تقويم الاجيال القادمة سواء كنا اولياء امور او معلمون او مدراء كل من موقعه يجب ان يؤدي مسؤولياته بالمستوى المطلوب خصوصا.
واننا اليوم نتألم عندما نرى الشباب محدودي الثقافة والوعي غير محصنين فكريا ليقاوموا التيار مع تأثرهم بما تبثه الشبكة العنكبوتية من سموم وافكار لاتتلائم وشخصية الانسان العربي كجزء من سياسة الالهاء وقتل الشخصية العربية الاصيلة للأجيال القادمة ليتمكنوا من السيطرة على بلداننا وادارتها كما يحلو لهم، وعلينا الاعتراف بأنهم نجحوا في ذلك ونرى دلائل ذلك شاخصة امامنا في عصرنا الحالي.
ومنذ ان دمر هولاكو كنوز المعرفة والثقافة في بغداد خلفوا نكبة كتاب في الوطن العربي، اصيب على اثرها العرب بنكسة قراءة تستفحل اثارها جيلا بعد آخر، فاليوم نرى الكتب تارة تباع مرمية على الارض وكأنها ملابس رثة لم تعد صالحة للاستعمال ونراها تارة اخرى تزين جدران مكتبات البيوت وتعتليها الاتربة لأنها وجدت فقط للزينة وليست للقراءة، فلا احد يقترب منها. وبهذا لايمكن ان نستبعد فكرة اندثار الكتب الورقية يوما ما كما اصبحت لفائف البردي ورقاع الجلود واوراق الكتان والكتابة على الاحجار من اطلال الماضي، بعد ان ينشأ جيل جديد لايعرف الورق في عصر رقمي تتضح آثاره في كل شيء، فما من شخص يبحث عن معلومات الا وارتاد صهوة الانترنيت ليصل بسرعة البرق الى الكتب الرقمية دون عناء او توجه الى المكتبات مما افقد الكتاب الورقي اهميته وقيمته (يمكننا ان نشبه الانترنيت بأي عقار يمكن ان يعالج اي مرض في جسم الانسان ولكنه يترك آثار جانبية اخرى لها اثرها السلبي على صحته اما الكتاب فهو كالاعشاب تعالج الجسم ولاتترك فيه اي اثر سلبي عليه).
وهناك مشكلة اخرى حساسة وخطرة جدا الا وهي ان النسبة القليلة التي تقرأ لا تتجاوز اهتماماتها صفحات المجلات التافهة مما ادى الى خواء العقل وقلة الثقافة للأجيال الحديثة. لقد اصبح مجتمعنا لايقرأ وتلك حقيقة لايمكن نكرانها فحتى اعدائنا علموا بها، فقد ترسخت صورتنا البائسة تلك في كوننا مجتمعا لايقرأ في نظر اعدائنا حيث يقول موشي ديان: (العرب لا يقرؤون واذا قرؤوا لايفهمون واذا فهموا لا يحفظون واذا حفظوا سرعان ما ينسون)
لذا فطريقنا نحو غايتنا غير معبد بل فيه الكثير من المطبات لان فكرة اقناع فئة عمرية تمتد من الـ 6 سنوات ولغاية ال 18 سنة ليست سهلة وخصوصا انها تتميز بالتمرد، لذا فمن الضروري كسب ثقة هذه الفئة اولا ثم السيطرة على افكارها تمهيدا لتغيير مسارها نحو الطريق الصحيح، وذلك عن طريق وضع ستراتيجية شاملة تتكاتف فيها ادوار جهات متعددة مثل الاسرة والمدرسة والجهات الحكومية والاعلام والمراكز الثقافية والقائمين على ادارة المكتبات العامة والمثقفين واساتذة الجامعات لغرس عادة القراءة في المجتمع.
فالأمة التي تعرف اهمية القراءة ستنال حظها من الرقي والسمو والتحضر وتزداد قوة وعمق، اما الامة التي تعزف عن القراءة سيكون مآلها الهلاك والتقهقر والتلاشي. وعليه فنحن مطالبون اليوم واكثر من اي وقت مضى بالتشبث بعادة القراءة وان نربي في الناشئة حب القراءة وان كنا في سبات طويل تخلفنا بسببه عن ركب الحضارة فان كلمة اقرأ (اول كلمة امر بها الله رسوله الكريم محمد عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام) لاتزال قادرة على ايقاظنا لنعود الى سيرتنا الاولى.
اضف تعليق