اظهر فيروس كورونا عورة من عورات الطبقة السياسية في العراق وعدم قدرتها على مواجهة أي أزمة قد تعصف في البلاد وتركت الملايين من العراقيين يواجهون فيروس كورونا القاتل من دون بنية صحية تحتية متكاملة وقلة في الكوادر والمستلزمات الصحية والطبية الضرورية لمكافحته كما تركت الملايين...
بقلم: د. محمد علي الجزائري
مقدمة
لقد أثار انتشار فيروس كورونا القاتل بهذه السرعة المذهلة في مختلف أرجاء المعمورة هلعاً وذعراً بين سكان الكرة الارضية جميعا وضاقت الأرض على البشر بما رحبت وبلغت قلوب الناس الحناجر بعد ظهوره المفاجئ في مدينة ووهان الصينية في شهر كانون الاول من عام 2019، حيث انتشر في (177) دولة لغاية يوم 28/3/2020 أي بعد مرور أقل من اربعة اشهر واصيب به اكثر من (662000) شخص وتجاوز عدد المتوفين اكثر من (32000) نسمة، وما زالت العدوى تنتشر وتتوسع دائرتها ويزداد عدد المصابين بعدوى هذا الفيروس الفتاك حتى ساعة كتابة هذا المقال.
فقد انتقل الفيروس من الصين إلى جميع القارات بدون استثناء واجتاح اوروبا وامريكا التي اصبحت البؤرة الجديدة للفيروس وأكثر البلدان في عدد المصابين الذين تجاوز عددهم حتى عدد المصابين في الصين حيث تجاوز عددهم في امريكا (105000) نسمة حسب موقع جامعة جون هوبكنس الامريكية.
وبعيداً عن مناقشة ومعرفة كيفية ظهور وانتشار هذا الفيروس القاتل، وهل جاء نتيجة خطأ غير متعمد وتسرب من أحد المختبرات التي كانت تعمل عليه أو هو هجوم وسلاح بايولوجي امريكي ضد اعدائها كالصين وايران، أو محاولة صينية للهيمنة على رؤوس الاموال والاستثمارات الغربية، أو هو نذر لغضب الهي وجند من جنود الله ارسل لتذكير الإنسان في كل مكان بذنوبه وبعده عن الخالق وتعاليمه، أو هي ارهاصات لخروج الامام المهدي (عج) واقامة دولة العدل الهي، أو هو قرار حرب اعلنته حكومة العالم الخفية على كبار السن والمرضى للتخلص من تكاليفهم العالية، أو لتقليل سكان الكرة الارضية استنادا لنظرية مالتوس أو دارون، أو ربما هنالك اسباب أخرى سيكشف عنها لاحقا، فإن هذا الفيروس قد هز الاقتصاد العالمي هزاً عنيفاً وطرحه ارضا بالضربة القاضية واظهر ضعف وخواء وفشل الدول المتقدمة صناعيا والمالكة للأسلحة النووية من الوقوف بوجهه او كبح جماحه كما بين بوضوح انشغال كل دولة بمصيبتها ناسية حلفائها وتركهم لمصيرهم المحتوم كما فعلت المجموعة الاوروبية بأعضائها وأمريكا بحلفاء الناتو.
اضافة إلى ذلك أحدث فيروس كورونا صدمة موجعة للضمير البشري واظهر بوضوح ضعف الإنسان مهما بلغ من العلم والسطوة والقوة ودفع العديد من البشر في مختلف الدول لإعادة النظر بما وصلت اليه علاقتهم مع مسبب الاسباب وخالق الكون وحثتهم على الصلاة والدعاء والتضرع لله تعالى ليصرف عنهم هذا الوباء الفتاك الذي يعبر الحدود من دون فيزا ويقطع المسافات من دون اذن ولا يفرق بين الاجناس والقوميات والاديان ولا تمنعه اللغات واللهجات ولا البحار ولا الجبال. في دول مثل المانيا وايطاليا واسبانيا التي لم تسمح ببناء جامع فيها منذ أكثر من خمسة عقود وحتى عام 2003 اصبح الآذان يرفع الان ويصدح في جوامعها للتضرع لله تعالي وطلب العون للخلاص من هذا الفيروس اللعين.
وضع العراق أمام فيروسات كورونا
هل يجب الخشية والقلق في العراق من فيروس كورونا القاتل؟ والجواب نعم بالتأكيد لأسباب عديدة منها:
- قلة الكادر الطبي التخصصي والمستشفيات المخصصة لهذا النوع من الأوبئة وعدم توفر الادوية المناسبة والاجهزة والمعدات الطبية وعدم توفير المتطلبات المالية والمستلزمات الصحية بشكل عام في البلاد اضافة إلى تأخر اتخاذ الاجراءات المناسبة الكفيلة بمنع انتشار هذا الفيروس الفتاك.
- فيروس كورونا مرض معدي قد يكون قاتلا يصيب الرئتين بشكل خاص وينتقل من مصاب إلى آخر ومن مريض إلى سليم بسرعة كبيرة جدا وبوسائل عادية لا تثير الشك عن طريق الملامسة ومسك الاسطح الملوثة والرذاذ المتطاير اثناء العطاس والسعال والقرب من المريض ولو عن بعد متر واحد.
- عدم اكتساب الوعي الصحي الضروري لدى غالبية افراد المجتمع واستخفافه بالإجراءات الصحية المعلنة وعدم اتباعه الارشادات الدينية الخاصة بمنع انتشار هذا الفيروس القاتل وعدم أخذ موضوع المرض وسهولة العدوى موضع الجد وابقاء المجتمع على ممارساته الاجتماعية وكأن شيئا لم يكن.
- سوء التخطيط الحكومي وضعف الادارة المؤسساتية والفساد المستشري خصوصا لدى الطبقة السياسية وعدم كفاءتها وغياب قدرتها في معالجة ازمات المجتمع وهي عديدة ومن ضمنها انتشار الاوبئة والامراض في البلاد. ويجدر الاشارة هنا وعدم اغفال ما يقوم به بعض ابناء العراق الغيارى من مواطنين عاديين وبعض التجار والميسورين واصحاب المواكب الحسينية وبعض منظمات المجتمع المدني من مد يد العون وتوفير الغذاء للعوائل المتعففة وسكان الاحياء الفقيرة والمحتاجين في ظل الصمت المطبق وغياب الاجراءات الحكومية في هذا المجال.
- ابتعادنا عن الباري عز وجل وعن تعاليم الاسلام الحنيف وأزمة القيم الاخلاقية التي يعيشها المجتمع ادت إلى ازالة حجاب الوقاية والحماية التي كنا سنتمتع بها لو بقينا محافظين على علاقتنا النظيفة مع رب الأرض والسماء. ان التعاليم الدينية تفرض علينا حسن السلوك والعدل والاستقامة والصدق كما تفرض علينا غسل الايدي والوجوه والاجسام والابتعاد عن الرذائل والظلم وقبح السيرة والنجاسة. كما تفرض علينا تعاليم الدين ان لا ندخل او نخرج من منطقة او مدينة مصابة بمرض معد وهذا هو عين الحجر الصحي الذي دعت اليه منظمة الصحة العالمية وعملت به الصين واستطاعت تحجيم انتشار الفيروس في مدينة ووهان خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا.
- وأخيرا وليس أخرا هل هنالك فيروس واحد خطر يجب الحذر منه والبحث عن دواء له أم ان هنالك فيروسات أخرى أكثر ضررا وفتكا بحياة العراقيين. والحقيقة، تنتشر في العراق العديد من الفيروسات ولكن اخطرها وافتكها هي فيروسات الطبقة السياسية المتحكمة في ادارة العراق وهي اكثر تدميرا وفتكا من فيروس كورونا بحيث لو استطاع العراقيون التخلص منها ومحاسبتها لأصبحوا قادرين على مكافحة فيروس كورونا والتغلب عليه بيسر وسهولة. ان فيروسات الطبقة السياسية في العراق وبطانتها الفاسدة من رجال الاعمال والمال حديثي النعمة كبيرة الحجم واسعة البلعوم متخمة بالمال الحرام تفوح منها رائحة الفساد ومع ذلك لا يمكن ازاحتها من أماكنها بسهولة فكيف يمكن مكافحة فيروس كورونا وهو كائن لا يرى بالعين المجردة وليس له طعم ولا رائحة.
فيروسات كورونا العراقية
من الممكن القضاء على فيروس كورونا باتباع الاجراءات الصحية المناسبة والحجر الصحي وتوفير الادوية والمستلزمات الطبية والصحية وتقوية المناعة بأساليب عديدة اصبحت معروفة لدى الجميع والعودة والانابة الصادقة إلى الله تعالى والتمسك بالقيم والمفاهيم الإسلامية الحقة وهي امور سهلة المنال اذا ما توفرت النوايا الطيبة لدى الفرد والمجتمع.
ولكن كيف يمكن ازاحة ومحاسبة فيروسات الطبقة السياسية المهيمنة على مجريات الامور في العراق منذ فترة طويلة وهي لم تستطع حتى الاتفاق على اسم مرشح لرئاسة الوزراء من قبل لجنة مكونة فقط من سبعة اشخاص متحزبة وكيف يمكن ان يحدث هذا الاتفاق ما بين جميع الفرقاء العراقيين من الاحزاب والتنظيمات والكتل والتجمعات الحزبية وشيوخ العشائر وممثلي المتظاهرين في ساحة التحرير؟
لقد اظهر فيروس كورونا عورة من عورات الطبقة السياسية في العراق وعدم قدرتها على مواجهة أي أزمة قد تعصف في البلاد وتركت الملايين من العراقيين يواجهون فيروس كورونا القاتل من دون بنية صحية تحتية متكاملة وقلة في الكوادر والمستلزمات الصحية والطبية الضرورية لمكافحته كما تركت الملايين من الفقراء من العمال والكسبة، رغم مليارات عوائد النفط، يعانون من الضائقة المالية التي تدفعهم إلى عدم الالتزام بالحجر الصحي المفروض في الاحياء والنواحي الفقيرة والبائسة. لقد وضع الحجر الصحي فقراء العراق ما بين المطرقة والسندان ما بين خيار الخروج واحتمال التعرض للفيروس القاتل أو التضور جوعا والموت في البيوت.
فرصة اعادة النظر والتصحيح
لقد افرز فيروس كورونا على المستوى العالمي تداعيات مهمة بدأت من الآن وستستمر في المستقبل ويمكن اعتباره نقطة فاصلة ما بين فترتين هما فترة ما قبل الفيروس وما بعده. انها فرصة ثمينة رغم مرارتها وقسوتها لإعادة النظر بما وصلت له البشرية منذ عقود مديدة في مجالات متنوعة كالبيئة والصناعة والاقتصاد والصحة والهيمنة السياسية والتسليح العسكري والثقافة والفن والادب وعمل المنظمات الاممية ومراجعة العلاقات ما بين الدول واعادة صياغة هذه المجالات والعلاقات بمفاهيم جديدة مبنية على اسس العدالة والاحترام المتبادل وحقوق جميع البشر في بناء النظام العالمي المستقبلي والايمان بخالق اعلى بيده وحده مقاليد الامور.
ان التخلص من فيروس كورونا عملية يسيرة في العراق اذا ما قورنت بعملية ازاحة ومحاسبة الفيروسات السياسية التي اضعفت مناعة العراق وجعلته ساحة مباحة لتدخل جميع الدول الكبيرة والصغيرة والقريبة والبعيدة ودمرت بفسادها وعدم كفاءتها اقتصاد العراق وبددت ثرواته الطائلة وقضت بجهلها وعنادها وتمسكها بمصالحها الضيقة على مستقبل الاجيال القادمة ولا بد من شروق الشمس لتضع حدا لهذا الوباء الخطير. ازيحوا وحاسبوا وحاكموا الفيروسات الفاسدة للطبقة السياسية في العراق وسوف يتم القضاء بسهولة على فيروس كورونا.
اضف تعليق