الإهمال الطويل للبيئة والفساد الإداري والمالي وعدم القدرة على معالجة الأزمات والتحديات البيئية المهمة نتيجة ضعف المعرفة بطبيعة وخطورة القضايا البيئية وعدم وجود تصور واضح لها. وشكلت هذه العوامل مجتمعة تحديا كبيرا للبيئة العراقية بشكل عام وأدت إلى تدهور النظام البيئي وتدني حالة الأراضي الزراعية...
ورقة دراسة موجزة: د. عبد المطلب محمد عبد الرضا
مقدمة:
إن الحديث عن البيئة في العراق وتلوث مكوناتها الحية والمياه والهواء والتربة وعن مصادر هذا التلوث المختلفة والمتنوعة والنتائج الصحية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عنه هو حديث ذو شجون لا تعالجه التصريحات الرسمية المطمئنة ولا شكاوى المواطنين المريرة ولا حتى الكتابات الصحفية المطولة، فهو حديث تفيض منه رائحة المأساة الإنسانية في العراق بكل أبعادها.
وحسب تقرير لوزارة البيئة العراقية عام 2014 فقد قدرت كلف التدهور البيئي في العراق عام 2008 بحوالي (8,7) مليار دولار أي ما يعادل (7,1%) من الناتج الإجمالي المحلي وتحتل كلف تدهور الموارد المائية العراقية منها النصف تقريبا.
وتواجه البيئة في العراق جملة من المصاعب والمشاكل المتنوعة بدأت منذ فترة طويلة نتيجة عدم اهتمام النظام البائد بالمحافظة على البيئة وقيامه بشن الحرب العراقية – الإيرانية (1988 - 1980)، وما تمخض عن هذه الحرب الطاحنة من مآسي إنسانية وكوارث بيئية من ضمنها تجفيف الاهوار وتدمير بساتين النخيل وحرق آبار النفط وتلويث البيئة تلت ذلك حرب عام 1991، ومن ثم غزو العراق عام 2003 واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا من قبل الجيش الأمريكي وتدمير البنية التحتية الصحية والبلدية والزراعية والتعليمية والصناعية والحصار الظالم وغير المبرر للأمم المتحدة على العراق وشعبه، وأخيرا دخول عصابات داعش الإرهابية وما عاثته في ارض العراق من قتل وذبح للإنسان وتدمير وفساد وتخريب لآبار النفط والمنشئات الصناعية والنفطية والمناطق العمرانية والأبنية والبنية التحتية.
مضافا إلى ذلك كله الإهمال الطويل للبيئة والفساد الإداري والمالي وعدم القدرة على معالجة الأزمات والتحديات البيئية المهمة نتيجة ضعف المعرفة بطبيعة وخطورة القضايا البيئية وعدم وجود تصور واضح لها. وشكلت هذه العوامل مجتمعة تحديا كبيرا للبيئة العراقية بشكل عام وأدت إلى تدهور النظام البيئي وتدني حالة الأراضي الزراعية وتراكم النفايات وتلوث مصادر المياه والهواء والتربة وتراجع نظام معالجة مياه الصرف الصحي وطرح كميات كبيرة من المياه القذرة والملوثة في مجاري المياه المختلفة وخاصة نهر دجلة والفرات.
إن المشاكل والمصاعب البيئية وتداعياتها على جميع المجالات الحياتية في العراق تمثل اليوم تحديا يفوق في خطورته التهديد الأمني بسبب تداعياته المهمة والواسعة على الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي على عموم السكان في العراق وهي بحاجة إلى وقفة شجاعة وصادقة ومعالجة جدية وشاملة.
أولا: التحديات البيئية في المجال الإداري والإنساني:
أ- آفة الفساد:
- تصنف منظمة الشفافية العالمية العراق من ضمن الدول العشرة الأكثر فسادا في العالم من بين (180) دولة يشملها التصنيف سنويا وهذا منذ سنوات عديدة.
- رغم صرخات واحتجاجات المواطنين وما تفضحه وتنشره وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ودعوات المرجعية الرشيدة وكتابات بعض المخلصين فان الوضع لا يتغير وان آفة الفساد حصدت الأخضر واليابس من ثروات العراق.
- إن غياب قوة وهيبة الدولة وتعطيل تنفيذ القوانين وسياسة المحاصصة السياسية وعدم المحاسبة وانعدام الدور الرقابي والقضائي كلها عوامل أساسية تؤدي بالضرورة إلى انتشار آفة الفساد في جميع مفاصل الدولة وانتشار ظاهرة الرشوة وتعطيل المشاريع الخدمية والبيئية والصحية.
ب- تغريب الإنسان:
- يتعرض الإنسان العراقي إلى ضغوطات نفسية شديدة ومتواصلة والى تحديات يومية تمثل تهديدا حقيقيا للصحة النفسية للشخصية العراقية مضافا إلى ذلك عدم وجود خدمات مؤسساتية ترتقي إلى مستوى هذه التحديات.
- اعتبر مؤشر دافوس العالمي لجودة التعليم الذي يصنف ما يقارب (140) دولة إن العراق من بين دول قلائل لا يتم تصنيفها بسبب عدم توفر ابسط معايير الجودة في التعليم وهذا منذ سنوات عدة. ومن ضمن المعايير التي يتم أخذها بنظر الاعتبار من قبل هذا المؤشر هي جودة نظام التعليم, المؤسسات، البنية التحتية، الصحة والتعليم الأساسي، التعليم الجامعي والتدريب,، الجاهزية التكنولوجية، الابتكار,...
- أشار موقع الأمم المتحدة بخصوص العراق (لمحة عن العراق) في 4/4/2018 إلى أن المناهج التي عفا عليها الزمن وأساليب التدريس والبنية التحتية الضعيفة تعيق كلها العملية التعليمية في كافة المراحل الدراسية.
- إن أكثر الكتب مبيعا في مكتبات العراق حاليا هي القصص والروايات والأشعار والكتب الأدبية أما الكتب العلمية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية الرصينة فقرائها نادرون.
- أشار تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (نقلا عن موقع شبكة النبأ المعلوماتية ليوم الأربعاء 8/2/2018) إلى أن المكتب لم يسجل غير حالتين كتجارة مخدرات فقط في العراق ما بين عام 1970 و1990 ولكن بعد دخول القوات الأمريكية إلى البلاد تغيرت الأوضاع الأمنية بشكل ملفت وسجلت أرقام خيالية.
- ذكر تقرير الأمم المتحدة أيضا انتعاش سوق الجريمة والمخدرات والإرهاب وانخفاض نسبة العقوبة لتجار المخدرات وزيادة عدد المدمنين على أنواع مختلفة من المخدرات في العراق بشكل مخيف ومتسارع مما يعرض مستقبل الأجيال القادمة للدمار والضياع.
- أشار رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي (نقلا عن موقع سومر نيوز في 1/4/2018) كون اغلب المتاجرين بالمخدرات مدعومين من جهات متنفذة في الحكومة.
- أشارت مصادر في الشرطة إلى ازدياد عدد الحوادث (الاعتداء على الآخرين وعلى ممتلكاتهم، حوادث السيارات،.... ) الناتجة عن ازدياد أعداد المدمنين على المشروبات الكحولية وخاصة في بغداد.
- تأتي هذه الأخبار السيئة مع زيادة أعداد العاطلين عن العمل من الشباب أصحاب الشهادات الجامعية وغيرهم وعدم وجود مساعدات للطاقات الشابة في خلق فرص العمل الخاصة بهم وعدم توفر فرص عمل حكومية إلا عن طريق المحسوبية والمنسوبية والرشوة.
- إن كل شيء ينبع من الإنسان ومع تغريب الإنسان وجعله يعيش على هامش الحياة وجعل اهتماماته سطحية وبعيدة عن مشاكل المجتمع الذي يعيش فيه ويتفاعل معه تجعل من هذا الإنسان مصدرا من مصادر تلوث البيئة وعالة عليها بدلا من أن يكون المحافظ عليها.
ج- الإرهاب:
- إن الإرهاب والصراعات والحروب هي اكبر عدو للبيئة فهي التي تنتج التلوث وتدمر البنى التحتية الصحية والبلدية والبيئية وتنشر الملوثات عبر التفجيرات والتدمير المتعمد وتمنع الاهتمام بقضايا البيئة مثل فقدان الأراضي الزراعية والمخلفات والنفايات السامة والمشعة والتلوث النفطي لأنها تصبح في كثير من الأحيان قضايا هامشية وتتراجع على سلم الأوليات.
- قدرت بعض المصادر إن كلفة إعادة تأهيل المنشآت المائية التي دمرها داعش في العراق بحوالي (600) مليون دولار.
- قدرت وزارة التخطيط في 8/5/2018 حجم الأضرار التي شملت مؤسسات الدولة الناجمة عن العمليات الإرهابية بـ (36,8) تريليون دينار عراقي للمدة من عام 2004 إلى عام 2016 وهي لا تشمل الأضرار التي تعرض لها المواطنين ولا الأضرار التي لحقت بالآثار.
- إن عدم استتباب الوضع الأمني بشكل كامل وانتشار الفساد المالي والإداري يحول دون معالجة قضايا البيئة المتعددة.
ثانيا: المقترحات والحلول:
- إن المواطن هو القيمة العليا والثروة الوطنية الأهم التي يجب إعطائها الأولوية القصوى من الرعاية والاهتمام. فالإنسان هو اللبنة الأولى لبناء الأسرة الصالحة والوطن القوي والحضارة الإنسانية ويجب إعطاءه حقه من الرعاية الصحية والتعليمية والمعيشية وتقوية شعوره بالانتماء للوطن والاهتمام بتحسين حالته النفسية ليؤدي دوره الحقيقي والفعال في بناء الوطن والحفاظ على مكتسباته وحماية أمنه ولا يمكن الحصول على ثمرة أي جهد يبذل لتحسين الواقع في أي مجال ومنه المجال البيئي من دون إعطاء الأولوية للإنسان وبناءه الفكري ومناخه الاجتماعي وبيئته العامة.
- تشكيل حكومة تعيد للدولة هيبتها عن طريق محاربة الفساد ومحاسبة ومعاقبة الفاسدين بجدية وعزم وإدارتها من قبل مسؤولين أكفاء مخلصين وقضاء نزيه لا يجامل ولا يرتشي وأجهزة أمنية هدفها الأول حماية الوطن والمواطن إضافة إلى توفير فرص العمل للعاطلين وإبداء التسهيلات لإنشاء الأعمال الخاصة.
- سئل الإمام علي (عليه السلام) كيف تفسد العامة من الناس؟ فقال (إنما هي من فساد الخاصة، وإنما الخاصة ليقسمون على خمس: العلماء وهم الادلاء على الله، والزهاد وهم الطريق إلى الله، والتجار وهم أمناء الله، والغزاة وهم أنصار دين الله والحكام وهم رعاة خلق الله... فوالله ما اتلف الناس إلا العلماء الطماعون والزهاد الراغبون والتجار الخائنون والغزاة المراؤون والحكام الجائرون (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
- حث وسائل الإعلام المختلفة لتشجيع التثقيف البيئي والصحي لزيادة الوعي لدى قطاعات المجتمع المتنوعة وتوعية الأفراد بمواد القانون العراقي ومعرفة الواجبات الملقاة على عاتق المواطن وحقوقه التي كفلها القانون له.
- قال مدير منظمة الشفافية الدولية (جوزيه اوغاز)، نقلا عن جريدة بغداد الإخبارية ليوم الاثنين 1/2/2016، أن بالإمكان (التغلب على الفساد إذا عملنا سوية) متمنيا أن (يتم اجتثاث الفاسدين في السلطة، والقضاء على الرشاوى، وفضح الصفقات السرية من خلال وقفة جماعية من المواطنين ليقولوا لحكوماتهم كفى لأنهم لم يعودوا يتحملون).
اضف تعليق