على الرغم من التحسن البسيط الذي شهدته أسعار النفط العالمية في الأيام القليلة الماضية، لايزال العديد الدول وخصوصا الدول المصدرة تعيش في حالة من القلق بسبب تأثرها الكبير جراء تدهور أسعار النفط منذ يونيو/حزيران 2014 ، التي أرجعها بعض الخبراء إلى وفرة المعروض في أسواق النفط، وطفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة، فضلا عن قوة لدولار وتأثير نشاط المضاربين في الأسواق، هذا بالإضافة الى العوامل السياسية التي دفعت بعض الدول و الكبار الى اعتماد حرب النفط، بهدف إضعاف الخصوم كـ(روسيا وايران) والضغط عليهما بسبب بعض الموافق والقرارات.
من جانب آخر يرى بعض المراقبين ان سياسية تخفيض أسعار النفط التي اتبعتها بعض الدول في أوبك مع الإصرار على إبقاء سقف الإنتاج على ما هو عليه، ربما يكون امر ضروري الهدف منه مواجهة إمدادات النفط الصخري في العديد من الدول، لا سيما أن كلفة استخراج النفط الصخري أعلى بكثير من كلفة استخراج النفط التقليدي، وهو ما تسبب بحدوث خسائر للعديد من الشركات الأجنبية. وفي هذا الشأن فقد قال الامين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) عبد الله البدري ان قرار المنظمة الابقاء على مستوى انتاجها من النفط دون تغيير رغم تراجع الاسعار، "هو قرار اقتصادي بحت" و"غير موجه ضد اي بلد بعينه". واكد البدري "ها القرار ليس موجها ضد بلد بعينه ليس ضد الولايات المتحدة او (شركة النفط النروجية) ستايت اويل او روسيا (..) انه قرار اقتصادي بحت اتخذه وزراؤنا".
ورأى بعض الخبراء في قرار اوبك الابقاء على سقف انتاجها، رغبة في إضعاف استغلال الغاز الصخري (غاز الشيست) في الولايات المتحدة للحفاظ على حصتها من سوق الخام العالمي. واضاف البدري "ان انتاج الدول غير الاعضاء في اوبك يتم بكلفة مهمة ورفعوا هذا الانتاج لان الاسعار كانت عالية". وتابع "ان ما نقوله هو انه انطلاقا من اننا (دول اوبك) لم نزد انتاجنا في السنوات العشر الاخيرة، اذا خفضناه اليوم فسيكون علينا خفضه في حزيران/يونيو وكانون الاول/ديسمبر وفي 2016 ، وسيكون علينا خفضه في كل مرة لضمان (سعر) السقف للبلدان غير الاعضاء في اوبك (..) هذا لا ينطوي على كثير من المنطق". بحسب فرانس برس.
وقررت دول اوبك ال 12 التي تضخ ثلث الخام العالمي، نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الابقاء على سقف انتاجها عند 30 مليون برميل يوميا للاشهر الستة التالية ما زاد في تدهور سعر برميل النفط. لكن الامين العام راى ان الاسعار "ستعاود الارتفاع" وانه ستكون هناك عودة "الى الوضع الطبيعي قريبا جد".
التأثيرات على المنتجين
من جانب آخر رفعت أوبك توقعاتها للطلب على نفطها في عام 2015 بدرجة كبيرة وقالت إن انخفاض أسعار الخام إلى النصف منذ يونيو حزيران سيبطئ الانتاج في الولايات المتحدة ودول أخرى بوتيرة أسرع مما كان يعتقد في السابق. وفي تقريرها الشهري توقعت المنظمة أن يبلغ متوسط الطلب على نفطها 29.21 مليون برميل يوميا في عام 2015 بزيادة قدرها 430 ألف برميل يوميا عن التوقعات السابقة.
وقلصت أوبك توقعاتها لنمو المعروض من خارج المنظمة في 2015 بمقدار 420 ألف برميل يوميا عن تقديراتها في تقرير الشهر الماضي إلى 850 ألف برميل يوميا ويرجع ذلك في جزء منه لتباطؤ طفرة النفط الصخري بالولايات المتحدة وتراجع الاستثمارات الرأسمالية من جانب شركات الطاقة وقالت إن الطلب سيرتفع أيضا نتيجة انخفاض السعر. وقالت أوبك "يرجع (هبوط المعروض من خارج أوبك) أساسا إلى إعلان شركات نفط عالمية خفض الانفاق الرأسمالي في عام 2015 فضلا عن هبوط عدد منصات الحفر العاملة في الولايات المتحدة وكندا."
وخفضت المنظمة أيضا توقعاتها لإجمالي المعروض النفطي الأمريكي في 2015 بمقدار 170 ألف برميل يوميا وكانت قد خفضته بواقع 100 ألف برميل في الشهر الماضي. كما خفضت توقعاتها لإنتاج روسيا بواقع 70 ألف برميل يوميا مقارنة بالشهر الماضي وخفضت توقعاتها لانتاج دول الشرق الأوسط من خارج أوبك بنفس المقدار. وقالت المنظمة إن توقعات انخفاض المعروض مازالت تتوقف على بقاء الأسعار منخفضة في النصف الأول من العام بالدرجة التي تقود إلي تباطؤ الإنتاج.
وتابع التقرير "هذه التوقعات إلى جانب النمو المنخفض المتوقع في 2015 تتوقف على استمرار الأوضاع الحالية في سوق النفط لفترة لا تقل عن ستة أشهر حتى نهاية يونيو (حزيران) 2015. ولقت السوق دعما من انخفاض حاد في عدد منصات الحفر في الولايات المتحدة إثر انهيار السعر من حوالي 110 دولارات للبرميل في مطلع العام.
وقالت أوبك إن الطلب على نفطها سيرتفع قليلا في النصف الثاني من العام عن المستوى الحالي. ونقلت عن مصادر ثانوية أن إنتاج المنظمة بلغ 30.15 مليون برميل يوميا في يناير كانون الثاني بانخفاض 53 ألف برميل يوميا عن ديسمبر كانون الأول. وأبلغت السعودية - أكبر منتج في أوبك - المنظمة أنها أنتجت 9.68 مليون برميل يوميا في يناير كانون الثاني بزيادة 50 ألف برميل يوميا عن ديسمبر كانون الأول.
النفط في الفترة المقبلة
الى جانب ذلك أعرب العديد من الخبراء والمطلعين على سوق النفط العالمية عن تفاؤلهم بالانتعاش الأخير في أسعار النفط متوقعين استمرار ارتفاعها إلى مستويات قياسية من جديد. وعزا خبراء الانتعاش الأخير في أسعار النفط إلى جملة عوامل منها تراجع عدد حفارات النفط العاملة في الولايات المتحدة وقيام عدد من الشركات بتقليص نفقاتها الاستثمارية لعدد من المشاريع النفطية تزامنا مع الإضرابات في أمريكا.
وتوقع رئيس شركة "روس نفط" الروسية إيغور سيتشين أن تعود أسعار النفط إلى مستويات تتراوح بين 90 و110 دولارات للبرميل في حال تجميد عدد من مشاريع إنتاج النفط على خلفية تدني الأسعار. وعزا رئيس شركة "روس نفط" الروسية في مقابلة مع صحيفة "فاينانشال تايمز" هبوط أسعار النفط إلى التأثير الكبير للمضاربين في أسواق المال على العرض والطلب، داعيا إلى بيع ما لا يقل عن 10 – 15% من النفط في الأسواق العالمية بعقود تسليم فورية وليس بعقود آجلة كما هو متبع حاليا، وذلك بهدف تحقيق أسعار عادلة للنفط.
وفيما يتعلق بإمدادات موارد الطاقة إلى أوروبا، حذر سيتشين من احتمال أن تؤثر العقوبات المفروضة ضد روسيا على هذه الإمدادات، لافتا إلى أن العقوبات ضد إيران أثرت بدورها على مبيعات النفط وعلى الميزان التجاري. بدوره نوه وزير النفط الكويتي علي العمير في تصريحات للصحفيين عقب افتتاحه مؤتمرا نفطيا الاثنين 16 فبراير/شباط، نوه إلى أن التحسن الحالي لأسعار النفط أمر إيجابي جدا، معربا عن أمله في مزيد من التحسن.
وتوقع وزير النفط الكويتي أن تشهد الأسواق العالمية مزيدا من التحسن والاستقرار وزيادة في الطلب العالمي. وتأتي تصريحات السياسيين ورؤساء كبرى شركات النفط تزامنا مع تصريحات المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا التي تشير إلى احتمال تعليق أنشطة إنتاج النفط في كل حقولها النفطية بسبب الصراع الدائر في البلاد. وأوضحت الشركة أن تكرار الهجمات على حقول النفط من شأنه أن يؤدي إلى هروب الكادر الفني وشركات النفط لضمان سلامة الكادر، حيث تواجه الشركات صعوبات في تأمين الأمن للعاملين في حقول النفط الليبية.
انتهاء عصر النفط
على صعيد متصل توقع ولي عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد ال نهيان الذي تعوم بلاده على حوالى مئة مليار برميل من النفط، ان يتنهي عصر الذهب الاسود في بلاده في غضون خمسين سنة داعيا الى الاستثمار في التربية لمواجهة تحديات المستقبل. وقلل الشيخ محمد بن زايد في نفس الوقت خلال كلمة القاها في "القمة الحكومية" في دبي من اهمية تأثير انخفاض اسعار النفط على اقتصاد الامارات مؤكدا ان "السفينة تسير".
والقى الشيخ محمد بن زايد الذي يشغل ايضا منصب نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة الاماراتية الكلمة الرئيسية في القمة التي تبحث سبل تطوير الخدمات الحكومية على ضوء التطورات التقنية. وخلال كلمته التي ركز فيها على انجازات الامارات خلال العشرية الاخيرة، قال الشيخ محمد بن زايد امام الالاف من المندوبين الحكوميين والاعلاميين من الامارات والعالم "في سنة 2008 كان البترول اعلى عما كان (قبل بدء انهيار الاسعار منتصف 2014)، ووصل اقل عن الان، والسفينة ماشية".
ودعا الشيخ محمد الذي نادرا ما يلقي خطابات في مناسبات عامة، الى الاستثمار بقوة في التعليم لتحضير المجتمع الاماراتي لتحديات المستقبل من دون عائدات النفط. وقال "رهاننا الحقيقي في هذه الفترة من الزمن الذي نحن عندنا خير (عائدات نفط)، هو ان نستثمر كل امكانياتنا في هذا التعليم". واضاف "يأتي وقت بعد خمسين سنة ونحمل آخر سفينة، آخر برميل نفط". وخلص الى القول "سوف نحتفل" بعد خمسين سنة اذا فازت الامارات برهان التعليم الذي "تاخرنا فيه".
وتملك امارة ابوظبي السواد الاعظم من النفط الاماراتي. وتعوم الامارات، ثاني اكبر اقتصاد عربي، على احتياطات نفطية تتجاوز 98 مليار برميل، وهي تنتج اكثر من 2,8 مليون برميل من الخام يوميا وهي من اهم اعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك). وتعتمد امارة ابوظبي بشكل كبير على عائدات النفط، ولكن بنسبة اقل من اعتماد المالية العامة للسعودية والكويت على الذهب الاسود. اما امارة دبي، فحصة النفط من عائداتها محدودة.
وتملك ابوظبي صندوقا سياديا قال الشيخ محمد بن زايد انه ثاني اكبر صندوق سيادي في العالم دون ان يحدد قيمة موجوداته. وكان وزير الطاقة الاماراتي سهيل المزروعي قال في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ان انخفاض أسعار النفط "لن يشكل كارثة لدولة الإمارات" مشيرا الى ان عائدات النفط لا تشكل الا 30% من الناتج المحلي الاجمالي. واشار الوزير الى ان الامارات "نجحت في تنويع مصادر الدخل ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية إلى حوالى 70% من الناتج الإجمالي".
في السياق ذاته اوردت دراسة اقتصادية نشرت ان دول منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ستستثمر 755 مليار دولار في مشاريع للطاقة على مدى السنوات الخمس المقبلة وذلك رغم تراجع اسعار النفط. وسينفق 42% من هذه الاستثمارات اي 316 مليار دولار لانتاج الطاقة الكهربائية، 31% في قطاع النفط و27% في الغاز، بحسب دراسة اعدتها شركة "اراب بترولوم كوربوريشن" التي تتخذ مقرا لها في السعودية. بحسب فرانس برس.
والاستثمارات المقررة للفترة بين 2015-2019 اقل بقليل من تلك المقررة للفترة السابقة اي 2014-1018 (760 مليار دولار)، بحسب الدراسة نفسها. وتشمل منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا كل الدول العربية بالإضافة الى ايران وغالبيتها غنية بموارد الطاقة. وستقوم ثمان من هذه الدول بإنفاق ثلاثة ارباع هذه الاستثمارات وهي السعودية والامارات والجزائر والعراق وايران والكويت وقطر وليبيا. وهي تملك من اكبر احتياطي للنفط والغاز، بحسب الدراسة.
اضف تعليق