التراجع الحاد في أسعار النفط العالمية التي هوت الى أدنى مستوياتها منذ عام 2009 بسبب ضعف الطلب العالمي وزيادة الإنتاج، بالتزامن مع طفرة النفط الصخري الأميركي، والذي كان له الكثير من التداعيات الاقتصادية، لا يزال هذا التراجع يشكل مصدر قلق كبير لدى العديد من الدول والحكومات خصوصا الدول المصدرة للنفط التي اعتمدت موازناتها المالية على الأسعار المرتفعة، والتي تتعرض اليوم لمشكلات وأزمات اقتصادية كبيرة أجبرتها على تغير الكثير من الخطط السابقة كما يقول بعض الخبراء، الذين أكدوا على ان هذا التراجع المستمر على الرغم فوائدة الاقتصادية الكبيرة لدول المستهلكة، قد أسهم أيضا في إضعاف وتباطؤ النمو الاقتصادي في العديد من الدول هذا بالإضافة الى المشكلات الأخرى التي قد تترتب من جراء استمرار تراجع الأسعار.
كما ان هبوط أسعار النفط حسبما تقول بعض التقارير قد تغذي التوترات الجيوسياسية في بعض الدول و سيؤثر على مردودية الاستثمارات وسيؤثر سلبيا على عمليات تطوير مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وقد يعمق الفجوة بين الاقتصادات العالمية، وبحسب دونغ شيو تشنغ، مدير مركز دراسات تطوير صناعة النفط والغاز بجامعة النفط الصينية، فإن ثمة علاقة طردية بين أسعار النفط ونمو الاقتصاد العالمي، إذ أن تغير أسعار النفط هو في الحقيقة علامة واضحة تعكس مسار الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن الطريق الذي يمضى عليه انتعاش الاقتصاد العالمي ما زال غير ممهد. ولهذا يرى الخبراء، أن أسعار النفط ستظل من ناحية قابعة في حالة انخفاض مستمر لبعض الوقت مستقبلا وسيسير الاقتصاد العالمي من ناحية أخرى بخطى بطئيه على الأمد الطويل.
النفط الصخري والازمة
وفي هذا الشأن فقد حذر بنك انجلترا المركزي من أن هبوط أسعار النفط قد يغذي التوترات الجيوسياسية ويؤدي إلى تخلف شركات الغاز والنفط الصخري في الولايات المتحدة عن سداد الديون ويزعزع توقعات التضخم في منطقة اليورو. وفي تقديراته للمخاطر المالية العالمية قال بنك انجلترا إن قلق السوق من استمرار تباطؤ النمو والمخاطر السياسية تزايد وحذر من أن المستثمرين قد يتخلصون من الأصول عالية المخاطر. وقال التقرير إن هبوط أسعار النفط نحو 40 بالمئة منذ يونيو حزيران يعد أمرا جيدا للنمو لكنه "قد يغذي مخاطر جيوسياسية معينة" إذا استمرت الأسعار منخفضة. ورفع البنك المركزي الروسي أسعار الفائدة إلى 17 بالمئة في محاولة لوقف انهيار الروبل بفعل تراجع أسعار النفط والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية. لكن بعد أن صمد لفترة قصيرة إثر الفتح هوى الروبل لأدنى مستوياته على الإطلاق مقابل الدولار واليورو.
وقد يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى تراجع توقعات التضخم المنخفضة بالفعل في أنحاء منطقة اليورو. وقال بنك انجلترا "وهذا بدوره قد يؤدي إلى تباطؤ نمو الدخول الاسمية وزيادة أعباء الديون القائمة." وقال البنك إن ذلك قد يؤدي إلى انخفاض توقعات النمو في منطقة اليورو التي تستقبل نصف صادرات بريطانيا وتفاقم مشكلات الديون. بحسب رويترز.
وأشار البنك إلى أن شركات النفط والغاز تشكل 13 بالمئة من سوق السندات عالية المخاطر في الولايات المتحدة وقد يؤدي تخلفها عن سداد الديون إلى شح السيولة في تلك السوق. وقال التقرير إن على البنوك والشركات أن تدرك الضغوط المحتملة على السيولة في السوق وأن قدرتها على بيع الأصول عند الضرورة ربما تكون "وهمية".
الفجوة الاقتصادية
في السياق ذاته يعكس مزيج من النمو القوي في الولايات المتحدة والأداء الخامل لاقتصادات منطقة اليورو وتباطؤ النمو في الصين الفجوة في أداء اقتصادات العالم والتي يرجح أن تتسع مع تهاوي أسعار النفط. فظاهريا يوفر انخفاض فاتورة الطاقة سيولة أكبر للمستهلكين والشركات للإنفاق وتعزيز النمو الاقتصادي على الأقل في الدول التي تستورد الخام.
ولكن الدول التي تعاني من ركود يصل إلى حد الانكماش في بعض الحالات يقلقها كثيرا احتمال تعرض الأسعار لضغوط تدفعها للهبوط. والأرجح ان يقود انخفاض أسعار النفط إلى تعزيز النمو في دول تشهد نموا قويا بالفعل بينما تتفاقم معاناة من تخلفوا عن الركب. وأبدى مسؤولون في البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا أراء متباينة بشأن عائد هبوط أسعار النفط في الأسابيع الاخيرة.
وقال جون وليامز رئيس بنك سان فرانسيسكو للاحتياطي "هذه ميزة كبيرة للمستهلكين والشركات" مضيفا أن الضعف في اقتصادات اخرى حول العالم لن ينال منها. ويشارك اخرون وليامز الرأي فقد أورد محضر وقائع اجتماع مجلس الاحتياطي الاتحادي في ديسمبر كانون الأول أن بعض الحاضرين يعتقدون ان "انخفاض أسعار النفط قد يعزز الإنفاق المحلي إلى حد بعيد."
وقارن بين تلك التصريحات وبين ما قاله بيتر برات كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي في اخر أيام العام الماضي وقبل أيام من تحول معدلات التضخم في منطقة اليورو سلبا لأول مرة منذ عام 2009. وصرح برات "في ظل أسعار النفط الاخيرة سينخفض معدل التضخم أكثر بل سيقل كثيرا عن التوقعات حتى الآن." مشيرا إلى ان البنك المركزي الاوروبي لم يكن يلق بالا لمثل هذه الصدمات الخارجية في السابق ولكن لم يعد بوسعه أن يفعل ذلك الآن. "في ظل بيئة .. تكون فيها توقعات التضخم منخفضة جدا لا يمكن ببساطة أن نغض الطرف."
وثمة يقين في الأسواق بأن البنك المركزي الاوروبي سيطلق برنامج شراء سندات حكومية على غرار الخطوة التي أخذها مجلس الاحتياطي الاتحادي الامريكي. ولكن احتمال تقليص حجمه لتهدئة مخاوف المانيا يضعف كثيرا الثقة في أنه سيحدث تأثيرا. ويتفق معظم الاقتصاديين علي أن الاقتصاد الامريكي سيستفيد من انخفاض أسعار النفط ما يعزز التوقعات برفع أسعار الفائدة ولكن البعض يتوقع مشاكل فعلية في أماكن أخرى. وقال كارل تانينباوم كبير الاقتصاديين في نورذرن ترست "تسير الأمور على ما يرام في حفنة من الدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا .. ولكن التأثير يظهر سريعا فيما وراء ذلك. "نادرا ما يحدث مثل هذا التغيير الكبير في السعر في سوق بهذا القدر من الأهمية دون أن يسبب شيئا من عدم الاستقرار في جزء ما من الاقتصاد أو العالم."
وتهاوي الأسعار أمر سلبي للمنتجين الكبار بكل جلاء رغم أن الدول النفطية في الخليج لديها احتياطيات تعينها على تجاوز موجة الهبوط بدون أضرار تذكر. وترجع مشاكل روسيا جزئيا للعقوبات التي يفرضها الغرب بسبب اوكرانيا ولكن النفط يلعب على الأرجح دورا أكبر في دفعها للانزلاق في حالة كساد حاد.
ويحتاج الكرملين لسعر برميل النفط عند 100 دولار تقريبا كي تنضبط الميزانية. وهبوط السعر للنصف يعني بالضرورة رفع الضرائب وخفض الإنفاق بشكل حاد أو استنزاف الاحتياطات النقدية لروسيا بدرجة تثير القلق. وكانت النرويج أكثر حذرا ولم تستخدم ولو سنتا واحدا من ايرادات النفط في الميزانية بل تنفق من عائد ثروتها التي تقدر بمئات المليارات التي ادخرتها من قبل. ولكن انخفاض العائدات يثير احتمال تراجع الاستثمارات النفطية وتقليص عائدات الدولة في المستقبل.
وقال اويشتاين اولسن محافظ البنك المركزي "سيقل معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي في النرويج عما اعتدنا عليه إلى حد كبير. أضحت ربحية (حقل النفط) أقل بكثير." وفي اليابان حيث يضخ البنك المركزي الاموال سعيا لرفع الأسعار الامور مختلطة. فانخفاض الأسعار قد يدعم اقتصاد دولة تستورد كميات كبيرة من الوقود مثل اليابان ولكن قد لا يكون كافيا لتشجيع المواطنين اليابانيين والشركات على الإنفاق بعد أن دأبوا على ادخار الاموال على مدى موجة الانكماش المستمرة منذ نحو عقدين.
كما أن انخفاض سعر النفط يعقد الأمور بالنسبة لبنك اليابان المركزي الذي حاول رفع معدل التضخم من أقل من واحد بالمئة إلي اثنين بالمئة ولكنه يرى أن ايجابيات الهبوط تفوق سلبياته. وقال محافظ البنك المركزي هاروهيكو كورودا لكبار رجال الأعمال في وقت سابق "سيؤثر هبوط أسعار النفط على الأسعار الكلية على المدى القصير لكن من منظور طويل الأمد سيسهم في تضييق فجوة الانتاج في اليابان ويقود لصعود الاسعار.
والمصاعب التي تواجه روسيا تبرز تباين حظوظ دول مجموعة بريك (روسيا والهند والبرازيل والصين). ففي الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم يتباطأ النمو وخفضت السلطات أسعار الفائدة بالفعل لأول مرة خلال عامين. وأظهرت بيانات أن التضخم في الصين قرب أقل مستوى في خمسة اعوام عند 1.5 بالمئة ما يعكس ضعفا اقتصاديا قد يقود لمزيد من التحفيز. وقال مينغ قاو شن الاقتصادي في سيتي في هونج كونج "ثمة خطر حقيقي لحدوث انكماش العام الحالي."
وتعاني البرازيل من معدلات تضخم مرتفعة وأسعار فائدة تعجيزية في حين تسعي الهند لرفع معدل النمو الذي يتجاوز خمسة بالمئة. وسمح هبوط أسعار النفط لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بانهاء القيود على أسعار الديزل في اكتوبر تشرين الاول وقاد ذلك لانخفاض حاد في أسعار بيع الوقود سواء المستخدمة في الجرارات الزراعية في الريف او في سيارات الدفع الرباعي في المدن ما يرفع دخل الفرد القابل للإنفاق. بحسب رويترز.
لكن حتى الان فان انخفاض أسعار النفط ينم عن تباطؤ النمو العالمي ما يبعث باشارة تحذير لاقتصاد يعتمد على التصدير. وقال راجيف بيسواس كبير اقتصاديي آسيا والمحيط الهادي في آي. اتش.اس جلوبل اينسايت "يعني انخفاض أسعار النفط تحويل مبلغ يقدر بنحو 1.5 تريليون دولار من الدول المنتجة للنفط في العالم إلى الدول المستوردة وسيكون الفائز الاكبر الدول الصناعية المستوردة للنفط." وتابع "ستسهم هذه العوامل الايجابية في تخفيف بعض من آثار تباطؤ النمو في الصين والنمو الضعيف في اليابان."
الاقتصاد الاسيوي
على صعيد متصل يقدم تدهور اسعار النفط للدول الاسيوية التي تعتبر من كبار مستهلكي الذهب الاسود دفعا اقتصاديا كبيرا وفرصة ذهبية للانطلاق في اصلاحات بنيوية ضرورية مثل ازالة الدعم عن الطاقة، بحسب ما يرى المحللون. ومع تباطؤ الاسواق الاساسية للصادرات في اوروبا والصين واليابان ووضع حد لبرنامج تليين السياسة النقدية في الولايات المتحدة والمضاربات على ارتفاع معدلات الفائدة الاميركية التي تثير حركة هروب للرساميل الاجنبية بحثا عن عائدات اعلى، تجد العديد من حكومات جنوب اسيا وجنوب شرقها نفسها امام قرارات شاقة من اجل الحفاظ على نموها.
لكن الخبراء يرون انه مع تدهور اسعار النفط فان الاتجاهات التضخمية تتراجع ما يفترض ان يسمح للمصارف المركزية بتخفيض معدلات فوائدها او ابقائها بمستواها. ورأى بنك التنمية الاسيوي ان الدول الناشئة قد تحقق في 2015 نموا اضافيا بمتوسط نصف نقطة مئوية اذا ما بقيت اسعار النفط منخفضة. غير ان المحللين يشيرون الى ضرورة اجراء اصلاحات بنوية وفي مقدمها الغاء الدعم للطاقة، وهو موضوع حساس غالبا ما اثار في الماضي تظاهرات وصل بعضها الى حد العنف بين الطبقات الاكثر فقرا من السكان انما كذلك بين الطبقات المتوسطة.
وقامت ماليزيا واندونيسيا والهند حتى الان بتخفيض كبير للدعم على الطاقة الذي كان يزيد من العجز في ميزانياتها. ويرى شانغ جين واي الخبير الاختصاصي في مكتب ايه دي بي في مانيلا ان تراجع اسعار النفط "يمثل فرصة ذهبية" للإصلاح في الدول المستوردة. ومضى راجيف بيسواس المحلل لدى ايه اتش اس ابعد من ذلك اذ اعتبر ان على الدول الاسيوية ان تغتنم اسعار الطاقة المتدنية للتصرف حالا قبل حصول "ارتفاع كبير في اسعار النفط خلال السنوات المقبل فيعزز معارضة الراي العام لوضع حد للدعم".
ففي اندونيسيا على سبيل المثال اثارت محاولات سابقة للحد من الدعم العام للطاقة اضطرابات عنيفة كما شهدت الهند تظاهرات حول الموضوع ذاته. غير ان الرئيس الاندونيسي الجديد جوكو ويدودو قرر في تشرين الثاني/نوفمبر معالجة هذه المشكلة سعيا لاستخدام الادخارات التي سيتم تحقيقها من اجل تطوير البنى التحتية. وبموازاة ذلك، فان تراجع اسعار النفط يشكل دعما للاقتصادات المستهلكة للطاقة.
وقال راجيف بيسواس ان "معظم الاقتصادات الاسيوية هي من كبار مستوردي النفط والغاز وسوف تستفيد من تراجع كلفة وارداتها، كما سيستفيد المستهلكون من تراجع كلفة الطاقة". واضاف انه "من المتوقع على ضوء التوجه ان نحصل على تعديل مواز في اسعار بطاقات الطيران". غير ان الاوضاع ليست ايجابية للجميع فمن المتوقع ان ينعكس تدني اسعار النفط سلبا على دول مثل ماليزيا وسلطنة بروناي المصدرتان للنفط والغاز. بحسب فرانس برس.
وماليزيا التي تشكل العائدات النفطية ما بين 30 و40 بالمئة من ايرادات ميزانيتها سجلت تراجعا في سعر عملتها الرينغيت قارب 11% مقابل الدولار خلال الاشهر الستة الاخيرة. وكانت كوالالمبور توقعت في تشرين الاول/اكتوبر نسبة نمو بين 5 و6 بالمئة للعام 2015 غير ان البنك الدولي بات يتحدث عن 4,7 بالمئة.
أسواق الناقلات
من جانب اخر قال مسؤولون في مجال النقل البحري إن هبوط أسعار النفط سيمنح أسواق الناقلات دعما غير متوقع هذا العام إذ أنه سيعزز الطلب على تخزين النفط في البحر وإن أسواق الشرق البعيدة ستقبل أيضا على شراء الوقود بأسعار بخسة وتحتاج إلى الشحن البحري. وتقترب أسعار تأجير الناقلات العملاقة بالفعل من أعلى مستويات لها في خمسة أعوام إذ تزيد على 83 ألف دولار في اليوم وقد ساعد على ذلك هبوط اسعار وقود السفن. وبدأ ينحسر أيضا فائض طاقة النقل البحري التي يعاني منها أصحاب الناقلات منذ سنوات.
وقال هربيورن هانسون الرئيس والرئيس التنفيذي لمؤسسة ناقلات امريكا الشمالية (نات) لحملة الأسهم في الآونة الأخيرة إن تراجع أسعار النفط "قد يطلق موجة من عمليات تخزين النفط أو قد يكون له أثر إيجابي بوجه أعم." وقال "إننا نشهد زيادة واضحة في الطلب ولاسيما من الشرق ويجري ايضا شحن النفط لمسافات أطول. وعدد السفن الخاملة الآن ضئيل جدا وتشهد السوق شحا كبيرا في المعروض." وتنبأت وكالة الطاقة الدولية ان مخزونات النفط العالمية سيستمر تزايدها وقد تصل إلى ذروتها. وقد يشجع هذا أيضا على تخزين النفط في ناقلات في البحر.
من جانب آخر قالت مصادر في قطاع النقل البحري وبيانات الشحن إن تجار النفط استأجروا ما لا يقل عن 12 ناقلة لتخزين 25 مليون برميل من النفط الخام في البحر وذلك في علامة أخرى على تراكم المخزونات العالمية. وقالت المصادر وقوائم الشحن إن 11 ناقلة خام كبيرة تم استئجارها على أساس عقود تتضمن خيارات التخزين وهو ما يزيد على نحو خمس ناقلات تم استئجارها في وقت سابق. بحسب رويترز.
وتتسع كل من هذه الناقلات لتخزين ما يصل كحد أقصى إلى مليوني برميل من النفط. وفي تطور منفصل أظهرت البيانات والمصادر أنه تم استئجار الناقلة تاي أوشيانيا وهي من أكبر ناقلات النفط في العالم وتبلغ سعتها القصوى ثلاثة ملايين برميل وذلك لتخزين النفط.
شركات الطيران
الى جانب ذلك تستعد شركات الطيران العالمية التي تتطلع للاستمرار في تحقيق وفورات ضخمة للتحوط في كميات أكبر من وقود الطائرات لتثبيت الأسعار في الوقت الذي تراهن فيه على أن سعر النفط الذي نزل إلى أدنى مستوياته في ست سنوات قد يوقف اتجاهه النزولي قرب 40 دولارا للبرميل. وقال سماسرة وتجار وقود إن بعض شركات الطيران زادت من تحوطها بالفعل خصوصا بعد نزول سعر خام برنت.
وفي أوروبا تهدف شركات طيران مثل اير لينجوس وريان اير للاستفادة من انخفاض أسعار النفط من أجل الحفاظ على مستوى تكاليف الوقود في عام 2016 وما بعده. وتعتزم الخطوط الجوية التايلاندية التحوط في جميع مشترياتها من الوقود هذا العام. وقال روبرت كامبل رئيس بحوث المنتجات النفطية في إنرجي أسبكتس "إذا كنت متحوطا حصيفا فعليك أن تنظر إلى الأمر كفرصة ممتازة."
وأضاف أن الإنتاج الحالي من الخام لا يمكن أن يستمر على هذه الأسعار ومع "بعض الزيادة في الطلب وبعض الانخفاض في المعروض لن يكون هناك مفر من ارتفاع الأسعار في النهاية." وقد يشكل وقود الطائرات ما بين 20 و50 بالمئة من تكاليف التشغيل لشركات الطيران وربما يعني تقلب أسعار النفط زيادة في التحوط أو تقلص الأرباح.
وفي وقت سابق قال الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) إن تراجع أسعار الوقود قد يعني أن تحقق شركات الطيران على مستوى العالم أكبر هامش ربح في أكثر من خمس سنوات في 2015. لكن هبوط خام برنت 60 بالمئة منذ يونيو حزيران الماضي فاجأ الكثيرين. فشركات الطيران الأمريكية التي تحوطت بناء على ارتفاع أسعار النفط مثل يونايتد ايرلاينز قد اضطرت إلى التخلي عن رهاناتها الخاسرة وهي تعيد النظر حاليا في استراتيجيتها لحماية نفسها من تقلبات سوق النفط.
ويقول بعض السماسرة والتجار إن الاهتمام بالتحوط زاد في الوقت الحالي رغم أن بعض شركات الطيران مازالت متخوفة بسبب تهاوي أسعار النفط. وقال تاجر وقود يتعامل مع بنك في سنغافورة يجري معاملات التحوط لشركات الطيران "رغم تزايد أحجام التحوط إلا أنها مازالت محدودة."وعادة ما تتحوط شركات الطيران في بعض احتياجاتها من الوقود - أو تشتري الوقود مقدما بأسعار محددة سلفا - للحد من تأثير التقلبات الواسعة في السوق على أرباحها.
غير أن الكثير من شركات الطيران وخصوصا في آسيا تتوخى الحذر من التحوط منذ عام 2008 حين سارعت الناقلات إلى الحفاظ على مستوى تكاليف الوقود مع صعود سعر الخام فوق 100 دولار للبرميل للمرة الأولى لكنه هوى لما دون 40 دولارا للبرميل قبل نهاية العام. وقال س. فينكات مدير الشؤون المالية لشركة اير انديا التي لا تتحوط في الغالب إن الشركة تتوقع أن توفر 375 مليون دولار من تكاليف الوقود السنوية البالغة نحو 1.5 مليار دولار بفضل الوفورات التي حققتها منذ أن بدأت الأسعار في النزول في يونيو حزيران 2014. بحسب رويترز.
غير أن فينكات قال إن اير انديا تبدأ في النظر في التحوط بشأن ما بين 30 و40 بالمئة من احتياجاتها من الوقود أو نحو 300 ألف برميل في كل فصل بأسعار وقود الطائرات الحالية. وريان اير واير لينجوس والخطوط الجوية التايلاندية من بين الشركات التي تنظر في استغلال انخفاض أسعار النفط لزيادة التحوط. أما بعض الشركات الأخرى مثل الخطوط الجوية الكورية ولوفتهانزا وآي.إيه.جي المالكة للخطوط الجوية البريطانية ومجموعة اير فرانس-كيه.ال.ام فقالت إنها لا تعتزم إجراء تعديلات كبيرة في استراتيجيتها الخاصة بالتحوط في ضوء هبوط أسعار النفط.
اضف تعليق