q

انزلاق اسعار النفط دون عتبة 30 دولار للبرميل جمع أخيراً زعماء النفط لمناقشة الاضطراب السعري والاغراق المستمر للسوق النفطية. فقد أُبرِم الشهر الماضي اتفاقاً بين المملكة العربية السعودية وروسيا وفنزويلا وقطر لتجميد إنتاج النفط عند مستويات كانون الثاني يناير 2016، شريطة أن ينضم المنتجون الآخرون، البلدان النفطية من داخل وخارج اوبك، إلى الاتفاق.

تثبيت مستويات الانتاج النفطي قد يحد من تدهور الاسعار الى مستويات قياسية جديدة، ويبعث اشارات طيبة لسوق النفط العالمية بضبط الامدادات المستقبلية وبشكل منظم، املاً في دفع الاسعار نحو التعافي والوصول الى سعر توازني معقول لبرميل النفط. مع ذلك تثار عدة قضايا حول الاتفاق المذكور، اهمها جدية التزام كافة الاطراف بسقوف الانتاج المثبتة في يناير ومدى استجابة الاسواق النفطية والاسعار لخطوات التجميد. في هذا السياق يمكن رصد جملة من المزايا والمخاطر التي قد ترشح مستقبلاُ نتيجة تفاعل أطراف الانتاج والسوق النفطية مع الاتفاق الجديد.

مزايا اتفاق تجميد الانتاج النفطي:

1- بدء المفاوضات بين كبار منتجي النفط الخام في العالم، من داخل وخارج اوبك، خطوة طويلة للوصول الى تفاهم جيواستراتيجي بين عمالقة النفط (المملكة العربية السعودية وروسيا) ومن شأن ذلك ان يهدأ على الاقل من الاضطراب السعري التي تشهدها الاسواق النفطية مؤخراً ويحد من موجات الهبوط المستمر.

2- ضبط سقوف الانتاج عند مستويات محددة عنصر جوهري في وقف اغراق السوق النفطية، ونقطة تحول في ديناميكيات العرض والطلب باتجاه ابتلاع التخمة النفطية. خصوصاً مع استمرار عدد من المنتجين بتحدي الية السوق عبر تعزيز الطاقات الانتاجية والصادرات رغم الهبوط الحاد للأسعار.

3- استعداد كبار أعضاء أوبك، العراق والكويت والإمارات العربية المتحدة، الانضمام إلى الاتفاق السعودي الروسي للحد من التخمة المتزايدة في المعروض والمساهمة في انعاش الأسعار من أدنى مستوياتها في أكثر من عشر سنوات، قد يزيد من قوة الاتفاق وتأثيره في اسواق النفط العالمية.

4- من المؤمل ان يمهد اتفاق الدوحة النفطي لسلسلة من اللقاءات والمفاوضات بين مختلف الاطراف لأجل تنضيج اتفاق نهائي قابل للتطبيق وباعتماد آليات محكمة تعيد القوة الاحتكارية لمنتجي النفط الخام.

مخاطر اتفاق تجميد الانتاج النفطي

تتميز الاسواق النفطية بحساسية عالية لجانب العرض النفطي مقارنة بالطلب، نظراً لما يتميز به الاخير من استقرار نسبي، وتحركه في الغالب بعوامل اقتصادية صرفة. في حين تتشابك العناصر المحركة لاتجاه العرض بشكل معقد وتتحكم العوامل الجيوسياسية في مستويات الانتاج، مع دور ضئيل للعوامل الفنية والاقتصادية. وبذلك فان ضبط مستويات الانتاج مهمة شاقة قد تواجه العديد من المخاطر لعل ابرزها:

1- تساور اسواق النفط العالمية شكوكاً عدة حول اتفاق الدوحة النفطي ومدى مصداقية الارقام المعلنة عن مستويات انتاج كانون الثاني يناير الماضي، اذ تحاول العديد من اطراف الاتفاق تثبيت ارقام انتاج قياسية لضمان سقوف انتاج آمنة. وقد يفسر السوق النفطي ذلك على انه تخمة اضافية للمعروض الحالي.

2- يواجه الاتفاق الجديد عدد من الصعوبات أهمها اختلاف بعض الاطراف على سقوف الانتاج المحققة في شهر كانون الثاني يناير. فقد أخفق اجتماع عقده وزراء نفط إيران والعراق وقطر وفنزويلا في طهران مؤخراً، في التوصل إلى اتفاق موحد حول تجميد مستويات الإنتاج لهذه الدول ولم يخرج بنتائج حاسمة.

3- رغم التحسن النسبي الذي خلفه الاتفاق على مستويات الاسعار، الا ان اسواق النفط العالمية قد تشهد تذبذباً دورياً ناجماً عن ارتفاع حدة المضاربات اليومية القائمة على نتائج المفاوضات والخلافات بين المصدرين من داخل وخارج اوبك حول الحصص الانتاجية ومدى التزام اطراف الاتفاق بمستويات الانتاج المحققة في يناير.

4- تجميد انتاج النفط الخام قرب مستويات تاريخية مرتفعة لن يغير كثيراً من موازين العرض والطلب في الوقت الراهن، لما تعانيه السوق النفطية من تخمة في المعروض. فقد حقق انتاج روسيا، على سبيل المثال، مستويات قياسية مسجلاً ذروة جديدة في حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي عند 10.88 مليون برميل يوميا.

5- قد يعيق الخزين التجاري النفطي العالمي تحقيق النتائج المرجوة من اتفاق الدوحة النفطي نظراً لبلوغه مستويات قياسية، اذ فاق الخزين النفطي العالمي مؤخراً عتبة 500 مليون برميل، وسيبقى هذا المستوى القياسي ضاغطاً على مستويات الأسعار في الأمد المنظور.

6- تقف إيران عقبة في وجه أول اتفاق منذ 2001 بين المنتجين داخل أوبك وخارجها، فعلى الرغم من تأييد ايران لخطة تجميد الانتاج النفطي الا انها تعارض بشدة الانخراط في الاتفاق الجديد، خصوصاً مع جهودها الرامية الى تطوير وانعاش القطاع النفطي املاً في استعادة حصتها السوقية المفقودة منذ سنوات بعد رفع العقوبات عنها مؤخراً.

7- تشير التوقعات من داخل أوبك الى أن المنظمة لن تلجأ الى خفض انتاجها قبل اجتماعها في حزيران يونيو المقبل حتى لو بقيت أسعار النفط عند مستوياتها الحالية. فقد صرح مندوبي أوبك مؤخراً رغبة السعودية اختبار مدى التزام روسيا بتجميد الإنتاج قبل اتخاذ أي خطوات جديدة.

8- الاختلافات الحادة حول قضايا الشرق الاوسط، الملف السوري تحديداً، تضعف امكانية تحقيق نجاح يذكر على الصعيد الاقتصادي والنفطي بين عمالقة النفط (روسيا والمملكة العربية السعودية)، خصوصاً مع ازمة الثقة وتضارب المصالح السياسية والامنية بين هذه البلدان.

قد تشهد الاسواق النفطية فصلاً جديد من التذبذب والاضطراب السعري، ولكن هذه المرة لن يكون لتخمة الانتاج وتباطؤ الاقتصاد العالمي الدور المعتاد، وانما مفاوضات التنسيق المحتملة من قبل البلدان الرئيسة المنتجة للنفط قد تعمل على تغذية تقلب أسعار النفط واثارة الرغبة في ركوب موجة المضاربة. مما يتطلب مزيدا من التنظيم في صفوف منتجي النفط ومحاولة الخروج باتفاق محكم يوقف على الاقل التمادي في اغراق الاسواق النفطية ويؤسس لمرحلة جديدة من التفاهمات بين كافة الاطراف من داخل وخارج اوبك.

* مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
http://kerbalacss.uokerbala.edu.iq/

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق