مع استمرار انخفاض أسعار الذهب الأسود في الأسواق العالمية، بسبب وفرة في المعروض وغياب التوافق بين الدول المنتجة للنفط التي تضررت كثيرا جراء هبوط الاسعار المستمر، لاتزال آراء الخبراء متباينة حول مستقبل الاسعار وتوقعات الطلب العالمي، حيث اكد البعض منهم ان أسعار النفط التي انهارت منذ حزيران/يونيو 2014 ستشهد في الفترة المقبلة هبوط حاد، خصوصا بعد رفض اعضاء أوبك خفض الانتاج من اجل حماية الحصص السوقية، في وقت قد يشهد ايضا ارتفاع الإنتاج الإيراني وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الفائض في المعروض الامر الذي سيسهم بزيادة الضغوط على الاسعار التي قد تصل الى 30-40 دولارا للبرميل، يضاف الى ذلك العوامل الاخرى التي قد تؤثر ايضا على هذه الاسعار ومنها الزيادة المحتملة في أسعار الفائدة التي قد تؤدي إلى هبوط الأسعار أكثر حتى وإن كان ذلك لفترة قصيرة.
من جانب اخر توقعت بعض المصادر أن تبدأ المخزونات العالمية في التراجع بحلول النصف الثاني من 2016 وهو ما سيدعم الأسعار أكثر مع اقتراب نهاية العام. وأضافت أن من المنتظر أيضا أن تتراجع الإمدادات من المنتجين ذوي التكلفة المرتفعة مثل منتجي النفط الصخري الأمريكي بوتيرة أسرع العام المقبل، على الرغم من صمودها حتى الآن حيث يتكبد الكثير من هؤلاء المنتجين خسائر تشغيلية. وتتوقع أوبك نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.25 مليون برميل يوميا في 2016، وتراجع الإمدادات من خارج أوبك بنحو 400 ألف برميل يوميا مع تضرر المنتجين المنافسين من انهيار الأسعار بما سيؤدي إلى تراجع التخمة لأقل من النصف مقارنة مع مستواها هذا العام لتصل إلى نحو 900 ألف برميل يوميا.
غير أن ارتفاع إمدادات النفط إيران قد يعوض هذا التراجع حيث تسعى طهران إلى تعزيز إنتاجها بما لا يقل عن مليون برميل يوميا -وهو ما يمثل نحو 1% من المعروض العالمي- بعد رفع العقوبات المفروضة عليها العام المقبل وإن كان هناك تشكيك في حجم الإنتاج الذي تستطيع إيران ضخه بالفعل والإطار الزمني لذلك.
النفط يتهاوى
في هذا الشأن هوت أسعار العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت وخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بما وصل إلى خمسة بالمئة و12 بالمئة متأثرة بالطقس المعتدل في الولايات المتحدة وهبوط شديد لسوق الأسهم الأمريكية. وهيمنت الحيرة على المتعاملين والمحللين على حد سواء بسبب انخفاض النفط منذ اجتماع منظمة أوبك في الرابع من ديسمبر كانون الأول والذي فشل في فرض سقف للانتاج. وحذرت وكالة الطاقة الدولية التي تقدم المشورة بشأن الطاقة للدول المتقدمة من أن نمو الطلب على الخام بدأ يتباطأ.
وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت عن 38 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ ديسمبر كانون الأول 2008 وجرى تداولها منخفضة 1.80 دولار أو 4.5 بالمئة عند التسوية إلى 37.93 دولار للبرميل. وهبط برنت خلال الجلسة إلى 37.36 دولار وهو أعلى بنحو دولار من المستوى 36.20 دولار الذي سجله خلال الأزمة المالية. وإذا نزل برنت عن هذا المستوى فسيكون هذا أدنى مستوى له منذ منتصف 2004 عندما حوم حول 34 دولارا. بحسب رويترز.
ونزلت عقود الخام الأمريكي دون 36 دولارا عند التسوية للمرة الأولى منذ فبراير شباط 2009. وخسر الخام الأمريكي 1.14 دولار أو ثلاثة بالمئة إلى 35.62 دولار للبرميل عند التسوية بعدما سجل أدنى مستوى في الجلسة 35.35 دولار للبرميل. كان الخام الأمريكي قد نزل إلى 32.40 دولار خلال الأزمة المالية في ديسمبر كانون الأول 2008.
توقعات أوبك
من جانب اخر توقعت أوبك تراجع المعروض النفطي من الدول غير الأعضاء بها بدرجة أشد العام المقبل في تطور قد ينبئ بنجاج استراتيجيتها التي أعادت التأكيد عليها والتي تستهدف الدفاع عن الحصة السوقية لا الأسعار. لكن منظمة البلدان المصدرة للبترول قالت أيضا إن أعضاءها ضخوا مزيدا من النفط في نوفمبر تشرين الثاني مما سيزيد تخمة المعروض وتوقعت تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط في العام القادم.
ويأتي تقرير أوبك عقب اجتماع شابته التوترات حيث مددت المنظمة العمل بسياسة ضخ الخام دون قيود للدفاع عن الحصة السوقية. وكانت السعودية دفعت أوبك قبل عام لأخذ قرار الدفاع عن الحصة السوقية بدلا من خفض الإنتاج على أمل كبح نمو الإمدادات المنافسة مثل النفط الصخري الأمريكي. وقالت أوبك في التقرير "الإنتاج الأمريكي من النفط المحكم وهو المحرك الرئيسي لنمو المعروض من خارج أوبك آخذ بالتراجع منذ ابريل (نيسان) 2015.. هذا الاتجاه النزولي سيتسارع في الأشهر المقبلة بفعل عوامل شتى في مقدمتها تدني أسعار النفط وتراجع أنشطة الحفر".
وقال التقرير إن من المتوقع تراجع المعروض من خارج المنظمة بواقع 380 ألف برميل يوميا في 2016 في ظل انخفاض الإنتاج بمناطق مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق. وكانت أوبك توقعت الشهر الماضي تراجعا قدره 130 ألف برميل يوميا. لكن أوبك زادت أيضا توقعها لنمو المعروض من خارجها في 2015 بمقدار 280 ألف برميل يوميا مشيرة إلى تعديلات بالزيادة لإنتاج الولايات المتحدة والبرازيل وروسيا وبريطانيا ودول أخرى.
ونتيجة لتغيير تقديرات التقرير للمعروض من خارج أوبك في 2015 و2016 فمن المتوقع أن يبلغ متوسط الطلب على نفط المنظمة العام القادم 30.84 مليون برميل يوميا بزيادة 20 ألف برميل يوميا فقط على التوقع السابق. وقال التقرير نقلا عن مصادر ثانوية إن إنتاج أوبك الذي صعد منذ تغيير السياسة في نوفمبر تشرين الثاني 2014 بقيادة إمدادات قياسية من السعودية والعراق زاد 230 ألف برميل يوميا في نوفمبر تشرين الثاني ليصل إلى 31.70 مليون برميل يوميا. ولا يشمل الرقم إندونيسيا التي عادت إلى عضوية أوبك. بحسب رويترز.
وفي ظل الإمدادات الإضافية الآتية من أوبك وعدم حدوث زيادة كبيرة في الطلب على خام المنظمة يشير التقرير إلى فائض معروض قدره 860 ألف برميل يوميا في العام القادم إذا واصلت المنظمة الضخ بمعدلات نوفمبر تشرين الثاني ارتفاعا من 560 ألف برميل يوميا وفقا لتقرير الشهر الماضي. وأبقت أوبك على توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2016 دون تغيير حيث قدرت أن يزيد الطلب العالمي 1.25 مليون برميل يوميا مقارنة مع 1.53 مليون برميل يوميا في 2015.
من جانب اخر قالت وكالة الطاقة الدولية إن أسواق النفط العالمية ستظل تعاني من تخمة المعروض حتى نهاية 2016 على الأقل في ظل تباطؤ نمو الطلب وزيادة إنتاج أوبك مما سيضع أسعار النفط تحت ضغط إضافي. وقالت الوكالة التي تقدم المشورة إلى الدول المتقدمة بشأن سياسات الطاقة إن تخمة المعروض النفطي العالمي ستتفاقم في غضون الأشهر القادمة بسبب الإمدادات الإضافية من إيران - عند رفع العقوبات الغربية المفروضة عليها - التي ستدفع بمزيد من النفط في المخزون. لكنها أضافت أن وتيرة التخزين ستتباطأ في العام القادم وأن من المستبعد أن تنفد طاقة التخزين العالمية.
وقالت الوكالة في تقريرها الشهري "أسواق النفط العالمية ستظل متخمة بالمعروض حتى أواخر 2016 على الأقل... لكن إيقاع زيادة المخزون العالمي سيتراجع إلى النصف تقريبا في العام القادم." وقالت بنوك مثل جولدمان ساكس إن أسعار النفط قد تهبط إلى ما يصل إلى 20 دولارا للبرميل مع نفاد السعة التخزينية في العالم لتخزين النفط الفائض عن الحاجة.
وقالت الوكالة "مع دخول النفط الإيراني الإضافي إلى السوق من المتوقع تضخم المخزونات بمقدار 300 مليون برميل. المخاوف من الوصول إلى حدود السعة التخزينية تبدو مبالغا فيها." وأضافت "الكثير من النفط الفائض ستستوعبه إضافات جديدة للسعة التخزينية تصل إلى 230 مليون برميل في حين أن أماكن التخزين الأمريكية ممتلئة بنسبة 70 بالمئة فقط... مع استمرار نمو المخزونات في 2016 ستظل هناك كميات كبيرة من النفط تضغط على السوق."
من جانبه قال باتريك بويان، المدير العام لشركة توتال الفرنسية النفطية العملاقة، إنه من غير المرجح ان تعود اسعار النفط للارتفاع في العام المقبل. وقال بويان إنه "لا يتوقع ان تماثل سوق النفط في 2016"، بل بالعكس فهو يرى أن المعروض سيتجاوز الطلب على النفط في العام المقبل. وليس بويان الخبير النفطي الوحيد الذي يرى ذلك، فقد اصدر بنك غولدمان ساكس بيانا نوه فيه الى ان اسعار النفط قد تنخفض اكثر. وقال البنك الاستثماري في بيانه "فيما نتوقع ان تتراوح اسعار النفط في الاشهر المقبلة حول 40 دولارا للبرميل - أي بنفس اسعار اليوم - قد تنخفض بنسبة 50 بالمئة."
ويذكر ان الزيادة في العرض تعتبر السبب الاساس لتدهور اسعار النفط في الأشهر الـ 18 الاخيرة، والسبب الرئيسي لذلك هو اغراق السوق بالنفط الحجري الامريكي. وفي نفس الوقت، انخفض الطلب على الخام نتيجة تباطؤ اقتصادات اوروبا والصين. وليست شركات النفط هي الوحيدة التي تأثرت سلبا بهذا الواقع، بل تأثرت به ايضا الدول المصدرة للنفط. فالعديد من الدول المنتجة للنفط مثل ليبيا والجزائر ونيجيريا وفنزويلا تتطلب ان يكون يتجاوز سعر برميل النفط 100 دولار من أجل ان توازن ميزانياتها. وتضطر هذه الدول الى بيع الاصول من اجل تحقيق ذلك الآن وقد انخفض سعر البرميل الى 40 دولار تقريبا.
وبين تقرير اصدرته مؤسسة eVestment الامريكية المعنية بالارقام الاقتصادية ان الصناديق الاستثمارية السيادية في دول الخليج تسحب اموالها من بيوت ادارة الاستثمارات الدولية باسرع وتيرة على الاطلاق. والعديد من هذه الدول الخليجية اعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط اوبك، التي تسيطر على 30 بالمئة من امدادات النفط العالمية. وليس من المفاجئ ان يشعر الكثيرون بالغضب لانخفاض اسعار النفط الى هذا المستوى المتدني.
درجت اوبك تاريخيا على خفض انتاجها من أجل رفع الاسعار، ولكنها - تقودها السعودية - رفضت وباصرار عمل ذلك هذه المرة. وما يريده السعوديون بسيط جدا، ويتلخص في اجبار منتجي النفوط الحجرية الامريكيين على الخروج من السوق اعتقادا منهم ان هؤلاء المنتجين لن يستطيعوا تحمل الاسعار المنخفضة مثل دول اوبك. وفي اجتماعها الاخير قررت اوبك مجددا المحافظة على سقف انتاج يبلغ 31,5 برميل يوميا.
وقد يرتفع انتاج اوبك الى مستويات اعلى من ذلك. فعقب الاتفاق النووي الذي توصلت اليه القوى الدولية الست مع ايران في تموز / يوليو الماضي والرفع القريب للعقوبات المفروضة على طهران، ينوي الايرانيون رفع انتاجهم بشكل كبير في السنوات المقبلة من 3 ملايين برميل يوميا الآن الى نحو 5 ملايين بنهاية العقد الحالي. بحسب بي بي سي.
وتعتقد اوبك أن سياستها بدأت تؤتي اكلها، فيما تكافح الشركات الامريكية الصغيرة المنتجة للنفوط الحجرية في سبيل البقاء على قيد الحياة في ظل اسعار الخام المنخفضة. وبالفعل، فإن الوكالة الدولية للطاقة تتوقع ان يبدأ انتاج هذا النوع من الخام في الولايات المتحدة بالانخفاض في العام المقبل.
الهند والصين
على صعيد متصل قالت وكالة الطاقة الدولية في تقرير عن الهند ثالث أكبر مستهلك للطاقة في العالم صدر في نيودلهي إن معدل اعتماد الهند على النفط المستورد سيزيد من 80 بالمئة إلى 90 بالمئة بحلول 2040 وإن البلاد ستقود نمو الطلب العالمي على الطاقة. وقال التقرير "تتجه الهند للإسهام بأكثر من أي بلد آخر في ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة بما يبرز نفوذها الأكبر من أي وقت مضى في آسيا وعلى الساحة العالمية."
ونتيجة لذلك سيظل الاقتصاد الهندي يتأثر بتقلب أسعار النفط والاضطرابات السياسية في الدول المنتجة للنفط والغاز. وقال فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية إن الوكالة تتوقع وصول أسعار النفط العالمية إلى قرب 80 دولارا للبرميل بحلول 2020. وتسعى الحكومة الهندية لتسهيل الأمر على شركات مثل ريلاينس اندستريز ومؤسسة النفط والغاز الطبيعي الهندية (أو.إن.جي.سي) وفيدانتا لتطوير الحقول الصغيرة والصعبة من أجل تعزيز الإنتاج المحلي وتحقيق الهدف المتمثل في خفض الواردات إلى النصف في 15 عاما.
غير أن وكالة الطاقة قالت إن الإنتاج الهندي سينخفض بسبب قلة الموارد وارتفاع تكاليف المشروعات الجديدة نسبيا بما يؤدي إلى زيادة الواردات مع تسارع وتيرة النمو الاقتصادي. وقام وزير النفط الهندي دارمندرا برادان بزيارة بلدان غنية بالطاقة من بينها السعودية والمكسيك وكندا وكولومبيا في الثمانية عشر شهرا الأولى بعد توليه منصبه.
الى جانب ذلك قالت وكالة انباء شينخوا الرسمية ان مخزونات النفط الخام التجارية في الصين انخفضت بنسبة 4.4 بالمئة في اكتوبر تشرين الاول مقارنة مع الشهر السابق مسجلة أكبر هبوط منذ عام 2010 على الاقل في حين تراجعت مخزونات الوقود المكرر 8.5 بالمئة. وذكرت نشرة تشاينا او.جي.بي التي تصدرها شينخوا أن الديزل قاد الانخفاض في مخزونات الوقود مع هبوطه 14 بالمئة مواصلا التراجع للشهر الثالث على التوالي ليصل الى أدنى مستوى هذا العام وسط صادرات متزايدة وذروة موسم صيد الاسماك. بحسب رويترز.
وأظهرت بيانات من الجمارك ان صادرات الديزل قفزت في اكتوبر 166 بالمئة لتصل إلى 920 ألف طن. وانخفضت مخزونات البنزين 1 بالمئة. وسجلت مخزونات الكيروسين -التي تستخدم في الغالب كوقود للطائرات- هبوطا بلغ 7.4 بالمئة. وهبطت مخزونات النفط الخام التجارية -التي لا تشمل الاحتياطيات الاستراتيجية- إلى أدنى مستوى لها منذ ابريل نيسان 2014 . وجاء هذا الهبوط مع ارتفاع استهلاك مصافي التكرير الصينية من الخام حوالي 1 بالمئة إلي 10.42 مليون برميل يوميا.
اضف تعليق