إسلاميات - عقائد

من لطف اللّه تعالى

وإنّما أمرنا بالعبادة لأن نفعها يرجع إلينا، وهكذا عندما أمرنا ونهانا، فنفع الأمر يعود إلينا إذا امتثلنا، وضرر النهي يعود إلينا إذا خالفنا، ونحن قد لا ندرك المصلحة أو الضرر، وقد يقول الإنسان: إنه لماذا حرم اللّه هذا، وأوجب هذا؟ ونحن لقصور عقولنا أو لقلّة معلوماتنا لا ندرك...

قال اللّه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ}(1).

لطف اللّه في النبي وآله (عليهم السلام) 

إن من لطف اللّه سبحانه وتعالى علينا وعلى البشرية جمعاء أنه أرسل إلينا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) واختار للإمامة أهل بيته (عليهم السلام) ؛ لأن اللّه سبحانه وتعالى خلقهم قبل خلق الخلق وجعلهم محدقين بعرشه(2)، يعلّمون الملائكة التسبيح والتهليل(3)، وكان خلقهم من عنصر أعلى وأشرف لأنه خلقهم من طينة عليين ومن أعلى منها(4) ولكن لطفاً بالعباد أنزلهم إلى هذا العالم؛ لذا قال اللّه سبحانه وتعالى: {فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا * رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ}(5)، فينبغي علينا أن نستفيد من هذا اللطف، ومن معاني لطف اللّه سبحانه هو أنه بارّ بعباده ولذا تفضّل علينا بأن خلقنا، وغمرنا بالنعم، وعندما أمرنا بالطاعات فليس لحاجة منه لطاعاتنا؛ فلو كفر الناس جميعهم فإن اللّه هو الغني الحميد، لا يحتاج إلى عبادتهم، وإنّما أمرنا بالعبادة لأن نفعها يرجع إلينا، وهكذا عندما أمرنا ونهانا، فنفع الأمر يعود إلينا إذا امتثلنا، وضرر النهي يعود إلينا إذا خالفنا، ونحن قد لا ندرك المصلحة أو الضرر، وقد يقول الإنسان: إنه لماذا حرم اللّه هذا، وأوجب هذا؟ ونحن لقصور عقولنا أو لقلّة معلوماتنا لا ندرك ذلك؛ فاللّه سبحانه وتعالى علّمنا بلطفه، وحتى الجنة هي من لطف اللّه، فلا أحد بذاته أو بعمله يستحق الجنة وإنّما تفضّل اللّه سبحانه وتعالى بها على عباده المؤمنين، فإذا عبدناه فهذه العبادة لا توفّي حتى حق نعمة من نعمه سبحانه وتعالى.

إذن، فكل شيء تفضّل من اللّه سبحانه وتعالى، لذا في الحديث: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «والذي نفسي بيده ما من الناس أحد يدخل الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: ولا أنا إلّا أن يتغمدني اللّه برحمة منه وفضل»(6). فجميع أهل الجنة يشعرون ويعلمون أن دخولهم الجنة إنّما هو بفضل من اللّه سبحانه وتعالى.

وفي المقابل يدرك أهل النار ويعلمون أن دخولهم فيها إنّما هو لسوء أعمالهم، فهم يستحقون ذلك، وليس في هذا ظلم.

والحاصل: إذا لم يستطع الإنسان أن يوفّي حق النعم، فليوفِّ جزءاً صغيراً من حقها، ولذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد»(7)، لأن اللّه سبحانه وتعالى جعل الإمام (عليه السلام) وصياً لرسول اللّه محمّد (صلى الله عليه وآله) لكي يهدي الناس، قال تعالى: {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٞۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ}(8)، فالرسول هو المنذر، ولكل قوم في كل عصر هاد(9)، فقد اختار اللّه سبحانه وتعالى للناس هداة، أوّلهم أمير المؤمنين وآخرهم الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، وقد أرسل رسوله هادياً للناس، واختار أوصياءً للهداية أيضاً، فلنُعينهم لكي نسهّل المهمة عليهم، مع أنهم لم يكونوا محتاجين إلينا؛ لأن اللّه سبحانه وتعالى يرجعهم إلى مكانهم، لكن فلنُعينهم، وإذا لم نتبع الرسول والأئمة (عليهم السلام) فلا يعني هذا فشلهم في مهمتهم ـ وهي التبليغ ـ فقد أدّوا هذه المهمة بأحسن وجه، ولكن الرسول (صلى الله عليه وآله) يتأذى لو رأى إصرار الناس على الذنوب، وعدم قبول كلامه، قال تعالى: {لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ}(10).

والحرص هو شدة الرغبة في الشيء، وإذا كان في المادّيات فهو مذموم، لكن إذا كان في المعنويات فهو جيد، كشخص حريص على أن يدرك الصلاة في أوّل وقتها، أو هو حريص على أن يدرك الجماعة في الصف الأوّل، وغير ذلك، فهذا حرص جيد ممدوح.

إن الرسول (صلى الله عليه وآله) قد أدّى المهمة بأحسن وجه، لكنه كان يتحسّر إذا رأى ضلال الناس وعصيانهم وتخاذلهم فأنزل اللّه سبحانه وتعالى عليه: {فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ}(11).

بناءً على ذلك علينا الالتزام الكامل، الذي سيوصلنا إلى الدرجات العالية، فبعض الناس يرتكب بعض الذنوب وبعض الزلّات ويقول: إن باب التوبة مفتوح، والشفاعة موجودة، وهذا صحيح، فباب التوبة مفتوح والشفاعة موجودة، ولكن هل يُوفَّق الإنسان من التوبة؟ لأن بعض الذنوب تؤدّي إلى الكفر، قال تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَٰقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَٰٓـُٔواْ ٱلسُّوٓأَىٰٓ أَن كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ}(12).

وحتى لو وفّق الإنسان للتوبة أو شملته الشفاعة أفلا يخجل من عمله أمام اللّه تعالى وأمام الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، والملائكة، بل أمام الخلق في يوم القيامة؟ حيث تُكتشف كل ذنوبه، وحتى ما أضمره في قلبه: {يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ}(13). وكذلك حال العذاب في البرزخ، وقد تؤدّي الذنوب إلى خفض الدرجات، فهناك درجات عالية ودرجات دانية، فينبغي على الإنسان أن يكون في الدرجات العالية لا في الدرجات الدانية.

إن يوم القيامة هو يوم الحسرة؛ حيث يتحسر كل إنسان، فقد يتحسر البعض على فوت الدرجات العالية، حيث كان يمكنه أن يصل إليها، لكنه فرط فيه ذلك فحصل على الدرجات الدنيا؛ لذا يلزم على الإنسان أن يجعل رضا اللّه سبحانه وتعالى نُصب عينيه، حتى يعين رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في المهمة التي أنزلهم اللّه سبحانه وتعالى إلى هذه الدنيا من أجلها.

* مقتطف من كتاب: الكلمات: محاضرات في العقيدة والسلوك، لمؤلفه السيد جعفر الحسيني الشيرازي

.....................................

(1) سورة التوبة، الآية: 119.

(2) انظر: من لا يحضره الفقيه 2: 613، فقد ورد في زيارة الجامعة الكبيرة: «خلقكم اللّه أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين، حتى من علينا بكم فجعلكم في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه».

(3) انظر: علل الشرائع 1: 23، وفيه: عن حبيب بن مظاهر الأسدي (بيّض اللّه وجهه) أنه قال للحسين بن علي بن أبي طالب‘: «أي شيء كنتم قبل أن يخلق اللّه عزّ وجلّ آدم (عليه السلام)؟ قال: كنا أشباح نور ندور حول عرش الرحمان، فنعلم الملائكة التسبيح والتهليل والتحميد».

(4) راجع شرح أصول الكافي، للمؤلّف 8: 13.

(5) سورة الطلاق، الآية: 10-11.

(6) بحار الأنوار 7: 11.

(7) نهج البلاغة 3: 70.

(8) سورة الرعد، الآية: 7.

(9) انظر: الكافي 1: 192، وفيه: عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول اللّه عزّ وجلّ: {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٞۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ} فقال: «رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) المنذر، ولكل زمان منّا هادٍ يهديهم إلى ما جاء به نبي اللّه (صلى الله عليه وآله)، ثم الهداة من بعده علي ثم الأوصياء واحد بعد واحد».

(10) سورة التوبة، الآية: 128.

(11) سورة فاطر، الآية: 8.

(12) سورة الروم، الآية: 10.

(13) سورة الطارق، الآية: 9.

اضف تعليق