q
الحياة الحديثة مرتبطة بالطاقة، أجهزة تخزين الطاقة، أو البطاريات، موجودة في الكثير من المنتجات المستخدمة يومياً؛ الهواتف المحمولة، أجهزة الكمبيوتر، السيارات التقليدية والكهربائية، أنظمة الطاقة الشمسية، الساعات... لكن هذه الأداة السحرية متأخّرة في التقدّم عن التقنيات الأخرى، فما هي أسباب ذلك؟ أين مركز ثقل هذه الصناعة؟ وما هي أبرز تكنولوجيا البطاريات القادمة؟...

الحياة الحديثة مرتبطة بالطاقة، أجهزة تخزين الطاقة، أو البطاريات، موجودة في الكثير من المنتجات المستخدمة يومياً؛ الهواتف المحمولة، أجهزة الكمبيوتر، السيارات التقليدية والكهربائية، أنظمة الطاقة الشمسية، الساعات... لكن هذه الأداة السحرية متأخّرة في التقدّم عن التقنيات الأخرى، فما هي أسباب ذلك؟ أين مركز ثقل هذه الصناعة؟ وما هي أبرز تكنولوجيا البطاريات القادمة؟

منذ اختراع بطارية الليثيوم عام 1980 من قبل جون غودإينف، ثم وضعها للاستعمال التجاري من قبل شركة «سوني» عام 1991، لم تتقدم تكنولوجيا البطاريات، ولم تظهر أي اختراقات جديدة فيها، باستثناء تحسينات في بطارية «الليثيوم أيون» التي جعلت قدرتها التخزينية أكبر وأضافت إليها خصائص أمان. وعلى ضفّة تكنولوجية أخرى، فإنه في عام 1980، كان جهاز الكمبيوتر قادراً على تأدية عشرات الملايين من العمليات الحسابية في الثانية الواحدة، لكن جرى تطويره ليصبح قادراً على تأدية مليارات العمليات الحسابية في الثانية، علماً بأن الحواسيب الفائقة يمكن أن تؤدي مئات المليارات من العمليات الحسابية في الثانية. وهنا يبرز الفرق التطوري بشكل واضح.

معظم البطاريات التي يتم إنتاجها اليوم تذهب إلى السيارات الكهربائية، وليس الإلكترونيات الاستهلاكية. يعود ذلك إلى المخاوف المتزايدة من تأثير انبعاثات الكربون على حرارة الأرض. ففي العام الماضي، 10% من كل السيارات التي بيعت حول العالم كانت كهربائية. سمحت بطارية «الليثيوم أيون» في بدء إنتاج السيارات الكهربائية بشكل كبير منذ عام 2003. ذلك أن مادة الليثيوم تسمح بتخزين قدر كبير من الطاقة في حيّز صغير، كما أنها تسمح بتفريغ ذلك المخزون بشكل مكثّف في أي لحظة تحتاجه السيارة، علماً بأن هذه التحسينات لا تنفع مع السفن والطائرات التي تتطلب قدراً هائلاً من الطاقة على شكل تخزين وتفريغ. وبحسب «ستاتيستا»، فإنه في العام الماضي، شكّلت البطاريات 32% من مجمل سعر السيارة الكهربائية. كذلك، إن أصغر حزمة بطاريات تصنعها «تيسلا» لسياراتها الكهربائية، تحتوي على نفس كمية الطاقة الموجودة في 1666 هاتف «آيفون»؛ في حين أن سيارة «همر» الكهربائية تعادل بطاريتها ما هو موجود في 7 آلاف هاتف «آيفون». نتيجة لذلك، أصبحت السيارات الكهربائية هي المحرك الرئيسي للطلب على البطاريات.

وبحسب «BloombergNEF»، أنتج نحو 900 غيغاوات ساعة من البطاريات حول العالم في السنة الماضية. و77% من هذا الإنتاج حصل في الصين التي تحتضن على أرضها 6 من أصل أكبر 10 شركات تصنيع بطاريات في العالم. والأهم من ذلك، أن البلاد الشيوعية تسيطر على نسبة كبيرة من إنتاج المعادن والمكونات الخاصة بصناعة البطاريات. إن بطارية «الليثيوم أيون» بشكل عام، تحتوي على أربع مكونات: «الكاثود» هو مصدر أيونات الليثيوم (موجب)، «الأنود» يفرغ ويخزن أيونات الليثيوم (سالب)، «الإلكترولايت» (سائل يسمح بتدفق الأيونات من جهة إلى أخرى) وفاصل بين جهتي البطارية يمنع احتكاك «الأنود» و«الكاثود». وتنتج الصين 70% من الكاثود و85% من الأنود عالمياً. كذلك، إن تكرير أكثر من نصف الليثيوم والكوبالت المستخدم في هذه الصناعة يحصل في الصين بحسب «وكالة الطاقة الدولية».

استفاقة متأخرة

تأخرت تكنولوجيا البطاريات لسببين رئيسيين: أولهما صعوبة وتعقيد إنشاء بطارية يمكنها توفير عمر طويل مع قدرة تخزينية كبيرة وشحن موثوق وأمان. وهذا يتطلب قدراً كبيراً من الهندسة والابتكار، بالإضافة إلى أكلاف باهظة. عملياً، أدّى تعقيد التكنولوجيا نفسها إلى الحدّ من تطويرها. فالبطاريات تتكوّن من عناصر متعدّدة يجب تصميمها جميعاً واختبارها بدقّة، وهذا أمر يتطلب الكثير من الوقت والموارد ويصعب التنبؤ بنتائجه لجهة الأداء.

وقد أدّى ذلك إلى معدّل تطوّر أبطأ مقارنة بالتقنيات الأخرى. فعلى سبيل المثال، السيارات الكهربائية التي تحتوي بطاريات «ليثيوم أيون»، تفقد جزءاً كبيراً من طاقتها في البرد أو الحرارة المرتفعة، ولهذا نسمع عن تطوير في هذا المجال إنما فاعليته متدنية عند فحص البطارية المطوّرة في المختبر. وبحسب صحيفة «وال ستريت جورنال»، تكرار هذا الأمر على سنوات عدة خلق تعبيراً بين الخبراء في هذا المجال (Liar, liar, battery supplier) بمعنى أن مورّدي البطاريات كاذبون. كذلك، لم يتم تخصيص الكثير من التمويل للبحث والتطوير خلافاً لما هو عليه الأمر بالنسبة إلى تكنولوجيات أخرى. فتكنولوجيا البطاريات تتطلب قدراً كبيراً من رأس المال مقدّماً للاستثمار في البحث عن بطارية أفضل، لكن درجة المخاطر تقلصت من العوائد المباشرة أو بعيدة جداً في المستقبل. وهذه أمور لا يحبها الرأسمال ويستعيض عنها لصالح المشاريع ذات الفوائد المالية الفورية.

هل هناك ما يكفي من الليثيوم؟

بحسب وكالة الطاقة الدولية، يحتاج العالم إلى مليارَي سيارة كهربائية للوصول إلى صفر انبعاثات. ويُعدّ الليثيوم أحد المكوّنات الرئيسية في بطاريات السيارات الكهربائية. لكن الإمدادات العالمية لهذه المادة تتعرّض لضغوط بسبب ارتفاع الطلب على السيارات الكهربائية. وتقول الوكالة إن العالم قد يواجه نقصاً في الليثيوم بحلول عام 2025، في حين قدّر بنك «كريدي سويس» أن الطلب على الليثيوم قد يتضاعف ثلاث مرات بين عامَي 2020 و2025. يواجه عرض الليثيوم تحديات ليس فقط من ارتفاع الطلب، ولكن لأن الموارد تتركز في أماكن قليلة وأكثر من نصف إنتاج الليثيوم موجود في مناطق شحيحة المياه الأمر الأساسي في عمليات الاستخراج.

تحتوي حزمة بطارية «الليثيوم أيون» لسيارة كهربائية واحدة على نحو 8 كيلوغرامات من الليثيوم، وفقاً للأرقام الصادرة عن «مختبر أبحاث العلوم والهندسة التابع لوزارة الطاقة الأميركية». في حين بلغ إجمالي إنتاج الليثيوم العالمي 100 ألف طن العام الماضي، بينما يبلغ الاحتياطي العالمي نحو 22 مليون طن، وفقاً للمسح الجيولوجي الأميركي.

عملياً، إن عدد السيارات الكهربائية التي يمكن صنعها سنوياً مرتبط بالكمية المستخرجة من الليثيوم. في السنة الماضية جرى تعدين كمية من الليثيوم تكفي لإنتاج ما يقلّ عن 11.4 مليون بطارية للسيارات الكهربائية. هذا هو المستوى الذي يمكن أن تصل إليه مشتريات السيارات الكهربائية السنوية قريباً، أي إن هذا الرقم الأقصى لإمكانات الإنتاج وفقاً لأرقام وكالة الطاقة الدولية. وبالتالي، فإن الاحتياطيات العالمية كافية لإنتاج ما يقل عن 2.5 مليار بطارية للسيارات الكهربائية. نظرياً الأمر صحيح، لكن استعمال الليثيوم ليس محصوراً بالسيارات الكهربائية في ظل تطوّر أجهزة إنترنت الأشياء، والاعتماد المتعاظم على التكنولوجيا في حياتنا الحديثة تحتاجه أيضاً.

الصين تملك أساساً 70% - 80% من سلسلة الإنتاج الكاملة للسيارات الكهربائية وبطاريات «الليثيوم أيون». وتقدر وكالة الطاقة الدولية حصّة الصين من إنتاج الليثيوم الكيميائي العالمي بنسبة 60%، وتقول إنها تمثّل 80% من إنتاج هيدروكسيد الليثيوم. كان لدى أستراليا أعلى إنتاج في عام 2021، وفقاً للمسح الجيولوجي الأميركي. لكن تشيلي، الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية، لديها أكبر احتياطي من الليثيوم في العالم. هي جزء مما يسمى «مثلث الليثيوم»، إلى جانب الأرجنتين وبوليفيا. ففي هذه البلدان الثلاثة تم العثور على نحو 60% من موارد الليثيوم على الأرض وفقاً لملخّص السلع المعدنية الصادر عن هيئة المسح الجيولوجي الأميركية لعام 2021.

بوادر تقدم

حالياً، هناك توجّه بين صانعي البطاريات نحو تكنولوجيا جديدة تستخدم «الصوديوم أيون» بديلاً من الليثيوم. هي آمنة أكثر، تشحن بشكل أسرع، ولا تخسر من طاقتها المخزنة في حالات البرد أو الحرارة المرتفعة. لكن من أبرز مشكلاتها، أن طاقتها التخزينية أقل من الليثيوم (يتم العمل على رفع كفاءتها). كذلك تتطلب مساحة أكبر قليلاً. لكن، هناك أمر أساسي يجعل من هذه المادة مغرية، هو سعرها البخس. تكلف بطارية الصوديوم نحو 40 دولاراً لكل كيلووات/ساعة، في حين تكلف بطارية الليثيوم نحو 137دولاراً لكل كيلووات الساعة بناءً على متوسط أسعار عام 2020. وحتى قبل البدء بتصنيع بطارية «صوديوم أيون» كاملة، بدأ عملاق صناعة البطاريات الصيني «CATL»، في تجربة دمج الصوديوم في بطاريات الليثيوم الأمر الذي سيخفض من سعرها كما الطلب على الليثيوم.

اضف تعليق