شاهد الناس في مختلِف أرجاء العالم، عبر البث الحي لكاميرات المراقبة من المكان، هجوم القوات الروسية واستيلاءها على محطة زابوريجيا لإنتاج الطاقة النووية في أوكرانيا –وهي المحطة الكُبرى في أوروبا–، وفي أثناء القصف المدفعي وإطلاق النار، شبَّ حريقٌ في أحد مرافق التدريب بمُجَمَّع المحطة النووية، وأُخمِد لاحقًا...
بقلم أندريا تومسون
شاهد الناس في مختلِف أرجاء العالم، عبر البث الحي لكاميرات المراقبة من المكان، هجوم القوات الروسية واستيلاءها على محطة زابوريجيا لإنتاج الطاقة النووية في أوكرانيا –وهي المحطة الكُبرى في أوروبا–، وفي أثناء القصف المدفعي وإطلاق النار، شبَّ حريقٌ في أحد مرافق التدريب بمُجَمَّع المحطة النووية، وأُخمِد لاحقًا، وفق ما أفادت به تقاريرٌ إخبارية، أثارت الحادثة قلقًا لدى زعماء العالم وخبراء الطاقة النووية حول احتمالية حدوث تلفٍ، عمديٍّ أو غير مقصودٍ، في المفاعل النووي، ما قد يؤدي إلى تسرُّبٍ إشعاعي، أو انصهارٍ نووي بالمفاعل في أسوأ السيناريوهات.
وقال رافائيل جروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: إن عمليات إنتاج الطاقة بالمحطة كانت تسير بصورة طبيعية عقب الهجوم، وإن الحادثة لم تُسفر عن تسرُّب مواد إشعاعية، إلا أنه وغيره من خبراء الطاقة النووية حذروا من خطر وقوع حوادث في ذلك المفاعل وفي المفاعلات النووية الأخرى في أوكرانيا مع استمرار الصراع.
أجرت مجلة «ساينتفك أمريكان» Scientific American حوارًا مع إدوين لايمان، مدير أمان الطاقة النووية في "اتحاد العلماء المهتمين"؛ لتسليط الضوء على المخاوف المتعلقة بتلك المنشآت في أوقات الحرب، وللحديث عن بعض تدابير الأمان المُتَّبعة.
ما نوع المفاعلات في مُجَمَّع زابوريجيا النووي؟ وما أوجه الاختلاف بينها وبين المفاعلات في تشرنوبل أو محطات الطاقة النووية في الولايات المتحدة؟
يُطلَق على المفاعلات الستة في زابوريجيا اسم «مفاعلات الطاقة المُبرَّدة والمُلَطَّفة بالماء» (وتُعرف اختصارًا بـ«VVER-1000s»)، وجميعها يعتمد على الماء الخفيف [أي العادي] في تبريدها، ومن ثمَّ فإن تلك المفاعلات لا تختلف عن نظيراتها في الولايات المتحدة التي تستخدم الماء المضغوط، كما أنها أكثر تطورًا نوعًا ما من النماذج الأقدم [من هذا النوع من المفاعلات]، وتمتاز بخصائص تتسق مع فلسفة الأمان الحديثة، ولكن ذلك الاتساق جزئيٌّ، ثم إن تلك المفاعلات تختلف عن المفاعلات من نوع تشرنوبل التي تُسمى «المفاعلات ذات القنوات عالية الطاقة» (وتُعرف اختصارًا بـ«RBMKs»)، والتي استخدمت مادة أخرى مُلَطِّفة، وهي الجرافيت، وشابها الكثير من أوجه الخلل الفني، ما أسهم في كارثة تشرنوبل عام 1986 وفي تبِعاتها الحادة، لذا فإنه من المستبعد إلى حدٍّ كبير في مفاعلٍ يعتمد على الماء الخفيف أن تقع حادثةٌ من نوع كارثة تشرنوبل، التي نتجت بالأساس منزيادةٍ مفاجئةٍ في مستوى طاقة المفاعل النووي.
فمن الضروري في كل مفاعلٍ نووي الحفاظ على تفاعل انشطارٍ نووي متسلسل في الوقود يُنتج حرارةً ونيوتروناتٍ تُستخدمان في مواصلة التفاعل المتسلسل، عندما تنشطر ذرات اليورانيوم، فإنها تُطلِق حرارةً فَيَسخنُ الوقود، في هذا النوع من المفاعلات، يُضَخ الماء عبر جوف المفاعل، فترتفع حرارته (أي الماء)، ليُنقَل بعدها إلى حلقةٍ أخرى عالية الضغط، ثم يُنقَل مجددًا إلى نظام آخر من مولدات البخار، حيث يُحوَّل الماء إلى بخارٍ يُستخَدم في تدوير التوربينات.
صُمِّمت مفاعلات زابوريجيا في الاتحاد السوفيتي السابق، ويرجع تاريخها إلى أوائل الثمانينيات، وبالتالي فإنها تجاوزت فترة صلاحيتها للعمل، ولكن الأوكرانيين استطاعوا تمديد تراخيص تشغيلها.
هل ثمة صلةٌ بين عمر المفاعلات واعتبارات الأمان في هذا الصدد؟
حسنًا، يجب أن يُؤخذ عمر المفاعلات بعين الاعتبار دومًا؛ إذ يمكن الحصول على تمديدات لتراخيصها، صحيحٌ أنها تخضع لتجديدٍ جزئي، ولكن هناك دومًا أنظمة لا يمكن إحلالها؛ فالوعاءُ الذي يحوي وقود المفاعل، على سبيل المثال، يصير مع الوقت أقل صلابةً وقابلًا للتصدع، وهو ما يعني خطر وقوع حوادث من نوعٍ معين، وبالتالي علينا أن نضع ذلك في الحسبان.
ما أنواع أنظمة الأمان التي يمكن أن يستخدمها مفاعلٌ كهذا ضد الحوادث؟
الخطر الأكبر في أي مفاعل نووي هو أن يتعطل -لأي سبب- نظام تبريد الوقود، إذ إنه ما لم يتوافر تبريدٌ كافٍ، سيسخن الوقود إلى درجة أن يدمر نفسه، هذا ما حدث -بقدرٍ أقل- في حادثة «ثري مايل أيلاند» [في ولاية بنسلفانيا الأمريكية سنة 1979]، وبقدرٍ أكبر في حادثة فوكوشيما [في اليابان] سنة 2011، فضلًا عن ذلك، تلك المحطات تُخزِّن الوقود المستهلك بموقع المفاعل نفسه، وبعض هذا الوقود يُخزَّن في ماء بارد، وهذا الماء يجب تعويضه بإعادة الملء عبر مضخات.
تشتمل المفاعلات الحديثة من هذا النوع على أنظمة طوارئ لتبريد جوف المفاعل، بحيث إذا حدث كسرٌ في إحدى مواسير التبريد، تكون هناك أنظمة بديلة للطوارئ قادرة على ضخ المادة المبرِّدة مباشرةً، لدى «مفاعلات الطاقة المُبرَّدة والمُلَطَّفة بالماء» هذا النوع من الأنظمة، على عكس بعض النماذج الأقدم من تلك المفاعلات السوفيتية.
وإضافةً إلى خطر انكسار المواسير، هناك أيضًا خطر انقطاع الكهرباء، وهو ما أثر على مفاعل فوكوشيما؛ فعادةً ما تحصل تلك المفاعِلات على الكهرباء التي يتطلبها تشغيل أنظمتها من شبكة الكهرباء، فإذا ما تعطل ذلك، تُضطر المفاعلات إلى اللجوء إلى مولداتٍ احتياطية تستخدم وقود الديزل، لكل مفاعل ثلاثة من مولدات الديزل، ثم هناك اثنان إضافيان، وهو ما يعني الكثير من مولدات الديزل الاحتياطية في المحطة، لكن دائمًا ما يظل هناك احتمالٌ قائم، وهو أن يحدث شيءٌ من شأنه تعطيل وحدات عديدة في المفاعل في الوقت ذاته– كما حدث في فوكوشيما، حيث تعرَّض موقع المفاعل لفيضان، وحتى مع توافر الكثير من مولدات الديزل الاحتياطية، توقفت عن العمل، بعد فوكوشيما، وضعت أوكرانيا -كما هو الحال في بلدانٍ أخرى- تدابير إضافية للتعامل مع الحوادث الشبيهة بفوكوشيما، حين تعرض المفاعل لانقطاع الكهرباء لفترة طويلة، من بين تلك التدابير توفير المزيد من المضخات النقَّالة التي لا تحتاج إلى الكهرباء ويمكن تشغيلها بوقود الديزل.
ما أهم المخاوف التي تُثار عند وجود قتالٍ في منشآتٍ نووية كهذه أو بالقرب منها؟
من الوارد أن يحدث تلفٌ بصورٍ شتى بطبيعة الحال، فقد تُدمَّر أنظمة المحطة، وأنظمة الأمان، والبنية التحتية، أو يحدث تلفٌ غير مباشر للأنظمة المساعدة، كتلك المسؤولة عن توليد الطاقة خارج موقع المفاعل، ثم إن هناك خطر نشوب حريق، وقد ينتشر ويعطل نظام التحكم في الأجهزة، لم يتم التحوط سوى من قدرٍ ضئيل جدًّا من تلك المخاوف التي قد تحتاج إلى التعامل معها إذا كان يساورك القلق من أن يصبح وجود تلك المحطة وسط ساحة الحرب احتمالًا واردًا.
الدرسُ المستفاد هنا من وجهة نظري هو أنه لو أرادت جهةٌ ما أن تُلحق ضررًا بالغًا بمحطة نووية، فإنها ليست مضطرةً إلى استهداف الهيكل الخارجي العازل للمفاعل، وهو الجزء الأصعب اختراقًا؛ فثمة أنظمة أخرى في المفاعل لا تتمتع بالقدر ذاته من الحماية، لكن حتى تلك الهياكل الخارجية التي تحتوي المفاعلات بداخلها قد لا تتحمل بالضرورة أنواعًا معينةً من الهجمات العسكرية، فحتى لو لم تخترقها الهجمات، فإنها قد تتشظى، فتسقط الشظايا الخرسانية على وعاء المفاعل، أو حتى ربما تكون الاهتزازات القوية وحدها كافيةً لإلحاق الضرر بالمفاعل.
قبل الهجوم الأخير، هل كانت ثمة مخاوف لدى المجتمع النووي من احتمالية حدوث شيءٍ كهذا، وما قد ينجم عنه من حوادث؟
هذا، إلى حدٍّ كبير، نوعٌ من الخوف غير المعلن، وقد نبَّه أفرادٌ إلى ذلك الخطر منذ فترة طويلة، ولكن في المحصلة النهائية، لم تلقَ تلك المخاوف سوى التجاهل؛ فهناك الكثير من المخاوف التي يمكن أن ينشغل بها المرء فيما يتعلق بالطاقة النووية، واحتمالاتُ تَحَقُّق البعض منها ضئيلةٌ للغاية، وإلى أن تتحول تلك الاحتمالات إلى واقعٍ، ستجد كثيرًا من الناس يتجاهلها أو يهوِّن من شأنها، ولدينا الآن مثالٌ على ذلك.
تكلفةُ تقوية محطات الطاقة النووية لأغراضٍ تجارية بحيث تصير قادرةً على الصمود أمام الهجمات العسكرية باهظةٌ للغاية، في بداية الحقبة النووية، كان البعض من أمثال إدوارد تيلر [اختصاصي الفيزياء النظرية وعضو مشروع مانهاتن] يعتقدون أن محطات الطاقة النووية يجب أن يكون مقرها تحت سطح الأرض.
ما نوعُ الانفجار أو التسرب الإشعاعي الذي قد يحدث إذا ما لحق ضررٌ بمحطة زابوريجيا؟
يتوقف ذلك على كيفية وقوع الحادثة، ومدى شدتها، وما إذا كان ممكنًا تفعيل تدابير الطوارئ هذه أم لا، ففي أسوأ السيناريوهات، لو حدث تعطلٌ في منظومة التبريد غير قابل للإصلاح، فإن الوقود النووي سيسخن حتى ينصهر، ليحرق وعاء المفاعل الفولاذي الذي يحتويه، ليسقط بعدها على أرضية الهيكل، وفي تلك الحالة، يصبح الهيكل هو آخر ما يمنع وصول المواد المشعة من المفاعل إلى البيئة المحيطة به؛ فالهيكل مُصممٌ لتحمُّل بعض أنواع الحوادث، وليس جميعها.
في حادثة مفاعل «ثري مايل أيلاند»، انصهر جوف المفاعل جزئيًّا، ولكن مُشَغِّلي المفاعل تمكنُّوا من إيقافه في الوقت المناسب، قبل أن ينصهر وعاء المفاعل، ومع ذلك، تكوَّن الكثير من الغازات المشعة من الوقود التالف وكان لا بد من تصريفها، رغم أن سُمِّيَّتها الإشعاعية كانت منخفضةً نسبيًّا، وحتى في حال عدم وجود كسرٍ أو خرقٍ في بنية الهيكل الذي يحوي المفاعل، فإنه سيحدث تسريب، فليس ممكنًا لأي بناية أن تكون مُحْكَمَة العزل تمامًا، ولكن يُراعى في التصميم والاختبارات أن يكون التسريب ضئيلًا نسبيًّا، هناك حدودٌ تنظيمية في الولايات المتحدة تتعلق بدرجة السوء التي يمكن أن تبلغها حادثة معينة فيما يتعلق بتعرُّض المواطنين لها أو تأثُّرهم بها، وقد صُمِّمت أنظمة الأمان والمبنى الهيكلي الذي يحوي المفاعل على نحوٍ يفي بتلك الحدود التنظيمية، ولكن مجددًا، هذا مبنيٌّ على افتراضاتٍ معينة تتعلق بطبيعة الحادثة، التي يمكن أن يثبُت خطؤها، أو يتضح أنها أشد، كما حدث في فوكوشيما.
أعتقد أنه من غير المحتمل أن ينطلق من هذا المفاعل النوع ذاته من الانبعاثات التي انطلقت من مفاعل تشرنوبل، والتي كانت ضخمةً وبلغت الطبقات العليا من الغلاف الجوي وانتشرت على نطاق واسع، فلو نظرت إلى مفاعل فوكوشيما، ستجد أن الانبعاثات كانت أصغر، ولم تنتشر على مساحة كبيرة، إنها بالتأكيد مصدر قلقٍ إقليمي، ولكن إذا تضررت عدة مفاعلات في آنٍ واحدٍ، وتعرَّض الوقود المستهلك للتلف، وحدث خرقٌ في الهيكل الذي يحتوي المفاعل، فسيكون الباب مفتوحًا أمام جميع الاحتمالات.
هناك تقاريرٌ تشير إلى أنه عقب الاستيلاء الروسي على موقع تشرنوبل في أوكرانيا، لا يزال الموظفون يعملون دون مناوبة، ما المخاوف التي يثيرها عدم وجود مناوبة في العمل بشأن الوضع هناك، والوضع في زابوريجيا أيضًا؟
حسنًا، من الضروري للغاية أن يحصل المُشغِّلون على قسطٍ وافر من الراحة، لأن المهمات التي يؤدونها معقدةٌ، ويُفترض أن يكونوا دومًا في أعلى درجات التأهُّب واليقظة، بل إن هناك حاجة إلى رصد الإجهاد الذي يتعرَّض له المشغِّلون، أما إذا كان موظفو المحطة النووية لا يحصلون على أي راحة، ولا يستطيعون العودة إلى منازلهم، ويؤدون عملهم مُكرَهين، فهذه العوامل مجتمعةً تؤدي إلى نتائج خطيرة، لا بد من إيجاد تدابير تحكم هذا الأمر.
ما الذي يجب أن يفعله المقاتلون والوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
ليس لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية سلطةٌ واسعة في مواقف كهذه، وأرى أن المدير العام للوكالة السيد جروسي، يعاني كثيرًا في التعامل مع الأمر، كان الرجل قد عرض الذهاب إلى موقع تشرنوبل من أجل التفاوض على اتفاقٍ ما، لكن لم تتضح بالضبط طبيعةُ اتفاقٍ كهذا، ثم إنه سيعتمد كثيرًا على الثقة وحسن الظن بين أطراف الصراع، وهذا يعني التعامل مع الموقف في إطار صراعٍ عسكري.
اتفقت أوكرانيا وروسيا على وقفٍ مؤقت لإطلاق النار في مناطق بعينها للسماح بمرورٍ آمن للمواطنين، وربما يستطيعون اتخاذ خطواتٍ مماثلة تُسفِر عن اتفاقٍ من نوعٍ ما حول الكيفية التي ستُدار بها محطات الطاقة النووية.
وهذا يطرح تساؤلاتٍ صعبةً حول مدى ما ستصل إليه مساعي أوكرانيا لمنع الاستيلاء العسكري على محطة طاقتها النووية، والتصدي لأي تدميرٍ محتمل يستهدفها.
اضف تعليق