هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية والذي اثر سلبا على اقتصاد العديد من الدول وخصصا الدول المنتجة، بدأ يلقي بظلاله على شركات النفط الكبرى وخاصة الشركات الأمريكية المنتجة للنفط الصخري التي تحملت الكثير من الخسائر كما يقول بعض الخبراء، الذين أكدوا على ان الشركات الكبرى يمكن ان تضطر إلى إجراء مزيد من التخفيضات للإنفاق على التنقيب والإنتاج للنفط والغاز وذلك في مواجهة فترة طال أمدها من أسعار الخام المنخفضة. وقد قامت بعض الشركات العالمية بإتباع خطط وأساليب جديدة من اجل التغلب على بعض المشكلات والأزمات الحالية، حيث قامت بعض الشركات بخفض إنفاقها الرأسمالي لعام 2015 ما بين 10 و15 في المائة وتأجيل أو إلغاء مشروعات وخفض تكاليف التشغيل. هذا بالإضافة عمليات الاندماج والاستحواذ ومنها صفقة استحواذ شل على مجموعة بى جى، التي قد تكون بداية لصفقات نفطية جديدة قد تعيد رسم خارطة القطاع النفطي الذي يشهد منافسة شرسة بين الشركات العملاقة التي تسعى الى فرض سيطرتها المطلقة على الأسواق العالمية.
وبحسب بعض المصادر الإخبارية فقد قالت شركة الأبحاث "أى.اتش.إس" إن 200 شركة نفط وغاز عالمية مدرجة في البورصات، سجلت انخفاض بنسبة 8 % في سعر السهم والتوزيعات النقدية، خلال الربع الأول من 2015 على خلفية تراجع أسعار النفط، فيما انخفضت أسعار العقود الآجلة لخام تكساس الأمريكي بنسبة 10% في نفس الفترة.
وقالت الشركة المتخصصة في تحليل المعلومات الاقتصادية، والتي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، إن دراستها شملت أداء أسهم 200 شركة عاملة في مجال التنقيب وإنتاج النفط. وقال ماتى تيتتينين كبير محللي أسهم الطاقة فى "أى .إتش.إس"، ومؤلف التقرير، إن عوائد السوق منذ بداية العام الجاري وحتى الآن ما تزال تصب في صالح الشركات الكبرى، والتي لديها القدرة على تحمل استمرار انخفاض أسعار النفط، وهو ما حدث العام الماضي. وأضاف تيتتينين، إنه قبل انخفاض أسعار النفط كان أداء السعر السوقي للسهم، وعوائد الربحية تصب في صالح شركات الاستكشاف والتنقيب عن النفط الأصغر حجما، والتي لديها أصول جيدة، مع تركيز المستثمرين على نمو الإنتاج أكثر من العائد على رأس المال.
وأضافت الشركة المتخصصة في تحليل المعلومات الاقتصادية، أن الانخفاض المستمر في أسعار النفط سيتسبب في صعوبات مالية للعديد من الشركات المتوسطة وصغيرة الحجم وهذا سيوفر فرصة للشركات ذات رؤوس الأموال الضخمة لشراء الأصول والشركات المتعثرة عند مستويات تاريخية من حيث سعر الاندماج والاستحواذ. وتقدم "أى إتش إس"، والتي تأسست في عام 1959، معلومات للشركات والحكومات في أكثر من 165 دولة حول العالم وتوظف أكثر من 8000 موظف في أكثر من 31 دولة حول العالم.
مزيد من التخفيضات
وفي هذا الشأن وعلى الرغم من شعور بين بعض كبار المديرين التنفيذيين في القطاع بأن هبوط اسعار النفط بلغ منتهاه لعام 2015 في أعقاب هبوط انتاج النفط الصخري الأمريكي فإنه قد يتعين على الشركات إجراء مزيد من التخفيضات. وخفضت شركة إكسون أكبر شركة نفط مدرجة في العالم إنفاقها الرأسمالي 12 في المائة إلى 34 مليار دولار. وقال الرئيس التنفيذي ركس تيلرسون في مؤتمر سيراويك في هيوسيتون "سنرى خلال العام هل سيبقى (الإنفاق الرأسمالي) كما هو أم لا ونحن نشهد الكثير من التدابير الرامية لتحقيق كفاءة التكاليف." وقال محللون في إتش.إس.بي.سي إن بي.بي وشيفرون وشتات أويل وتوتال "تتطلع فيها الإدارة إلى استغلال هذه الفترة لتحسين العوائد على الأمد الطويل."
وقالت إتش.إس.بي.سي في مذكرة بحثية "بعض الشركات لا ترى الآن البيئة الحالية خطرا بل أفضل فرصة لإعادة تعديل اقتصاديات المشروعات في أكثر من عشر سنوات." واضافت قولها "ولذلك نعتقد أن تخفيضات الإنفاق الرأسمالي التي نشهدها هذا العام ليست على الأرجح سوى البداية." والوفر الذي تحقق في التكاليف في الأشهر القليلة الماضية يساعد بالفعل على تحسين ميزانيات الشركات. بحسب رويترز.
ويقول محللون في مؤسسة جيفريز إن شركات النفط الكبرى تحتاج الى سعر نفط يبلغ في المتوسط 78 دولارا للبرميل لتغطية تكاليف الاستثمارات وتوزيعات أرباح الأسهم من التدفقات النقدية العضوية انخفاضا من 90 دولارا للبرميل في أوائل عام 2015. وتقول مؤسسة جيفريز إنه ليس من المتوقع أن تغطي شركات النفط توزيعات ارباح الأسهم من خلال التدفقات النقدية العضوية (باستبعاد الاستحواذات) حتى عام 2017.
47 مليار جنيه
في السياق ذاته تستعد شركة "رويال دوتش شل" البريطانية الهولندية لشراء مجموعة "بي جي غروب" البريطانية للمحروقات بقيمة 47 مليار جنيه استرليني في اطار صفقة ضخمة ستسمح لها بتعزيز موقعها في قطاع الغاز الطبيعي المسال امام تدني الاسعار. واعلنت المجموعة النفطية البريطانية الهولندية انها قدمت عرضا وديا يتناول الجانب النقدي والاسهم بقيمة 64 مليار يورو، نال موافقة مجلس ادارة مجموعة بي جي. واوضحت شل وبي جي في بيان مشترك ان عرض الشراء يقدر كل سهم لبي جي ب1350 بنسا تقريبا، اي اكثر بنحو 52% من متوسط سعره في البورصة خلال آخر تسعين جلسة.
واوضح رئيس شل جورما اوليلا ان "النتيجة ستكون قيام مؤسسة اكثر قدرة على التنافس ومتينة لجميع مساهمينا في هذا الظرف من تقلبات اسعار النفط". ومن شأن هذا الاندماج ان يسمح بعمليات مشتركة تقدر قيمتها ب2,5 مليار دولار سنويا. وفي الواقع تسعى الشركتان النفطيتان الى ان تصبحا اكثر فعالية والى التوفير امام تدهور الاسعار منذ العام الماضي خاصة بسبب استخدام الغاز الصخري (الشيست) في الولايات المتحدة ورفض منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) خفض انتاجها.
وقال المدير العام لشركة شل بن فان بيردن "انها قرارات جريئة واستراتيجية تقولب صناعتنا. وستكون بي جي وشل في وضع جيد سويا". وعملية الشراء هذه ستوفر لشل منفذا الى حقول بي جي في استراليا والبرازيل وشرق افريقيا او مصر حيث تقوم بي جي بانشطة هامة في قطاع الغاز الطبيعي المسال وكذلك في التنقيب في المياه العميقة. وفي الوقت الذي تظهر فيه مشاريع تنقيب كبيرة مكلفة وتنطوي على مجازفات، من شأن عملية الشراء ان تسمح لشل بزيادة احتياطاتها من النفط والغاز بنسبة 25% وانتاجها بنسبة 20%.
وتوظف بي جي غروب المنبثقة عن انقسام شركة الغاز البريطانية السابقة في 1997، 5200 شخص في 24 بلدا. وقد سجلت الشركة خسارة العام الماضي متأثرة بتدهور اسعار النفط. وسيغادر رئيسها الجديد هيلج لاند الذي وصل في شباط/فبراير فقط المجموعة. ويفترض ان يمتلك المساهمون فيها 19% من حصص المجموعة الجديدة المندمجة. ويتوقع ان تطلق شل برنامجا لشراء اسهم بقيمة 25 مليار دولار على الاقل خلال الفترة الممتدة بين 2017 و2020.
والان يفترض ان يعطي المساهمون في الشركتين موافقتهم على صفقة الشراء لمناسبة انعقاد مجلسي ادارتهما، لتصبح عملية الاندماج نافذة مطلع العام 2016. وفي بورصة لندن سجل سهم بي جي ارتفاعا بنسبة 37%، فيما خسر سهم "ايه" لرويال دوتش شل من جهته نحو 3% من قيمته.
ويتوقع المحللون ان تتكثف التكهنات بشأن عمليات شراء جديدة في القطاع من الان فصاعدا. واعتبر اوغوستين ادن المحلل لدى اكسندو ماركيتس "ان ذلك قد يسجل بداية هجمة على عمليات الاندماج والشراء كما حصل في اواخر التسعينات عندما ابتلعت سلسلة من الشركات الصغيرة للنفط والغاز من قبل شركات اضخم لتولد مجموعات عملاقة حالية مثل اكسون-موبيل وبي بي وشيفرون ورويال دوتش شل". وقد القى تدهور اسعار النفط بظلاله على اسعار بعض الشركات المتوسطة مثل البريطانية تولو اويل ما جعل منها فريسة سهلة.
من جانب اخر أظهر تحليل لبيانات للشركات أن الموافقة على استحواذ رويال داتش شل على مجموعة بي جي البريطانية لانتاج الغاز سيؤدي إلى صرف مدفوعات للرئيس التنفيذي لبي.جي هلجه لوند قد ترفع اجمالي ما سيحصل عليه في عامه الأول على رأس الشركة الى أكثر من 32 مليون جنيه استرليني (47.8 مليون دولار). وقال رئيس مجلس إدارة بي.جي إن لوند "سيترك منصبه على الأرجح" عقب الاستحواذ الذي من المتوقع إنجازه في مطلع 2016.
وبموجب العقود يستحق لوند ومديرون آخرون الحصول على راتب عام كامل علاوة على 30 بالمئة بدلات عن معاشات التقاعد إذا غادروا الشركة في اعقاب استحواذ. ويبلغ راتب لوند 1.5 مليون استرليني وهو ما يعني أنه إذا اكتملت الصفقة في مطلع فبراير شباط 2016 ورحل لوند فسيحصل على حوالي مليوني استرليني كراتب ومستحقات تقاعد عن العام الأول ومبلغ مماثل تعويضا عن التسريح بسبب الاستحواذ.
ويتمتع أيضا بخطة مكافآت سنوية -يرتبط صرفها بسعر السهم الذي قفز 35 بالمئة عقب تقديم عرض شل- تعادل قيمتها نحو مثلي الراتب. وتبلغ القيمة الإجمالية لما سبق حوالي سبعة ملايين استرليني. غير أن المكاسب الحقيقية ستكون في صورة الأسهم وخيارات الأسهم. وحصل لوند على 81 ألف سهم في بي.جي عندما تولى منصبه الجديد تعويضا له عن خيارات أسهم ومكافآت ضاعت عليه عندما ترك عمله السابق في شتات أويل النرويجية وفق ما جاء في التقرير السنوي لبي.جي. كما حصل على مكافأة توقيع قدرها 1.1 مليون سهم. بحسب رويترز.
وأظهر إفضاح أن لوند يملك خيارات أسهم قدرها 1.19 مليون سهم فيما يشير إلى أنه يملك تلك الحقوق لكن متحدثا باسم الشركة قال إن المستحقات لم تحدد بدقة. وقال المتحدث إن لوند سيحصل أيضا على أسهم تصل قيمتها إلى تسعة ملايين جنيه استرليني في مايو ايار في إطار خطة حوافز طويلة الأجل. وإجمالا إذا تم إصدار الحد الأقصى من الأسهم فستبلغ القيمة الإجمالية لما سيحصل عليه أكثر من 25 مليون استرليني استنادا إلى سعر السهم في عرض شل البالغ 1350 بنسا. وقال متحدث باسم بي.جي "الأسهم التي تمنح لهلجه تتوقف على أداء بي.جي حتى وقت اتمام هذه الصفقة." وأضاف قائلا "لن يتم تقييم المسألة حتى تكتمل الصفقة. وحتى ذلك الحين فاننا لا نعرف ما هو حجم المبلغ."
شركات تجارة الخام
على صعيد متصل يقول بعض من أكبر شركات السمسرة في النفط على مستوى العالم إنها تتوقع زيادة أحجام التجارة هذا العام نظرا لأن انخفاض سعر الخام يقيد للتجارة قدرا أقل بكثير من رأس المال عنه قبل نحو عام. وتجارة النفط باهظة التكلفة وتلزم الشركات الكبرى بامتلاك خطوط ائتمان بمليارات الدولارات مع عشرات البنوك. لكن الانخفاض الشديد في سعر النفط أدى إلى انخفاض قيمة شحنة الخام المتوسطة من 115 مليون دولار إلى 60 مليون دولار وبالتالي باتت تكلفة تمويلها أرخص.
ولهذا التطور جانب سلبي بسيط وهو أن الشركات التجارية لا تستغل خطوط الائتمان المصرفية بالكامل كما أن البنوك بوجه عام لا ترغب في إبقاء خطوط ائتمان غير مستغلة مفتوحة. ولذلك يحتاج التجار للخروج ببعض الحلول ومنها زيادة أحجام التجارة لمساعدتهم عندما يحتاجون إليها بالكامل مرة أخرى إذا تعافت أسعار الخام. وقال جاك ايرني المدير المالي لدى جانفور وهي ضمن أكبر خمس شركات تجارية عالمية "العلاقات مع البنوك مهمة دائما بالنسبة لنا لا سيما في وقت انخفض فيه استغلال خطوط الائتمان بسبب هبوط الأسعار." وأضاف "أعتقد أنه (للحفاظ) على العلاقات الجيدة ينبغي لنا ضمان استغلال (خطوط الائتمان) التي نملكها.. علينا ضمان وفرة أحجام(التجارة)." بحسب رويترز.
وتهيمن الشركات الخمس الكبيرة فيتول وجلينكور وترافيجورا وميركوريا وجانفور بالفعل على أكثر من عشرة بالمئة من تجارة النفط ومنتجاته في العالم إذ تبلغ إيراداتها المجمعة السنوية من تجارة النفط والسلع الأولية أكثر من نصف تريليون دولار. وقال جيف ديلابينا المدير المالي لفيتول أكبر شركة لسمسرة النفط في العالم إن قضية خطوط الائتمان غير المستغلة لن تؤثر بالضرورة على شركته نظرا لأن البنوك اعتادت على التقلبات بالسوق ولا تتعجل سحب السيولة نظرا لأنها تدرك أن أسعار النفط سترتفع في نهاية الأمر. غير أن جيوم فيرميرش المدير المالي لميركوريا قال إن مسألة الخطوط المصرفية غير المستغلة تشجع نمو النشاط التجاري. وأضاف "إنها تعني مزيدا من التجارة."
اضف تعليق