تذبذب أسعار النفط في الأسواق العالمية التي تشهد حالة من عدم الاستقرار، بسبب الانخفاض الحاد والكبير الذي وصل 60%، وهو ما أثار حالة من القلق الكبير لدى البلدان المصدرة التي تعتمد على النفط كمصدر دخل رئيسي. هذا التذبذب اصبح اليوم محط اهتمام العديد من الخبراء والمراقبين الذين أوضحوا أن أسواق النفط وعلى الرغم من التعافي النسبي لها في المدة الأخيرة، لاتزال تثير القلق خصوصا مع تباين التوقعات واختلاف الآراء والتصريحات التي تثار من قبل الخبراء والجهات والمؤسسات المتخصصة، فقد قال خبراء اقتصاديون وكما نقلت بعض المصادر، أن أسعار النفط ستبقى في حالة تذبذب ما بين الصعود والهبوط خلال الفترات المقبلة، وأوضحوا أن هنالك عوامل رئيسية تؤثر على أسعار النفط في السوق بالارتفاع والانخفاض، منها أسعار الدولار وقوته وبيانات المخزون الأمريكي، بالإضافة إلى الاضطرابات الكثيرة التي يشهدها العالم.
من جانب آخر حذر خبراء نفط دوليون من بقاء أسعار النفط في مستوياتها الحالية، والتي يحتمل انخفاضها أكثر مما هي عليه اليوم، في حال لم يتوصل أعضاء منظمة أوبك إلى اتفاقات خاصة لخفض حجم الإنتاج والتعاون مع الدول غير الأعضاء من اجل رفع الأسعار، وهو ما اعترض عليه بعض الأعضاء في وقت سابق لأجل الحد من استخراج وإنتاج النفط الصخري، الذي فقد الكثير بسبب تراجع الأسعار التي أدت الى انخفاض الأرباح، وتقليص الوظائف، والاستثمارات، وتوقف عمل المعدات. وأعلنت مجموعة صغيرة من شركات إنتاج النفط الصخري إفلاسها، في حين تعاني أخرى من ديون كبيرة.
وقد نقلت وكالة الانباء الكويتية عن وزير النفط علي العمير قوله ان تراجع انتاج النفط الصخري ساهم في تحسن أسعار النفط العالمية لكن الأسعار لن ترتفع كثيرا طالما استمر تباطؤ الاقتصاد العالمي. ونقلت كونا عن إن ثمة عوامل عديدة تؤثر على أسعار النفط بما في ذلك أعمال العنف في العراق وليبيا. وقال العمير "إن الدول المنتجة لو خفضت إنتاجها فان ذلك لن يحدث تأثيرا كبيرا على تحسن أسعاره ما دام الاقتصاد العالمي لم يشهد تحسنا هو الأخر." وأضاف ان التوقعات تشير إلى أن الاسعار قد تتحسن هذا العام ولكنه ذكر انها قد تظل في نطاق بين 50 و60 دولارا للبرميل.
السعودية لا تقلل الانتاج
من جانب آخر بدأت المملكة العربية السعودية أكبر منتجي النفط في منظمة أوبك تشعر بأن الأيام أثبتت صحة موقفها بعد أن بدأت استراتيجية تقوم على السماح بإغراق الاسواق بالنفط تؤتي ثمارها وتحقق ما كانت تصبو إليه. وبعد أن أدت وفرة من المعروض النفطي في الأسواق العالمية إلى تهاوي الأسعار بنسبة 60 في المئة بين يونيو حزيران 2014 ويناير كانون الثاني 2015، بدأت المؤشرات تظهر على أن منافسي أوبك ومنهم الشركات المنتجة في أمريكا الشمالية سيضطرون إلى تقليص انتاجهم من الحقول مرتفعة التكاليف.
وبعد مرور أكثر من شهرين من العام الجديد ارتفعت أسعار النفط إلى نحو 60 دولارا للبرميل بعد أن بلغت 45 دولارا أي أن وتيرة الارتفاع أسرع مما كانت السعودية تأمل عندما أقنعت شركاءها في منظمة أوبك بعدم خفض الانتاج للدفاع عن حصتها من السوق في مواجهة النفط الصخري وغيره من الموارد النفطية. وفي أول تعليقات علنية له منذ انتعاش أسعار النفط أشار وزير البترول السعودي علي النعيمي إلى رضاه عن التطورات قائلا إنه يتوقع نمو الطلب على النفط وأن تظل الأسواق هادئة.
وقال مسؤول نفطي كبير من إحدى دول الخليج إن أسعار النفط بدأت تستقر عند المستويات الحالية في محاولة لتثبيت السعر عند 60 دولارا للبرميل وقال إنه لا يرى داعيا أن تعقد منظمة أوبك اجتماعا استثنائيا. وقال ياسر الجندي من شركة ميدلي جلوبال أدفايزورز للاستشارات الاقتصادية "السعوديون يقولون... انظروا كل شيء يحدث مثلما أردنا. فالآخرون يخفضون الإنفاق الاستثماري ونمو الانتاج يتباطأ كما أن الأسعار المنخفضة تحفز الطلب." بحسب رويترز.
والسعودية أيضا من أرخص دول العالم من حيث تكلفة انتاج النفط إذ يتكلف استخراج البرميل الواحد بضعة دولارات. أما التقنيات الحديثة لاستخراج النفط من الصخور الصلبة مثل تلك التي حققت ثورة في انتاج النفط الامريكي فهي أكثر كلفة بكثير وتتراوح تكلفة انتاج البرميل منها بين 25 دولارا و80 دولارا. وقال الجندي "بالطبع العامل المجهول الرئيسي هو مدى مرونة انتاج النفط الامريكي. فربما يستغرق تكيف السوق مع الأنماط الجديدة أكثر من ربعي سنة. وربما يستغرق التوصل للقيمة العادلة للنفط عاما أو اثنين."
وأضاف "قد يتعين أن يكون السعر 60 دولارا للسماح بتصور معقول للعرض والطلب. وهذا لا يعني بالطبع أنه لا يمكننا مؤقتا النزول إلى 40 دولار أو الصعود إلى 80 دولارا في ظل ظروف بعينها." ويعتقد سامويل سيشوك مستشار أمن الامدادات بوكالة الطاقة السويدية أن النعيمي يدعو إلى الهدوء كمؤشر عن رضاه عن الأسعار الحالية. وقال سيشوك "هذا يعني أنه يريد أن تكون الاسعار بالتقريب عند مستواها الحالي أو أقل بعض الشيء."
وليس من المتوقع أن يبدأ نمو انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة في التباطؤ قبل النصف الثاني من العام الجاري. وهذا يعني تسارع وتيرة نمو المخزون العالمي وهو الأمر الذي قد يفرض مزيدا من الضغوط على أسعار النفط. ومع ذلك فقد يمثل بقاء أسعار النفط دون 60 دولارا للبرميل لفترة طويلة مشكلة حتى للسعودية نفسها إلى جانب الدول الاعضاء في أوبك الأقل ثراء وأعضاء المنظمة من أصحاب المواقف المتشددة فنزويلا والجزائر وايران.
وقال أوليفييه جاكوب من بتروماتريكس للاستشارات "من اللافت للنظر أن النعيمي يقول إنه لا يود الحديث عن النفط لأنه يريد الهدوء." وأضاف "بعد اجتماع أوبك...شهدنا وزراء نفط السعودية والكويت والامارات يتجهون إلى وكالات الأنباء لاطلاق التصريحات التي تدفع السوق للانخفاض. فقد أعجبهم الحديث عن النفط آنذاك وربما تكون (تصريحات النعيمي الحالية) مؤشرا آخر على أنهم حققوا هدفهم."
وأضاف أن من العوامل المجهولة أيضا المحادثات النووية بين الغرب وايران والتي قد تؤدي إلى تخفيف العقوبات على الجمهورية الاسلامية واحتمال إضافة ما يصل إلى مليون برميل يوميا إلى المعروض النفطي في الأسواق. وقال جاكوب "أي صفقة نووية ستعيد فتح أبواب التكهنات بشأن دور أوبك ومكانها في سوق النفط الحالية."
الاسعار وقواعد السوق
على صعيد متصل اكدت منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) في تقريرها الشهري ان الارتفاع البارز لأسعار النفط المسجل في شباط/فبراير في الاسواق ذات الاجل "مخالف للقواعد الاساسية" فيما ما زالت السوق العالمية تشهد فائضا. ففي حين ارتفعت الاسعار بنسبة 20% في شباط/فبراير بعد انحدارها الى حد ادنى في كانون الثاني/يناير كانت السوق تشهد فائضا في العرض يناهز مليون برميل في اليوم بحسب الكارتيل.
ولم تعدل اوبك توقعاتها لمعدلات العرض والطلب للعام 2015، حيث سيبلغ الطلب بحسبها 92,4 مليون برميل في اليوم اي بزيادة 1,17 مليون برميل في اليوم مقارنة بالعام 2014. واكد التقرير ان تسجيل سوق نفط برنت وسوق نايمكس لنفط لايت سويت الخفيف "ارتفاعا كبيرا" منذ كانون الثاني/يناير يشكل "تحديا للاساسيات" نظرا الى ان "العرض العالمي ما زال اعلى من الطلب".
من جانب اخر قال الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إن الدول الأعضاء لا يجب أن تخفض الانتاج بغرض "دعم سعر" النفط الصخري الأعلى تكلفة وهو مصدر للطاقة تقول اوبك إن الزيادة في انتاجه مؤخرا هي سبب ضعف أسواق النفط. وأضاف عبد الله البدري في تصريحات لمؤتمر بالبحرين أن النفط الصخري "ليس تحديا لنا" لكن يجب ان تترك السوق الآن لتقرر أي مصدر للنفط يمكن أن يستمر بالأسعار الحالية. بحسب رويترز.
وقال البدري إن أوبك ترحب بالنفط الصخري لكنه كمصدر للطاقة يتكلف اكثر مما يسمح بانتاجه. واضاف انه لا يمكنك انتاجه عند 70-80 دولارا او 90 دولارا وانما تحتاج ما يزيد على 100 دولار لانتاجه وبيعه وتحقيق دخل منه. وقال إن اوبك لا يمكنها دعم سعر مصدر آخر للطاقة. واضاف انها لا يمكنها ان تواصل خفض الانتاج في كل مرة وان النفط الصخري "ليس تحديا لنا". واضاف ان المنظمة ترحب به لكن على السوق ان تقرر الآن.
وقال البدري ايضا ان المنتجين من اوبك وخارجها يجب ان يقرروا العمل معا لتحقيق استقرار الأسواق. واضاف انه منذ 2008 زادت الإمدادات من خارج منظمة أوبك نحو ستة ملايين برميل يوميا بينما استقر إنتاج أوبك تقريبا عند حوالي 30 مليون برميل يوميا. وقال البدري إن الصورة الحقيقية للسوق لن تتضح قبل نهاية يونيو حزيران. واضاف انه ليس لديه شك في أن الاسواق ستعود الى التوازن في النصف الثاني من 2015 . وقال إن السوق تتحسن الآن وانه ما زالت توجد فرصة هائلة في النفط رغم التقلب وعدم اليقين في السوق مؤخرا. وتوقع نمو الطلب على الطاقة 60 بالمئة بحلول 2040 وأن يظل النفط مصدرا محوريا للطاقة.
طلب اكبر على النفط
الى جانب ذلك رفعت وكالة الطاقة الدولية بشكل طفيف توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط العام 2015 فيما توقعت نموا اضعف لانتاج البلدان من خارج منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك). وتوقعت المنظمة في تقريرها الشهري لشباط/فبراير ان يزداد انتاج النفط في العالم هذه السنة بمقدار 990 الف برميل في اليوم ليبلغ 93,5 مليون برميل في اليوم بفضل "ارتفاع النمو الاقتصادي في العالم بشكل طفيف" وطقس بارد. وقالت الوكالة ومقرها باريس انها تراهن على نمو ب0,9 مليون برميل يوميا الى 93,4 مليون برميل يوميا.
وقد يكون الطلب على النفط الذي يسجل زيادة منذ منتصف 2014، مدعوما جراء فرص الشراء او للتخزين في حين تبقى اسعار النفط منخفضة جدا. وحذرت الوكالة من ان هذه المحركات اكثر هشاشة من نمو النشاط الاقتصادي. واضافت "في هذه المرحلة ليس هناك مؤشرات ملموسة كافية على تحريك فعلي للاقتصاد بفضل اسعار النفط المنخفضة". بحسب فرانس برس.
وقالت الوكالة "يبدو ان اسعار النفط تستقر لكن هذا التوازن هش" خصوصا لان العرض يبقى مرتفعا و"اظهر حتى الان مؤشرات ضئيلة على التباطوء" خصوصا في الولايات المتحدة. والوكالة التي تحمي مصالح الدول المستهلكة خفضت توقعاتها لنمو الانتاج النفطي للدول من غير اعضاء اوبك الى 750 الف برميل في اليوم في 2015 مقابل ارتفاع ب800 الف برميل مرتقبة حتى الان ب57,4 مليون برميل يوميا.
تحديات كبيرة
في السياق ذاته قال كبير اقتصاديي وكالة الطاقة الدولية إن تنظيم داعش في العراق وسوريا أصبح تحديا كبيرا للاستثمارات اللازمة للحيلولة دون نقص معروض النفط في العقود المقبلة. وفي حين أطلقت وكالة الطاقة تحذيرات بأن إنتاج الشرق الأوسط من الخام ينبغي أن يزيد في العقد المقبل لتلبية الطلب المتوقع قال فاتح بيرول كبير اقتصاديي الوكالة إنه مازالت هناك وجهات نظر "قاصرة" بشأن الحاجة إلى الاستثمار في وقت تضطر فيه شركات الطاقة إلى تقليص أعمال الحفر الجديدة بسبب انخفاض أسعار النفط.
ولن يكون إنتاج النفط الأمريكي من التكوينات الصخرية - والمتوقع زيادته في المدى القصير حتى مع تقليص أعمال الحفر والاستثمار - كافيا لتلبية الطلب. وقال بيرول إنه ينبغي أن يلبي منتجو الشرق الأوسط التقليديون الزيادة المتوقعة في الاستهلاك وإن من المتوقع أن يسهم العراق بنحو 50 بالمئة من كميات النفط الإضافية المطلوبة. وقال لجمعية قطاع الغاز الياباني إن ذلك يعني "أننا نواجه مشكلة في الوقت الراهن". بحسب رويترز.
وقال بيرول "المشاكل الأمنية الناجمة عن داعش وآخرين تخلق تحديا كبيرا للاستثمارات الجديدة في الشرق الأوسط وإذا غابت تلك الاستثمارات اليوم فلن نحصل على نمو الإنتاج الذي تشتد الحاجة إليه خلال العقد المقبل." وأضاف "الشهية للاستثمار في الشرق الأوسط شبه منعدمة بسبب الضبابية في المنطقة." وقال إن أحدث تحليل لوكالة الطاقة الدولية يشير إلى أن استثمارات النفط والغاز العالمية بقطاع التنقيب والاستخراج ستتراجع بنسبة قياسية قدرها 17 بالمئة في 2015 إلى حوالي 580 مليار دولار.
من جانب اخر قال ضابط كبير في البحرية الأمريكية يوم الاثنين ان خطوط الشحن التي يستخدمها مصدرو الطاقة في الخليج لا تهددها أعمال العنف والاضطرابات السياسية في اليمن وسيطرة داعش على أراض في منطقة الشرق الأوسط. وقال الجنرال جون ميلر قائد القيادة المركزية البحرية الأمريكية في مؤتمر صحفي في ابوظبي ان الوجود "القوي" للبحرية الأمريكية والدولية يساعد على تقليص المخاطر بالنسبة للدول المنتجة للنفط في المنطقة.
وقال ميلر وهو أيضا قائد الاسطول الخامس الامريكي/القوات البحرية المشتركة "وسط ديناميكية المنطقة اليوم ما نشهده طوال السنوات الماضية هو مناخ ملاحي آمن التدفق الحر للتجارة مستقر وآمن." وكان يشير إلى باب المندب وهو ممر ضيق بين القرن الافريقي والشرق الأوسط وقناة السويس وهي من أزحم الممرات المائية وتربط بين البحر المتوسط والبحر الاحمر ومضيق هرمز بين ايران وسلطنة عمان وهو أهم مسار في العالم لتصدير النفط.
وقال ميلر ان القوات البحرية المشتركة التي تمثل تحالفا بحريا دوليا يتخذ من البحرين قاعدة له وينظم دوريات أمنية مشتركة ضد المتشددين والقراصنة والمهربين تسير ما بين 65 و70 سفينة يوميا هي كافية تماما. وأضاف "تنظيم مثل داعش يمكنه ان يفاجئنا...ولذلك نريد ان نعمل جاهدين للقضاء على فرصة المفاجأة ونفعل ذلك من خلال التواجد القوي في البيئة البحرية." واستطرد "ما نراه في قناة السويس دوما رغم الاضطرابات التي حدثت في مصر...(هو) أن قناة السويس آمنة تدار بشكل جيد." وقال ميلر "عدم الاستقرار في اليمن ينطوي على امكانية ان يؤدي الى عدم استقرار باب المندب في خليج عدن في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر وكل هذا مصدر قلق."
اضف تعليق