الغاز الطبيعي المسال هو غاز يتم تبريده لدرجات فائقة وينقل بالناقلات إلى مختلف أنحاء العالم، وظل الغاز الطبيعي المسال منتجا له سوقه الخاصة ثم أصبح منتجا أثيرا لدى الصناعة لأن الغاز الطبيعي أنظف من النفط والفحم كما أن استخداماته واسعه تتراوح من توليد الكهرباء إلى التدفئة وكذلك كوقود لوسائل المواصلات، وشهد انتاج وتصدير الغاز شأنه شأن النفط صراعات حول السيطرة على هذا السوق عالمياً، سيما بعد الأزمة الخليجية الأخيرة مع قطر، المصدر الاكبر للغاز الطبيعي في العالم، والتي بدورها أطلقت خطة لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 30 في المئة الطلقة الأولى في حرب أسعار دفاعا عن عملائها في آسيا تقف فيها صناعة الغاز القطرية في مواجهة منافسين من الولايات المتحدة وروسيا واستراليا، فقد فاجأت قطر، التي تواجه عزلة إقليمية في نزاع دبلوماسي مع جيرانها في منطقة الخليج، أسواق الطاقة عندما ذكرت إنها ستزيد إنتاج الغاز الطبيعي المسال إلى 100 مليون طن سنويا أي ما يعادل ثلث الإمدادات العالمية الحالية خلال فترة تتراوح بين خمس وسبع سنوات، وستؤدي الخطوة القطرية إلى زيادة المعروض في سوق تعاني بالفعل من زيادة العرض عن الطلب فيما يعد تحديا غير مستتر لمصدرين آخرين يعملون أيضا على رفع إنتاجهم، ويرى محللون إن قطر في وضع يسمح لها بالتفوق على غيرها لانخفاض تكلفة الإنتاج لديها ووجود البنية التحتية اللازمة، وسيسهم إغراق السوق بالمزيد من الغاز الطبيعي المسال في الدفاع عن مكانتها كأكبر مصدر في العالم والتي تتحداها أستراليا، وتقع ساحة المعركة الرئيسية للتنافس على سوق الغاز المسال في آسيا التي تستهلك 70 في المئة من الوقود الذي يعتبر مصدرا رئيسيا للطاقة لتلبية طلب مرتفع دون التلوث الواسع الذي ينتجه الفحم، وأكبر مشتري الغاز الطبيعي في العالم هم شركات المرافق خاصة في اليابان وكوريا الجنوبية.
وجاء إعلان قطر بعد يوم واحد فقط من توقيع إيران أول اتفاق مع شركة توتال الفرنسية وشركة سي.إن.بي.سي المملوكة للدولة في الصين لإنتاج الغاز من الحقل الذي تشترك فيه مع قطر، ولقطر، التي شاركت مؤسستها المملوكة للدولة قطر للبترول شركة إكسون موبيل الأمريكية العملاقة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، مصلحة كبيرة في الدفاع عن مكانتها، فقد كان الغاز الطبيعي المسال، بجانب صادرات المكثفات ونوع من الخام الخفيف فائق الجودة يستخرج كمنتج ثانوي مع الغاز، سببا في ثراء قطر رغم انخفاض أسعار الغاز الطبيعي المسال بنسبة 70 في المئة وانخفاض أسعار النفط أكثر من 50 في المئة منذ عام 2014، ومن شأن رفع صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى 100 مليون طن سنويا أن يزيد إيرادات قطر، بالأسعار الحالية، بنحو 30 مليار دولار بالإضافة إلى ستة مليارات دولار أخرى من المكثفات.
ويعادل ذلك 120 ألف دولار للفرد الواحد من سكان قطر وهو ما يسهم في جعلها أغنى دولة في العالم وفقا لتقديرات البنك الدولي، والمنتجون الرئيسيون الذين تمثل الخطوة القطرية تحديا لهم هم من ينتظرون قرارات استثمار نهائية لاسيما في الولايات المتحدة، وحتى الآن شركة تشينير إل.إن.جي هي الوحيدة التي تصدر الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة لكن ثمة مقترحات بطاقة إجمالية تبلغ 150 مليون طن سنويا، ومن المتوقع أن يؤدي إغراق السوق بمزيد من الغاز المسال إلى تعزيز سوق تجارته الفورية في آسيا رغم أنه يأتي في وقت يشهد زيادة العرض عن الطلب ويتردد فيه المشترون في إبرام تعاقدات جديدة لآجال طويلة، وتمثل السوق الفورية في آسيا الآن 15 في المئة من الامدادات الإجمالية إذ يباع المزيد من الكميات غير المتعاقد عليها وفقا للطلب في الأجل القصير، والفائزون في هذا الصراع الشديد على السوق هم المستهلكون.
روسيا تطمح لإزاحة قطر عن عرش الغاز المسال
صرح مسؤول تنفيذي كبير إن منتج الغاز الروسي نوفاتك يطمح إلى إزاحة قطر عن صدارة مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم مع اقتراب الشركة من إتمام أول مشروعاتها للغاز الطبيعي المسال مستبعدا تأثر القطاع بالعقوبات الأمريكية، وأضاف مارك جيتفاي المدير المالي للشركة إن من المتوقع أن يبدأ أكبر منتج روسي غير حكومي للغاز تصدير الغاز المسال من المرحلة الأولى من المشروع يامال في القطب الشمالي قرب نهاية العام الحالي وقد يتقرر تبكير موعد المرحلة النهائية ستة أشهر، لكن تدشين ثاني مشاريع الغاز المسال للشركة والثالث لروسيا، المسمى بمشروع القطب الشمالي 2 للغاز المسال، هو الذي قد يحول الشركة، التي يرأسها ليونيد ميلخسون أغنى رجل أعمال في روسيا، لتصبح نوفاتك منتجا عالميا كبيرا في غضون عشر سنوات.
وتتنافس قطر وروسيا منذ فترة طويلة في أسواق الغاز العالمية. وسُلطت الأضواء على الإمدادات القطرية في الشهر الأخير بعد أن قطعت السعودية العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع قطر، في غضون ذلك تعاني صناعة الطاقة الروسية بفعل العقوبات الأوروبية والأمريكية المتعلقة بضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في ظل حساسية الأوروبيين على نحو خاص إزاء أي تخفيضات محتملة لإمدادات الغاز الروسية ردا على التوترات السياسية بالمنطقة، ولقطر استثمار ضخم بالفعل في قطاع الطاقة الروسي حيث اشترت العام الماضي بالاشتراك مع مجموعة جلينكور لتجارة السلع الأولية 19.5 بالمئة في روسنفت أكبر شركة نفط روسية.
من جهة أخرى أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عملية بناء خط انابيب غاز "تورك ستريم" الى تركيا تحت مياه البحر الاسود في خطوة تسمح لموسكو بموقع جديد لدخول الغاز الروسي الى أوروبا، وحضر الرئيس الروسي بدء العمل قبالة سواحل البحر الأسود بينما كان على متن سفينة قادرة على وضع أنابيب الغاز بعمق كيلومترين، وقد ظهر هذا المشروع الكبير للطاقة العام أواخر عام 2014 تزامنا مع التخلي في خضم الأزمة الأوكرانية عن مشروع "ساوث ستريم" عبر البحر الأسود وبلغاريا والذي عرقله الاتحاد الأوروبي، وتم تجميد "تورك ستريم" بسبب الأزمة الناجمة عن تدمير القوات الجوية التركية قاذفة روسية فوق الحدود السورية في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2015، لكن اعيد إحياؤه الصيف الماضي بعد المصالحة بين بوتين وإردوغان، وتقدر كلفة المشروع بستة مليارات دولار، ويتضمن بناء خطي أنابيب بسعة 15,75 مليار متر مكعب من الغاز سنويا لكل منهما، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من الخط الاول عام 2018 في حين ينتهي الثاني اواخر عام 2019، ويهدف المشروع هو تعزيز إمدادات الغاز الروسي إلى تركيا وجعلها بلد عبور إلى الاتحاد الأوروبي بدلا من أوكرانيا رغم أن احتمالات ذلك لا تزال غير مؤكدة نظرا لعدم ثقة بروكسل في مشاريع خطوط ألانابيب الروسية، وفي الشمال، تريد غازبروم بناء خط أنابيب جديد للغاز تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا، "نورد ستريم 2" لكن المشروع بات عرضة للتاخير بسبب معارضة بعض الدول الأوروبية مثل بولندا.
فضلاً عن ذلك، أعلن رئيس إدارة مجموعة غازبروم الروسية العملاقة للطاقة اليكسي ميلر الثلاثاء أن الصين ستتسلم أولى دفعات الغاز الروسي عبر مشروع أنبوب "قوة سيبيريا" الجديد في كانون الأول/ديسمبر 2019، اذ بعد عقد من المفاوضات، وقعت روسيا في أيار/مايو 2014 اتفاقا مدته ثلاثين عاما لتزويد جارتها الشرقية بالغاز الطبيعي لأول مرة عبر أنبوب بدأ تشييده في أيلول/سبتمبر 2014، وتبلغ قيمة العقد الضخم 400 مليار دولار، حيث يمتد الأنبوب على أربعة آلاف كيلومتر ليصل بين حقول ياقوتيا ببحر اليابان أو البحر الشرقي ومع الحدود الصينية.
الصين تستثمر مليارات الدولارات في مشروعات للغاز المسال بأفريقيا
من جهتها تخطط الصين لضخ نحو سبعة مليارات دولار في مشروعات لمحطات الغاز الطبيعي المسال العائمة في أفريقيا مراهنة على تكنولوجيا لم تخضع للاختبار على نطاق واسع أملا في أن تتعافى أسواق الطاقة مع بدء إنتاج المحطات أوائل العقد القادم، وتتوخى البنوك الغربية الحذر حيال تلك المشروعات نظرا للظروف غير المواتية التي تمر بها أسواق النقل البحري والغاز إضافة إلى الصعوبات الفنية في ضخ غاز مستخرج من تحت قاع المحيط وتحويله إلى سائل على محطة عائمة ثم نقله عبر ناقلات للتصدير، وعلى الرغم من ذلك، وضعت الصين خطة استراتيجية بشأن محطات الغاز الطبيعي المسال العائمة تهدف إلى أن تصبح البائع الأقل تكلفة لتلك المحطات وتحقيق الصدارة عالميا في تطبيق تقنية ما زالت في مهدها حيث لا يوجد إلى الآن سوى مشروع واحد فقط للإنتاج التجاري.
وتحتاج الصين الغاز كبديل نظيف للفحم وفق توجه لتحسين جودة الهواء في مدنها وأقرضت بالفعل مشروع يامال التقليدي للغاز الطبيعي المسال في المنطقة القطبية بروسيا 12 مليار دولار مع إحجام البنوك الغربية خشية الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية، وقدمت بكين أيضا قروضا أو تعهدات بنحو أربعة مليارات دولار لثلاثة مشروعات لمحطات الغاز الطبيعي المسال العائمة قبالة ساحل أفريقيا. وفي مشروعين آخرين بتكلفة إجمالية قدرها ثلاثة مليارات دولار، تخطط لتقديم التمويل وبناء المحطات أيضا، وتهيمن الصين بالفعل على السوق العالمية لألواح الطاقة الشمسية، وهي مورد رئيسي لمحطات الكهرباء التي تعمل بالفحم مدعومة بتمويل أقل تكلفة وعمالة أرخص ودعم من الدولة.
والآن، ومع مضي بكين قدما في خطة الرئيس الصيني شي جين بينغ "الحزام والطريق" لتعزيز الارتباط التجاري بين آسيا وأفريقيا وأروروبا، فقد تحولت إلى مشروعات محطات الغاز الطبيعي المسال العائمة لجلب أعمال ذات تكنولوجيا متطورة إلى مرافئ بناء السفن وخلق وظائف في تحرك استراتيجي، ومشروعات محطات الغاز الطبيعي المسال العائمة جذابة أيضا للدول الأفريقية الغنية بالموارد لكنها مثقلة بالديون إذ إن تلك المحطات قادرة على الإبحار والرسو والتصدير بتكلفة تقل كثيرا عن المحطات البرية التي ارتفع سعرها إلى أربعة أمثال في السنوات العشر حتى 2013، وهذه هي النظرية وإن كانت تكنولوجيا تلك المحطات ما زالت معقدة. فمحطة الغاز الطبيعي المسال العائمة الضخمة بريليود التابعة لرويال داتش شل على سبيل المثال ستكون على متن أكبر هيكل عائم في العالم لكن يجب تقليص المعدات لتشغل ربع المساحة التي تشغلها في المحطات البرية، وتشكل حركة الأمواج وتيارات المحيطات عقبات أخرى.
ومشروع بريليود، الذي يتكلف 12 مليار دولار ويبدأ التشغيل قبالة ساحل استراليا في 2018، مطابق للتصورات التي كانت سائدة خلال حقبة ارتفاع أسعار الطاقة. بيد أن الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المسال هبطت 70 في المئة منذ أوائل 2014 ومن المتوقع أن تظل تواجه ضغوطا أو تشهد مزيدا من التراجع نظرا لوجود إمدادات إضافية من محطات تقليدية جديدة في استراليا والولايات المتحدة، وعلى الرغم من ذلك، يعول بعض المنتجين والمشترين على انتهاء تخمة المعروض في الأسواق العالمية أوائل العقد القادم إلا أنهم لا يريدون الاقتصار على المشروعات الكبيرة ويفضلون المشروعات الأصغر والأكثر مرونة مثل تلك التي في أفريقيا، والمشروع الوحيد لمحطات الغاز الطبيعي المسال العائمة الذي بدأ التشغيل جرى إطلاقه في ماليزيا العام الماضي وتراوحت تكلفة المنصة العائمة بين 1.6 و1.7 مليار دولار. ويقول مصرفيون إن تلك التكلفة لا تزال مرتفعة جدا وإذا استطاع الصينيون تقليصها إلى مليار دولار فسيهيمنون على السوق.
وعلى هذا الصعيد، لاغرابة أن نجد موقع بلومبيرج الإخباري الأميركي مهتم بإعلان قطر عن زيادة إنتاج الغاز الطبيعي لديها، وبين إن الخطوة ستعزز سيطرتها على سوق الغاز الطبيعي العالمي، موضحاً إن توسيع منشآت التصدير القائمة لدى قطر ستكون على الأرجح أكثر نجاحاً من إنشاء مواقع جديدة، كما تفعل دول أخرى، مثل أستراليا وأميركا في محاولة لتعزيز إنتاج الغاز لديها، ونقل الموقع عن محلل شؤون الطاقة بشركة بيرنستين أوسوالد كلينت رأيه في إن أكثر ثلثي مشروعات إنتاج الغاز الطبيعي المسال، التي تهدف لملء الفجوة التي ستحدث بعد عشر سنوات من غير المرجح أن تقام، لأن قطر بموقعها الجغرافي المتميز وسط الأسواق الكبرى في أوروبا وآسيا فضلاً عن إنتاج الغاز بتكلفة رخيصة، يسهل عليها توسيع مصانعها الحالية لإنتاج الغاز، وستكون الأكثر قدرة على المنافسة، كما يرى مارتن لامبرت مدير شركة «بريتلاندز» لإنتاج الطاقة أن الغاز القطري المنتج بشكل متزايد من المرجح أن يكون ذا تكلفة إنتاج رخيصة، وبالتالي سيعطيه ذلك ميزة على بقية الإمدادات القادمة من دول أخرى، وأيضاً سيكون له تأثير على إنتاج الغاز في كل من أستراليا وأميركا.
ووفقاً لبيانات من شركة بي أم أي للأبحاث، فإنه في حالة عدم توسع قطر في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، فإن حصتها ستصل إلى 17 % من الإنتاج العالمي بحلول عام 2026 من 30 % حالياً، واعتبر كلوديو ستور مدير شركة «سي إنرجي» لشؤون الطاقة أن موقع قطر يجعلها «في مكانة أفضل جغرافياً لتكون لها قدرة تنافسية كبيرة، وتحصل عائدات ضخمة» من خلال إمداد أوروبا وآسيا بالغاز، وهما وجهتان رئيسيتان للوقود العالمي.
اضف تعليق