يشهد العالم منذ ما قبل بداية الألفية الثالثة، وبخاصة في قارتي آسيا وأوروبا، ما يسميه خبراء ومحلّلون إستراتيجيون «حرب الغاز العالمية». ويلاحظ هؤلاء أن هذه الحرب قد استعرت بشدة مع اقتراب نضوب احتياطيات النفط في عدة مناطق من العالم، وأيضا مع تزايد الاعتماد العالمي على الغاز الطبيعي كأحد أهم مصادر الطاقة النظيفة.
اذ ذكر الأمين العام لمنتدى الدول المصدرة للغاز إن تقلبات أسواق الغاز العالمية ستزداد حدة في الأعوام المقبلة إذا واصلت بيئة الأسعار المنخفضة عرقلة الاستثمارات في مشروعات جديدة، وانخفضت الأسعار الآسيوية الفورية للغاز الطبيعي المسال هذا الأسبوع عن أعلى مستوياتها في عامين مع استئناف تشغيل مصانع في أنجولا وأستراليا مما عزز الإمدادات في سوق ضعيفة تضررت من الانقطاعات وارتفاع الطلب الموسمي.
ومنتدى الدول المصدرة للغاز منظمة حكومية تأسست في عام 2001 ومقرها في الدوحة ويضم في عضويته 11 دولة من أكبر الدول المنتجة للغاز في العالم ومن بينها إيران وقطر وروسيا، وبين المنتدى في تقرير توقعات الغاز العالمية المعلن إن الطلب على الغاز سيزيد بنحو 50 بالمئة بحلول عام 2040 وهو معدل نمو مماثل للذي تحقق على مدار الستة عشر عاما الماضية. وتتحكم دول المنتدى في أكثر من 70 بالمئة من احتياطيات الغاز الطبيعي العالمية، وتوقع التقرير ارتفاع الطلب المحلي على الغاز بين الدول الأعضاء في المنتدى من ألف إلى 1300 مليار متر مكعب بحلول عام 2040 وأضاف إن إيران ستشهد أقوى طلب محلي يعقبها روسيا ومصر والعراق ونيجيريا.
روسيا وفرت ثلث الاستهلاك الاوروبي من الغاز في 2016
امنت روسيا ثلث استهلاك القارة الاوروبية من الغاز في 2016 وهو مستوى قياسي تحقق رغم التوتر مع الاتحاد الاوروبي، وكتبت الشركة الروسية العملاقة في مجلتها "بلو فيول" ان حصة غازبروم من الغاز في اوروبا زادت تدريجا وبلغت نحو ثلث الاستهلاك الاوروبي، وكان مسؤولو المجموعة قدروا حصتها في السوق الاوروبية في 2015 ب 31% ومثلت حينها رقما قياسيا.
وذكرت غازبروم بان هذه الزيادة تحققت بفضل صادرات قياسية هذه السنة "سواء بالنسبة للحقبة السوفياتية وفي تاريخ روسيا المعاصرة"، مع تسجيل صادرات كبيرة في تشرين الثاني/نوفمبر بشكل خاص، واكدت المجموعة ان "غازبروم تبقى المزود الوحيد القادر على توفير كميات اضافية بشكل أكيد لعملائها في اوروبا بغض النظر عن السعر والظروف المناخية". وكانت اسعار عقود غازبروم اعلى من تلك المتفاوض بشأنها في السوق هذا الخريف، كما كانت الظروف المناخية نسبيا اعتيادية هذه السنة.
ومنذ اشهر تؤكد غازبروم ان النتائج التي حققتها دليل على ان الاتحاد الاوروبي لا يمكنه الاستغناء عن الغاز الروسي رغم ان بروكسل او بعض الدول الاعضاء عارضت بناء انابيب غاز روسية جديدة، وتشتبه المفوضية الاوروبية بان غازبروم تسيء استغلال موقعها المهيمن في ثماني دول اعضاء في شرق اوروبا حيث تقوم بتصرفات مخالفة لقانون منع الاحتكار وتفرض اسعارا اعتبرت "غير منصفة"، وتوصل الجانبان في هذا المجال الى اتفاق ودي يتيح تجنب فرض غرامة على المجموعة الروسية.
إسرائيل تعزز بحريتها لحماية مناطق التنقيب عن النفط والغاز
زادت الحكومة الإسرائيلية الإنفاق على قواتها البحرية لتعزيز قدرتها على حماية مخزون النفط والغاز قبالة سواحلها وضمان أمن منطقتها الاقتصادية البحرية الواسعة المتاخمة للبنان، وطلبت البحرية الإسرائيلية عام 2013 زيادة موازنتها التي تبلغ 700 مليون دولار لتطوير أنظمتها و100 مليون دولار سنويا لصيانتها على الرغم من أن وزارة الدفاع ترفض الإفصاح عن المبالغ التي تلقتها البحرية منذ ذلك الحين.
وارتبطت الزيادة بضرورة الدفاع عن عمليات تطوير إنتاج الغاز والنفط. وتأتي الزيادة الأخيرة مع بدء قبول إسرائيل طلبات من شركات تريد استكشاف 24 منطقة تقع قبالة الشواطئ الإسرائيلية في شرق المتوسط مجاورة لحقل لفياثان الواسع، وتقدر إسرائيل وجود 2137 مليار متر مكعب من الغاز و6.6 مليار برميل من النفط لم تكتشف في هذه المناطق وتأمل أن تختار تكتلي شركات أو ثلاثة لمنحها رخص التنقيب.
غير أن إسرائيل خاضت عددا من الصراعات مع لبنان خلال الأربعين عاما الماضية. كما تحدها سوريا في جزء من الحدود حيث بات لإيران تواجد عسكري مما يعرض منصات الطاقة البحرية لخطر أمني محتمل، ومن ثم تسعى إسرائيل لشراء سفن وقوارب دورية وسفن ذاتية القيادة وأنظمة رادار ودفاعات صاروخية لتعزيز أمنها البحري، وصرح ضابط في البحرية الإسرائيلية يشرف على دمج السفن الجديدة في القوات البحرية "هناك عدد متنوع من الأنظمة التي ستمنع ضرب الحفارات."
ودفعت (إنرجين) في أغسطس آب 148.5 مليون دولار مقابل الحصول على حقوق تطوير حقلي تانين وكاريش الأصغر حجما للغاز اللذين شملتهما جولة سابقة للحكومة الإسرائيلية لمنح حقوق التنقيب، وتخطط الشركة لاستثمار حتى 1.5 مليار دولار في موارد الطاقة الإسرائيلية ونقل منصة إنتاج وتخزين وتحميل عائمة سيتم وضعها على بعد 100 كيلومتر في عرض البحر مما يجعلها هدفا محتملا للهجمات.وأضاف ضابط البحرية الإسرائيلي إنه في إطار تعزيز الدفاعات ستتسلم البحرية أربعة طرادات ألمانية بقيمة 460 مليون دولار عام 2019، وبدأ تزويد السفن الإسرائيلية الحالية بنسخة من منظومة القبة الحديدية الدفاعية الصاروخية التي تتيح تفجير الصواريخ التي قد تستهدف المنصات البحرية.
كما أضاف الضابط إن الطرادات الجديدة ستزود بطائرات هليكوبتر من نوع "سيكورسكي سي هوك" كما ستشتري البحرية قوارب بقيادة ذاتية من صنع شركة رافاييل الإسرائيلية للأسلحة والتي ستنفذ دوريات أمنية حول المنصات المقامة في المياه العميقة.
من جهة أخرى بدأت شركة "ديليك" الإسرائيلية الخميس في تصدير الغاز الطبيعي إلى الأردن في أول مرة في تاريخ إسرائيل. يذكر أن اتفاقية تصدير الغاز المبرمة بين تل أبيب وعمان قد أثارت احتجاجات داخل المجتمع الأردني، واضافت شركة "ديليك" الإسرائيلية أنها بدأت في تصدير الغاز إلى الأردن من حقل بحري، في أول صادرات للغاز الطبيعي في تاريخ إسرائيل، وبدأ التصدير إلى الأردن في كانون الثاني/يناير، بحسب ما صرحت لوكالة فرانس برس شركة "ديليك"، وهي جزء من تحالف شركات تقوم بتطوير مخزونات إسرائيل البحرية من الغاز.
وصرحت متحدثة باسم الشركة أنه لم يتم الإعلان رسميا عن عملية التصدير في وقتها، ولكن هذه أول مرة تصدر فيها إسرائيل الغاز الطبيعي في تاريخها، واتفقت شركة "البوتاس العربية" الأردنية وشركة "برومين الأردن" في 2014 على استيراد ملياري متر مكعب من الغاز الطبيعي (نحو 70 مليار قدم مكعب) من حقل تمار على مدى 15 عاما، وذكرت التقارير في ذلك الوقت أن قيمة الصفقة 771 مليون دولار.
والأردن ومصر هما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان وقعتا اتفاق سلام مع إسرائيل. إلا أن معاهدة السلام التي وقعت عام 1994 بين الأردن واسرائيل لا تلقى قبولا لدى سكان الأردن الذين يشكل ذوو الأصول الفلسطينية أكثر من نصفهم، ويرفض معارضو الاتفاق أي تعاون بين الأردن وإسرائيل التي يعتبرونها عدوا، إلا أن الأردن الذي يفتقر إلى الموارد الطبيعية ليس لديه الكثير من البدائل لمعالجة نقص موارد الطاقة.
وفي أيلول/سبتمبر 2016 تم التوقيع على اتفاق أكبر قيمته 10 مليارات دولار لتصدير الغاز إلى الأردن من حقل ليفياثان البحري، وفي وجه الاحتجاجات دافع وزير الإعلام الأردني محمد المومني عن الاتفاق وقال في تصريح للتلفزيون الرسمي أن الصفقة ستوفر 600 مليون دولار سنوياً من نفقات الدولة على الطاقة، ويتوقع أن يبدأ تسليم الشحنات من حقل ليفياثان إلى الأردن في 2019.
المغرب ونيجيريا يبحثان مشروعا ضخما لنقل الغاز من غرب افريقيا الى اوروبا
يبحث المغرب ونيجيريا مشروعا مهما لمد خط انابيب غاز يعبر غرب افريقيا لايصال الغاز الى اوروبا، وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قام بزيارة رسمية لابوجا في الاول والثاني من كانون الاول/ديسمبر حيث التقى الرئيس النيجيري محمد بخاري، واكد وزير الخارجية النيجيري جيفري اونييما ان مشروع مد "انبوب غاز عابر لافريقيا من نيجيريا الى المغرب وصولا الى اوروبا"، وكان بدا العمل في 2005 في اكبر خط انابيب غاز في غرب افريقيا ويربط مناطق انتاج الغاز في نيجيريا باسواق المستهلكين في ساحل غرب افريقيا (بنين وتوغو وغانا)، وبدأ ايصال الغاز في 2010.
وبحسب المصادر فان مشروع مد خط الانابيب الى المغرب واوروبا كان في صلب المباحثات بين العاهل المغربي والرئيس النيجيري، وتحدث موقع "ايكونومي-انتربيز" عن "مشروع طموح جدا تقدر قيمته بعدة مليارات من الدولارات"، مؤكدا ان الرباط وابوجا ستوقعان قريبا مذكرة تفاهم لبناء خط الانابيب، وان العاهل المغربي قطع الطريق على الجزائريين الذين بدأوا في 2002 مفاوضات مع حكومة نيجيريا لاقامة مشروع مماثل عبر الساحل لكن تعذر توفير التمويلات للمشروع.
من جانبه قال موقع "تيل كيل" المغربي ان هدف المشروع المغربي النيجيري هو تمديد خط انابيب الغاز القائم "باتجاه المغرب مرورا بدكار"، ومخزون الغاز في نيجيريا، وهي ايضا منتج كبير للنفط، ضخم حيث تملك اكبر احتياطي مثبت من الغاز في افريقيا وسابع احتياطي في العالم، لكن منطقة دلتا النيجر (جنوب نيجيريا) من حيث يأتي الغاز، تشهد اعمال عنف تنفذها جماعات مسلحة تهاجم بانتظام خطوط انابيب النفط للمطالبة بتقاسم افضل للموارد، ما ادى الى تراجع انتاج النفط والغاز في هذا البلد.
إيران تقول إن تركمانستان أوقفت إمدادات الغاز في نزاع حول مدفوعات
ذكرت شركة الغاز الوطنية الإيرانية إن تركمانستان أوقفت تصدير الغاز إلى إيران في نزاع طويل الأمد حول متأخرات وذلك بعد أيام من إعلان طهران بأن المسألة تم حلها مؤقتا، وأضافت شركة الغاز "أوقفت تركمانجاز بشكل مفاجئ..وغير منطقي ومناقض للاتفاقية..إمدادات الغاز إلى إيران صباح اليوم مطالبة بالدفع السريع لمبالغ مثار خلاف."
وبينت طهران في ديسمبر كانون الأول إن تركمانستان هددت بوقف صادرات الغاز بسبب متأخرات تصل إلى نحو 1.8 مليار دولار وترجع إلى أكثر من عشر سنوات مضت. وتريد إيران إحالة المسألة إلى التحكيم، لكن المصادر نقلت عن وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه قوله يوم الجمعة إن تركمانستان توصلت إلى اتفاق مؤقت مع بلاده لاستمرار تصدير الغاز، وتملك إيران حقولا كبيرة للغاز الطبيعي في جنوب البلاد لكنها تستورد الغاز من تركمانستان منذ عام 1997 لتوزيعه في أقاليمها الشمالية خصوصا خلال فصل الشتاء.
حرب عالمية اقتصادية
لقد بات واضحًا أن الإمساك بزمام موارد الغاز الطبيعي، وأنابيبه وممراته، أضحى جزءًا أصيلًا من معايير القوة الجيوسياسية في عالم اليوم، من جهة أخرى تكشف آليات الصراع الدولي الحالي أن النظام العالمي الجديد يتشكل وفق صيرورة تقوم على منظومات القوة الاقتصادية والهيمنة العسكرية التي ترتكز على حجر أساس هو الطاقة بشكل عام وعلى الغاز الطبيعي بشكل خاص، ومن هنا يمكن فهم آليات التنافس والصراع بين المحورين الروسي والأميركي وصيرورتها التي تشي باقتراب تبدّل النظام العالمي من هيمنة القطب الواحد إلى نظام آخر متعدد الأقطاب.
كذلك تدل الوقائع التي تشهدها المنطقة، على أن هذا الاقليم سيشكّل لسنوات قادمة مسرحًا للصراع والتجاذب الجيوسياسي العالمي، وأن دول المنطقة تدور في حلقة من العنف والاهتزازات وبخاصة تلك التي تحتوي إمكانات هائلة من الغاز. ومن هنا يمكن إدراك معنى التركيز الغربي على سوريا في هذه المرحلة، بموقعها الجيوستراتيجي المهم على البحر المتوسط وثرواتها الواعدة، فهي مفتاح آسيا من خلال الخط الذي يمتد من إيران عبر تركمانستان إلى الصين، والخط المقترح، والذي قد يمتد من إيران عبر العراق وسوريا إلى البحر ولبنان (طريق الحرير الجديد). وربما هنا سبب الخلاف ومربط النزاع والتدخّلات الدولية الغربية، والاشتباك الإقليمي من الخليج إلى تركيا، وحتى روسيا أيضا التي تعتبر أن سوريا (بوابة موسكو).
اضف تعليق