أيا كان السبب والدافع الحقيقي وراء البحث عن روضة الأطفال المناسبة، ينبغي على الأم أن تولي هذه الخطوة الكثير من الاهتمام والجدية وتخصها بالبحث الدقيق، حتى تطمئن وتضمن لطفلها مكانا آمنا وصحيا وممتعا، لا سيما أن ما يتعلمه الطفل في هذه السن يؤثر على تحصيله العلمي ويشكل شخصيته وأفكاره وتوجهاته في المستقبل...

في عالمٍ تُشرق فيه براءة الطفولة وتُزهر فيه الأحلام على ضفاف الأمل، ولدت روضة الكوثر النموذجية، لا كمجرد مؤسسة تعليمية، بل كحديقة تربوية تنمو فيها الأرواح الغضّة، وتُسقى بالعناية والمحبة.

بفكرة ملهمة من مديرة الروضة، السيدة خطر سلمان الصبح، انطلقت الرسالة: أن نفتح أبواب التعلم المبكر للأطفال، ونمنحهم فرصة الدخول إلى عالم المدرسة قبل السن القانوني، فيما يُعرف بمرحلة "المستمع"، وهي خطوة استثنائية لا تُتاح لكل طفل، لكنها في الكوثر باتت واقعًا يُعاش بمحبة واحتراف.

هنا، حيث يتكاتف الكادر التعليمي والإداري، ويجتمع الإخلاص مع الحنان، تُبنى الثقة في نفوس الصغار، وتُزرع القيم الأولى التي تُمهّد لطريق طويل من التعلّم والنضج.

روضة الكوثر النموذجية ليست مجرد محطة تمهيدية، بل تجربة إنسانية وتربوية عميقة، تشهد على شغف المعلمات، وتضحيات العاملات، وتفاعل أولياء الأمور، وكل من آمن بأن الطفولة تستحق أن نمنحها أجمل البدايات.

أهمية مرحلة ما قبل المدرسة

وأيا كان السبب والدافع الحقيقي وراء البحث عن روضة الأطفال المناسبة، ينبغي على الأم أن تولي هذه الخطوة الكثير من الاهتمام والجدية وتخصها بالبحث الدقيق، حتى تطمئن وتضمن لطفلها مكانا آمنا وصحيا وممتعا، لا سيما أن ما يتعلمه الطفل في هذه السن يؤثر على تحصيله العلمي ويشكل شخصيته وأفكاره وتوجهاته في المستقبل.

وفي هذا السياق، أشار مشروع بحثي إلى العلاقة الوطيدة بين أنشطة التحفيز المعرفي في سن الرابعة، وتطور قشرة الدماغ في سن المراهقة، وتتبعت الدراسة حالات 64 مشاركا منذ أن كانوا في الرابعة، وعمدت إلى فحص أدمغتهم عندما تراوحت أعمارهم بين 17 و19 عاما.

وأظهرت نتائج الدراسة -التي نُشرت في الاجتماع السنوي لجمعية علم الأعصاب في نيو أورلينز الأميركية عام 2012- أن التحفيز المعرفي في سن الرابعة كان عاملا رئيسيا في تطور وزيادة المادة الرمادية في الدماغ بعد 15 عاما، والتي تتحكم في القرارات والذاكرة ومعالجة المعلومات.

دور الروضة في التنشئة

دور الروضة متعدد ومتكامل، حيث تلعب دورًا أساسيًا في تنمية الطفل في جميع جوانبه، سواء كان اجتماعيًا، عاطفيًا، معرفيًا، أو حركيًا. الروضة تعد بمثابة بيئة آمنة ومحفزة للطفل، تساعده على اكتشاف قدراته وتطوير مهاراته الأساسية. 

توضيح مفصل لدور الروضة:

1. تنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية: الروضة توفر بيئة تفاعلية حيث يتعلم الطفل كيفية مشاركة الألعاب مع أقرانه، وكيفية حل النزاعات، والتعاون مع الآخرين، مما يساعده على بناء علاقات صحية. 

2. تنمية المهارات المعرفية: الروضة تقدم أنشطة تعليمية متنوعة تحفز الفضول والتفكير النقدي، وتعلم الطفل المفاهيم الأساسية مثل الألوان، الأشكال، الأرقام، والحروف. 

3. إعداد الطفل للمرحلة المدرسية: الروضة تساعد الطفل على التعرف على روتين المدرسة وقواعدها، مما يجعله أكثر استعدادًا للانتقال إلى المرحلة الابتدائية. 

4. تنمية الثقة بالنفس والاستقلالية: الروضة تشجع الطفل على استكشاف قدراته ومواهبه، مما يعزز ثقته بنفسه ويدفعه نحو تحقيق الاستقلال.

5. تنمية المهارات الحركية: من خلال الأنشطة التي تقدمها الروضة، يتعلم الطفل تطوير مهاراته الحركية الدقيقة والخشنة. 

6. تنمية الإبداع والابتكار: الروضة توفر بيئة تشجع على التفكير الإبداعي والابتكاري، مما يساعد الطفل على تطوير قدرته على التفكير خارج الصندوق. 

7. تنمية الوعي الثقافي: الروضة قد تساهم في تنمية الوعي الثقافي لدى الطفل من خلال تقديم برامج متنوعة. 

8. تنمية القيم الأخلاقية: الروضة قد تلعب دورًا في غرس القيم الأخلاقية لدى الطفل من خلال توفير بيئة آمنة ومحفزة، وتوفير نماذج سلوكية إيجابية.

9. تنمية الانتماء الوطني: الروضة قد تساهم في تنمية الانتماء الوطني لدى الطفل من خلال تقديم أنشطة تعكس قيم وطنية. 

10. توفير الرعاية الصحية: الروضة قد توفر رعاية صحية للطفل، مثل توفير وجبات صحية، وتنظيم فترات راحة، والاهتمام بصحة الطفل.

تنظيم العملية التعليمية والرعاية المبكرة

قالت خطر سلمان الصبح، مديرة الروضة، لـ "شبكة النبأ": سبب اختياري لفتح الروضة هو فكرة دخول الأطفال إلى المدارس مع أمهاتهم قبل السن القانوني للقبول، وهذا يُسمى "المستمع"، وهي طريقة لا تُتاح لكل الأطفال.

نُقدم في الروضة المنهج الخاص بصف الأول الابتدائي بشكل مبسّط، وأحرص على اختيار كادر تعليمي مؤهل، مثل مهندسات زراعيات لديهن أسلوب مهذب في التعامل وطرق فعّالة في التعليم.

في الأشهر الأولى نوفر وجبات طعام للأطفال، ونستخدم منهاج وزارة التربية بشكل مختصر على هيئة ملزمة.

أحرص على زرع الثقة في قلوب الأطفال وتشجيعهم باستمرار.

أطفالنا أمانة

ذكرت زينب كامل، المعاونة في الروضة، لـ "شبكة النبأ": لا يوجد لدينا عدد كافٍ من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن في السنوات السابقة كان لدينا صف مخصص لهم مع وجود دكتور اجتماعي، ونولي أهمية كبيرة لمبدأ "السلامة أولاً"، فهؤلاء الأطفال أمانة.

نستثمر الوقت في إعداد الطفل للدراسة، وقد لاحظت عند بداية عملي وجود قلة في الوعي الديني بسبب ضعف التعليم الأسري.

نُشرك أولياء الأمور من خلال كروبات وتواصل مستمر، مع مشاركة الصور والفيديوهات الخاصة بالأنشطة.

ولا ننسى جهود العاملات المجاهدات خلف الكواليس، فلهن فضل كبير.

التخطيط التعليمي وتفاعل الأطفال

أكدت تركية سالم الجبوري، معلمة في الروضة لـ "شبكة النبأ": أقوم بإعداد الخطة اليومية والتدريسية، وأستخدم السبورة والوسائل التعليمية لجذب انتباه الأطفال، مثل الأناشيد والفعاليات المحببة إليهم.

أتعامل مع الأطفال بحنان ورقابة، باستخدام كلمات تشجيعية مثل: "حبيبي"، "أنت بطل"، "أنت قوي". أما الطفل الخجول فنُعزز ثقته بنفسه بالتدريج.

مواقف إنسانية مؤثرة

قالت رغد عبد الإله، معلمة في الروضة لـ "شبكة النبأ": نلاحظ تطور الطفل من خلال المتابعة والاجتهاد، ونستخدم التمثيل والوسائل التعليمية لتحفيزه.

أما من المواقف التي مررنا بها، فكان هناك طفل تأخر في إحضار دفتره، وعندما سألناه أخبرنا أن والده متوفى، مما أحزننا كثيرًا حتى بكينا تأثرًا بحاله.

لحظات التخرج وتقدير أولياء الأمور

أعرب أولياء الأمور عن فرحتهم الكبيرة خلال حفل تخرج أطفالهم من الروضة، حيث بدت مشاعر الفخر والسعادة واضحة على وجوههم. وقد أشادوا بالجهود المبذولة من الكادر التعليمي والإداري، وأثنوا على التطور الملحوظ في شخصية ومستوى أبنائهم خلال فترة الروضة. كانت لحظات التخرج مؤثرة ومليئة بالحب والامتنان، واختلطت دموع الفرح بتصفيق الحاضرين وهم يشاهدون أطفالهم يعتلون المسرح بثقة وبهجة.

وهكذا تمضي الأيام في روضة الكوثر النموذجية، حيث تُغرس البذور الأولى للعلم، وتُصقل الشخصيات الصغيرة بحبٍ ورعاية. ما بين الحروف الأولى والابتسامات الصادقة، تتشكل ملامح جيل جديد يحمل في قلبه الثقة، وفي عقله النور.

لقد جسّد هذا العمل التربوي المشترك بين الإدارة والمعلمات والعاملات وأولياء الأمور مثالاً رائعًا لما يمكن أن تصنعه الرؤية الواضحة والنية الصادقة في بناء مستقبل مشرق.

نغلق صفحات هذا التقرير، لكن أثر تلك اللحظات الجميلة في قلوب الأطفال سيبقى حيًا، ينمو معهم، ويزهر في كل مرحلة من مراحل حياتهم القادمة.

ففي الكوثر، لا نعلّم الأطفال فقط، بل نمنحهم بداية تستحق أن تُروى، وذكرى لا تُنسى.

اضف تعليق