حتى يتسنى تحقيق فعالية الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال التعليم، من الضروري أن تكون مبتكرة، وأن تُخضع المدارس للمساءلة، وأن تؤدي إلى تمكين أولياء الأمور والطلاب من أسباب القوة، فضلا عن تعزيز المؤسسات التعليمية وتنويعها. ووجود إطار قانوني وتنظيمي واضح يُعد أمراً بالغ الأهمية لتحقيق حلٍ...
بقلم: هاري باترينوس
تُعد الشراكات الفعالة بين القطاعين العام والخاص في مجال التعليم شراكاتٍ مبتكرة، حيث تؤدي إلى إخضاع المدارس للمساءلة، وتمكين أولياء الأمور والطلاب من أسباب القوة، فضلاً عن تعزيز المؤسسات التعليمية المتنوعة.
حتى يتسنى تحقيق فعالية الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال التعليم، من الضروري أن تكون مبتكرة، وأن تُخضع المدارس للمساءلة، وأن تؤدي إلى تمكين أولياء الأمور والطلاب من أسباب القوة، فضلا عن تعزيز المؤسسات التعليمية وتنويعها. ووجود إطار قانوني وتنظيمي واضح يُعد أمراً بالغ الأهمية لتحقيق حلٍ مستدام. أما أفضل الممارسات فهي تلك التي تتضمن التقييم الدقيق للأثر لمعرفة عناصر النجاح وكيفية تحقيقه والمستفيدين منه.
وتُفسر الشراكة هنا بمعناها الواسع والشامل للجميع: فجهات تقديم الخدمات غير الحكومية أو التابعة للقطاع الخاص تشمل المدارس المستقلة، والمؤسسات والجمعيات الأهلية، والمؤسسات الدينية، فضلاً عن المدارس الخاصة بمصروفات. والشراكات المأمولة هي التي تنطلق من هدفٍ مشترك، وتتسم بالمشاركة في تحمل المخاطر، والتزامٍ برفع مستوى التحصيل العلمي لمن يعانون من نقص الخدمات في المجتمع.
وبشكل أكثر تحديداً، يجب أن تقوم الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال التعليم بما يلي:
- تشجيع الابتكار من جانب مقدمي الخدمات: معظم البلدان التي تتمتع بارتفاع معدل التحصيل العملي والدراسي تتيح لمدارسها قدراً كبيراً من الاستقلالية في إدارة ما لديها من موارد وموظفين وما تقدمه من محتوى تعليمي وتربوي.
- مساءلة مقدمي الخدمات: إذا مُنحت المدارس استقلالية في اتخاذ القرار، فيجب أن تخضع للمساءلة عما تحققه من نواتج.
- تمكين أولياء الأمور والطلاب من أسباب القوة: يجب ألا تعتمد الخيارات المتاحة لأولياء الأمور والطلاب على مستواهم المادي أو على قدرة الطلاب.
- تشجيع التنوع في جانب العرض: من خلال تسهيل دخول مجموعة أكثر تنوعا من مقدمي الخدمات إلى الأسواق، يمكن للحكومات زيادة المسؤولية عن تحقيق النتائج، حيث يصبح مقدمو الخدمات بعد ذلك مسؤولين مباشرة أمام المواطنين وأمام بالدولة.
وأفضل الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال التعليم هي تلك التي تتضمن تعزيز دور المستفيدين، وإتاحة المزيد من الفرص للأطراف الفاعلة غير الحكومية، وتطوير دور الحكومة، والانتقال من وضع مقدم الخدمة إلى وضع الممول والمسؤول عن هذا القطاع.
أهمية التصميم الجيد للشراكات
متى تنجح الشراكات بين القطاعين العام والخاص؟ الإجابة باختصار هي أن هذه الشراكات تصبح أكثر فعالية عندما يتوفر ما يلي:
- توافر المعروض من الخدمات على نحو كافٍ: يتواجد القطاع غير الحكومي، عند غياب دور الحكومة، لاسيما في المناطق الريفية التي تعاني من نقص الخدمات. ولا بد من توافر المعروض من الخدمات من جانب القطاع الخاص مع زيادة قدراته.
- الاستهداف السليم: لتعزيز الإنصاف وزيادة القيمة المضافة، فإن نماذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي تشرك القطاع العام من خلال توفير المباني المدرسية الحديثة وإسناد إدارتها لأفضل المدارس المستقلة على أساس تعاقدي حققت نتائج متميزة لصالح الطلاب المحرومين.
- الموازنة المالية: تساعد الشراكات بين القطاعين العام والخاص على تحسين إمكانية الحصول على الخدمات مع خفض التكلفة على الموازنة العامة للدولة والحفاظ على مستوى الجودة، مما يجعل المنظومة التعليمية أكثر فعالية من حيث التكلفة.
- النهج المنظم والشامل: يجب أن تعالج الشراكات بين القطاعين العام والخاص المشاكلَ الأساسية التي تواجهها المدارس، مثل ضعف مستواها التعليمي أو القيود التي تعوق عملها المؤسسي، ومنها ما يتعلق بالموارد البشرية أو المناهج أو المعايير المطبقة. ينبغي أيضاً أن يكون هناك مجال للتعلم (من جانب القطاع العام وأيضاً من جانب القطاع الخاص) وأن يمتد نطاق أثره.
- الاستقلالية: من الضروري تأصيل مبدأ المساءلة في الشراكات بين القطاعين العام، وتحقق هذه الشراكات أفضل النتائج عندما يتمتع مقدمو الخدمات بالاستقلالية الإدارية والأكاديمية.
متى لا تحقق الشراكات بين القطاعين العام والخاص المستهدف منها؟
تكون هذه الشراكات أقل فعالية عندما يكون هناك:
- نقص في المعلومات: يجب على الطلاب والأسر اتخاذ قرارات مستنيرة.
- عدم المساءلة: يجب أن تكون المدارس المستقلة جزءاً لا يتجزأ من المنظومة التعليمية، وأن تنشر نتائج الامتحانات، وأن تشجع المشاركة النشطة للفقراء (على سبيل المثال، قيام المدارس باختيار الطلاب للمشاركة في الأنشطة) .
- قيود المتعلقة بالقدرات: تُعد الشراكات بين القطاعين العام والخاص عقدا يخضع للتفاوض.
عدم إحاطة الجمهور بالمزايا.
- البنية التحتية فقط: إن الشراكات بين القطاعين العام والخاص التي لا توفر سوى المبنى المادي لا تشجع التعلم، وبالتالي يجب أن تتضمن تقديم الخدمات التعليمية.
والأمثلة على عدم تصميم الشراكات بين القطاعين العام والخاص على نحو سليم تمثل دروساً يمكننا الاستفادة منها. في أحد الأمثلة، تم التحقيق في أحد البرامج ووُجد أنه حقق نتائج تحصيل سلبية، خاصة في الرياضيات، على الرغم من أن هذه النتائج تتلاشي بعد السنة الأولى لكنها تستمر بعد أربع سنوات. والدروس المستفادة واضحة وتتمثل في: وجوب التركيز على مجالات محددة بالمدارس الخاصة؛ والتأكد من قيام المدارس بإجراء الامتحانات؛ وتخطيط برامج الشراكة وتطبيقها في إطار زمني كافٍ.
وهناك مثال آخر من ليبريا يشير إلى مواطن الضعف في تصميم البرامج، حيث دخلت الحكومة في شراكة مع مؤسسات خاصة لإدارة 93 مدرسة ابتدائية حكومية، مع منحها استقلالية كاملة. وأظهر التقييم الدقيق أن البرنامج أدى إلى تحسين مستوى نتائج الطلاب بدرجة كبيرة، وأن المعلمين كانوا أفضل تأهيلاً، وكان هناك تعليم عالي الجودة، كما ساد الرضا بين الطلاب وأولياء الأمور، وذلك من بين إنجازات إيجابية أخرى. غير أن معظم البحوث التي أجريت بشأن البرنامج توصي بعقود ولوائح أكثر وضوحاً مع زيادة الرقابة الحكومية للحفاظ على نزاهة هذا البرنامج.
ويمكن مقارنة هذين المثالين بالوضع في هولندا، حيث يُنفذ برنامج اختيار للمدارس على المستوى الوطني تشارك فيه جميع المدارس الحكومية والخاصة، من دون قيد على اختيار المناطق التعليمية أو الأحياء التي توجد بها المدارس، ولأولياء الأمور حرية اختيار المدارس بما فيها المدارس الحكومية. وبشكل عام، لا توجد فروق أو اختلافات، ويشهد بذلك ارتفاع تصنيف هولندا في التقييمات الدولية. ومع ذلك، عندما يتم فحص هذا النموذج بدقة، يتضح أن هناك آثاراً إيجابية للاختيار. ولا تزال هولندا مثالاً لأفضل الممارسات لكيفية إدارة الدولة للمدارس الخاصة.
وتبين أمثلة أخرى من باكستان كيف يكون التصميم الجيد عاملاً مساعداً على نجاح الشراكة. والنماذج المتنوعة تشمل المدارس المدعومة من مؤسسة البنجاب للتعليم، ونظام القسائم التعليمية، وبرنامج المدارس الجديدة، والبرنامج الحكومي لدعم المدارس في البنجاب. ويلتحق أكثر من مليوني طفل في برامج تعليمية في إطار الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وتُظهر التقييمات الدقيقة آثاراً إيجابية على عدد الطلاب والمعلمين والفصول الدراسية ومستلزماتها مثل السبورات، ودرجات الامتحانات. ولهذه البرامج إطار قانوني سليم، وآليات قوية لاتخاذ القرار، وإجراءات واضحة وشفافة، وعقود واضحة، واتفاقيات مسبقة بشأن تقديم الخدمات والبنية التحتية، وموقع إلكتروني متطور يتيح المعلومات للشركاء، فضلاً عن إمكانية المتابعة والرصد والتقييم عن كثب بناء على اتفاق مسبق.
اضف تعليق