التدريس الخصوصي ظهر في زمن كان فيه المدرس يتقاضى مرتبا شهريا لا يكفيه مدة أسبوع واحد اول الشهر، مما يجبر المدرس او المعلم على البحث عن عمل آخر لسد حاجته اليومية، وكبديل وُجدت الدروس الخصوصية مقابل مبلغ يتم الاتفاق عليه بين الطلاب واستاذ المادة لتتم بعد ذلك عملية التدريس خلال أيام الأسبوع...
كان لنا أستاذ في المرحلة المتوسطة يحرص كثيرا على تأدية مهمته التربوية، ليس كغيره من الطاقم التربوي الذين يفضلون الراحة على حساب النتائج العلمية في نهاية العام الدراسي، هذا المدرس كان في نهاية الفصل يجبرنا على المجيء الى المدرسة في أيام العطل الرسمية لإتمام المنهج الدراسي المقرر من وزارة التربية، بينما البعض الآخر يهمل التدريس ويلمح الى ضرورة الدخول بدورات تقوية خاصة في فترات منتظمة.
التدريس الخصوصي ظهر في زمن كان فيه المدرس يتقاضى مرتبا شهريا لا يكفيه مدة أسبوع واحد اول الشهر، مما يجبر المدرس او المعلم على البحث عن عمل آخر لسد حاجته اليومية، وكبديل وُجدت الدروس الخصوصية مقابل مبلغ يتم الاتفاق عليه بين الطلاب واستاذ المادة لتتم بعد ذلك عملية التدريس خلال أيام الأسبوع.
ويعتبر التدريس الخصوصي مصدر دخل ثاني بالنسبة للكثير من الملاكات التربوية التي تعاني العوز والحرمان بزمن النظام السابق، اذ ساعدت تلك الدروس على تخطي الازمة المالية التي اصابت المعلمين والمدرسين، لكنها ارهقت كواهل الاسر، وصار من الواجب عليهم توفير الأموال اللازمة لاستمرار تلقي أبنائهم التعليم الإضافي.
قد يُفهم كلامنا عن موضوع الدروس الخصوصية على انه تهجم على المعلم وهو أحد واهم الرموز التعليمية في البلاد، وقد نُتهم على اننا محدودي الثقافة وضيقي الأفق ولا نعطي التربوي حقه ومكانته العلمية التي يستحقها، بالتأكيد هذا الكلام ان وجد فهو غير دقيق ولا يقترب من الحقيقة مطلقا.
الحقيقة الواضحة والتي نريد ايضاحها في هذا المقال هي ان المعلم رسول علم، وجميع الأحاديث السماوية تؤكد اهمية مهنة التدريس وما تحمله من مكانة مرموق، حتى وصفت بأنها اسمى المهن وانبلها، كيف لا وهي من تسهم في صناعة جيل كامل يرتكز على الثقافة والوعي، فالمعلم من الخطأ ان ينظر اليه على انه فرد او رقم من ارقام المجتمع، فهو من يعمل على تشكيل العقول في مرحلة مبكرة ويعزز ثقافة الجيل الناشئ بما يحمله من خزين معرفي.
ومع ذلك فأن ما يتم التطرق اليه هو جزء من تقويم العملية التربوية، وهنا يدور الحديث عن اختلاف التعليم في المدرسة مقارنة بالتدريس الخصوصي، ومن الواضحات هو اهتمام بعض المدرسين بطلبة الدورة او الخصوصي أكبر بكثير من الدروس في المدارس الحكومية، اذ يوجد من لا يحرص على سمعته كمربي ويتهاون مع المادة العلمية ولا يعطيها حقها المطلوب، بينما يبتكر العديد من الأساليب في التدريس الخاص لإيصال المادة الدراسية وترسيخها في اذهان الطلبة.
هذا الفارق في التدريس جاء نتيجة عدم المراقبة الحكومية للمدرسين الخصوصيين وما يدور في المعاهد والمراكز التي تعطي دورات تقوية اثناء أوقات العطل وخلال العام الدراسي، اذ يؤدي فقدان الرقابة الى اهمال اغلب المدرسين إعطاء دروسهم بالشكل الصحيح والاكتفاء بالطرح الجيد في المعاهد الخاصة التي تدر عليهم أرباح طائلة.
ولا يعني ذلك ان ننسف الفائدة المتأتية من الدروس الخصوصية، فهي في أحيان كثيرة تحولت الى ورقة التوت التي غطت التقصير الحاصل في المدارس الحكومية، والتي عجز القائمون عليها من تطويرها وجعلها القبلة الوحيدة التي يتوجه لها التلاميذ والطلبة دون البحث عن بديل قد يكون في كثير من الأوقات هو بديل غير كاف لإتمام المهمة التربوية المناطة بالطواقم على اختلاف اختصاصاتها.
ملئ الفراغ من قبل التعليم الخصوصي، الذي ولده التعليم في المرافق التربوية الحكومية وبعض النتائج الإيجابية ولد انطباع لدى الأهالي بأهمية زج أبنائهم في الدورات الخصوصية لاجتياز المراحل الدراسية، والتغطية على التقصير الواضح الذي يرتكبه المدرس، لإجبار الطلبة بطريقة غير مباشرة.
وهنا يجب الا ننسى أصل المشكلة وهي التقصير الحكومي في هذا المجال والذي أوصل التعليم في البلاد الى عملية متهالكة متآكلة المفاصل، لا تقوى على تلبية متطلبات المرحلة الحالية، في الوقت الذي يشهد القطاع التعليمي في البلدان الأخرى قفزات كبيرة جدا تمكن الطلبة من مواكبة التطور الحاصل في جميع المجالات.
بينما في العراق فلا يزال التعليم ولا يستثنى من ذلك التدريس الخصوصي والحكومي، لا يزال يتبع الطرق البسيطة في طرح وشرح المواد العلمية، وهنا يتطلب العمل على ضرورة ترميم الصدع الحاصل بالتعليم والنهوض به على حساب بقية القطاعات والجوانب المهمة المنتجة في البلد.
ومن أوجه الفساد التي شابت العملية التربوية هو دخولها على خط الفساد الوظيفي، وقد حصل ذلك من خلال تسريب الأسئلة الى عدد من المدرسيين الخصوصيين الذين بدورهم يشرحونها ويوضحون طريقة حلها بالصورة التي تضمن الحصول على درجة كاملة في المواد التي يتلقى بها الطالب دروس خصوصية، ما ينعكس على سمعة المدرس وكأنه نابغة زمانه واتى بما لم يأتي به الاولين والآخرين.
من الحلول لمثل هذه الظواهر السلبية التي طرأت على العملية التربوية هو الاهتمام الكبير بالطواقم التدريسية بما يجعلها غير مهتمة بالذهاب الى التدريس الخصوصي وإهمال التعليم في المدارس الحكومية الذي ينعكس بصورة ضارة على الطلبة الذين لا يملكون القدرة المالية للاشتراك في الدورات.
الى جانب الحل السابق تفعيل الرقابة الحكومية على الأساتذة والمعاهد المختصة بهذا اللون التدريسي، وقد يصل الامر الى منعهم عن مزاولة التدريس حفاظا على هيبة التعليم الذي نالت منه الكثير من العوامل المتعلقة بالجانبين الشعبي والحكومي.
في فترة ما كان التدريس الخصوصي من العوامل المساعدة التي وقفت بجانب التربويين، وبعد تغيير الأوضاع الاقتصادية لشريحة الموظفين بصورة عامة، فان الحاجة قد انتفت لمثل هذه الممارسات التي تخرج في بعض الأحيان عن السياقات الأخلاقية والمهنية التي تحتكم اليها العلمية التربوية.
اضف تعليق