q

مُدرِّسة تجاوزت خدمتها العقدين من الزمن، خدمت في القرى والارياف وهي ابنة مدينة، وحتى اليوم تدرّس في مدارس البنين المتوسطة، تعاني الامرين في مدرسة فيها ثلاث مدرسين من نفس الاختصاص ولكن أحدهما مدير المدرسة والاخر معاون المدير مما يجعل ثقل المحاضرات على كاهلها، بالكاد يصل راتبها الى المليون دينار في زمن يعلم الجميع حجم التضخم الذي يضربه منذ عشرة سنوات أو أكثر حينما تم زيادة رواتب الهيئات التعليمية، في حينها تلاحقتهم عيون الحسد وبدأ التضخم يأكل تلك الرواتب حتى أضحت على ماهي عليه اليوم.

بماذا تفكر الوزارة أو الحكومة حينما تنظر الى رواتب الهيئات التعليمية وهي بهذا المستوى من التدني، وهي أعلم بأهمية المعلم في صناعة المستقبل ورئيس الكابينة الحكومية ووزير التربية ما وصلا لما وصلا اليه اليوم من شهادة جامعية ومنصب لولا المعلم ذلك الفقير الذي زرع في نفوسهما حب العلم.

نحاول دائماً أن نمنع التدريس الخصوصي أو أن لا يمتهن المعلم مهنة أخرى ترهقه غير مهنته الاصلية ونطالبه بالولاء لوظيفته ونطالبه بأن يقدم أقصى مايمكنه وأن يطور قابلياته وأن يتحمل سماجة الطلبة بأخلاقهم والجميع يعلم بمستوى تدني أخلاق الطلبة بعدما تهجم الكثير على المعلمين في مدارسهم، وإيقاف العقوبات التي أوصلتنا للجامعات المرموقة، ناهيك عن الوضع العام للمعلم ومستوى الخدمات المقدمة له، قبل عشرات السنين كنا ننظر الى معلمنا.. في ملابسه الفاخرة وطريقة مشيه وطريقة كلامه وجبروته وكأنه قدوة في كل شيء نتمنى أن نحذو حذوها في صناعة مستقبلنا وسنين رجولتنا.

ولكن اليوم اختلفت الأمور كثيرا فمن النادر أن تجد معلماً يمتلك تلك الصفات، أن يكون قدوة، بعدما أنهكته السنين والفقر والتعب من جراء العمل بوظيفة ثانية قد لا تليق به كمربي للأجيال والسبب كله أن راتبه لم يعد يشبع الأفواه الجائعة والبطون الخاوية، ولم يعد يرضي المؤجر ولا علاج مرضاه.

بنظرة واحد الى المدرس الخصوصي لنرى ماذا تفعله الاجور في قلبها لكيان المعلم، فالمدرس في التدريس الخصوصي يجهد نفسه ويقدم كل طاقته ويعمل ملازم خاصة وملخصات ويجمع اسئلة خارجية ويناقش ويتابع بدقة أحوال طلبته وطبعاً كل ذلك بثمن والثمن عالي ولكن الخدمة المقدمة من قبله قد تكفل للطلبة المستقبل الذي أضاعه سوء التصرف الحكومي حيال موضوع رواتب المعلمين في العراق.

بين الحين والآخر تنطلق من هنا وهناك أخبار عن تدني مستوى التعليم في العراق وما وصل اليه ابناءنا من مستوى علمي يستدعي معه الوقوف على مسبباته والتي نعتقد نكاد نكون جازمين أن رواتب المعلمين هي السبب الرئيسي في كل ما يجري، ولكن قبل ذلك لنلقي نظرة على رواتب المعلمين في العالم ولنقارن ارتفاع تلك الرواتب مع مستوى تطور البلد، نطلع على التقرير الذي أعده مركز أبحاث التعليم العالي التابع لجامعة شيكاغو الأمريكية، حيث أوضح أن في كندا يتقاضى المعلم الجديد بـ5733 دولار شهرياً !! لاتستغربوا رجاءاً فالآتي أعظم. تلتها إيطاليا وجنوب إفريقيا والهند وأمريكا. ويصل متوسط رواتب المعلمين في هذه الدول الخمس إلى 6000 دولار شهريًا للمعلمين أصحاب الخبرة ويحظى المعلّم في هولندا بالرعاية والاهتمام، ومتوسّط راتبه الشهري نحو 4500 دولار، وهو يتقارب في ذلك مع راتب المعلّم في سويسرا، إلى جانب حصوله على العديد من المزايا، كالسكن والادخار والعلاج وغيرها. وجاءت الصين في المرتبة الثالثة قبل الأخيرة في التقرير الذي أعده المركز بـ720 دولارًا شهريًا.

أما في البلدان العربية رصد التقرير 13 دولة عربية، كانت دولة قطر في المرتبة الأولى براتب شهري قدر بـ6880 دولارًا، الكويت المرتبة الثانية براتب قدره 2890 دولارًا، فيما احتلت الإمارات المرتبة الثالثة براتب قدره 2840 دولارًا، أما السعودية فكان نصيبها المرتبة الرابعة براتب 2150 دولارًا، ثم البحرين بـ2064 دولارًا، المغرب في المرتبة ما قبل الأخيرة حيث يتقاضى المعلم 512 دولارًا.

المعلّم في اليابان.. يتسلم أعلى راتب في العالم وبغض النظر عن اعتبار تكاليف المعيشة يحصل المعلم الياباني على 7780 دولار أمريكي وهو أعلى راتب في العالم. كما يحظى المعلّم في اليابان بدعم مادي كبير، فإلى جانب راتبه الأساسي، الذي يتراوح بين 32 و68 ألف دولار (في السنة)، بحسب مستوى تعليمه، ومدّة خدمته، يحصل أيضًا على المزايا علاوة مالية لثلاث مرات بالعام الواحد، بدلات الأسرة، وغيرها من البدلات الاجتماعية، «منافع الرفاهية»، عن طريق مؤسسة المساعدة التبادلية للمدارس العامة، التي تفتح عضويتها لجميع المدرّسين، وتأتي هذه المنافع على صنفين: منافع قصيرة المدى: وتتمثل في المصاريف الطبّية، ومصاريف ولادة طفل، ومنحة مواجهة الكوارث، ونحو ذلك. ومنافع طويلة المدى: وتشتمل على مرتّب التقاعد، ومرتّب عجز أو إعاقة، والجميع يعلم بمستوى التعليم لدى اليابانيين، وهم يعلمون بقيمة المعلم الحقيقية بعدما لم نفلح على الرغم من أن ديننا السمح ينادي بالعلم والتعلم في اعطاء ملهمي النور القيمة الحقيقية التي يستحقوها ومع الاسف غير قادرين على تصحيح ميزان المقارنة الحقيقي بين ما هو مطلوب من المعلم في ظل تلك المرحلة الخطيرة من حياة العراقيين ومستوى ما يقدم له من الرواتب الشهرية المتواضعة ومنافع اخرى.

لقد أنحدر الناتج التعليمي خلال السنوات القليلة الماضية والجميع أشر أسبابه ولكن سوء التخطيط أطاح بكل رؤية مرسومة لتحسين المستوى المعاشي لمعلمينا بدأ من التوظيف وحتى التقاعد ـ بل وأطاح بالآمال التي عقدها مئات الآلاف من المعلمين لمستقبلهم، كان حري بالمعلمين أن يعتصموا ويتظاهروا ويضربون عن العمل كي تسمع الحكومة أصواتهم ولكن هيهات مع عدم وجود منظمة تتكفل بالدفاع عن حقوقهم وتقاتل من أجلهم، فما بالكم لو أضرب المعلمين اليوم وعطلوا الامتحانات الوزارية وأفشلوها وهم قادرون على ذلك لا يمنعهم منه إلا الحياء وهم لايرغبون في تحطيم مستقبل أبنائهم.

سُئل إمبراطور اليابان ذات يوم، عن أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير، فأجاب: «بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير»، بلد أدرك أن المعلم هو حجر الزاوية في المنظومة التعليمية حتى تم وضعه بالمرتبة الثانية بعد الامبراطور نفسه، وقبل فترة تداول الناس وبشكل موسع صورة لطلبة يابانيين في حفل تخرجهم، وهم يقومون بغسل أرجل معلميهم، تكريماً لهم على مجهوداتهم، وتقديراً واحتراماً لهذه الشريحة المهمة من المجتمع.. وأين معلمينا من ذلك، أين معلمينا من حالة الفقر والحاجة التي تتناهبهم بسبب مرتباتهم المتدنية وقصتنا في بداية المقال قصة حقيقية، عن تلك المدرسة وهي واحدة من قصص خيبة الامل للمعلمين بقياداتهم. ونتسائل أيضاً ماهو دور نقابة المعلمين في هذا المجال وماذا قدمت لأعضائها خلال فترة تأسيسها لغاية اليوم.

التعليم قبل عقود من الزمن لم يكن يمتلك الادوات المادية المتوفرة في الوقت الحاضر من كتب ومناهج متطورة وعدة مختلفة مختبرات وسبورات ألكترونية وتغييرات كثيرة توفرت لتعين المعلم على إيصال مادته، ولسنا بحاجة فقط الى أن ندعم المعلم فقط، أيها الاخوة، في المعلم يكمن المستقبل الذي ننشده لأبنائنا ومنه تنطلق شرارة العلم الاولى الى رؤوس أطفالنا، وأجيال ستنمو محبة للعلم والتعلم، وبغير ذلك فإننا لا نخسر معركة واحدة فقط، بل نخسر الحرب كلها.. حفظ الله العراق.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق