في المرحلة القادمة يتطلب ان يكون توازنا بين أهمية تطوير طرق التعليم الالكتروني وأساليب التعامل مع الطلبة، الى جانب توفير البنى التحتية التي تشترط النهوض وتحقيق قفزات نوعية وملحوظة في التعليم الذي يسهم في تقدم البلد وتغيير الأنماط السائدة بما يتلاءم ومتطلبات الحاجة الوطنية والتنموية...
من يريد ان يبني ناطحة سحاب يمكث شهورا طويلة للوصول الى مخطط مقبول، وشكل قد يكون غير مسبوق الى درجة، والاهم من ذلك هو اختيار القواعد الرصينة والاساسات التي يقوم عليه البناء المتعدد الطوابق.
اول ما تقع عليه عين المصمم للمشروع هو التربة التي سيشيد عليها الصرح العمراني، وقياس مدى تحملها وملاءمتها لمثل هذه المهمة، فاذا كانت هشة تعالج بطرق شتى لتصبح جاهزة، ومن ثم تتوالى المراحل الأخرى ليكتمل البناء ويعطي الفائدة المقام من اجلها.
أن عملية التعليم هي بناء للإنسان بنفس الصورة التي تُشيد بها الأبراج الشاهقة التي تزين عواصم بعض المدن، فمثلما البناء بحاجة الى قواعد متينة، فالدراسة أيضا تحتاج الى أساس قوي غير مخلخل يحميها من السقوط او التأثر بموجات الجهل التي تعصف بالمجتمعات بين حين وآخر.
قبل ان ينتقل فيروس كورونا على متن احدى الطائرات من مدينة ووهان الصينية ليصل الى العراق من بين صفوف الدول التي حل زائرا عليها وطور نفسه، ليصبح خطرا يهدد حياة الافراد، فقبل ذلك الموعد كانت المشكلة الأكثر تعقيدا في العراق هي قلة المدارس لمختلف المراحل.
مما أدى الى ازدواجية الدوامات فيها، وتواجد أكثر من خمسين طالبا في الصف الذي لا تتعدى مساحته الأربعين مترا مربعا، اما اليوم فباتت المشكلة أكثر تشعبا وربما من الصعب حلها، مع وجود مسؤولين لا يهمهم تدني المستوى العلمي بقدر مناصبهم ومكاسبهم الشخصية.
انتقل التعليم في اغلب دول العالم الى النظام الالكتروني، ذلك بسبب تفشي الوباء وعدم السيطرة عليه، ففي العراق اتبعت المؤسسات التعليمية تطبيقات الانترنت لإيصال المواد الدراسية، بدلا من توقف العجلة التربوية كحل من الحلول المؤقتة لإنقاذ القطاع التعليمي من التدهور والتراجع.
لكن ثمة عقبة تقف بوجه التجربة الجديدة وتجعلها تكون ثقلا إضافيا الى جانب الاثقال التي ينوء بحملها القطاع التربوي، فالغالبية العظمى من الطلبة لا يجيدون استخدام التقنيات الحديثة، ويفتقرون الى مهارات التعامل الطبيعي معها، مما أدى الى وجود فجوة بين الطلبة والطرق التدريسية الحديثة، لذلك أصبح من الضروري تدريب المعلمين والأساتذة على تلك التقنيات وتحديث معلوماتهم، لان المعادلة الجديدة فرضت نفسها بشكل قوي، وعلينا تقبلها والتكيف معها ومع متطلباتها، ليكون بنيانا مرصوصاً ذا أرضية سليمة ومدروسة.
هنالك العديد من الحقائق التي تدفع للمطالبة بإصلاح شامل لمنظومة التربية والتعليم في الأوقات الحالية، ويجب ان يكون الإصلاح يتماشى في روحه ويستجيب في مضامينه للمتطلبات الجديدة بما يحقق تقدم ملموس في البيئة الدراسية والذي سينعكس بصورة إيجابية على الطلبة.
مؤسساتنا التربوية تفتقر الى أحد الأركان الأساسية في التعليم الالكتروني، اذ لا توجد بنى تحتية تساعد على معالجة الخلل الذي أصاب الحقل التعليمي في البلد، فلا يزال الطلبة تعاني من سوء تفهم الجهات العليا لحاجتهم المرحلية، فالأعم الاغلب منهم لا يملك جهازا لوحيا يساعده على تعقب المحاضرات المقدمة يوميا عبر تطبيقات متعددة.
والبرامج المستخدمة في الوقت الحالي تحتوي على جملة من التعقيدات التي تعرقل وصول المعلومة الى المتلقي، فبعضها يحتاج الى سعة كبيرة من الانترنت، لتكون العملية أكثر انسيابية وتؤدي الهدف الرئيس وهو تطوير المهارات العلمية للطلبة.
ويقع على عاتق الدول الكثير من المهام، فهي معنية بتوفير المستلزمات الدراسية بصورة كافة، ومن بين هذه المتطلبات هي الانترنت في دور العلم ليتسنى للطواقم التربوية تقديم المواد العلمية دون صعوبة او تلكؤ.
وفي شق ثاني من المسؤولية الحكومية هو ضرورة تدخلها بفرض أسعار محددة على مزودي خدمة الانترنت الذي ضيق الخناق على الأهالي، كونه أصبح من ضروريات الحياة اليومية بعد ان كان من كمالياتها، وبالنتيجة نضمن قسطا من الراحة وقلة في التكلفة الكلية للمصروفات الاسرية.
ولكي يُفعل التعليم الالكتروني بشكل أفضل مما هو عليه الآن هنالك جملة من النقاط يجب مراعاتها وتوفيرها لتحقيق تقدم ملموس بهذا المجال، يتصدرها البحث عن أكثر التجارب الدولية نجاحا في مجال التدريس عند ومحاولة خلق توأمة معه لجلب الإيجابيات وابعاد السلبيات التي تزيد الأمور تفاقما على الطلبة.
كما يأتي ضمن الخطوات التي تسهل عملية التعليم الالكتروني هو ادخال نظم وبرامج تعليمية أكثر امنا وخصوصية لتنقية التدريس من الشوائب التي رافقت المرحلة الحالية، فالطواقم التربوية تعاني من عدم السيطرة على مسألة الخروقات وعدم الالتزام خلال أداء الامتحانات الدورية.
ولا يقل شأن خطوة ادخال الفرق التربوية لمختلف المراحل لزيادة مرونتهم في التعامل مع التطبيقات الالكترونية الأخرى، فلا تزال شريحة واسعة من المدرسين وأساتذة الجامعات لا يجيدون التفاعل مع الطلبة عبر الوسائل الالكترونية، وبالنتيجة ظهرت مسافة غير قليلة بين طرفي المعادلة العلمية مما أحدث عدم توازن فيها.
في المرحلة القادمة يتطلب ان يكون توازنا بين أهمية تطوير طرق التعليم الالكتروني وأساليب التعامل مع الطلبة، الى جانب توفير البنى التحتية التي تشترط النهوض وتحقيق قفزات نوعية وملحوظة في التعليم الذي يسهم في تقدم البلد وتغيير الأنماط السائدة بما يتلاءم ومتطلبات الحاجة الوطنية والتنموية.
اضف تعليق