لصالحِ من يحدثُ كُلُّ هذا؟، كيفَ يُمكِنُ أنْ تكونَ لنا سياسةٌ تعليميّةُ سليمةٌ، في هذه الفوضى العارمة؟، كيفَ يُمكِنُ أنْ يكونَ لنا تعليمٌ عالي المستوى، بوجود نظامٍ تربويٍّ مُنخَفِض المستوى، وهابطِ الإمكاناتِ إلى هذا الحَدّ؟، هل بوسعِ رئيس مجلس الوزراء الجديد، ومجلس الوزراء الجديد...

الكثيرُ من طلبةِ كُلّياتنا القادمونَ توّاً من الإعداديّة، يُمَزّقونَ الجغرافيا الأرضيّة إرَباً، ويُمَزِّقونَ معها التاريخ، هذهِ نماذجُ من أجوبتهم في امتحان مادّة اللغة الإنجليزية *. طالِبٌ "جامعيٌّ" عراقيٌّ لا يعرِفُ إلى أيِّ بلدٍ تنتمي مدينةٌ إسمها ميسان، ولا في أيّ بلدٍ تقعُ تلكَ المدينةِ التي إسمها كركوك.

أُنظروا إلى بقيّة النماذج، وأحكموا بانفسكم. ينطبقُ هذا الوضعُ "المعرفيُّ" على جميع المواد الدراسيّة دون استثناء، أقومُ شخصيّاً، ومنذُ خمسةِ وعشرين عاماً دون انقطاع، بتدريس طلبة المرحلة الجامعيّة الأولى، وفي كُلَ عامٍ أرْصُدُ هذا التراجعَ المُريعَ لمستوى "وعي" ومعرفة "التلاميذ" على جميعِ الصُعُد.

وفي السنواتِ الأخيرةِ إزدادتِ نسبةُ أولئكَ الذين لا يُحسِنونَ القراءةَ والكتابةَ، ولا يُجيدونَ عملياتَ الحسابِ الأربعِ، ولا يستطيعونَ بناءً جُملَةٍ واحدةِ صحيحةٍ، لا كتابةً ولا مُحادثَةً، ولا جواباً عن سؤال.

تُرى ما الذي كانت تفعلَهُ وزارةُ التربيةُ بالضبط، لخريجي الإعداديات "الضحايا" هؤلاء، بكادرها التربوي والوظيفي الهائل، والذي يصلُ إلى مايقرب من 700 ألف مُنتسِب، يعملونَ في تشكيلاتها الإدارية والتعليمية في محافظات العراق كافة (ويُشَكّلونَ مع منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية أكثر من نصف عدد الموظّفين في العراق، ويتقاضونَ مع اقرانهم في تلك الوزارتين نصف تخصيصات الرواتب والاجور في الموازنة العامة للدولة)؟؟.

علينا أنْ نسألَ وزارة التربية عن أسبابِ هذا الهدرِ المُفزِعِ في الإمكاناتِ والموارد، وعن هذا التخريبِ المُفجِعِ والمُمنهَجِ لعقولِ أبناءنا، قبلَ أنْ نسألَ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن أسبابِ انحرافها عن معايير اليونسكو لجودة التعليم، وعن التزامها بضوابط الجودةِ والإعتماديّة الدوليّة، وعن ترتيبنا المُتدَنّي "جامعيّاً"، مقابلَ جامعات غيرنا من الأممِ والشعوبِ والدُوَل.

علينا أن نسألَ وزارة التربية عمّا قامت بتقديمهِ لتلاميذها طيلة 12 عاماً، حاسمة وأساسيّة، في تقرير مصيرهم المهني والعلمي.

قبلَ أن تقومَ بـ "ترحيلهم" إلى الكُليّاتِ والمعاهد، ووضعهِم على ذِمّة وزارة التعليم العالي، وقبلَ أنْ ترمي مسؤولية تعليمهم "العالي" في رقبة الجامعاتِ التي تُطاردها الآنَ جميعُ السكاكين: سكاكينُ الأهلِ، وسكاكينُ المُجتمعِ المأزومِ والمُنقَسِمِ على نفسه، وسكاكينُ الساسَة الفاشلينَ، وسكاكينُ "البيئةِ" الطاردةِ والمُعاديةِ لكُلِّ عِلْمٍ وعالِمٍ وتعليم.

لَمِ يتجاوز إجمالي عدد أيّام دوام طلبة الجامعات (في مدن وسط وجنوب العراق، بما في ذلك العاصمة بغداد)، للعام الدراسي الحالي 2019 – 2020، حاجزَ الثلاثينَ يوماً (كمُعدّلٍ) منذُ بداية العام الدراسي (الذي كان من المُفتَرَضِ أن يبدأ في 1 / تشرين الأوّل/اكتوبر/ 2019، فإذا بهِ يبدأُ في 12 -1 - 2020.

كان ذلكَ وضعاً استثنائياً مُرتبِطاً بتداعيات الإحتجاجات والتظاهرات، ثُمّ جاءتْ عُطلةُ "كورونا" المفتوحة، لُتضافَ إلى غيرها من عُطَلِنا المديداتِ "المفتوحات"، وسيأتي بعدها تأجيلُ الإمتحاناتِ، وحَذفِ "العُطْلاتِ" الربيعيّة والصيفيّة، وسيأتي بعدها "تكريمُ" الطَلَبَةِ بركلاتِ الترجيحِ في "الدور الثالثِ" .. ثُمّ ينتهي كُلُّ ذلك بـ مكرمةِ "التحميلِ " العظيم.

لصالحِ من .. يحدثُ كُلُّ هذا؟، كيفَ يُمكِنُ أنْ تكونَ لنا "سياسةٌ" تعليميّةُ سليمةٌ، في هذه الفوضى العارمة؟، كيفَ يُمكِنُ أنْ يكونَ لنا تعليمٌ "عالي" المستوى، بوجود نظامٍ تربويٍّ "مُنخَفِض" المستوى، و"هابطِ" الإمكاناتِ إلى هذا الحَدّ ؟

هل بوسعِ رئيس مجلس الوزراء الجديد، ومجلس الوزراء الجديد.. وهل بوسع أولئكَ الذين يُقاتِلونَ بعضهم بعضاً، وهُم يبحثونَ لهم (وليسَ لنا) منذُ خمسةِ أشهرٍ عِجافٍ، عن رئيس وزراءٍ جديد لا يخرجُ عن طَوْعِهِم وطاعتهم، أنْ يُجيبوا على أسئلةٍ كهذه .. قبل فوات الأوان؟

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق