من عوامل ظهور هذه الظاهرة في السنوات الاخيرة هو ارتفاع اعداد الخريجين من كليات التربية وفي مختلف الاقسام بصورة غير طبيعية، ولسنين متعددة مما افضى الى تراكم تلك الاعداد واصبحت عبئا كبيرا على الجهات الحكومية، بينما نجد الحكومات التي حكمت العراق منذ تغيير نظام الحكم والى الآن...
بعد ان أقفلت بوجوههم جميع الأبواب كانوا مجبرين على ان يطرقوا الباب الوحيد باب التعليم المجاني الذي أصبح من اهم المراحل التي على المتخرج من كليات التربية والمعاهد المرور به لكي يتهيأ للظفر بدرجة وظيفة حكومية.
ليس بمثلبة ان يخدم المواطن وطنه بشتى الطرق وبمختلف الأساليب، لكن الاعتراض هنا عندما يكون مجبرا على الأسلوب الذي من خلاله يقدم الخدمة.
تعج المدارس المتوسطة والابتدائية بالمدرسين الذين يقدمون خدماتهم التربوية بشكل مجاني، في امل منهم بأن تعطف عليهم الجهات الحكومية بعد عام من تاريخ العمل التطوعي وقد يكون اكثر من ذلك بكثير وبعدها يصبح ممن من الله عليهم بمرتب شهري يكفل سد بعد احتياجاته المنزلية.
هذه الظاهرة لم نكن نسمع عنها في السابق ولم نعرفها قبل عام 2003 وذلك بسبب عوامل كثيرة يأتي في مقدمتها قلة المرتب الشهري إلى درجة جعل من المتخرجين ينفرون من الوظيفة الحكومية بحثا عن عمل حر يضمن توفير قوتهم اليومي، وكذلك قلة الخريجين بسبب انعدام الدافع لإكمال الدراسة، لما تكون لدى الشاب من نظرة سوداوية حول المستقبل، فنراه يذهب للخدمة العسكرية ومن ثم التفرغ بعدها لمعترك الحياة.
من عوامل ظهور هذه الظاهرة في السنوات الاخيرة هو ارتفاع اعداد الخريجين من كليات التربية وفي مختلف الاقسام بصورة غير طبيعية، ولسنين متعددة مما افضى الى تراكم تلك الاعداد واصبحت عبئا كبيرا على الجهات الحكومية.
بينما نجد الحكومات التي حكمت العراق منذ تغيير نظام الحكم والى الآن لم تعطي قطاع التربية والتعليم الاهمية الكافية، اذ لا يزال عدد المدارس غير كافي لاستيعاب الاعداد المتزايدة وبقت الحاجة ملحة للبناء في مختلف اقضية ونواحي المدن العراقية.
من اهم الحلول التي تسهم في تغيير اوضاع الخريجين هو إعادة النظر من قبل الحكومة المركزية ووضع خطة شاملة لانقاذ القطاع التعليمي من الازمة الخانقة التي يمر بها البلد، وبالتالي استيعاب جميع مخرجات كليات التربية.
وهذا الاستيعاب لشريحة الواسعة سيعمل على توفير فرص عمل بالقطاع الخاص لبقية الشباب الخريجين من بقية الكليات، وهذا بحد ذاته سينعش القطاع الخاص والافراد عبر اشتغالهم في مجالات مختلفة.
وتبقى الاشكالية هنا على ما يتعلق بالجهات المعنية في الحكومة، كون التربويين الذين يُدرسون بشكل مجاني يشغلون حيزا كبيرا في المدارس، مما يعني هنالك حاجة ماسة اليهم وهنا نطرح التساؤل الآتي، ما الضير من إعطاء هذه الفئة رواتب شهرية؟ وهل الخلل يكمن في قلة التخصيصات المالية ام في يحمل الامر جنبة سياسية لا نعلمها بعد؟.
من سلبيات انتشار هذه الظاهرة بين الطواقم التدريسية هو شيوع حالة من اليأس بين صفوف الطلبة بأن مصيرهم سيكون كمصير اساتذتهم، اذ من المتوقع ان تكون ردة الفعل على ذلك هو مغادرة المقاعد الدراسية وتفضيل امتهان مهنة بغض النظر عن اهميتها بالمجتمع او كيف ينظر اليها، المهم انها تعود عليه بالفائدة.
وكذلك من المحتمل ان تؤثر هذه الحالة على المستوى العلمي للطلبة، كون من يقدم المادة العلمية يشعر بالغبن من قبل المتنفذين وهذا بطبيعة الحال ينعكس بشكل سلبي على اداءه وطريقته في ايصال المادة العلمية للطلبة ويخرج الطالب من المرحلة الدراسية وهو يفتقد للكثير من المعلومات التي من الواجب تعلمها لتكون قاعدته الاساسية فيما بعد.
هذه الانعكاسات لا يمكن ان نتلمس نتائجها في الوقت الراهن، فمن المؤكد سينتج جيل غير قادر على مواكبة التطورات الجارية في المجال العلمي، مقارنة بالاجيال الناشئة في المجتمعات المتقدمة.
الكثير من العوامل عصفت بواحد من اهم القطاعات الحيوية في البلاد وهو التعليم، ونتيجة ذلك فقد تذيل العراق التصنيفات العالمية، وأصبح الخلل واضح للعيان، ولم نلاحظ في النية بالقريب العاجل جهود للخروج بالبلاد نحو التقدم عبر إعطاء الطاقات الشبابية فرصة أكبر لتمارس دورها في بناء الاجيال الواعدة.
اضف تعليق