على الرغم من المساعي الايرانية في المحافظة على الاستقرار الاقتصادي، ومحاولة الاستفادة من رفع العقوبات عليها، الا ان الاقتصاد الايراني مازال لم يتعافى من جميع جروحه، والتي قد بعضها يتعمق لاسيما بعد فوز ترامب بمنصب رئيس الولايات المتحدة الاميركية، والذي هدد بأعادة النظر في كل القرارات السابقة للرئيس أوباما وربما الغاءها، وحتى قبل صعود ترامب فأن الاقتصاد الايراني كان قد ساء وضعه جداً بعد التدهور الحاصل في قيمة العملة المحلية، ورغم التحسن الطفيف الذي حصل لاحقاً في سعر صرف العملة، الا انه سرعان ماتدهور الوضع مجدداً، اذ سجل الريال الإيراني مستوى قياسيا منخفضا مقابل الدولار في علامة على المخاوف المتعلقة بقدرة البلاد على جذب أموال أجنبية بعد تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مقاليد السلطة، وبلغ سعر صرف الريال الإيراني في السوق الحرة 41 ألفا و500 ريال مقابل الدولار انخفاضا من نحو 41 ألفا و250 ريالا ومقارنة مع 35 ألفا و570 ريالا.
وعزا خبراء اقتصاديون الانخفاض إلى بعض العوامل من بينها صعود الدولار أمام كثير من العملات وحالة الضبابية التي تسبق الانتخابات الرئاسية في إيران العام القادم، ومن شأن ذلك أن يعرقل جهود طهران الرامية لجذب أموال أجنبية بعشرات المليارات من الدولارات لمساعدتها على تطوير اقتصادها، وكانت التدفقات الواردة إلى البلاد أقل مما توقعته الحكومة وهو ما يرجع لأسباب من بينها خشية البنوك الدولية الكبرى من الوقوع في مشكلات قانونية مع الولايات المتحدة إذا تعاملت مع إيران.
ويعتقد كثير من المحللين أن واشنطن ستحجم عن إلغاء الاتفاق لكنها قد تطبق العقوبات المتبقية على طهران بشكل أكثر صرامة، وعلى أقل تقدير فإن الغموض الذي يكتنف نوايا واشنطن قد يجعل الشركات في أرجاء العالم أكثر حذرا بشأن التجارة مع إيران أو الاستثمار فيها، في الوقت نفسه فإن السياسات الداعمة للنمو في إيران عززت المعروض النقدي "وأدى هذا إلى تغيير النسبة بين العملة المحلية والأجنبية ورفع سعر الصرف".
ونفى مسؤولون إيرانيون وجود أي علاقة بين نتيجة الانتخابات الأمريكية وهبوط الريال، وعزا صمد كريمي مدير إدارة الصادرات بالبنك المركزي الإيراني الهبوط إلى ارتفاع مؤقت في الطلب على الدولارات لأغراض السفر والتجارة في نهاية العام، وذكر محمد باقر نوبخت المتحدث باسم الحكومة الإيرانية إن هبوط الريال يرجع إلى "أسباب نفسية" وإن الحكومة تأمل بتعافيه، وإذا استمر ذلك فإن ضعف الريال قد يصير مشكلة سياسية قبيل الانتخابات الإيرانية المقررة العام القادم حيث من الممكن أن يشكل خطرا على بعض الإنجازات الاقتصادية للرئيس حسن روحاني الذي تولى الحكم في 2013.
وعملت حكومة روحاني على إعادة الاستقرار للعملة بعد سنوات من التقلب وهو ما ساهم في خفض التضخم إلى معدلات في خانة الآحاد من فوق 40 بالمئة، وإلى جانب سعر الصرف في السوق الحرة تستخدم إيران سعرا رسميا يبلغ حاليا 32317 ريالا للدولار في بعض التعاملات الرسمية، وتسببت الفجوة الآخذة في الاتساع بين السعرين الرسمي والحر في تصريف العملة الصعبة خارج النظام المصرفي الرسمي، ولمواجهة ذلك سمحت الحكومة لبعض البنوك بالتعامل بالأسعار الحرة.
مصادر جديدة للتمويل الخارجي
تتخذ السلطات الإيرانية الحريصة على جذب المستثمرين الأجانب خطوات لمساعدة الشركات المحلية على بيع سندات في الخارج في الوقت الذي يتطلع فيه مديرو الصناديق الغربية إلى الشراء، وفي حين أن الإدارة الأمريكية القادمة تحت رئاسة دونالد ترامب قد تضع العراقيل أمام طهران إلا أن إيران تمثل أرضا خصبة للمستثمرين.
وصنف البنك الدولي البلد الذي يقطنه 77 مليون نسمة ضمن دول الشريحة العليا من فئة الدخل المتوسط. ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد إيران البالغ حجمه 425 مليار دولار بنسبة 4.5 في المئة بين عامي 2016 و2018 وتتمتع إيران بصناعات متنوعة وبنية تحتية متطورة.
وتشجع منظمة البورصة والأوراق المالية المعنية بتنظيم سوق رأس المال في إيران أيضا الشركات المحلية على استكشاف بدائل للقروض المحلية حيث تظل أسعار الفائدة فوق 20 في المئة، واختفت إصدارات السندات الدولية الإيرانية تقريبا منذ أواخر السبعينيات وقت قيام الثورة الإسلامية في البلاد، والآن قد يساعد طرح سندات في الخارج إيران على معالجة مشكلة أخرى وهي نقص الخبرة في جمع قروض مقومة بالعملة الأجنبية بعد أن تم عزلها عن أسواق المال العالمية لنحو عشرين سنة، لكن كثيرا من البنوك الغربية التي تخشى الوقوع تحت طائلة العقوبات الغربية القائمة قد تفضل العزوف.
وكانت منظمة البورصة والأوراق المالية وافقت على قواعد تنظم عمل وكالات التصنيف الائتماني ومنحتها أول ترخيص، ويرى بيجاني نائب الرئيس لشؤون الاستثمارات الدولية والخارجية لدي المنظمة، إن المنظمة تظل منفتحة على منح المزيد من التراخيص خاصة لوكالات التصنيف الائتماني العالمية الكبرى، وأضاف أن البنك المركزي ومنظمة البورصة والأوراق المالية يعكفان على تطوير أدوات تحوط من مخاطر العملة لدعم الصفقات الخارجية.
واتخذ البنك المركزي الإيراني خطوات تسمح لبعض البنوك بتداول النقد الأجنبي بسعر صرف حر لتضييق الفجوة مع السعر الرسمي الذي يستخدم في بعض التعاملات الحكومية.
ويأتي تحديث اللوائح أيضا بين القضايا التي تتصدر قائمة أولويات طهران، اذ انضمت منظمة البورصة والأوراق المالية إلى المنظمة الدولية لهيئات سوق المال كما عقدت المنظمة اجتماعات مع الجهات التنظيمية في سويسرا وكوريا الجنوبية والهند وألمانيا، ومن المقرر أن تعقد هيئة التأمين المركزي وهي الجهة المعنية بتنظيم سوق التأمين الإيرانية محادثات مع مسؤولين من لويدز في لندن في وقت لاحق هذا العام بعدما اجتمع رؤساء الجهتين.
إيران تستغل اتفاق خفض إنتاج أوبك
باعت إيران أكثر من 13 مليون برميل من النفط كانت تحتفظ به على متن ناقلات في البحر مستفيدة من اتفاق أوبك الخاص بخفض الإنتاج والذي أُعفيت منه لاستعادة حصتها السوقية وجذب مشترين جدد وفقا لمصادر بالقطاع وبيانات، وقد باعت إيران نحو نصف النفط الذي تحتفظ به في وحدات التخزين العائمة التي كانت تشغل العديد من ناقلاتها مع سعى طهران للتخلص من مخزونات في سوق عالمية متخمة بالمعروض من الخام.
وأظهرت بيانات نفطية أن كمية النفط الإيراني المخزنة في البحر انخفضت إلى 16.4 مليون برميل من 29.6 مليون برميل في بداية أكتوبر تشرين الأول. وقبل هذا الانخفاض الحاد لم يشهد مستوى المخزون تغيرا كبيرا في عام 2016، كما أظهرت البيانات أن المخزون بلغ 29.7 مليون برميل في بداية العام الماضي.
ويشغل المخزون غير المباع حاليا نحو 12 إلى 14 ناقلة إيرانية من بين أسطولها البالغ نحو 60 سفينة مقارنة مع نحو 30 ناقلة في فصل الصيف وفقا لمصدرين معنيين بتتبع حركة الناقلات، وذهب النفط المباع إلى مشترين في آسيا بما في ذلك الصين والهند وكوريا الجنوبية وإلى دول أوروبية تشمل إيطاليا وفرنسا وفقا للمصادر والبيانات. ومن غير الواضح ما الشركات التي اشترت النفط.
وبينت مصادر بقطاع النفط إن إيران تتطلع أيضا إلى استغلال الفرصة للدخول إلى أسواق جديدة في أوروبا بما في ذلك دول البلطيق وغيرها من دول وسط وشرق أوروبا لكن من غير الواضح ما إذا جرى بيع أي نفط هناك، وأحرزت إيران نصرا حين جرى إعفاؤها من اتفاق أوبك في نوفمبر تشرين الثاني على خفض الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يوميا لمدة ستة أشهر والذي يستهدف خفض فائض المعروض العالمي ودعم أسعار النفط المتدنية.
وأقنعت إيران أوبك بحجتها بعدما ذكرت إنها لا يجب أن تقلص إنتاجها النفطي الذي بدأ في التعافي بوتيرة بطيئة بعد رفع العقوبات الدولية عنها في العام الماضي، وبينما لم يدخل الاتفاق حيز التنفيذ حتى بداية 2017 ، ذكرت مصادر في القطاع إن طهران عرضت بالفعل تخفيضات كبيرة بهدف إغراء المشترين العالميين بتخزين النفط من أجل تلبية الاستهلاك في فصل الشتاء تحسبا لخفض أوبك.
وتفتقر إيران إلى مرافق تخزين على الأرض ولكي تتمكن من الاستمرار في إنتاج الخام اعتمدت على أسطولها من الناقلات للاحتفاظ بمخزونات إضافية حتى تجد مشترين، وأفادت مصادر تتبع الناقلات إن من غير الواضح كم تبلغ كمية المكثفات (درجة خفيفة للغاية من الخام) من النفط الذي يتم تخزينه في البحر، وفي علامة أخرى على النشاط المتزايد ذكر موقع معلومات وزارة النفط الإيرانية على الإنترنت (شانا) إن عدد الناقلات القادرة على الرسو في مرفأ جزيرة خرج الرئيسي بلغ مستوى قياسيا في عام 2016 ليصل إلى عشر سفن في وقت واحد.
السماح لـ 29 شركة عالمية للمنافسة على مشروعات نفط وغاز
ذكر موقع معلومات وزارة النفط الإيرانية على الإنترنت (شانا) أن 29 شركة عالمية من أكثر من 12 دولة جرى السماح لها بالتقدم لمشروعات نفط وغاز باستخدام نموذج عقود البترول الإيرانية الجديدة التي تتضمن قيودا أقل، وشملت القائمة شركات شل وتوتال الفرنسية وإيني الإيطالية وبتروناس الماليزية وجازبروم ولوك أويل الروسيتين بالإضافة إلى شركات من الصين والنمسا واليابان ودول أخرى.
وتأتي عقود البترول الجديدة في إطار مساعي إيران الرامية لتحسين شروط اتفاقات التطوير النفطي وتأمل طهران بأن تجذب هذه العقود المستثمرين الأجانب وتعزز الإنتاج بعد سنوات من العقوبات، ولا تشمل القائمة شركة بي.بي النفطية العملاقة. وإن بي.بي آثرت عدم خوض المنافسة بسبب مخاوف من تجدد محتمل للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران بعد أن يتسلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب منصب الرئاسة.
وكان ترامب ذكر إنه سيلغي الاتفاق بين إيران والقوي العالمية الذي فرض قيودا على مشاريع طهران النووية ورفع العقوبات عن الاقتصاد الإيراني، ووقعت شركة النفط الوطنية الإيرانية التي تديرها الدولة أول عقد لإنتاج النفط وفق النموذج الجديد في أكتوبر تشرين الأول مع شركة إيرانية تقول الولايات المتحدة إنها جزء من كيان يسيطر عليه الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي.
وتأجل إطلاق نموذج عقود البترول الجديدة عدة مرات بسبب معارضة الخصوم المتشددين للرئيس حسن روحاني، وتنهي العقود الجديدة نظام إعادة الشراء الذي يعود لأكثر من 20 عاما ولا تسمح إيران بموجبه للشركات الأجنبية بحجز احتياطيات أو تملك حصص في الشركات الإيرانية، وصرحت شركات نفط كبرى إنها لن تعود إلى إيران إلا إذا أجرت طهران تغييرات جوهرية في عقود إعادة الشراء مثل شركات توتال الفرنسية وإيني الإيطالية إنها لا تجني من ورائها أرباحا بل وتكبدها خسائر.
الوضع في 2017، التوقعات والحقائق
قد لا تشهد الساحة الايرانية في العام 2017 تغيرات في المشهد السياسي، وهذا ما يعني ان المشهد الاقتصادي هو الأخر لن يتغير، ففي اقتصاد يخضع بقسمه الأعظم للسلطة لن نجد تغيير يذكر الا بحدود معينه تقتضيها الضرورة لا التخطيط المسبق، ومع فوز ترامب يبدو المشهد اكثر تشاؤماً، لاسيما مع ذكر ايران ان سياستها الخارجية لن تتغير، وعليه يرى البعض ان العلاقات الدولية مابين ايران وباقي أطراف النزاع كالولايات المتحدة الاميركية وبعض دول الخليج، لن تتحسن في هذا العام بل وقد تزداد سوءاً، وهذا ما سيلقي بظلاله على الواقع الاقتصادي الايراني الذي يعاني من مستويات كبيرة من التضخم وانحسار واضح لقيمة العملة المحلية الايرانية، الا ان البعض الاخر يرى عكس ذلك تماماً، اذ يرى في قدرة ايران على تخطي الصعوبات وانها قادرة على تحسين وضعها الاقتصادي وعلاقاتها، لاسيما بعد رفع العقوبات المفروضة عليها.
اضف تعليق