q
اقتصاد - تقارير اقتصادية

الاقتصاد الروسي في العام 2017

هل يتداعى أم يبقى صامداً؟

بعد أكثر من عامين على الأزمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا تواصل المؤشرات الاقتصادية تراجعها، في حين أن الطبقة الوسطى التي تعد المحرك الأساسي للاقتصاد هي الأكثر تأثرا، فقد حذر البنك المركزي الروسي من أنه قد يفقد السيطرة على مستويات التضخم في البلاد نظرا لتزايد التفاوت الاجتماعي وتآكل الطبقة الوسطى.

ويشير تقرير نشره البنك المركزي إلى أن حجم الاستهلاك الداخلي يتراجع بمعدل لم تشهده روسيا من قبل؛ فقد شهدت تجارة التجزئة هبوطا قياسيا لم تشهده منذ عشرين شهرا، وبحسب ما أعلنته هيئة الإحصاء الروسية فقد سجلت تجارة التجزئة هبوطا بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي بنسبة 6.3%، بينما هبطت مدخولات المواطنين الروس بنسبة 2.8%، وسجل الإنتاج الصناعي هبوطا بنسبة بلغت 27%، وتشير دراسات أجراها أكبر بنوك روسيا "سبيربانك" إلى أن نحو 14 مليون روسي خرجوا من نطاق الطبقة الوسطى منذ بدء التراجع الاقتصادي قبل عامين.

الفساد الوجه الأخر للاقتصاد الروسي

يعد الفساد في روسيا من أهم المشاكل التي تمر بها البلاد، ويرجع الخبراء أسبابه إلى ضعف القوانين الرادعة وقوانين العقوبات، وكان الرئيس الروسي أكد في خطابه السنوي أن الفساد والرشوة يشكلان عقبة أساسية أمام تطور روسيا. وكان بوتين قد دعا في وقت سابق إلى توحيد جهود مختلف الدول في مكافحة الفساد الذي اعتبره من المشكلات الرئيسية التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

وتشير إحصاءات رسمية إلى أن حجم الأضرار التي وقعت على الاقتصاد الروسي بسبب الفساد بلغت نحو 40 مليار روبل (572 مليون دولار) في النصف الأول من عام 2014، بينما تمكنت السلطات من كشف 11.5 ألف قضية فساد خلال تلك الفترة، لم يصل منها إلى المحاكم سوى 6.5 آلاف فقط.

وشهدت روسيا خلال الأعوام الأخيرة عدة فضائح فساد مدوية، من أبرزها قضية شركة "روس كوسموس" بعد سقوط ثلاثة أقمار صناعية مخصصة لبرنامج غلوناس الملاحي، وقضية وزير الدفاع السابق سيرديكوف، وقضية "روس أغرلي ليزنغ" التي أظهرت تورط مسؤولين في إصدار فواتير وهمية بشراء معدات بمئات الملايين من الروبلات، وغيرها.

لكن القضية الأبرز التي شغلت الرأي العام الروسي مؤخرا، فضيحة الفساد المدوية التي تشير إلى تورط أفراد من عائلة النائب العام الروسي يوري تشايكا في مشاريع كسب غير مشروع، مما دفع عددا من السياسيين والشخصيات الاجتماعية للمطالبة بالتحقيق في القضية والتشكيك في قدرة النيابة العامة على مواصلة محاربة الفساد في البلاد، وتنص القوانين الروسية الخاصة بمكافحة الفساد على معاقبة المتورطين في جرائم فساد بدفع غرامات، وإذا لم يستطع دفعها فإنه يسجن، مع الحرمان من شغل مناصب عليا لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.

ويرى الخبير المالي الروسي بغدان زوفاريتش اعتبر أن الفساد بات يشكل تهديدا للأمن الوطني الروسي، بل وأصبح يشكل تهديدا على المستوى السياسي لكيان الدولة، ويلقي بظلاله السلبية حول صورة روسيا عالميا، وأوضح زوفاريتش أن من أكثر مظاهر الفساد انتشارا في روسيا هي الاختلاسات وسرقة المال العام وغسيل وتبيض الأموال والتهرب الضريبي، وأضاف أن الفساد غالبا ما يلقى رعاية سياسية لدرجة أن السياسة الوطنية باتت موجهة لخدمة المجموعات الحاكمة، وهذا بدوره يؤدي إلى فقدان المواطن للثقة في السلطة الحاكمة.

وأشار إلى أن أبحاثا أجرتها معاهد دراسات، بينت أن سرقة المال العام والتهرب الضريبي وإخفاء الدخول يكلف خزينة الدولة نحو تسعة تريليونات روبل (128 مليار دولار) سنويا، وهذا يشكل ما نسبته 5.12% من إجمالي الدخل القومي.

وأكد بوتين نهاية العام الماضي أن هذا العجز مقبول بخاصة أنه ترافق مع فائض في الميزان التجاري يقدر بنحو سبعين مليار دولار. وأقر الرئيس في مؤتمره الصحفي السنوي بتراجع موارد صندوق الاحتياط، لكنه أكد أن موارد صندوق الرفاه لم تنقص، وأن احتياطات العملات الأجنبية في المصرف المركزي ارتفعت إلى قرابة 385 مليار دولار. ولفت بوتين إلى تراجع وتيرة هجرة رأس المال عام 2016 إلى 17 مليار دولار من 57 مليارا عام 2015.

وساعد ارتفاع أسعار برميل برنت بأكثر من 50% العام الماضي في تخفيف عجز الموازنة المقرة بحساب أربعين دولارا للنفط. واستطاعت موسكو تغطية نفقات حملتها العسكرية في سوريا من دون زيادة كبيرة في العجز أو استخدام كامل موجودات صندوقيها السياديين.

وتبنت الحكومة قرارات بخفض النفقات العامة بنحو 3% حتى عام 2019. وبينما يساعد ضغط الإنفاق في خفض العجز فإنه يمكن أن يتسبب في تأخير تعافي الاقتصاد من الأزمة. وتتوقع الحكومة استمرار عجز في الموازنة بنحو 3% عام 2017 رغم تقليص النفقات. ولفتت وزارة المالية إلى أنها سوف تستخدم جميع موجودات صندوق الاحتياط (1.15 تريليون روبل) وقرابة 660 مليارا من صندوق الرفاه لتغطية العجز هذا العام. وواضح أن ارتفاع أسعار النفط منذ اجتماع الدوحة وصولا إلى اتفاق خفض الإنتاج بين أوبك وروسيا أسهم في دعم الموازنة والتخفيف من العجز. وتأمل روسيا أن تتراوح أسعار النفط بين 55 وستين دولارا للبرميل، ما يدرّ نحو 1.5 تريليون روبل (الدولار يساوي ستين روبلا). كما ساعد رفد تخصيص شركة "ألروسا" لإنتاج الألماس، و"باشنفت"، وقرابة 19.5% من شركة "روسنفت" في دعم الموازنة العام الماضي بمايقارب تريليوني دولار.

مستقبل الاقتصاد الروسي

ورغم نبرة التفاؤل الواضحة في تصريحات المسؤولين والمحللين الروس، فإن الأوضاع الاقتصادية تبقى رهنا لعدة عوامل خارجية أهمها العامل الجيوسياسي الدولي، والسياسة التي سوف ينتهجها الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترمب وموقفه من العقوبات المفروضة على روسيا منذ الأزمة الأوكرانية، ونتائج الانتخابات الرئاسية في فرنسا والبرلمانية في ألمانيا وتأثيرها على العقوبات الأوروبية، إضافة إلى أوضاع الاقتصاد الصيني والعالمي في ظل ارتفاع نبرة الحمائية عقب قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود ترمب.

كما لا يمكن التنبؤ بمدى التزام أعضاء أوبك والمنتجين من خارجها بالاتفاق الموقع آخر العام الماضي، وانعكاس ذلك على أسعار النفط وبالتالي على وضع الاقتصاد الروسي. ويمكن أن يخسر الروبل كثيرا، وكذلك سوق المال الروسية العام المقبل في حال استمر مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي في سياسة رفع الفائدة.

وعلى أهمية المؤثرات الخارجية فإن غياب الإرادة السياسية في الكرملين للقيام بإصلاحات جذرية في النظام الاقتصادي والسياسي وإبداء جدية في محاربة الفساد وتوسيع دور القطاع الخاص، فإن روسيا سوف تشهد أزمات اقتصادية دورية على شاكلة ما شهدناه في الربع قرن الأخير وربما تفقد جميع الفرص لبناء اقتصاد حديث باستغلال موارد النفط وشعبية بوتين الكبيرة، فالشعارات القومية لا يمكن أن تكون بديلا عن احتياجات الفقراء للمأكل والملبس والمسكن، كما أن العودة إلى نمو اقتصادي مستدام من دون التأثر الشديد بالعوامل الخارجية تحتاج إلى تبني نموذج اقتصادي جديد لا يعتمد على الخامات، ومن دون أوهام حول قدرة صادرات الأسلحة في إنقاذ الأوضاع الاقتصادية.

يذكر إن روسيا خفضت إنتاجها النفطي في أوائل العام الجديد بعد اتفاق مع (أوبك) على كبح الإنتاج العالمي من الخام، اذ بلغ إنتاج روسيا من النفط ومكثفات الغاز بلغ 11.1 مليون برميل يوميا في المتوسط خلال الفترة من الأول إلى الثامن من يناير كانون الثاني انخفاضا من مستواه القياسي عند 11.247 مليون برميل يوميا في أكتوبر تشرين الأول، وكان وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك ذكر إن مستوى الإنتاج المستهدف لروسيا يبلغ 10.947 مليون برميل يوميا بعد اتفاق الخفض.

اضف تعليق