الأشهر الاخيرة التي مرت بها اليمن حولته من اليمن السعيد الى اليمن الحزين، فالحرب الدائرة أصابت جميع مفاصل الحياة بالشلل التام، اذ تظهر الوثائق أن أكبر تجار اليمن أوقفوا واردات القمح الجديدة بسبب أزمة في البنك المركزي في انتكاسة أخرى للبلد الذي مزقته الحرب حيث يعاني الملايين من نقص شديد في التغذية، وبسبب الحرب المستمرة منذ قرابة عامين بين تحالف عربي بقيادة السعودية وحركة الحوثي المدعومة من إيران يواجه أكثر من نصف سكان اليمن البالغ عددهم 28 مليون نسمة "انعدام الأمن الغذائي" مع معاناة سبعة ملايين منهم من جوع دائم وفقا للأمم المتحدة.
وذكرت مصادر تجارية وإغاثية إن الوضع تفاقم عندما أمر الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور بنقل مقر البنك المركزي من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون في الشمال إلى عدن حيث مقر الحكومة الجديدة في الجنوب، وأدي ذلك في الواقع إلى انقسام فعلي في ظل مؤسستين متنافستين في الشمال والجنوب.
وبينت حكومة هادي إن الحوثيين أهدروا نحو أربعة ملايين دولار على المجهود الحربي من احتياطيات البنك المركزي ورد الحوثيون إن هذه المبالغ مولت واردات الأغذية والأدوية، فيما أشارت مجموعة فاهم إحدى أكبر شركات التجارة بالبلاد في خطاب إلى وزارة التجارة اليمنية بصنعاء في 30 نوفمبر تشرين الثاني والتي كانت الشركة تتعامل معها قبل مرسوم هادي بالانتقال إنها تود أن تخطر الوزارة بأنها غير قادرة على تنفيذ أي عقود للقمح لأن البنوك المحلية عاجزة عن تحويل قيمة النقد الأجنبي لأي شحنات.
وحتى قبل انتقاله وبهدف دعم الاحتياطيات المتناقصة توقف البنك المركزي عن تقديم الضمانات للمستوردين مما اضطرهم إلى تمويل الشحنات بأنفسهم، وبدأت السعودية ودول الخليج المتحالفة معها حملة عسكرية العام الماضي لمنع الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح من السيطرة على كامل البلاد بعد إطاحتهم بهادي في أواخر 2014.
واستوردت مجموعة فاهم ما يقدر بنحو 1.2 مليون طن من القمح إلى ميناء الصليف الواقع على البحر الأحمر في الفترة بين ابريل نيسان 2015 وابريل نيسان 2016 بما يعادل 30 إلى 40 بالمئة من إجمالي واردات اليمن من القمح وفقا لتقديرات تجارية.
أزمة البنك المركزي
صرح مصدر في البنك المركزي بالعاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون إن البنك لا يستطيع الوصول إلى احتياطيات النقد الأجنبي على الإطلاق، كما سيكون على المستوردين التحول إلى البنك المركزي في عدن للحصول على النقد الأجنبي، وان واردات القمح متوقفة منذ من شهر والاحتياطيات تكفي قرابة شهرين حاليا مع وصول بعض الصفقات السابقة.
وأفاد جيمي مكجولدريك منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن في اتصال بشأن الخطابات في ضوء هذه الإخطارات من مستوردي الأغذية هؤلاء فإن جلب القمح سينطوي على تحديات وصعوبات لبعض الوقت بل وقد يكون مستحيلا، وتقوم وكالات الإغاثة بجلب القمح لكنها تستطيع فقط تغطية جزء ضئيل من احتياجات الواردات الغذائية لأسباب من بينها نقص التمويل، ويتهم الحوثيون السعودية وحلفاءها بفرض حصار على اليمن.
أزمة غذاء كبرى في اليمن
ما زالت الإمدادات تصل إلى أجزاء عديدة في اليمن بما في ذلك الحديدة وعدن لكن مناطق أخرى لاسيما تعز في الجنوب وصعدة في الشمال وشبوة في الوسط والمهرة في الشرق تعاني للحصول على الشحنات بسبب القتال وفقا لما تظهره بيانات الوكالات الأمنية.
وفي الآونة الأخيرة بات هناك نقص في الزيوت النباتية ودقيق القمح (الطحين) والسكر في تلك المناطق لكن التفاصيل الدقيقة ليست متاحة في أي من الوكالات. وأظهرت بيانات أن أسعار الدقيق والسكر ارتفعت في المتوسط نحو 25 بالمئة في نوفمبر تشرين الثاني في عموم اليمن عن أسعارهما قبل الحرب. وبلغت أحجام واردات الوقود في نوفمبر تشرين الثاني 40 بالمئة فقط من متطلبات اليمن الشهرية.
وأوضحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن سوء التغذية بين الأطفال بلغ أعلى مستوى على الإطلاق حيث يوجد نحو 2.2 مليون طفل يحتاجون إلى رعاية عاجلة بزيادة نحو 200 بالمئة منذ 2014، وحذرت مؤسسة الإغاثة العالمية أوكسفام هذا الشهر من أنه بناء على واردات الغذاء الحالية فإن اليمن سيخلو من الغذاء في غضون أشهر قليلة.
وصرحت مصادر بقطاع الشحن والعمل الإغاثي إنه حتى السفن المستعدة للرسو يجب أن تنتظر دورها لتفريغ شحناتها. وأدى هذا إلى جانب تكاليف التأمين المتزايدة والضبابية بشأن أسعار الصرف والعملات المقبولة في الموانئ إلى مزيد من التأخيرات وأسعار مرتفعة وأكثر تقلبا.
في حين ذكرت الأمم المتحدة إن الطرفين يعرقلان توصيل المساعدات وإن المنظمة تضع آلياتها الخاصة للتحقق والتفتيش منذ بداية هذا العام في مسعى لحل المشكلة.
منع تام للإعفاءات الضريبية والاستثناءات الجمركية
أمر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بمنع الإعفاءات الضريبية والاستثناءات الجمركية في خطوة تهدف إلى تعزيز إيرادات الدولة التي تعاني عجزا ماليا لم يسبق له مثيل تسبب في تأخير صرف مرتبات موظفي الدولة على مدى الأربعة الأشهر الماضية.
وأمر هادي أيضا بمنع تصدير الحديد و"ضبط الحالات التي تقوم بذلك لتبعاته وأضراره على مصانع الحديد الوطنية والأيادي العاملة فيها، كما سيكون هناك عملية حصر وجمركة السيارات الوافدة وتوريد عوائدها في حسابات حكومية مع سرعة العملية وتنظيمها ودقة بياناتها وأهمية متابعة وضبط الموارد والعائدات المختلفة على شركات الاتصالات والإيرادات الضريبية بأنواعها ومسمياتها المختلفة، وتمثل إيرادات الجمارك والضرائب من بين أهم مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة في اليمن بعد النفط.
ويواجه اليمن ضائقة مالية وتحديات اقتصادية صعبة تفاقمت منذ سيطر الحوثيون على السلطة في البلاد قبل حوالي عامين وانهيار العملة المحلية وتوقف تصدير النفط الذي تشكل إيراداته 70 بالمئة من عائدات وكذلك توقف جميع المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة مما زاد من الأعباء على كواهل الأسر اليمنية التي تعيش غالبيتها تحت ظروف اقتصادية صعبة.
كما يعاني اليمن منذ أربعة أشهر أزمة تأخر صرف رواتب موظفي الدولة وعددهم 1.2 مليون في عموم محافظات البلاد، الى ان أمر هادي بنقل مقر البنك المركزي من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال البلاد إلى مدينة عدن الساحلية الجنوبية التي تخضع لسيطرة الحكومة، كما عين محافظا جديدا للبنك هو عضو في حكومته الحالية والذي قال إن البنك لم يعد لديه أي أموال.
وأدى الصراع الدائر في اليمن منذ 20 شهرا إلى مقتل عشرة آلاف شخص على الأقل وتسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم نتيجة تداعي أنظمة الرعاية الصحية والتعليم وغيرهما في الدولة الفقيرة. وفر نحو ثلاثة ملايين من ديارهم منذ تصاعد الصراع ونزح معظمهم داخل اليمن.
200 مليار ريال من روسيا تنهي أزمة اليمن
أعلن أحمد عبيد بن دغر رئيس مجلس الوزراء اليمني انتهاء أزمة السيولة النقدية في الجهاز المصرفي للبلاد مع وصول نحو 200 مليار ريال من العملة المحلية الجديدة التي جرت طباعتها في روسيا إلى عدن.
وقد تم البدء الفوري بربط جميع مؤسسات الدولة المدنية بالبنك المركزي ومقره الرئيس العاصمة المؤقتة عدن في كل أنحاء البلاد وأمرنا وزارة المالية ومحافظ البنك المركزي في عدن بصرف المرتبات لجميع مرافق الدولة، وأعلن البنك المركزي اليمني في وقت سابق نفاد سيولته النقدية.
وكان مسؤول حكومي ذكر إن محافظ البنك المركزي منصر القعيطي وقع رسميا في موسكو اتفاقا لطباعة 400 مليار ريال (1.6 مليار دولار) لمواجهة أزمة السيوله في بلاده والتي أدت الى عدم توفير مرتبات الجهاز الإداري للدولة منذ أربعة شهور.
كما بين إن أزمة السيولة النقدية في الجهاز المصرفي بالبلاد ستنتهي خلال شهرين مع تسارع وتيرة طباعة الأوراق النقدية من العملة المحلية، وأضاف ان هناك جهود حثيثة لمباشرة طباعة الأوراق النقدية وتوفيرها والوفاء بالالتزامات والمستحقات القائمة في القريب العاجل أو في موعد أقصاه شهرين، وقد تم تحقيق خطوات إيجابية ناجحة نحو مباشرة عملية الطباعة وتعويض المخزون النقدي من الأوراق النقدية التي استُنفدت مع الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي قبل صدور القرارات.
نهاية المطاف
ان المتطلع على الوضع اليمني قد يرتسم في مخيلته الأن تشاؤم ينتهي به المطاف الى نفق مظلم، اذ ان الوضع الحالي لايبشر بخير مثلما لايبشر بأي بوادر لانفراج الازمة، فجميع الاطراف مصرة على وضعها ورأيها، والنتيجة هي الشعب الذي أصبح ضحية للحرب التي فيها الجميه خاسر دون استثناء، ومع شلل الاقتصاد والدمار الذي أحل بالبلد فأن المستقبل هو أشبه بالضائع، وبالتالي فحتى لو انتهت الحرب ووضعت أوزارها، فـأن المشهد الاقتصادي السوداوي لن يكون ساراً في النهاية، وبالتالي قد يلجأ المسؤولون بعد ذلك مثلما هو الحال في العراق ومصر الى الاستدانه من الخارج، او ان يجعل سعر صرف العملة معوماً كشرط للاقتراض الخارجي وهنا تبدأ أزمة جديدة.
اضف تعليق