دائماً ما يحذر الاقتصاديين من مخاطر التضخم، خاصة القائمين على ادارة البنوك المركزية في البلد، لاسيما وان هؤلاء يمارسون تأثيراً مباشراً في التوقعات الخاصة بالتضخم، لاسيما وان هذه التوقعات بشأن التضخم سوف تؤثر على السلوك الفعلي للعاملين في الاقتصاد (موظفي القطاع العام والقطاع الخاص)، فعلى سبيل المثال عندما يتوقع العاملون حدوث التضخم فسوف يضغطون من أجل الحصول على أجور أعلى.
وكذلك الحال بالنسبة للشركات والمؤسسات، فعندما تستشعر هذه المؤسسات حدوث التضخم فأنها سوف تحدد أسعاراً طبقاً لهذا التوقع، لذا لأبد أن يكون صانعو القرار حريصين في أسلوب استجابتهم للتوقعات المتعلقة بالتضخم، والا فإنهم عملياً سيجعلون من الصعوبة على المجتمع ان يحارب التضخم.
ان وجود بنك مركزي يتمتع بالمصداقية يجعل البلد يتمتع بمستوى منخفض من التضخم دون ارتفاع البطالة، ويرى علماء السياسة والاقتصاد بأن البنك المركزي الذي يتمتع باستقلال حقيقي عن الحكومة يصبح أقل عرضة للتأثيرات السياسية، وتشير التجارب التاريخية على أن المانيا وسويسرا التي تمتع بمستوى عالي من الاستقلالية حققت مستويات منخفضة من التضخم خلال فترة الثمانينات، كما أن البنوك ذات المصداقية يمكنها ان تخفض من التضخم بطريقة أمنه، وهو مايمكن ان نراه في بريطانيا في اواخر التسعينيات.
فأذا كان البنك المركزي يتصف بالمصداقية فأنه سيمنع رفع الاجور عن طؤيق عدم التوسع في عرض النقد (الاصدار النقدي الجديد)، وكشاهد على ذلك هو مايعتقده الكثير من الاقتصاديين في أن مصداقية الاحتياطي الفيدرالي في زمن ألان كرينسبان كانت عاملاً مساعداً في تخفيض التضخم خلال التسعينيات.
في العام 1997 أعلن جوردن براون وزير الخزانة الانكليزي ان ثمة تغييرات هامة ستحصل في السياسة النقدية، ومنذ ذلك الوقت وحتى الأن أصبح البنك المركزي الانكليزي أكثر أستقلالاً عن الحكومة، وبالرغم من ان الحكومة مازال لديها حق وضع الأهداف العامة، الا ان البنك كان مستقلاً في طريقة تحقيق هذه الأهداف دون اي تدخل مباشر من السياسيين.
توقعات الجمهور والتضخم
قد بينا سلفاً ان التوقعات تؤثر بشكل واضح في التضخم، والخطأ في تقدير التضخم يؤدي الى تداعيات كثيرة، وثمة هناك مجموعتان من النظريات تحاول تفسير كيفية بناء الجماهير لتوقعاتها حول التضخم، اذ يعتقد بعض الاقتصاديين وعلماء النفس مثل هيربرت سيمون الحاصل على جائزة نوبل، ان الجماهير تستخدم قواعد الابهام البسيطة لتوقع مستوى التضخم في المستقبل.
وقد تكون احدى قواعد الابهام هي ان تضخم العام الحالي هو نفسه تضخم العام القادم، ووفقاً لوجهة النظر هذه فأنه ليس من الحكمة توقع ان يقوم الجمهور بحسابات معقدة خاصة في ظل التعقيدات الاقتصادية وصعوبة التنبؤ بها. اما المجموعة الثانية، فقد قام مجموعة من الاقتصاديين في سبيعينات القرن الماضي، بقيادة الاقتصادي لوكاس الحاصل على جائزة نوبل والعضو في جامعة شيكاغو، بتطوير وجهة نظر بديلة تسمى نظرية التوقعات الرشيدة.
وتقوم فكرة النظرية بتوصيف العاملين والمؤسسات على انهم أكثر تمرساً، وانهم يبنون توقعاتهم على اساس المعلومات المتاحة لهم، ووفقاً لهذه النظرية فأن توقعات الجماهير للمستقبل تكون صحيحة في العادة، وبالرغم أنه من الممكن أن ترتكب الجماهير الأخطاء في لحظات معينة، الا انه في العموم تظل توقعاتهم رشيدة وصحيحة.
ويبقى التساؤل حول أي النظريتين تقدم الأجابة الصحيحة، والأجابة هي ان الحقيقة تقع في مكان ما بين النظريتين، فمن ناحية تستطيع المؤسسات الكبرى مثل مايكروسوفت الاستفادة من البيانات المتاحة ولكن من ناحية أخرى، يوجد كم كبير من القصور واللاعقلانية يتحكم في صنع القرار لدى الجماهير، وقد يكون الجمهور رشيداً في بعض الاحيان فيما يتعلق بالتفاصيل الصغيرة الا انه يخطى في رؤية الصورة الكاملة.
والمسألة الأخرى تتعلق بتوقيت التوقعات الخاصة بالتضخم، ففي واقع الامر يمكن وصف العاملين والمؤسسات بالعقلانية ومع ذلك فأنهم يبقون يرتكبون اخطاءاً عند تنبؤهم بالتضخم بسبب طول الاطار الزمني لفترة التوقع.
اضف تعليق